مساء الخير عزيزتي ..

مساء الخير عزيزتي: الرحيل هو الرحيل، أما أسبابه فتتوزع في اتجاهات مختلفة، لا أقول هذا الكلام لأبرر لنفسي أي تصرف لكني أقوله لكيلا تجهدي نفسك في تبرير أمور حدثت، الرجل يا عزيزتي يشعر كما تشعر المرأة حين يتغير المزاج ويتغير الجسد،  هناك لغة نخفيها دوماً عن من نحب، لكنه يشعر بها، لغة لا تُنطق، يشعر بها المحبوب، حين تتغير النظرات، وحين تختفي الأهمية، وحين تتغير رائحة الهوى، الجسد حين يقترب ممن يحب يكون منتشياً، وحين يقترب ممن يخاف ينكمش، حين يجد من يحب يتهيأ لاستقباله، وهذا الشعور الذي فقدته منذ فترة ليست بالقصيرة.

كنت اتابع التغير الذي يحدث في صمت، وأتتبع المواقف، وصلت لبعض التفسيرات، وتركتها على الهامش، كنت أعرف أني سأعود للهامش لأنقب فيه، فمرحلة الرحيل عند الأحبة يا عزيزتي لا تحدث بين يوم وليلة، بل تمر بمراحل، لذا لم أستعجل، رأيت المراحل كلها، وفي النهاية أردت أن اختصر لكِ الوقتَ والجهد، فاختلقت المواقف التي تريدين لكي ترحلي.

كوني في سلام ولا تفكري كثيراً، فأنا في عزلتي التي أحبها، يصاحبني فنجاني وأقلامي وتلك الأفكار المجنونة التي تعرفين، سأنسج منها أشياء كثيرة، اشباحٌ وأطياف وقصص، سأكتب سأجعل للأوراق الرخيصة قيمة، ستقرئينها لا شك كما قرأت تفاصيل يدكِ عينيكِ، الريبة، الجفول، رسائل كتبت على جسد كنت اقرأها بوضوح، الآن لن اقرأ شيئاً من تفاصيلك، فالتفاصيل تكمن فيها الشياطين التي تخلق الأعذار الغريبة والمستفزة.

كلاكيت ثاني مرة ..

جلس بجوارها ورغم أنه لم يسألها، لكنها شعرت بسؤاله : لماذا تبكين .

هناك شيء يتحرك في نفسي يؤلمني، أحدهم استطاع أن ينتزع مني السعادة، كنت أظن أنه السعادة ذاتها، ظننت أنه يشعر بي .

عادت للبكاء من جديد ..

ثم صرخت ، كنت أحبه بجنون ، لكنه رحل .

كان ينظر إليها ودت لو يسألها: هل كان يحبك بجنون كما كنت أنتِ تحبينه ؟

أجابت دون أن يطرح السؤال: الرحيل يدمر كل التوقعات، ويقتل الأمل، الرحيل يجعلني أقسم أني أحبه أكثر من السابق، هل تعرف معنى الرحيل؟ اظن أن الرجال لا يعرفون ما الذي يصنعه الرحيل في قلب امرأة، لا يعرفون أن الحب حين يسكن في قلب النساء لا يترك مجالاً لغيره، فترغب أن تضع الرجل في كل ارجائها وهذا ما فعلته، لقد وضعته في كل أرجائي، لكنه رحل .

أبتسم رغم أن ألمها قد طغى على المحيط .

أنت أيضاً رجل، لا بد أنك دمرت امرأة، ووأدت فيها الشعور بالحياة، أنت رجل تجلس بجواري وتسألني، لماذا أبكي، ارحل عني لا أريد أن أتحدث مع أحد .

سمعها لكنه لم يتحرك، كانت ابتسامته تكبر، وعيناه تتألق أكثر .

نظرت إليه بغضب وقالت: هل تتوقع أن أعتبر جلوسك عندي مواساة، أم تتوقع أن أرتمي في حضنك لتمنحني السكينة، أم أن أقول لك كل اسرار الدموع التي تنزل، أو اطلب منك أن تساعدني، ماذا تريد؟

أبتسم لكنه لم يتكلم ولم يتحرك .

شعرت بوخزة في قلبها، ابتسامته بدأت تطعنها، شعرت أنه يستهزئ بدموعها، قامت ونظرت إليه بغضب ثم صفعته، اندهش من تصرفها لكنه لم يتألم، لم يتحرك من مكانه، ألقت بجسدها بجواره وغطت وجهها بيدها وانخرطت في البكاء، ثم قالت وهي تدفن وجهها بين كفيها: أنا أسفه لا أستطيع التحكم في تصرفاتي .

نظر إليها وأبتسم .

صرخت في وجه لا تبتسم، بدأت تضربه بكل ما أوتيت من قوة ثم هدأت وقالت: أنا آسفه، لكنها بعد ذلك قامت ورحلت دون أن تنظر إليه .

الحياة رحلت معها، لم يؤلمه رحيلها الآن، بل رحيلها منذ سنه، حين قال لها أنه يحبها، لم تلتفت إليه في ذلك الحين وقالت بهدوء وبمزاج عالي: أنا لا أناسبك، نظرت إليه بعدها وابتسمت وهو يحترق، لم تشعر بنيرانه ولم تعرف ما الذي فعلته حين أدارت له ظهرها ورحلت، الآن لم يأتي ليشمت ، بل هي من طلبت منه الحضور، تحدثت واشتكت، وهي من فقدت السيطرة على أعصابها، وصفعت شخص بجوارها وضربته، ثم أدارت له ظهرها ورحلت، شتان بين ذلك الرحيل وهذا الرحيل، في السابق تركته أشلاء، وفي الحاضر رحلت وهي تلملم أشلائها .

لم يتحدث لأنه يعرف أن الصمت كان أفضل من الحديث، يعرف أنها ستقول له أنها تتألم، ويعرف مصدر ذلك الألم، فمن منحها ألم الحاضر هو من منحها الهدوء في السابق ليدير لها ظهره ويرحل .

الصمت كان في المرة الأولى مؤلم ، وافي المرة الثانية أيضاً مؤلم، لكنه يعرف أن ما وصلت إليه لن يمنحه قلبها ولو منحها قلبه من جديد، فقلبها أصبح عند شخص آخر سيطارده ويبحث عن أي شيء يخصه، سيزورها في أحلامها ويقظتها، وسيحتل كل ذكرياتها .

فنجان المساء ..

عندما تحتسي فنجان قهوة في وقت .. متأخر

فإنك تخبر المساء أن الوقت لا يزال مبكراً

وأن الأفكار التي في رأسك تجتمع بين الظلام وسواد القهوة

وأنك تعيش مع افكارك، لحظات لا تجدها في أوقات أخرى من اليوم

الراحلين ..

إن للدموع طعمٌ مالح، وللجروح طعمٌ مر، فإن شربت من كأس الهوى يوما، ستعرف مرارة الجرح، وملح العيون .

لا تفرح بنشوة الهوى، ولا تسعد بصحبة حبيب، الزمان كما السجل يطوي أوراقه كل يوم ويأخذ معه أناس كثر، فإن كنت سعيدا سترحل أنت أولا، وإن كنت شقيا، ستكون آخر الراحلين .

رحيل ..

أرحل أذا حددت موعد للرحيل فبقائك لن يغير شيء ، لو بقي الجسد ستكون الروح قد رحلت

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أرجوك فكر معي ..

     أنت لا تعرف المستحيل حين أتحدث معك ولا تقر بخطئك ولو لمرة واحدة ولا تتوقف عن الجدل، يا عزيزي لا توجد ملائكة تمشي على الأرض، وإن وجدت فأنت لست منها، عليك أن تضع احتمال ولو بسيط أن رأيك به شيء من الخطأ، وأن رأيي به شيء من الصواب، القاعد تقول ألا صواب كامل ولا خطأ كامل، الأمور نسبية، أترك لي جزء بسيط تضع فيه رأيي ضمن النسبة الصحيحة وسأمنحك إن شئت أكبر نسبة للصواب، لكني دون شك لن أمنحك العلامة الكاملة .

     أنا وأنت بشر نتميز بنفس الصفات، تأكد عزيزي أن لا شيء سيمنحك القوة مثل الاستماع، وأن لا شيء سيمنحك الحكمة مثل التفكير، تمهل حين تسمعني أتحدث حتى أنهي كلامي، وخذ من الزمن دقيقة واحدة لتفكر، فقط دقيقة لا أكثر، تفكر فيها قبل أن تجزم بأن ما أقوله خطأ، مثلما تتجمع الأفكار في رأسك، هي تجتمع أيضاً في رأسي، وكما تتولد النتيجة لديك، اخرج أنا بنتيجة أفكاري، ولي الحق أن اطرح ما فكرت فيه فربما يكون صواباً .

     ألغي كل الاعتبارات عزيزي حين تستمع إليّ فلا المال ولا النسب مقياس للذكاء والنباهة، هناك موازين وقيم نلجأ إليها لنفكر بشكل صحيح ونقيس مدى صحة أفكارنا وجدواها، كما قيادة السيارات، القواعد الأساسية واحدة لدى الجميع والأبداع دائماً في الأداء، قف لحظة قبل أن تحكم على أفكار شخص بسبب شكله أو لونه أو جنسيته، صدقني ستجني الكثير من الفوائد بمجرد أن تتمهل وتترك الاستعجال، الحكمة في التمهل والمكاسب في الصبر .

     عزيزي لو تجمع النعم كلها، ستجدها اصفار أمام العقل، لا قيمة لها ولا هدف بلا عقل يوجهها، نحن نملك ذلك الميزان في عقولنا، نفكر ونُخرج تلك الأفكار لكي تواجه الأفكار الأخرى الصالح منها والطالح، المفيد منها والضار،  الخبيث والحسن، لا نناطح البشر برؤوسنا، بل الأفكار تتصادم فتستقيم أو تموت، تصمد أو تنتهي، أو تتحد فتُخرج أجمل فكرة بين عقول مشتركة تجمعها الأهداف النبيلة في أغلب الأحيان .

عن الرفوف والذكريات ..

عندما جاءت الأمنيات كنا معاً وعندما ضاعت بقيت وحيداً، تذكرين تلك الخطى التي مشيناها سوياً، تلك الأصابع التي تشابكت في المسافات، لم تكن تعني أننا نمشي معاً، بل تعني أننا ربطنا الحياة والمصير، عهود لا تكتبها أقلام ولا تعرف الورق، لا حبر لها ولا افق، لا يعرفها إلا من عاشها، واظن أني عشتها وحدي.

حين تصبح الذكريات مجرد ماضيٍ، تفقد قيمتها وتتخلى عن كل معانيها الجميلة، المعاني التي تجعلنا نشتاق، وتزرع اللهفة في نفوسنا والأمل، وتبني معنا الغد، الاحلام الصغيرة والأماني، تلك الزاوية التي كنا سنضع فيها الزهور، وتلك التي ستحوي البوم الذكريات، وعلى الرفوف ستكون ملابسنا منسجمة ومتناغمة.

لم تعد احلامنا صغيرة ولا كبيرة، لم نعد نحلم، تلك الزهور ذبلت وتعفنت، والبوم الذكريات تخلى عن الصور، وجدت احداها على الأرض، التقطتها فشعرت بالسم يسري في عروقي، تذكرتك حينها مع الألم وهو يمزقني، كادت اصابعي أن تيبس لكني تمكنت من أن أمزق اخر صورة تجعنا، حينها فقط، شعرت أن سم الذكريات قد تلاشى، فهيا، هيا لنكنس الماضي معاً، فما دمرناه خلف الكثير من الشظايا التي تمزقنا كلما دسنا عليها.

نظرات ..

بين الأمس واليوم بين نظرات الشوق والذكريات تقف اللحظات بين الحياة والموت، ترفض النهايات المكررة تلك النهايات التي تقتل الحكايا والقصص لتجعلها شعور بائس يلازم القدر.

شجن ..

توقفت تلك الاحاسيس الشابة في صدري، لم أعد أشعر بإغراء العواطف كما في السابق، العمر يتقدم ويمسح تلك الانفعالات التي كنت أشعر بها في الماضي، يمسحها قيلا قليلاً، حتى يأتيها وقت تزول ولا تبقى سوى الذكريات، لتزورنا بين حين وحين، ربما لم أصل لتلك المرحلة بعد لكني أسير باتجاهها، فالعمر يسير ولا يتوقف.

عندما كنا صغارا، كان انفعالاتنا قوية وغرائزنا قوية، واندفاعنا نحو الامام، لدرجة أننا لا نتوقف عند ما هو جميل، بل نريد أن نقفز من مكان لآخر ، وآخر ، وآخر ، نريد أن نرى كل شيء ونفعل كل شيء، وفي النهاية يتقدم بنا العمر فنكتشف أننا كنا نضيع الأشياء الجميلة في حياتنا بالاستعجال.

الآن أصبح كوب القهوة ممتع، الوحدة ممتعة، والكتاب كذلك، النظر لوجوه البشر في شارع مزدحم مغري، مراقبة طفل يقفز ويلعب في مكان عام مثير للاهتمام، تفاصيل الأشياء التي كانت لا تتضح لنا في شبابنا بالاستعجال، صارت أوضح وأجمل، لكن تراكم الماضي في عقولنا يشوش على الواقع، وأحياناً يدمره .

طفلٌ كبير ..

طفلٌ كبير

لو أردت أن أوصل معنى: كيف يجب أن تنظر المرأة للرجل؟ ما وجدت أبلغ مما قاله نزار قباني في هذا المقطع من قصيدته أغضب :

اغضبْ كما تشاءُ.. واجرحْ أحاسيسي كما تشاءُ

حطّم أواني الزّهرِ والمرايا .. هدّدْ بحبِّ امرأةٍ سوايا..

فكلُّ ما تفعلهُ سواءُ .. كلُّ ما تقولهُ سواءُ..

فأنتَ كالأطفالِ يا حبيبي .. نحبّهمْ.. مهما لنا أساؤوا..

أن يعود طفلاً حين يكون مع امرأة، هذا الأمر الذي ربما لا يعترف به الرجل ، كل الدنيا يواجهها الرجل بقوته وعنفه، لكنه يحتاج أن يعود طفلاً في حضن امرأة يحبها، يلقي بكل همومه وضيقه ويخلع لباس القوة ويتجرد من كبريائه ليستسلم في أحضانها كطفل في حضن أمه، يجب أن يعترف الرجل بأنه طفل امام المرأة، وبعد ذلك ليواجه العالم بكل قوة وعنف ويبرز كبريائه لمن يشاء.