قراءة في كتاب “دم وخمر” للكاتب الروسي ليو تولستوي.

لا أستطيع أن أسمي هذا الكتاب رواية، أو مجموعة قصصية؛ لأنه يحمل قصتين فقط، لكنه كتاب قصص كتبه تولستوي في أواسط القرن التاسع عشر، لكن أحداثها تحاكي بدايات القرن.

شخصيات القصة الأولى:

بوليكوشكا: الشخصية الرئيسية من عبد القصر يرعى الخيول ويعالجها، لص لديه زوجة وخمسة أطفال.

اكولينا: زوجة بوليكوشكا امرأة أكبر همها رعاية أسرتها.

السيدة: هي سيدة الأرض والمتحكمة فيها.

ايجور: القائم بأعمال سيدة الأرض، وتعود إليه المهام التي تقع في نفوذ سيدته.

دوتلوف: فلاح يحاول أن ينقذ أبناءه وابن أخيه من التجنيد.

شخصيات القصة الثانية:

الكونت فيدور توربين: ضابط مميز في كتيبة الفرسان الخفيفة متهور راقص ماهر يعشق النساء واللهو.

آنا فيدروفنا: أرملة وسيدة أرض تحمل قدراً كبيراً من الجمال ولها دوران في القصة العشيقة والأم.

ليزا: ابنة آنا فيدروفنا فتاة ريفية عفيفة.

الابن الكونت توربين: ابن فيدور ويحمل صفات أبيه، إلا أنه حريصٌ على المال بعكس والده.

بولزوف: ضابط في كتيبة الفرسان، شريف لديه مبادئ وقيم نبيلة.

الضابط المتقاعد: شقيق آنا فيدروفنا وخال ليزا، لم يكن في كتيبة الفرسان لكنه يدعي ذلك،

المحتوى:

قصتان مختلفتان لطبقتين في المجتمع تعيش إحداها الفقر والعوز والأخرى ترفل في النعيم والترف والملذات والجميل أن لا مقارنات داخل القصص، لكنك بلا إدراك حين تقرأ القصتان ستقارن بين القاع والقمة بين الفقر والغنى بين اللامبالاة عند الأغنياء والهم عند الفقراء، ستفكر في قيمة المال عند الطبقتين، وسترى قيمة الإنسان من زوايا مختلفة.

المقارنات التي تثير الفضول، وتطرح سؤال لماذا؟ يحدث هذا الأمر؟ ولما يحدث بهذا الشكل؟ المؤلم أحياناً والغبي أحياناً أخرى، ففي القصة الأولى ستجد البطل عبد أكبر همه أن يعيش لحظة سعادة، أو يشعر أنه ذو قيمة، وينتهي به المطاف معلقاً بحبل على سور عالٍ، وقد فارق الحياة مشنوقاً، وفي القصة الثانية البطل أمير وفارس اكتسب من مهارات الحياة ما يجعله نجماً، ويعيش حياته حتى يموت ويحمل رايته ابنه بنفس اللقب والصفات، وكأن الكاتب أوحى لنا ما نعرفه أن العبد يلدُ عبداً، والسيد يلدُ سيداً، لن يتغير شيء.

ستعرف في القصص أسلوب التجنيد السائر في ذلك العصر وأساليب المواصلات، وستعيش مع شخوص القصص في الحظائر والبيوت، معادلة الكتاب الأرض + الرقيق = دم، الأرستقراطية + الترف = خمر.

تطرح القصة الأولى مسألة التجنيد الإجباري في ذلك الزمن، وكما يعتقد المجتمع الفقير أن من يذهب للتجنيد لا يعود حياً وتفقد الأسرة احد ابناءها العاملين العائلين لها.

الأسلوب:

اعتمد أسلوب الراوي، ولا يظهر كصوت مستقل إلا في بعض المواضع بجمل قصيرة يوضح فيها معنى محدد، الأسلوب جميل بلا شك، وقد وضع الكاتب القُراء في زاوية المقارنات، دون أن يشعروا وجعلهم ينظرون إلى صورتين متناقضتين، لكنهما موجودتان في نفس المكان، ليخلق كل قارئ صورته وانطباعه الخاص.

الكاتب:

تولستوي كاتب وفيلسوف روسي تبنى مبدأ اللاعنف ركز على العدالة والمساواة والكرامة الإنسانية أشهر أعماله: الحرب والسلام، آنا كارنينا، البعث.

تقييم العمل:

العمل رائع وممتع يقع في 190 صفحة من القطع المتوسط، أنصح بقراءته.

المترجم:

الترجمة جيدة بوجه عام فقط عانيت مع بعض الكلمات التي لم تعد مستخدمة، ربما لجأ إليها المترجم ليوصل المعنى بدقة.

قراءة في رواية “إمبراطورية الملائكة” للكاتب الفرنسي برنارد فيربير.

انهيت العمل منذ قليل ولم اتوان في الكتابة عنه، هذا الشعور انتابني وألح عليّ قبل أن انهي العمل لا لشيء إلا أنه استفز فيّ أشياء كثيرة مثل: النظرة للغيب، التفكير فيما بعد الموت، التأمل في العوالم الخفية من منظور خيالي، وهذا لا يعني أني اقرأ الرواية بمنظور الكاتب، بل سأحتفظ بالنقد للسطور الأخيرة من هذا المقال فهناك الكثير من الملاحظات التي يمكنني أن اذكرها دون تردد.

العمل كبير قليلاً لكنه ممتع وطرح بأسلوب جميل يجعلك تفكر فيما سيحدث وهذا ما يستدعي الرغبة في استمرار القراءة بشكل شبه متواصل، فالأحداث كثيرة وتقع في أكثر من مكان، وكذلك الشخصيات الرئيسية والفرعية، والأهم من ذلك الأسلوب الجميل ولنبدأ بشخصيات الرواية.

الملائكة:

ميشيل بانسون: هو الراوي في هذه الحكاية وعلى لسانه تسرد الأحداث

رافاييل: الملاك الباحث عن الحقيقة الأعلى والمتطلع للغيب.

إدمون ويلز: لعب دور المرشد للملائكة لكن صوته تكرر كثيراً تحت بند الموسوعة وكأنه يلعب دورين رئيسيين فمن جهة هو موجود بشخصيته في الأحداث ومن جهة أخرى تحت بند الموسوعة، يسرد معلومات استخدمها الكاتب كنقاط مضيئة في العمل.

توجد الكثير من الملائكة في الرواية ادوارهم فرعية.

البشر:

جاك: عانا من صعوبات في دراسته ويعاني من ذاكرة ضعيفة يتمتع بخيال واسع وسيمتهن الكتابة والتي يمر معها بحالات تعاسة متكررة حتى يستقر، يحب القطط ويؤمن بأنها ملهمته.

فينوس: فتاة مدللة عاشت الشهرة منذ الصغر وتطورت امنياتها فأصبحت عارضة أزياء، ملكة جمال ثم ممثلة وتستقر في النهاية.

إيجور: روسي يمر بمراحل كثيرة وينتقل من دار رعاية ايتام لمصح ومن ثم للجيش ويستقر لكنه ينتهي بلا هدف.

هناك شخصيات بشرية فرعية كثيرة في الرواية.

الرواية:

تنتقل الرواية من الأرض إلى السماء بموت البطل ميشيل بانسون وترسم منظور لمرحلة الانتقال عبر رحلة فيها مراحل انتظار ومحاكمة حتى يترقى البطل الرئيسي لدرجة ملاك ومن هنا تبدأ الرواية الفعلية التي تشرح دور هذا الملاك مع موكليه في الأرض ومع أصدقائه الملائكة الآخرين، وبما أنه موكل بثلاثة من البشر يحمل كل فصل عنوان لكل شخصية بشرية رئيسية لكتب عنها منذ الولادة وحتى الموت، وهناك أيضاً حديث يدور في الجنة خصص له عنوان في كل فصل وفي خاتمت الفصل الموسوعة التي يكتبها ادموند ويلز، وبهذا نشاهد في كل فصل خمسة عناوين أو أكثر والرابط الرئيسي بينها هو بطل الرواية ميشيل بانسون، العنوان الوحيد الذي ستشعر في البداية أنه خارج السياق هو عنوان الموسوعة الذي كان يوقع باسم ادموند ويلز موسوعة المعرفة، في الفصول الأولى تشعر من كثرة المعلومات والشخصيات انها تتداخل في عقلك ومن ثم تتسق وتترتب مع التكرار.

الأسلوب:

اعتمد الكاتب على أكثر من صوت في الرواية منها بطل الرواية ومنها الموسوعة والراوي العليم، لكنها متسقة مع العمل، وانتهج أسلوب مميز في توزيع الأدوار بين شخصياته البشرية بحيث أن ترتيب السرد في كل فصل لا يسير بتناسق تراتبي مثلاً: فينوس تأتي في المقدمة في بعض الفصول وتأتي في الوسط في بعضها أو في الأخير، وكذلك المواقع فبين الأرض والسماء تأتي الأحداث أحياناً قبل الحديث عن الشخصيات أو بعدها، الجزء الثابت هو الموسوعة التي تأتي في نهاية كل فصل لتضيء لك نقطة أو تشرحها.

الأسلوب به الكثير من التعقيد لكنه التعقيد الذي يخدم العمل والذي يمزج بين المعلومات المستقاة من التراث الديني اليهودي والمسيحي، والخيال الذي يرسم الصورة الذهنية، والفلسفة الخاصة بالكاتب، والذي يتضح انه يملك مهارة عالية في المزج بين تلك الأمور ونسجها بشكل لا يلفظه القارئ، بل يتقبله لأن أسلوب الكاتب جميل ومقنع.

النقد:

ستلاحظ دون المزيد من الجهد أن عالم الملائكة كله من العرق الأبيض وبالأخص من اليهود والمسيحيين، والبشر المنتخبين للرعاية من الملائكة من نفس الديانتين، وبهذا اختزل الكاتب المنتخبين للجنة من العرق النقي من منظور غربي بحت.

كل المعلومات المستقاة في تصوره للجنة مأخوذة من العهد القديم أو التوراة، ويشير إشارات بسيطة في الحديث للشامانية مثلاً البوذية لكنه لا يأخذ من تصوراتها في جنته ومن الطبيعي لا يذكر الإسلام نهائياً.

الشعوب الأخرى موجودة لكنها لا تقع تحت رعاية الملائكة ولا مكان لها في الجنة، وحين تحدث عن الشرق قال أنهم برابرة.

الكاتب:

من أصل يهودي لكنه لا أدري أي لا يؤمن بدين حالياً وربما مخزونه الثقافي طغى على تفكيره، أو ربما يحمل عنصرية ضد الآخر أي ما دون العروق التي يؤمن الغرب أنها نقية وأنها منتخبة من الإله.

تقييم العمل:

العمل أدبياً رائع وممتع ويحمل الكثير من المعلومات والخيال والفلسفة والإلحاد يقع في 398 من القطع المتوسط، انصح بقراءته لأنه ممتع لكنه يحمل أفكار إلحادية.

المترجم:

تحية اجلال للمترجمة أريج حمود فلغة الترجمة كانت راقية جداً لدرجة أنك لا تشعر أن العمل كتب بلغة أجنبية فلا خلل في اللغة ولا المعنى.

قمة وقاع ..

هناك أبطالٌ في كلِّ زمان، وهناك أناسٌ مغمورون لا يلتفت إليهم أحد، لكن حين ننظر إلى الأبطال، علينا أن نعلم أننا ننظر إلى رأس الهرم فقط، دون أن نرى باقي كيانه؛ فالقاعُ الأكبر في الهرم هم أولئك المغمورون الذين تخرج منهم ثقافةُ المجتمعِ العامة.

عندهم الأساطيرُ والخرافات، وعندهم البساطةُ والفقر، ونجد بينهم الصنائعَ والورش. حياةُ الشعوب لا تكمن في الأبطال؛ فربما يكتب الأبطالُ العناوين، لكن العامةَ هم من يكتبون المتن، ويصنعون الصورةَ المنمنمة التي، لو دققت فيها، لرأيتَ آلافَ الوجوه.

لنلقِ نظرةً مثلًا على لصوصِ القمّةِ والقاع. لصُّ القاع ربما يأخذ ما في جيبك، أو يسرق جهاز الهاتف، أو يتجرأ قليلًا ويقفز إلى منزلك ليسرق مما تدخر. أما لصوصُ القمّة، فيختلف الحديث عنهم؛ فهم لا يسرقون شخصًا واحدًا، بل يسرقون الجماعةَ كلها: مقدراتِهم، وأقواتَهم، وحاضرَهم، ومستقبلَهم. فلا يتركون لهم شيئًا إلا الكفاف الذي يُبقيهم على قيد الحياة.

كلُّ إنسانٍ يعمل على قدر إمكانياته؛ فاللصُّ الفقير يسرق ما يعتقد أنه يكفي، واللصُّ الغني لا يكتفي مما يسرق.

هكذا تكون النظرةُ بين القمّةِ والقاع. لذا، علينا ألّا نحصر نظرتَنا في الأبطال وحدهم، بل أن نرى المجموعةَ التي في القمّة، بمزاياهم وعيوبهم، بحميدهم وخبيثهم؛ فالقمة، كما تحتوي على الأبطال، تحوي اللصوص أيضًا.

ربما نظنُّ أن القمّة مكانٌ لشخصٍ واحد، ولكن لو دققنا النظر، لوجدناها تجمع كلِّ الرؤوس: رأسِ البطولة، ورأسِ الشجاعة، ورأسِ العلم، وكذلك المجرمين واللصوص. القمّةُ مكانٌ لكلِّ الرؤوس.

لا روابط .. لا روابط ..

لا روابط .. لا روابط ..
ليس بين الموت والاشواق رابط
لا ولا بين العيون الدامعة
والاحساس رابط
ولا العواطف
ولا المشاعر والاحبة .. أي رابط
ولا الأماني والدروب
ولا بين القلوب
التي ماتت مشاعرها وذابت
بين التجاهل والهروب
لا روابط لا روابط
فالحب كان المبدأ المفقود دوماً
بين ازهار اللقاء
واشواك الرحيل
وتلك العيون الرقصات
الباكيات
بين ضحكات الهوى
وصرخات الضياع
لا روابط لا روابط

لماذا يعزف المجتمع عن القراءة ؟ ..

علينا أن نطرح السؤال المهم، لماذا يعزف المجتمع عن القراءة؟ وعلينا أيضاً أن نبحث خلف هذا السؤال عن الأسباب الحقيقية التي تجعل مجتمعاً ما يعزف عن القراءة بشكل لافت للنظر، رغم وجود الكثير من المؤلفات التي يمكنه أن يستفيد منها.

لا أحد يملك الإجابة كاملة ولكل شخص اجتهاده في تخمين الأسباب التي تؤثر في رغبة المجتمع في القراءة والاطلاع وكسب المعرفة أو التسلية والاستمتاع فالقراءة ليست علماً فقط، فهي تحمل في ثناياها الكثير من المتعة والتشويق.

أحياناً لا توجد هناك قناعة لدى القارئ بجودة المؤلفات، وأحياناً لا تكون هناك قناعة لديه بالمؤلفين، وهذا السبب ربما لا يتناسب مع مجتمعنا فهناك الكثير من الأقلام الممتازة في كل المجالات، وأظن أن هناك سبب أكبر في هذا الأمر وهو أن الوسط الثقافي معزول أو بعيد عن المجتمع الذي ينتمي إليه، لذا لا يوجد تأثير ثقافي يمس المجتمع بشكل مباشر، ويثير حفيظته لكي يقرأ، هذه النقطة لها وجود قوي في مجتمعنا، لكنها ليست النقطة الوحيدة التي تسبب العزوف عن القراءة.

لا توجد مؤسسات ثقافية لدينا تروج للكتب بشكل مؤثر، وهذا ما يجعل الكاتب يجتهد ويروج عمله بنفسه، حين يكون العمل مؤسسياً تكون النتائج أفضل بكثير، فالمؤسسات الإعلامية والثقافية لها جمهورها من الأساس، كما أنها تنقب في الكتاب، وتبين مزاياه التي لا ينتبه لها القارئ من الوهلة الأولى، وهنا يبرز دور النقد؛ لأنه عملية تقييم فني ومهني لأي كتاب يصدر، فيعطينا دافعاً إما لقراءته أو تركه.

الندوات والمقابلات والحوارات التي يجريها المثقفون لها دور كبير في تشجيع المجتمع على القراءة، وتساعد على انتشار الأعمال الجيدة، والندوات والحوارات والمقابلات يجب أن تشمل كل وسائل الإعلام المرئية والمقروءة ووسائل التواصل الاجتماعي وهناك قصور كبير في هذا الجانب.

دور النشر لها أهمية ورسالتها أكبر من أن تطبع الكتب وتوزعها، فهي التي تتبنى الأقلام، وتنتج المؤلفين وتحرص على جودة المخرجات، وحين يقتصر عملها على الطباعة والتسويق فقط، تفقد قيمتها ويصبح تأثير مخرجاتها من الكتب على القارئ لا شيء.

هناك أسباب أخرى لدى المجتمع نفسه تساعده على العزوف عن القراءة والاطلاع، فالمجتمع حين تكون لديه مغريات كثيرة وميسرة، لا يلتفت للكتاب، وأخص هنا جيل الشباب الذي يساعد الترف في تشكيل هويته في الفترة الحالية، الكثير من الملهيات دخل ضمن نمط حياة الجيل الحالي، وهذه النقطة نتجت عن ضعف دور الأسرة والمؤسسات التربوية والثقافية، ترف المجتمع المادي يجب أن تلازمه الثقافة بدلاً عن اللهو.

أيضاً يوجد قياس خاطئ لنسبة القراءة، فالكل يقيس نسبة القراءة من نسبة مبيعات الكتب، ويتناسون أن الكثير من الكتب تنتشر في الإنترنت بشكل مجاني ولها جمهورها الذي يقرأها، وهذه الفئة لا تدخل ضمن الإحصائيات، ولو نظرنا إلى المواقع التي تضع الكتب المجانية كجوجل درايف ومواقع أخرى سنجد أن نسبة المشاهدات جيدة، صحيح أنها لا تقارن بنسبة مشاهدة الأفلام ولا الاستماع للأغاني، لكنها جيدة على العموم.

من وجهة نظري يجب أن يقتحم المثقفون المجتمع، لا أن ينتظروا أن يلتفت لهم المجتمع دون أي جهد منهم، الرغبة في المعرفة لا تتولد حين ينزوي العلم في أماكن مغلقة، يجب أن يكون الوسط الثقافي منفتحاً على المجتمع يسعى بكل الوسائل للتأثير فيه، وبناء هويته الثقافية ودفعه لما هو مفيد.

الرواية .. ما تفرضه وما تنفيه ..

تحكمنا النصوص والقضايا التي نطرحها في الرواية، وليس صحيحاً أننا نتحكم في الرواية بشكل تام كما يقال، النص الأدبي محكوم بفكرة أو طرح معين، أو تحدده القضية أو الحدث أو الشخصية التي يناقشها الكاتب في روايته، فيضع إطاراً فكرياً محدداً لتلك الرواية، ومن الصحيح أن الكاتب يقيد نفسه بنفسه، لكن ذلك التقييد يكون مفيداً في أحيان كثيرة، خصوصاً إذا كانت القضايا التي يناقشها ذات طابع خاص، فلو شط وترك فكره يتجول دون إطار محدد سيخرج لا شك عن سياق الرواية، ولن يحقق تلك السلاسة التي تجعل القارئ يسترسل في الحدث بشكل مريح.

أحيانا تحكمنا الفكرة، مثلاً لو أن القضية التي تطرحها محلية لا يمكنك أن تتجاوز القيم والأعراف الموجودة في المجتمع ولا معاير الأخلاق التي تحدد صيغة الخطاب الموجه للقارئ بحيث تخاطب الموروث الثقافي لدى ذلك المجتمع دون تجاوزه أو إدخال أي قيم شاذة، وهذا لا يعني أننا لا نطرح الأفكار الجديدة، على العكس يجب أن تطرح، لكن بالصيغة التي تجعلها مقروءة ومؤثرة، ولا تكون مصدر شذوذ في العمل، هذا بعكس أن نكتب رواية خيالية، فحين ندخل الخيال في العمل، نفتح أمامنا كل مساحات الحرية في معالجة الأمور الحساسة والعلاقات، أو أي شيء بشرط أن ما نكتبه يخدم العمل ولا يشوهه.

أنا أدعي أن الكاتب هو رب الرواية، يحيي شخصياتها ويميتهم، وهو من ينفي ويثبت ويُبعد ويُقرب كل ما يريد، لكن يقيني في هذا الأمر يختلف اختلاف كلي عما ادعيه ، فالرواية حين نبدأ فيها ننطلق بسرعة فمعظم الأحداث والشخصيات تكون مرسومة في عقولنا، نسترسل في البداية، ننسق أحداثه ونرتبها ونجمع بين الشخصيات، ونفتعل القضايا في الوسط، وهنا تكمن المشكلة فالكاتب بعد أن ينجز البدايات يظن أنه متحكم تماماً في الرواية، إلا أنها تبدأ من حينها تتحكم به، فلا يستطيع أن يتجاوز الشخصيات التي رسمها والأطر التي وضعها، ولا يستطيع أن يتخطى شخصية مؤثرة مثلاً، دون أن يضع أسباباً كافية ومقنعة، ولنفرض أن هناك شخصية مؤثرة يريد الكاتب أن يبعدها عن روايته، لا يمكنه أن يتجاهل ذكرها دون سبب يقنع القارئ، ولو أهملها دون سبب يكون هناك خلل في بناء الرواية والحبكة.

لذا فإن الرواية تتحكم فينا كما نتحكم فيها، وهذا التوازن الذي يحدث يضع النص الروائي في حدود العقل والمنطق، كما يحق للكاتب أن يؤلف كل شيء في الرواية يكون الحدث في الرواية محسوباً بدقة بعد أن نتجاوز البدايات، ويقيدنا في الكثير من الجوانب.

 خلق أحداث من واقع مختلف عن الرواية يجعل بناء الرواية مختلاً أو مهزوزاً، وفي أغلب الأحيان يعتمد الكاتب على إقناع القارئ بالحدث، حين يقحم قضية أو شخصية جديدة في الرواية لم تكن موجودة، ولم يضع لها مؤشرات، فالأحداث تبنى بناءً على شخصيات الرواية وعواملها النفسية، والمؤثرات التي تقع عليها.

الرواية التي تستقي أحداثها من قصص حقيقية يجب ألا يضع الكاتب فيها أي حدث مفتعل، أو يقحم فيها شخصية لا تناسبها، وعلى الكاتب أن يستخدم مهارته في صياغة الرواية ليضفي عليها واقعاً جمالياً، أحياناً يحتاج الكاتب أن يكثف الشرح في نقطة معينة لكي يوصل للقارئ الأسباب أو الدوافع التي حركت الأحداث أو أن يصف بتركيز مشاعر الشخصيات لتحقيق القيمة المعنوية في ذهن القارئ لذلك الحدث ومدى تأثيره في المجتمع.

كلمة ..


ليست الكلمات مجرد حروف، صلتها مع النفس أكبر، تعبير عما نشعر به وما يجول في خواطرنا، نكتبها لكي: نعيش لحظه ،نمجد لحظة ،نخلق لحظة .. ونعود بها لأشواقنا لنعيش معها، في النهاية يقولون إنها كلمة ..
وهي كل التعابير والمشاعر والألم ، هي رسول .. هي سهم ، هي أنا وأنت ..

حقيقة القهوة ..

القهوة
لونها أسود ..
لما نصورها بشكل جميل ..
هي تدل على نفسها بطعمها اللاذع ومذاقها المر ..
ومع ذلك نحبها ..

النقد البناء ..

تستطيع أن تكتب أية فكرة تخطر على بالك، لكن حين تنشرها بشكل عام ستحتفظ بجزئية بسيطة فقط، وتفقد حقوقاً أخرى، تحتفظ بحقك ككاتب للفكرة، وتمنح الآخرين حق القراءة والنقد، إذا كنت لا تستطيع تحمل هذا، عليك أن تحتفظ بما تكتب في أحد أدراج مكتبك.

 النقد عملية تصحيح وله أساليب كثيرة ومدارس ونظريات وفلسفة، فكرته في الأساس بسيطة جداً، وهو إظهار جوانب الضعف أو الخطأ في أي عمل، ربما يتطور النقد ليصبح فكراً، فيبين جوانب الضعف، ويضع تصوراً لتصحيح الخطأ، وفي النهاية يكون النقد قد حقق هدفه الرئيسي وهو تصور عمل أفضل في المستقبل.

 الكثير من الكتاب والأدباء يعانون الانتقاد، فكما ينحرف بعض الكتاب عن المسار الصحيح، ينحرف بعض النقاد أيضاً، وتصبح أقلامهم معاول هدماً وتجريحاً، وربما تتحول أقلامهم من نقد العمل إلى نقد الكاتب في شخصه، هذا الشيء لا يفقد الأعمال الجميلة بريقها ولا يقتلها.

للقارئ وجهة نظر، ويمكنه أن يقارن، فإن كان النقد صحيحاً سيجد صدى لدى لديه، وإن كان خاطئاً سيتجاوزه دون اهتمام، أما مسألة التطرق للأمور الشخصية في عملية النقد، فهذا خطأ بحت يتعمده بعض الناقد، فلا يعنينا الجانب الشخصي للكاتب في شيء، الذي يعنينا هو ما يطرحه على الساحة من أعمال وقيمتها الفكرية.

 على الكاتب أن يتقبل النقد بصدر رحب، ويمكنه أن يأخذ بما يقوله الناقد أو يتجاهله، وفي كلتا الحالتين له حق النقاش والرد، وليس من حقه أن يرفض النقد، فالنقد مرحلة مهمة جداً من مراحل التطور الفكري، وعندما يقوم نقاش بين طرفين، ينحاز الجمهور للكاتب أو الناقد، أو ينقسم فيؤيد بعضهم الكاتب والبعض الآخر يؤيد الناقد، وهناك فئة من الجمهور ربما تبني أفكار جديدة، وتخرج بتصورات أفضل، وعملية الأخذ والرد هي حراك فكري له نتائج إيجابية تنعكس على الساحة الفكرية والثقافية في المجتمع.

 غياب النقد عن الساحة الأدبية يمكننا أن نعتبره كارثة فحين يغيب النقد عن الساحة الأدبية لا تمحص الأعمال التي تطرح ولا تناقش ولا يُرد على الأفكار الغريبة والشاذة، وستعاني الساحة الأدبية من الفوضى، القاعدة الصحيحة تقول إن الشيء يتميز بنقيضه، فالكاتب هو الشيء والناقد هو النقيض، فإن كان العمل الأدبي قوياً يميزه النقد، وإن كان ضعيفاً سيقتله، الفكرة القوية تبقى قوية وإن انتقدت، والضعيفة لا تتحمل النقد، ولا يمكنها الصمود.

 لنعود إلى الأساسيات، الأساس أن يكون هناك عمل أدبي، بعد ذلك يأتي النقد ليبين جوانب الضعف والخطأ في العمل، ثم مرحلة الرد والنقاش، وبعدها تتكون الصورة كاملة لدى المتابعين، ويُحْكَم على العمل بالنجاح أو الفشل، أو تقيمه وتصنيفه (ضعيف، جيد، جيد جداً، ممتاز) وعلى هذا يكون النقد هو المرحلة الأهم في تقيم أي عمل أدبي على الساحة.

شيء من الهدوء …

عندما يشعر الإنسان بالهدوء يتغلغل إلى نفسه، تصفوا أفكاره من الشوائب، ويتخلص عقله من الضوضاء، فيسمع صدى أفكاره تتردد في رأسه وتتصادم، تخرج أفكار جديدة، وتموت أخرى، يرى صور الذكريات، وهي تغذي الخيالات والتأملات، وتملأ روحه دون ملل ولا إزعاج، فوضى الذكريات والصور المبتورة التي نرسمها ونغذيها في الخيال لكي تكبر وتتضح.

الحياة، تحتاج إلى الهدوء، لا لتستكين فقط، بل لتستقر، الروح استقرارها الهدوء، والعقل استقراره الفكر، والخيال استقراره الصور والذكريات، والنفس آهٍ من النفس التي تقلبنا بين الرغبات، والأهواء.

يعجبني الهدوء أشعر به وهو يقيد نفسي فلا تجمح لأهوائها، بل يجعلها تحت سيطرة العقل، فيتحكم بها في فترة السكينة كيف يشاء، ويحركها فتحفزه تارة، وتستفزه تارة أخرى، لكنها لا تخرج عن سيطرته.

نحن هكذا ..

العقل هو الحافظ لكل شيء يمر بنا، ونحن نجتر ما هو موجودٌ فيه، نعبث بتلك المعلومات التي وضعناها في رؤوسنا، نقرأها، نظيف إليها، نعيد ترتيبها كلما وجدنا لها مكاناً أفضل، ونبحث عن الجديد، ننقب في بطون الكتب، في عقول البشر، نستفز الأقلام والمشاعر، لنحصل على ما نستطيع أن نأخذه، لنضعها مع ما قرأنا وما عرفنا وما درسنا وما اكتسبنا، ورغم ذلك نكتشف أننا نريد أن نعرف أكثر، ونحصل على المزيد. 

تكرار .. ورتابة مميته ..

تتكرر .. الحياة تتكرر .. دائما ..

يأتي الصباح بنسخة مكررة، ونخرج بنفسيات مختلفة كل شيء مكرر في “الصباح” الشروق العمل الازدحام حتى السيارات والأشخاص نشاهدهم يوميا كل صباح في أوقات محددة تتكرر.

الأحداث متحركة والأشياء الصامتة مثل الشمس والأرض، وكل جماد نمر عليه، لكن هناك أحداثاً متحركة لدى المخلوقات الأخرى وأحداث سريعة لدى البشر وأيضا تتكرر بنفس السرعة أو بسرعة أكبر مع مرور الزمن، حتى الأحداث الكبيرة والأخبار المدوية تبدأ عظيمة الشأن ثم تخمد، وتعود الرتابة من جديد لتدمر تلك الضجة التي فعلها البشر واحدثوها، ببطيء وثبات تعود الرتابة لشأنها الأول كما كانت.

نحن البشر نكسر الرتابة بضجيجنا ومشاريعنا وأحداثنا، حروب سلام، تدمير وتعمير، أصوات وموسيقى، تلك الأمور من يهتم بها سوانا، لا أحد نحن فقط نسمع ضجيجنا، ونتحمل أخطاءنا ونجني نتائج أعمالنا التي لا تدوم للأبد، العمر كما يمضي على البشر، يسري هذا القانون على كل شيء حولنا، نحن ضد الرتابة والصمت وتعميرنا الدائم يمثل رغبتنا المستمرة في الحياة التي تتخطانا في أبنائنا وأحفادنا في المستقبل.

تلاشت حضارات كثيرة، واندثرت وحفظ القليل من آثارها، أكلت الأرض أغلبها، لكن الإنسان رغم ما يراه، يستمر في البناء. ويستمر في التدمير، فمنا من يبني ومنا من يهدم، وهذا أمر صحيح فالحقيقة تقول إن هناك أناساً ينظرون إلى الأمام، وآخرون ينظرون إلى الخلف، فمن ينظر إلى الأمام يرتقي ومن يرجع إلى الخلف يتدهور، للأسف بعضهم لا يتدهور وحده، بل يدهور أمه بكاملها معه.

تعود الحياة لرتابتها سواء أكانت الأمم متقدمة أو منهارة، سواء كان البشر طائعين أو متخلفين، تغزونا الرتابة فتذوب الأمجاد، وتبنى أمجاد أخرى، وهذه أيضا رتابة، لكنه على زمن أبعد من اليوم والسنة

كل شيء يندثر .. لكن له “زمن” الإنسان له “زمن” الأمم لها “زمن” البناء له “زمن” والزمن له نهاية، ومن أراد أن يستمر لأقصى مدى عليه أن يخلد أثره، ويستمر في العطاء، فالشخص والمجتمع والدولة، لهم زمن، البشر تاريخهم قصير، مع المجتمع يصبح أطول ومع الدولة يصبح أطول، والنهاية تأتي لا محالة فالطبيعة تطغى وتفرض رتابتها، وتمحو كل شيء.

تخاريف ..

تعلم أني؟ قد سافرت من عالم المحدود لعالم اللامعقول، وقد امتطيت السروج الحمر في صباح الجنون، فاكتشفت لون الورد وطعم الدماء، كل شيء في عالمي جميل، شكله جميل، وطعمه الموت أخاف أن ألمس أي شيء في هذا العالم، حتى لا أشوه جماله، وأخاف أن أتذوقه لكي لا يموت.

الموت والجمال، رغم بعد المسافة بينهم، إلا أن الجمال والكمال هما أقرب نقطة للنهاية، فما إن يكتمل الشيء، ويستوي يبدأ في الذبول والموت وما إن تصل القمة لا يبقى لك مكان آخر سوى القاع

لكن عالمي يختلف بعد كل خطوة، وبعد كل شيء جميل توجد هاوية أسقط فيها دون خوف، لم أعد أخشى السقوط، فهو لا يعني لي الموت ولا يكمن فيه الخطر، الخطر يكمن في تلك الأشياء الجميلة التي تلقي بنا إلى الهاوية وكأنها شراك تستقطبنا كالطيور.

الوقت

الوقت كل شيء له وقت
ولو طورنا المسألة سنقول الزمن وكل شيء له زمن بداية ونهاية ونحن ومضات نسير على السطح في وقت محدد ووننطفأ في وقت محدد

فراغات ..

الفراغات التي تركتها خلفي لا أظن أن الواقع يستطيع أن يملؤها فلا شيء يستطيع أن يثير اهتمامي لأجمع ذكريات جديدة تملأ تلك الفراغات، ولو حاولت أن أملأها لن أجد في الواقع من أضعه فيها، فالفراغات التي تجاهلتها، لا زال بها أشخاص لا محل لهم في واقعي الآن، لكنهم موجودون في نفسي، يحفرون في جوانبها، وأنا أدفن ما استطعت.

أذكر جيدا حين صنعوا تلك الحفر في حياتي، كيف كنت أشعر بخواء في صدري وكأنه بئر لا قرار له، وكانت المسافة بيني وبين القاع لا تقاس، أتذكر أن الفراغ لم يكن في صدري فقط، بل حولي أيضا، يحيطني، يحاصرني، ويكبلني، لكنه تراجع ليصبح ماضياً، وتقلص في صدري ومِن حولي، رغم الوحدة والانعزال.

أعرف أن الفراغ مساحة تائهة، لا يستطيع القلب أن يخرج منها، ولا يستطيع العقل أن يتجاوزها بسهولة، يعيشها القلب ليصطدم بجدرانها، ويتعرف العقل على معنى الضياع، حين يكون شيء واحد يسيطر عليه.