هل تعلمين أن الوداع مؤلم؟ وأنه لو لم ألتقيكِ ما شعرت بذلك الألم، ولا عرفت معنى الشعور التعيس الذي يطاردني أينما ذهبت.
ليتك تفهمين أن الألم، ليس فراقاً فقط، فهو يجمع ما هو جميل ليُولِد الحسرة في النفس، وما هو مؤلم ليُعمق الجراح، وكل الأشياء البسيطة ليُعقد الحياة بعده، الفراق سيدتي شيء لا يوصف، الكل يكتب ألمه ويعترف به، والحقيقة أنه يمزق كل نفس على حدى، وبأنواع عذاب تتفاوت.
تعرفين من يعاني ألم الفراق أكثر؟ ذلك الصامت المبتسم، الذي تقرأين في ابتسامته ألف معنى للحزن، الماشي في صمت يبحث عن ذاته في الطرقات، يبحث عن محبوبته التي فارقها في الوجوه التي يقابلها، لعله يراها صدفة.
رغم الرحيل، ورغم المسافة الشاسعة في الزمان والمكان، والمسافة بين قلبي وقلبك، إلا أني أحلم أن أراكِ صدفة، أو التقي نظرتك التي لا شك أنها ستحتقرني حينها، رغم ذلك أحلم، ولا أملك إلا أن أحلم فذكرياتك تنتشر في أرجائي، تشاركني كل شيء قهوتي، كتابي، قلمي، حلمي، والأماني.
الحياة شيء غريب مختلط تتحرك أوراقها باستمرار تدور وتدور لا تقف عند حد معين فكيف لهذا التسلسل من الأحداث أن يقف لشخص لم يقف عند حياته ويتأملها.
الحياة مغرية بما فيها من أحلام وأماني وآمال ينظر إليها الإنسان نظرة الرغبة والشهوة، فإن لم ينل مبتغاه أصبح تعيساً مكتئباً تطارده ذكرياته، وتلاحقه همومه إلى ما لا نهاية.
الحياة جميلة بها مباهج ومناظر تغيب عن أعيننا في أغلب الأحيان، فنمر عليها دون أن نراها، ولو نظرنا إلى الدنيا نظرة المتأمل سنجدها رائعة، ولو عشناها بتعاسة سنجدها كئيبة، كل عمل مبدع في الطبيعة له عين، لو بحثت عن الجمال بحث المصور المحترف لرأيت السماء بعين الطيور، وسافرت بقلب بحار مستكشف، ولو قطعت الصحاري بقلب بدوي ستجد أن الدنيا جميلة جداً لا تخلو من الروعة والدهشة وستمنحك الانبهار.
الحياة تلهمك بأشياء كثيرة، فلو ركزت في حياتك كإنسان له تاريخ، ستجد الذكريات ولو ركزت أكثر ستجد الخبرة والعبرة، ولو ركزت في خيالك ستجد الأحلام والأمل، ولو ركزت في جسدك ستجد القوة، ولك أن تستقطب كل شيء تريده.
الحياة عدوها الموت ورمزها الأوضح هو الإنسان الكائن الوحيد الذي يستطيع أن يفهم معنى الحياة ومعنى الموت ويسعى لتلافيه، هو رمزها الخالد وخلوده متسلسل بأجياله المتعاقبة وتاريخه التراكمي.
الحياة والدنيا مرتبطان ارتباط وثيقاً فلولا الحياة لا ترى الدنيا ولا معنى لها، لكن الحياة هي من أعطاها رمزيتها وشأنها وجمالها فالدنيا تزهو بمخلوقاتها كما الزينة فالدنيا تتزين بالحياة، وتتشكل بها تلبس في الصيف ثوب الجفاف، وفي الشتاء ثوب البرد، وتحتفل معها في الربيع.
الحياة كل شيء ولا شيء بلا حياة فكيف لنا أن نقتل قلوبنا، ولا نحركها، ندفنها في الذكريات والألم، ولا نرى التجديد من حولنا الشمس تدور والقمر، والغيوم تتحرك، لا شيء يقف فكيف للإنسان أن يقف في مكانه دون حركة، ألا يستدعي كل هذا أن يفكر، ولو قليلاً لكي يفهم ويعرف أين موقعه في الخارطة.
ليستِ السعادةُ شخصًا أو حبيبًا، فربما يكون ذلك الشخص هو الحاجزَ بين الإنسانِ وسعادته؛ التضحيةُ من أجلِ الحبِّ أحيانًا تُسبِّبُ لنا التعاسة، وعندما نتجاوز مرحلةَ الألم نكتشف أنَّ الحبيبَ الذي كنا نظن أنفسَنا سعداءَ بجواره، كان سببَ تعاستنا، ورغم ما كنا نُعانيه، تبقى العواطفُ والذكرياتُ مستمرة، وهذا شيءٌ غريب، لأنَّ الأمرَ مُعقَّدٌ في هذا الجانب.
لا مقاييسَ للسعادةِ، ولا حدودَ لها، ويمكننا أن نجمحَ رغبتنا في السعادةِ الزائفة، التي تتمثل في الطمعِ أو الحبِّ، بالقناعةِ والرضا، وهذا الأمرُ يُغطيه الجانبُ الديني، لكنه يكون عكسيًّا في بعضِ الأحيان؛ كأن نكون راضينَ عن مستوى معيشةٍ معيَّن، ويمكننا أن نصلَ لمستوى أفضل، أو نستمرَّ في علاقةٍ، ونقول إننا مُقتنعون بها (والحمد لله)، وهي في الأساسِ كارثية.
السعادةُ توازناتٌ، ينجح البعضُ في تحقيقها، ويفشل آخرون، تختلف أسبابُ سعادتي عن أسبابِ سعادتك؛ بعضُنا سعادتُه الغِنى، وغيرُنا يُسعده الحبُّ، وآخَرونَ تكمن سعادتُهم في الإنجازِ والعمل.
الابتعادُ عن الضغطِ النفسي له تأثيرٌ كبيرٌ في هذا الجانب، فالعملُ تحت ضغط، أو الحياةُ مع شخصٍ سيِّئ، يدمر شعورَ السعادة.
علينا إهمالُ التفاصيلِ السخيفةِ لنتجاوزَ التعاسة، وكذلك الابتعادُ عن الأمورِ الروتينية، وإهمالُ الحذر، والإفراطُ في الخوفِ الزائد عن حدِّه من المستقبل.
حيث تكونين سلاماً، فأنا لا أريد لكِ إلا السلام، فإن كنت مع نفسكِ في سلام لا تفكري كثيراً في من حولك، غالبا هم لا يستحقون تلك الدقائق الثمينة التي ستنفقيها عليهم، ولا يستحقون المساحة التي من الواجب أن تخصصيها لهم في قلبك، هم مجرد أشخاص يتحركون في فراغ الذكريات .
استسلمي للسكون واشربي قهوتك في هدوء تام، افتحي تلك الكتب التي أهملتها فترة من الزمن، اقرئي، وأتمنى أن لا تجدي أشباح الماضي كامنة بين السطور، وأن لا يزعجك حين تقرئين شيئاً يثير الشجن، أو يحيي الذكريات، أو شيئاً من الحب، فلا معنى لتلك المشاعر فالسطور والحروف جامدة، ويجب أن تكون مشاعرك أيضاً جامدة.
كل شيء يجب أن يسخر لكِ، مكتبك، كُتبك، أقلامك، مفكرتك، وحدتك، فراغك، حتى جنونك، لا تشركي فيه أحد، تذكري أنكِ تملكين كل هذه الأشياء عزيزتي فلا تفرطي فيما تملكين، احرصي أن تكوني وحيدة فالوحدة أبلغ من الصحبة، والفراغ أثمن من الاجتماع، وغالباً ما تكمن قيمة الأشياء الصغيرة في وجودها بين يديكِ.
لا وقت لديك لتنفقيه لأحد، ولا تمنحين قُبلة الحياة لأحد فأحياناً ما تكون تلك القبلة مميته ، لا تفكري أن تهبيها لأياً كان، احتفظي بها لنفسك، لا تغامري، لأنك إما أن تقتلي بها شخصاً، أو أن تقتلي بها نفسك.
قولي وداعا ليس لي أنا، أو لأحد ممن كانوا حولك في أحد الأيام، بل وداعا للصخب الذي سببته لكِ، وللأمل الذي دمرته في في نفسك، وللحب، الذي يقولون أنه أكبر كذبة عرفها التاريخ، قولي له وداعا، فربما يستحق هذا الوهم الوداع.
ألا تخبريني لماذا أنظر إلى هاتفي كل دقيقة وأنتِ غائبة؟ وكيف ستخبرينِ وأنتِ غائبة؟ أحياناً ترد إلى ذهني أسئلة غبية، وأنا أفكر فيكِ، ولا أجد لها تبريرات ولا أسباب تدفعها للظهور، تنبثق في ذهني فجأة حين تمرين ببالي وأحياناً أخرى تحملك تلك الأسئلة إليّ لأقف أمام نفسي عارياً، واكتشف أني أضعف مما أظن.
نعم أنا ضعيف ولولا الألم الذي أحمله في نفسي تجاهك لما تأخرت أبداً، هناك شيء يقف حائلاً بين نفسي التي تريدك ورغبتي التي تدفعني إليكِ وبين تلك الخطوة الصغيرة التي تكسر كل المسافات بيننا، تجعلني احبس يدي عن كتابة رسالة وامنع مشاعري المزعجة واسجن نفسي لأمنعها أن تتهور وتهرول في اتجاهك، فأنتِ لا تعنين لي الحب وحده كما تظنين، فأصابعك مزقت أوتار اللهفة.
أعود أنا.. للمساء.. فالمساء لا يتغير، كان يأتي من قبل أن أوجد، وسيأتي بعد أن أرحل، لا يتأخر، ومسائي .. أنا .. لا يأتي إلا متأخراً يصحبه الظلام، بين نور يموت ونفس تموت يأتي بالظلام ليحجب كل شيء، ويخرج كل شيء، يأتي متى يريد وكيف يريد .
مسائي أنا.. جميلٌ مظلم، تزينه الأفكار.. الغبية، مسائي أنا بين عقلي.. وقلبي والمسافة بينهما.. أنا.
علمتني الحياة أن لا اندفع خلف شعوري المفاجئ، ولا استعجل في تصديق مشاعر كثيرة استشعارها ممن حولي فالمشاعر وليدة اللحظة، تولد ثم تموت، وربما أكون من القليلين الذين ماتت مشاعرهم بين يوم وليلة، فلم تعد تأثر فيهم الكلمات اللطيفة، والمشاعر المتدفقة ولا كلمة أحبك.
لا يملك الإنسان مشاعره، ولا يستطيع أحياناً التحكم فيها، لكن لا يحق لأي إنسان أن يفرض مشاعره على أحد، لكي يصل لشخص معين، أو لمن يحب، فالطرف الآخر ربما يملك شعورا مختلفا، نحو شخص مختلف، في زمن مختلف، فكيف يستسلم لم ن يفرض عليه أحاسيسه، وإني لأرى الكثير من الناس الذين فرض عليهم الحب وقبلوه، دون أن تكون لديهم مشاعر حقيقية، فأصبحوا مقيدين بحب فرض عليهم لم يولد في نفوسهم.
من المؤكد أن الحديث عن العواطف شيء حساس، وأن الصد مؤلم، لكن الخديعة أن نتماشى مع ذلك الشعور، ونستسلم دون تفكير، ففي كلتا الحالتين ستنتهي المسألة بفشل ذريع، وربما تكون نتائجه غير متوقعة.
كل الذين يمشون في الشوارع، أشكالهم وألوانهم وأحجامهم مختلفة، يحملون رغباتٍ وأهواء، سعادة، هموم، تعاسة، قصص، كل ذلك يمشي على الأرض مع البشر، كل شخص يسحب معه شيء لا يراه الآخرون، ربما لا يريدهم أن يروه.
كل شخص معه شيء لا يدري أين يضعه أمامه أم خلف ظهره أو فوق رأسه، عالم خفي داخلنا يدفعنا للحركة، لنلقي تلك الأحمال التي نعانيها، أو لنقتني أحمالاً أخف.
ضجيج، كل ما في رأسي ضجيج، لا يَنتج عنه سوى الإزعاج، لا أفكار جديدة، ولا أحلام، ولا خيال، مجرد ضوضاء، تجعلني أنغمس فيها حتى الغرق، ثم أفيق ليخرج كل ما في رأسي من صراخ، وتعود التروس لتعمل من جديد، وتنتج أصواتاً مزعجة، فأهوي إلى القاع وأغرق.
الصدى يتكرر والأصوات، البشر يتغيرون والفلك ثابت، يدور حوله من يدور ويخرج منه من يخرج فلا فرق بين الآتي والغادي وبين المولود والميت، إلا مسافة الحياة، ذلك الخط . ________ . بين نقطة ونقطة مثل الثقاب يشتعل بقوة، ثم يموت في صمت.
إن للموت هيبة، فتجد الإنسان يقف عند الموت موقف العاجز فلا حركة بعده ولا قضاء يعلوا عليه، وإنه يضع الرعب في القلوب قبل وصوله، والاستسلام حين يحل، فلا شيء يقف في طريقه، والكل يجمع على ذلك، لذا فهو الأمر الأخير في شأن كل إنسان، موقن بحدوثه، ولا يستطيع أن يمنعه.
الموت شأنٌ عجيب، لا نعرف له سبب يقيني، يصيبنا المرض، أو نموت في حادث سيارة، وأحياناً ننتظر وفاة رجل كبير يعاني المرض، فيموت ابنه الصغير في فراشه دون مقدمات، نسير لا نتوقع الموت ولا يتوقعه لنا أحد، لكننا نسير لذلك القضاء المحتوم، تصدق توقعاتنا في الموت او تخطئ، جميع الاحتمالات واردة لا يستطيع أحد أن ينكر شيئاً منها.
الموت هو نهاية، وبدايته هي الحياة، فما وجد من عدم، يعود إلى العدم، وكل شيء يخلق ينتهي لا محالة، ولا يحمل الإنسان استثناء من ذلك، بل مهمته تنحصر في تحسين الحياة، التي ستصل إلى بالموت، ولو عرف الإنسان متى يموت، لما عمل لذلك ولا أجتهد، فحين يكون الموت غيباً، يترك مساحة الأمل قائمة، لا ينهيها، فيكون الأمل بالحياة هو الدافع للاستمرار.
الموت ربما مرحلة نهاية، ربما ، وربما ، وربما ، قالوا عنه كل شيء، ولم يقولوا عنه شيء، هو رحلة، هو نهاية الرحلة، وقالوا هو بداية لرحلة جديدة، و هو الذهاب للعدم، ولا حياة بعد الموت، والحياة الحقيقية بعد الموت ، وقالوا ، وقالوا ، وقالوا ، والناس في هذا مذاهب، وكل ديانة، تفسر الموت بطريقتها، لكنهم جميعاً متفقون على شيء واحد، أن الموت سيقع لا محالة، فالجميع يسلم بحقيقة الموت، مهما اختلفت المذاهب في الخلق أو النشوء والتطور، أو غيرها، يبقى الموت الحقيقة التي يسلم بها الجميع دون جدل، فيختلفون عما كان قبله، وما سيحدث بعده، ويتفقون أن الموت حقيقة واجبة الحدوث.
قال تعال: ((نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ))
أجمل ما في الحب أنه يلغي العقل ومنطقه، ويخرجنا من حواجز التفكير، فنجد لذة النظر ورحابة الحياة.
لا متعة في العقل، فالعقل منطقهُ آلي والقلب منطقهُ لذيذ رغم ألمه، نخاف منه ونريده، يؤلمنا ونشتاق إليه، يتعبنا ونسعى وراءه، تناقضات لا منطق فيها، لكن اللحظات التي نعيشها في العاطفة لا تساوي الزمن، فهي تغوص في السنين، وتسافر معنا، ترحل وتعود، كأنها مجدٌ يلازمنا.
ماذا أقول لا أدري، مضى الزمن، والذكريات تربطني بتلك العواطف، مضى الزمن وما زلت أتوق لأن أجد مساحة تخرجني من أسوار العقل لرحابة العاطفة.
الخصوصية والكوكيز: يستخدم هذا الموقع الكوكيز. تعني متابعة استخدام موقع الويب هذا أنك توافق على استخدامها. لمعرفة المزيد، بما في ذلك كيفية التحكم في الكوكيز – شاهد هنا: سياسة الكوكي.