جلس بجوارها ورغم أنه لم يسألها، لكنها شعرت بسؤاله : لماذا تبكين .
هناك شيء يتحرك في نفسي يؤلمني، أحدهم استطاع أن ينتزع مني السعادة، كنت أظن أنه السعادة ذاتها، ظننت أنه يشعر بي .
عادت للبكاء من جديد ..
ثم صرخت ، كنت أحبه بجنون ، لكنه رحل .
كان ينظر إليها ودت لو يسألها: هل كان يحبك بجنون كما كنت أنتِ تحبينه ؟
أجابت دون أن يطرح السؤال: الرحيل يدمر كل التوقعات، ويقتل الأمل، الرحيل يجعلني أقسم أني أحبه أكثر من السابق، هل تعرف معنى الرحيل؟ اظن أن الرجال لا يعرفون ما الذي يصنعه الرحيل في قلب امرأة، لا يعرفون أن الحب حين يسكن في قلب النساء لا يترك مجالاً لغيره، فترغب أن تضع الرجل في كل ارجائها وهذا ما فعلته، لقد وضعته في كل أرجائي، لكنه رحل .
أبتسم رغم أن ألمها قد طغى على المحيط .
أنت أيضاً رجل، لا بد أنك دمرت امرأة، ووأدت فيها الشعور بالحياة، أنت رجل تجلس بجواري وتسألني، لماذا أبكي، ارحل عني لا أريد أن أتحدث مع أحد .
سمعها لكنه لم يتحرك، كانت ابتسامته تكبر، وعيناه تتألق أكثر .
نظرت إليه بغضب وقالت: هل تتوقع أن أعتبر جلوسك عندي مواساة، أم تتوقع أن أرتمي في حضنك لتمنحني السكينة، أم أن أقول لك كل اسرار الدموع التي تنزل، أو اطلب منك أن تساعدني، ماذا تريد؟
أبتسم لكنه لم يتكلم ولم يتحرك .
شعرت بوخزة في قلبها، ابتسامته بدأت تطعنها، شعرت أنه يستهزئ بدموعها، قامت ونظرت إليه بغضب ثم صفعته، اندهش من تصرفها لكنه لم يتألم، لم يتحرك من مكانه، ألقت بجسدها بجواره وغطت وجهها بيدها وانخرطت في البكاء، ثم قالت وهي تدفن وجهها بين كفيها: أنا أسفه لا أستطيع التحكم في تصرفاتي .
نظر إليها وأبتسم .
صرخت في وجه لا تبتسم، بدأت تضربه بكل ما أوتيت من قوة ثم هدأت وقالت: أنا آسفه، لكنها بعد ذلك قامت ورحلت دون أن تنظر إليه .
الحياة رحلت معها، لم يؤلمه رحيلها الآن، بل رحيلها منذ سنه، حين قال لها أنه يحبها، لم تلتفت إليه في ذلك الحين وقالت بهدوء وبمزاج عالي: أنا لا أناسبك، نظرت إليه بعدها وابتسمت وهو يحترق، لم تشعر بنيرانه ولم تعرف ما الذي فعلته حين أدارت له ظهرها ورحلت، الآن لم يأتي ليشمت ، بل هي من طلبت منه الحضور، تحدثت واشتكت، وهي من فقدت السيطرة على أعصابها، وصفعت شخص بجوارها وضربته، ثم أدارت له ظهرها ورحلت، شتان بين ذلك الرحيل وهذا الرحيل، في السابق تركته أشلاء، وفي الحاضر رحلت وهي تلملم أشلائها .
لم يتحدث لأنه يعرف أن الصمت كان أفضل من الحديث، يعرف أنها ستقول له أنها تتألم، ويعرف مصدر ذلك الألم، فمن منحها ألم الحاضر هو من منحها الهدوء في السابق ليدير لها ظهره ويرحل .
الصمت كان في المرة الأولى مؤلم ، وافي المرة الثانية أيضاً مؤلم، لكنه يعرف أن ما وصلت إليه لن يمنحه قلبها ولو منحها قلبه من جديد، فقلبها أصبح عند شخص آخر سيطارده ويبحث عن أي شيء يخصه، سيزورها في أحلامها ويقظتها، وسيحتل كل ذكرياتها .