ثُم قهوة ..

أكوابٌ كثيرة .. تحمل نفس المذاق
وشخصٌ واحد ..

يحمل أفكاراً .. كثيرة
لم تغير تلك الاكواب أفكاره ..

ولم يغير هو .. مذاقها .

كوبه الأول .. ككوبه الأخير ..

وأفكاره في الصباح ..

تعود في المساء
وعالمه يدور ..

بين فنجان يأتي .. وآخر يرحل

كن عظيما وافعل كل الأمجاد التي تريدها، وكن وضيعا وسيفعلون بك كل الأمجاد التي يريدونها

فوق الخمسين ..

سارت بي الحياة لكل مكان، وقابلت آلاف البشر، دون أن أعرف كم سأستمر ولا أدري متى ينتهي مشواري الذي بدأ منذ فترة طويلة، أسير وأدعي أني أتعلم مع أن أغلب الأحداث في حياتي أصبحت مكررة والمتغير الأكبر هي الأماكن والأشخاص، لكن المواقف أغلبها معادة، تواجهنِ مشكلة أحياناً تكون بسيطة وأحياناً معقدة وهي اللحاق بالركب أو مسايرة الزمن الذي أعيش فيه، ورغم شعوري بأني اكتفيت إلا أني يجب أن أعيش واستمر إلى متى لا أدري.

ليس من أحد لا يريد الحياة، لكن الروتين الذي يتكرر باستمرار يجعلك تتساءل كيف استمر؟ وما الذي يمكنني فعله في هذه المرحلة من العمر؟ أنقل خبرتي مثلاً أم اعتزل البشر، وأتفرغ للمطالعة أو أذهب لأمور أخرى في الحياة، التجارة مثلاً أو أي عمل يستطيع أن يشعرني بأن الحياة يمكنها أن تمنحني المزيد من الخبرة أو المعرفة.

انظر للحياة بتفاؤل، وأحياناً انظر لها نظرة ممل، ثم أعود وادفع نفسي للتفاؤل من جديد، إلا أن نظرة الملل تكبر وتتحول لاحتقار للحياة في بعض الأحيان، وتعود الشمس لتشرق مؤذنه بروتين جديداً يتكرر وبأشخاص حفظنا وجوههم وتصرفاتهم، وبشوارع أصبحنا نتوقع فيها كل شيء قبل حدوثه، فالسيارات لا زالت تمشي على أربع، كـطفل سريع الحبو، وأتوقع أن تكبر وتمشي على عجلتين بدلاً من أربع.

لا يمكنني أن أرى الأشياء خارج نطاق الواقع أو خارج حدوده، لأني لو نظرت إليها بشكل مختلف أنا متأكد أني سأرسم لها شكلاً جميلاً لا يمكنه الحياة في الواقع ولا أن يستمر، فالحياة خليط بين جميل وقبيح، وبين طيب وشرير، وبين غبي وذكي، وبين أناس تتصدر وأناس تعيش في الهامش، وأنا أجد نفسي في الهامش أكثر مما أجدها في الطليعة فالهامش الذي يحتقره الكثيرون يعطيني مساحة شخصية لا أتمتع بها لو أني كنت في الطليعة، مساحة تجعلني أتحدث بصوت عالٍ مع نفسي، وتجعلني انتقل من مكان لآخر، دون أن يعرفني أحد.

الوقار ..

إن الاحترام لا ينبعث من نفسٍ مريضة و لا يصل لنفسٍ مريضة، وإن الوقار يضع الحواجز، بين العاقل والمجنون ، وبين الجاهل والعالم، فصن نفسك بالوقار، وأحط نفسك بالعقلاء .

كائنات بشرية ..

ما أنا إلا إنسان جمعته الأيام وفرقته، انتشر حين أفرح، وانكمش حين أخاف، لا معنى للشجاعة دون خوف ولا معنى للفرح دون حزن، كل شيء يفسره نقيضه، وأنا بشر، فيني التناقضات، والتساؤلات، وأمامي الحلول، لأختار أحدها، ربما يكون الأصح، أو الأقل صحة، أو ربما أختار الخطأ.

خطأ، أنا خطأ، أنا مخطئ، أنا مذنب، أنا ما أنا؟ بشر، لا أتميز عن غيري، ولا أدعي، ولا أريد أن أتميز، فلا أرغب أن أكون فوق البشر، لكن لا أرضى أن أكون أسفلهم، حتى لا يضعوا أقدامهم فوق رأسي، فأخضع.

إنسان، لهذه الكلمة معنى قوي في قاموس المصطلحات، ليس في الكتب وحدها، بل في نفسي، وأظنها في نفسي أقوى، فالإنسان له تفسير علمي، وآخر منطقي، وآخر فلسفي، وآخر ديني، وهو كل هذه التفاسير مجتمعة، فيه التناقضات، يطمع ويَقنع، يخاف ويغامر، يحب ويكره، وبين كل قيمة ونقيضها شعرة، أفسرها أنا بمنظوري، ويفسرها غيري بمنظوره.

لا نتساوى في شيء غير التكوين الجسدي، لكن في دواخلنا، تختلف أفكارنا، تناقضاتنا، مشاعرنا، رغباتنا، أطماعنا، ونبني كل شيء من خلال ما ترسب في نفوسنا، وما تكدس في ذكرياتنا، نستنتج، نحلل، نخمن، نتوقع، بناءً على تراكم خبراتنا، ورواسب ذكرياتنا، ومخاوفنا.

جميعنا لدينا المشاعر، والرغبات الأطماع نفسها، لكننا نختلف، فأنا أستخدم مشاعري واطماعي ورغباتي بطريقة تعجبني وبأسلوب يخالف استخدام غيري لها، تطغى مشاعر على تصرفاتي، وغيري تطغى على تصرفاته الأطماع، وغيرنا تكتسحه الشهوات، كلنا لدينا الأشياء نفسها في الداخل والخارج تقريبا، لكننا مختلفون في استخدامنا لأنفسنا، اختلاف يصل إلى الصدام.

الاختلاف، هو أساس الحياة، والاتفاق، هو أساس النجاح. ومن ينجح؟ ومن يفشل، هو الإنسان، ذاته، تلك النسخة المكررة، في صور مختلفة، وأحجام مختلفة، ومشاعر مختلفة، كل واحد منهم يحمل صفات البشر، ومعاني الإنسانية السامية لكن تصرفاتهم تختلف ومعايرهم لقياس الأمور متغيرة.

مزاج قهوتي ..

القهوة مُرة المذاق، لم يغيرها الزمن، في لقاءٍ، أو فراق، لأنها .. مُرة .. في أساسها.

وذات مَره، أسقطت في جوفها “سكر” ظننتها ستفرح بتلك الحلةِ الحلوة.

وحين شربت منها، عرفت، أن السكر، أفسد “مزاج قهوتي” لأنها لا تريد أن تتغير….

الأثر ..

أتعلمين أني هنا؟ وكيف تعلمين، وقد رحلنا سوياً من هذا المكان لكني عدت لأشتم رائحتك، واقتفي أثر خطواتك التي مشيتيها بجواري عزيزتي لا يعني الرحيل موت المشاعر، لكنه خيار نضطر إليه أحياناً لنعالج أنفسنا من قسوة الحب العنيف الذي لا نستطيع أن نقاومه حين ينتكس علينا بشكلٍ سلبي، فيقلب حياتنا وينغصها ويجعلنا عاجزين عن وضع الحلول المناسبة، أو نضع الحلول التي تعجز عن معالجة أوضاعنا التي نعيشها.

  لنعود إلى آثارك التي لا زلت اقتفيها بدقة فملامحك ترافقني في هذه الأثناء التي أخطو فيها خلف ذكرياتك المتناثرة في حياتي لكي أجمعها واحتفظ بها لمدة أطول من الزمن، لأتذوق لذة ذلك الشعور الذي كان ينتابني وأنا أسير بجوارك، وتتخلل أصابعك أصابعي.

ذكريات حبيبتي هي كما يقولون “ذكريات” لن أتركها، فقد تَركتْ بصماتك في في نفسي أكثر مما تتوقعين من مجرد علامات أو آثار، طبعت صورتك في مخيلتي فلا أغمض عيناي إلا ووجهك يبرز أمامي دون أي مبررات فهو الشيء الأكثر تأثيراً الذي يتصدر المشاهد، ويطغى على كل الصور التي احتفظ بها في عقلي.

لا أزال اشتم رائحة عطرك المميزة دون وجود أي آثار لعطر ربما يقترن شعوري بك بتلك الرائحة العطرة التي أحببتها وكم أنا سعيد؛ لأنها تشعرني أكثر بوجودك معي وكأن روحك ترفرف في المكان وتشاركني ذكرياتي، تخيلي هذا المشهد معي شخص يجلس على طاولة في مقهى، ويسند كوعه على الطاولة، ويضع ذقنه على راحة يده وكأنه يتأمل شخصاً جالساً أمامه، هذا أنا سيدتي اجلس كما كنت أجلس في حضورك على الكرسي المقابل، كنتِ تخجلين في ذلك الحين من نظراتي التي تفترس ملامحك، وأنا استمتع بملامح الخجل على وجهك، في ذلك الموقف كنت أشعر بلذة مضافة ومتعة لا تعرفينها، لكنها تسكنني الآن، وأنا أتخيل تلك الروعة التي كنت أجدها وأنتِ معي.

في الحقيقة لا شيء يموت، فكلنا ننثر آثارنا في الزمان والمكان، وعلى من يحبنا أن يبحث عنا ليجدنا وأنا جئت إلى هنا لألمس آثارك واستمتع بصحبتها.

كلَ شيء ..

هل تعلمين أن الوداع مؤلم؟ وأنه لو لم ألتقيكِ ما شعرت بذلك الألم، ولا عرفت معنى الشعور التعيس الذي يطاردني أينما ذهبت.

ليتك تفهمين أن الألم، ليس فراقاً فقط، فهو يجمع ما هو جميل ليُولِد الحسرة في النفس، وما هو مؤلم ليُعمق الجراح، وكل الأشياء البسيطة ليُعقد الحياة بعده، الفراق سيدتي شيء لا يوصف، الكل يكتب ألمه ويعترف به، والحقيقة أنه يمزق كل نفس على حدى، وبأنواع عذاب تتفاوت.

تعرفين من يعاني ألم الفراق أكثر؟ ذلك الصامت المبتسم، الذي تقرأين في ابتسامته ألف معنى للحزن، الماشي في صمت يبحث عن ذاته في الطرقات، يبحث عن محبوبته التي فارقها في الوجوه التي يقابلها، لعله يراها صدفة.

رغم الرحيل، ورغم المسافة الشاسعة في الزمان والمكان، والمسافة بين قلبي وقلبك، إلا أني أحلم أن أراكِ صدفة، أو التقي نظرتك التي لا شك أنها ستحتقرني حينها، رغم ذلك أحلم، ولا أملك إلا أن أحلم فذكرياتك تنتشر في أرجائي، تشاركني كل شيء قهوتي، كتابي، قلمي، حلمي، والأماني.

#خواطر

الرواية: الكاتب ..

لا شك أن كاتب الرواية هو إله الرواية، يحي فيها ويميت ويفعل فيها ما يشاء دون أن يكون هناك حدود لإرادته سوى جودة وحبكة الرواية، فيخلق الشخصيات ويصنع الأحداث التي يسيرها بما يناسب الرواية التي يكتبها، ولديه عدة عناصر عليه أن ينسقها ويربطها سوياً، الشخصيات، الأحداث، الزمان، المكان، كل هذه العناصر تجتمع بين دفتي كتاب لتسمى رواية

حين ننظر إلى الكاتب على أنه مبدع أو أنه قدم عملاً يستحق القراءة، علينا أن نقدر أولاً أن العمل الروائي عمل كبير بشكل عام، وأن الاستمرار في كتابة الرواية يحتاج إلى الكثير من الجهد النفسي والمعنوي والكثير من الاطلاع والاستماع والمتابعة، بالإضافة إلى الصياغة وتركيب الأحداث وأن كل هذا العمل يقوم به شخص واحد جمع الأفكار المتناثرة ووضعها في رأسه وعكف على كتابتها حتى النهاية.

يمكننا أن نصور الكاتب على أنه مُؤرخ، لكن تاريخه ضمن الرواية لا يؤخذ بجدية التاريخ المنهجي الأكاديمي للأحدث وذلك بسبب فردية الكاتب والتصور المدرج ضمن الحبكة الروائية لا يخرج من عقل جمعي يوثق ويأصل المعلومات، الروائي حين يصور أي حدث تاريخي يضع فيه الكثير من المشاعر والارتباطات التي لا يلجئ إليها المؤرخ الأكاديمي أو المختص، قس على ذلك كل ما يتعلق بالعمل الأكاديمي في التخصصات كلها.

يمكننا أن نصف الكاتب على أنه شاعري أو أنه رومنسي أو أنه عاطفي، وفي هذه النقطة بالتحديد يكون العمل الروائي ذو مصداقية أكبر حيث إنه من الطبيعي أن يعايش الكاتب روايته منذ البداية ويرسم شخصياتها، وهذا الأمر يجعله على اتصال ذهني وعاطفي بالشخصيات، لذا يكون متمكناً أكثر من غيره في وصف تلك المشاعر والأحاسيس، لدرجة تصل للواقع أو تقترب منه.

من الضروري أن نعرف أن الكاتب يقع تحت تأثير نفسي وعقلي يجعله ينسج روايته في خياله ولو بشكل مختصر عبر نقاط، وأن الرواية التي ينسجها المؤلف لا بد أن تتأثر بخلفيته الدينية أو الأيديولوجية، أو الحزبية إلخ ..، هذا يعطي الرواية بُعد شخصي فلا يمكن للكاتب أن يلغي كل اعتقاداته السابقة، وكل قراءاته وفكره دون أن يكون في الرواية بصمة نفسية شخصية، أحياناً يتعمد الكاتب أن يبرز معتقده فيما يكتب أو يوحي به وأحياناً أخرى يكتشف القارئ ذلك من معرفته السابقة بالكاتب.

نجاح العمل وفشله له عدة أوجد تقع بعضها على الكاتب، وبعضها رغماً عنه فالمسؤولية التي تقع عليه، هي جودة العمل من حيث الصياغة وربط الأحداث وتجسيد الشخصيات بشكل صحيح بحيث يكون العمل مترابطاً والرواية محبوكة بشكل لا يشتت القارئ أو يضعف اهتمامه بالعمل .

الرواية: تأثير الرواية ..

كل حدث في الدنيا له بداية ونهاية، والرواية كذلك بها نقطة بداية ونهاية، وتقع الأحداث بين تلك النقطتين، بتصور شخص واحد للأحداث.

عندما أفكر في الرواية لا أفكر بها على أنها قصة فقط، ما يشغلني في الرواية ذلك الشوق الذي يدفعنا أن نمسك كتاباً لا يحمل مادة علمية أكاديمية، ونقرأه بشوق لا يفتر حتى ننتهي من قراءته، ثم نبحث عن رواية أخرى لنفعل الشيء نفسه، ربما تحمل الروايات العبرة، وبعض الدلالات الأخرى لكن لها سحرها الخاص الذي يحبسك في أحداثها فلا تتركها حتى تعرف نهايتها.

الرواية تحمل فكر شخص واحد، وهو الكاتب، يضع فيها عصارة فكر روائي قصصي، يحور فيها أحداث، ويكحلها بمواقف مشوقة، لتشد انتباه القارئ، ويمكنه كذلك أن يضع أفكاره، وتوجهاته سواء كانت سياسية، أو ثقافية أو علمية أو أيدلوجية، على هيئة أشخاص يمثلون ذلك الفكر ويضع حولهم هالة من الوقار أو يجعل القارئ يتعاطف مع الشخصيات او ينفر منها، وهو بذلك يزرع فكرة معينة في ذهن القارئ، ويضع مبادئ ذلك التوجه في جدول أفكاره دون أن يشعر.

هذه النقطة مهمة، فالرواية تتعايش مع الأحداث كالحياة التي تتخللها المشاكل والشخصيات، والأزمات، إذاً الرواية مشابهة لواقع البشر الذي يعيشونه، بسبب هذا التشابه يمكنها أن تأثر بشكل سلل وقوى على القارئ دون أن يشعر، وهو يقرأ الرواية في عزلة وتركيز، وربما يتأثر بشخصية معينة، أو ينسجم مع فكرة.

الكثير من الروايات سوقت لمبادئ فلسفية، ومبادئ منحرفة، وأيديولوجيات غريبة، ووضعتها في سياق مشوق، جسدت شخوصها كأبطال، ننظر إليهم في الرواية بفخر، أو دفعتنا للتعاطف مع حالة أو قضية أو مشكلة معينة، وبعض الروايات حققت رواجاً كبيراً في زمانها، وأثرت في الرأي العام، ووجهة الجماهر في بعض الأحيان.

إذا للرواية، تأثير أكبر مما نتوقع، لأنها تتربع على هرم الأدب، فالأقصوصة ثم القصة القصيرة، ثم القصة،ثم الحكاية، ثم الرواية، علاوة على ذلك يخرج من الرواية مستوى أعلى من الإعلام فتتحول لمسلسل أو فيلم سينمائي، ورغم محدودية زمن تلك الأعمال إلا أن تأثيرها في زمانها يكون قوياً جداً.

إذاً الرواية تقع ضمن سلسلة هرمية، فهي في قمة هرم الأدب، وهي في قاع الأعمال السنيمائية، وهذا الامتداد يعطي الرواية قيمة أكبر وأهمية لا يمكن أن ينكرها أي شخص.

الرواية .. الكاتب إله الرواية ..

ربما لا يعجب هذا المصطلح فئات كثيرة، لكنه يعجبني بلا شك، فالكاتب هو إله الرواية الذي يفعل كل شيء فيها يحي ويميت، يوزع الأموال والمناصب، ويخلق المشاكل ويضع الحلول، ويبني الشخصيات ويهدمها، وإلى هذا الحد يقف دور الكاتب، فهو إله في نصه الذي يكتبه ولا تستطيع قدراته أن تتجاوز هذا النص، فقدرته الهائلة في الرواية تقف عاجزة مثلاً عن إيجاد القبول أو رفض العمل أدبياً أو شعبياً، نتفق إذا أن الكاتب إله الرواية، لكنه عندما ينتهي منها يخضع للمعاير التي يخضع لها البشر في الواقع.

ما يجب على الكاتب في هذه الجانب الذي يبني فيه الرواية، ويتحكم في النسق أن يجد له طريقة مناسبة ومتزنة في طرح القضايا والأحداث وخلق الشخصيات، بحيث يتتبع القارئ خيط التشويق الذي يجعله يستمر في القراءة لمعرفة النهايات، دون أن يزهد في الرواية ويتركها، فتشابك الأحداث وتتابعها مهم جداً، وكذلك حجم الحدث وموضعه في العمل، فأن تبدأ الرواية بكارثة، يتوجب عليك أن تعطي هذه الكارثة حجمها الطبيعي المقبول لدى الجمهور فلا ترفعها أكثر، فتنهار ولا تسخطها فتتحول لحدث عرضي، لكن يمكنك أن تظهر الجوانب الخفية في الكارثة كالجانب الإنساني أو الاقتصادي أو الاجتماعي، وبهذا الأسلوب تتضخم الكارثة في عين القارئ، دون أن يكون فيها شذوذ عن الواقع.

يجب أن يكون هناك توازن، فأن تكتب شيئاً معقولاً يساير الواقع أو أن تكتب شيئاً في الخيال، يخالف الواقع أو أن تبالغ في طرح القضايا وتضخمها بالقدر الذي يفوق لفت الانتباه، ويصل لدرجة الاشمئزاز، فأنت تخلق أحداثاً في كل الاتجاهات تبنيها بتصورك الشخصي، لأن الرواية تصور شخصياً للأحداث مهما تبنت من مراجع، أو تضمنت كوارث، فهي تفسر الواقع والتاريخ بعين واحدة، والمبالغة أو الاختزال لها موقعها في الرواية فبعض الأمور يجب أن يرتفع فيها نسق التفاصيل وبعضها يأفل فيها ذلك النسق، وكل القضايا والشخصيات والأحداث يربطها أسلوب الكاتب وكيفية الطرح، فالأسلوب يجعل من الغريب مقبولاً، ومن المستنكر جائزاً، ومن الشاذ طبيعياً.

إذا أحسن الكاتب الصياغة، واستطاع أن يصل بالأحداث لمستوى الإقناع لدى القارئ يكون العمل تجاوز الإرباك وفك الاشتباك الذي يحدث بين الشخصية والحدث في الرواية، وحتى لو لم يعجب العمل الأدبي المختصين، ووجد نقداً لاذعاً، واكتشفوا فيه الكثير من الأخطاء التكوينية، يمكن للعمل أن يتجاوزهم جمعياً في عين الجمهور، ويكون مقبولاً أو ناجحاً أو مبهراً.

الإله يتحكم في كل شيء من البداية حتى النهاية، والكاتب إله الرواية، وهو المتحكم فيها، وعليه أن يخلقها بشكل جميل، وأن يعود إلى الواقع أو تصوراته؛ لأن الواقع هو ما يربط الرواية في ذهن القارئ، فوجود الإنسان في رواية خيالية هو بحد ذاته واقع؛ لأن الإنسان واقع، والأحداث الخيالية تدور حوله، أو تشابه الأحداث بين عالم افتراضي كامل مع الأحداث في عالمنا، مع الفرق في التشكيل والتلوين والبهرجة التي يضعها الكاتب لكي يكون عالماً خيالياً يناسب الطرح.

الرواية: الشخصيات في الزمان والمكان ..

عندما أكتب نصاً قصصياً أو روائياً وأصف مكاناً أو شخصاً أو يكون هناك حوار يناقش قضية مهمة انتبه لعمر الشخصية التي تتحدث ، ولجنسه، ذكر، أنثى، والثقافة التي ينتمي إليها.

ولأشرح هذه المسألة قليلاً، لنفرض رجلاً في الخمسين يتحاور مع شاب في العشرين من العمر، من المهم أن يكون فكر الشاب مواكب لعمره وزمانه وثقافته، وكذلك الرجل الخمسيني، يجب ألا يخرج عن نظرة الرجل الكبير ذي الخبرة والوقار مثلاً، وعلينا أن نغير الشخصيات قليلاً لنكتشف بعض الفروق، لو كان رجل في الخمسين من العمر يحاور رجل في الأربعين ، من الطبيعي إن نوعية الحوار ستختلف لتتماشى مع الشخصيات، فعمر الأربعين أكثر اتزاناً من عمر العشرين، واندفاع الشاب، أقوى من اندفاع الشيخ .

مرة أخرى لنغير المشهد، ونجعل الشخصيات تصف مكاناً لنفترض أنه مقهى، تصفه ثلاث شخصيات ، شخصية شاب، ورجل كبير في السن، وامرأة في الثلاثين من العمر، فما الذي سيلفت انتباه الشاب وما الذي سيلفت انتباه الشيخ وما الذي سيثير المرأة الثلاثينية في المكان، ولنضع حسب نظرتنا إلى الأشخاص تصور لما ستنتبه له الشخصيات الثلاث، فالشيخ الكبير سيعجبه الأثاث العتيق في المقهى الذي يعطيه ملامح الأصالة، لكنه سيشتكي أن الكرسي غير مريح، والمرأة الثلاثينية لن يعجبها الأثاث القديم ، لكنها ستبتسم للوردة الموجودة على الطاولة، أما الشاب ربما لا يعجبه المكان برمته ولا جودة مأكولاته ، فهو يريد مكاناً يتسم بالحداثة، لكن تستهويه فتاة المقهى .

من الضروري أن يكون هناك اختلافات في شخصيات الرواية ومن الضروري أن تتناغم تصرفات الشخصيات مع الأحداث بما يتناسب معها، فالشخصية القوية في الرواية لا تستسلم دون مقاومة، ولا تتوقف عن المحاولة، والشخصية الضعيفة لا تتمرد إلا في حالات نادرة بدوافع معينة، وشخصية الرجل تختلف عن شخصية المرأة، والمرأة الكبير في السن تختلف عن الشابة في العشرين من العمر، وقس على ذلك، هذا لا يعني أن تكون الشخصيات نمطية لا تخرج عن السياق، لكننا يجب أن نحرص على أن تسير الشخصية حسب الصورة التي رسمناها للشخصية في الرواية ولا تخرج عنها إلا بقناعة أو حدث يستطيع أن يؤثر في الشخصية بحيث تتبنى تصور جديد أو تغير من سلوكها .

شخصيات الرواية هي الأساس الذي تقوم عليها، والخل في الشخصيات يولد الإرباك للكاتب ويشتت ذهن القارئ بحيث لا ينتبه لجماليات الرواية بل ينظر إلى الخل، فالتحول المفاجئ لشخصية مهمة في الرواية دون مبررات مقنعة يضعها الكاتب، تخلق فجوة بين واقع الرواية وشخصياتها، وتجعل القارئ يتوقع أن يتجه الكاتب للفنتازيا، وهذا الأمر لا يحدث إلا في روايات الكوميديا أو الفنتازيا ذاتها، لكننا لا نستطيع أن نقلب الشخصيات رأساً على عقب في الروايات الاجتماعية أو الروايات التي تحاكي التاريخ دون أسباب أو أحداث مؤثرة، تكون مبرراً مقنعاً لتحول الشخصية من قناعة لقناعة أخرة أو من تصرف متوقع لتصرف متهور أو شاذ عن السياق .

خطوات وشوارع ..

كل الذين يمشون في الشوارع، أشكالهم وألوانهم وأحجامهم مختلفة، يحملون رغباتٍ وأهواء، سعادة، هموم، تعاسة، قصص، كل ذلك يمشي على الأرض مع البشر، كل شخص يسحب معه شيء لا يراه الآخرون، ربما لا يريدهم أن يروه.

كل شخص معه شيء لا يدري أين يضعه أمامه أم خلف ظهره أو فوق رأسه، عالم خفي داخلنا يدفعنا للحركة، لنلقي تلك الأحمال التي نعانيها، أو لنقتني أحمالاً أخف.

حوار صحفي

كل الشكر والتقدير للأستاذة أزهار الأنصاري وصحيفة اوروك العراقية

احترق ..

كيف انتِ
اخبريني ..
كيف قلبك ..
كيف عينك ..
هل تريني؟؟

ام تركتي الذكريات
للضلوع الخاوية
والرفوف الخالية

لتدفينها
اخبريني

عزيزتي لا تهربي .. لا تتركيني
دون كلماتٍ ..
كافيه كي تقنعيني

فأجاباتك واهية
مثل الرياح ..
تعصفي ..
ولا تقتليني

وترحلي ..

كيف انتي .. تسمعين
تأكلي وتشربين
فوق جثمان الهوى
وتسكرين
وتشاهديني .. احترق