جلسة نقاشية ..

قراءة في كتاب رواية “قاربي سيعود” للروائي محمد السادة

قرأت تاريخ البحر وأنا على مركب يتصابى بفعل الأمواج فيميل تارة إلى اليمين وتارة إلى اليسار وأنا اقلب صفحات هذه الرواية وأبحر مع السيد علي شرقاً وغرباً، استخرج اللؤلؤ مع الغواص واشد الحبل مع السيب، أتناول التمر واشرب القهوة وأنتظر وجبة العشاء مع البحارة، لفحتني الشمس معهم وترك الملح اثاره على جلدي، شعرت بكل ذلك وأنا على مكتبي اقرأ رواية “قاربي سيعود” فيها تتجسد التفاصيل الصغيرة التي يمكنها أن تعود بك لماضٍ قديم تشم فيه رائحة التاريخ وترى عرق الرجال وهم يكابدون المصاعب من أجل لقمة العيش.

الرواية تناقش حقبة زمنية ما بعد الحرب العالية الأولى مروراً بالغوص للؤلؤ وحتى موت هذه التجارة والتحولات التي طرأت على الكثيرين بسب دخول الآلة في الحياة، والتطور السريع الذي غير حياة البحارة، فأصبح اغلب تجار اللؤلؤ يعانون من المصاعب وتدهورت حياتهم.

اتبع الروائي محمد السادة اكثر من أسلوب في السرد منها الراوي الذاتي والراوي العليم، وفي بعض المواضع كانت الحكاية في الحوار الدائر بين السيد علي وأبن أخيه، ولم أجد أي غضاضة في الانتقال بأسلوب السرد من شكل لشكل آخر فأحداث الرواية لم تتأثر باختلاف الراوي، وبما أنها الرواية الأولى التي يصدرها السيد محمد السادة فأنا ارفع له القبعة لعدة أمور أهمها كمية المعلومات والأحداث التاريخية التي تطرق لها في الأحداث، فلن تخرج من الرواية دون أن تعرف الكثير من مصطلحات البحر وأساليبه التي كانت متبعة في ذلك الزمان وستتمكن من معرفة بعض التفاصيل التاريخية التي دخلت على عالم السفن الشراعية في الخليج.

مرحلة واحدة في الرواية يمكن أن أقف عندها وأضع عليها ملاحظة وهي مرحلة الحوار بين السيد علي وأبن أخيه إبراهيم، حيث إن شخصية إبراهيم ادمجت في الحوار دون مقدمات تهيئ القارئ لتحول السرد من الراوي العليم إلى الحوار حيث دخلت الشخصية بعد مرحلة الذكريات التي كانت تمر بالسيد علي وأصبحت الأحداث تدور عبر الحوار الذي نلمس فيه التبسيط الشديد للأسئلة، والواضح أن الروائي أراد أن يبين كل مجاهل السفن والغوص عبر شخصية تريد أن تعرف التفاصيل.

الرواية ممتعة غلبت عليها روح الشاعر التي يحملها السيد محمد السادة بين جنباته، فزينت بصمته الشعرية لغة السرد بكل ما هو جميل في اللغة وجعلتني التهم الصفحات دون أن اشعر .

الرواية صغيرة لحدٍ ما تقع في 160 صفحة من القطع المتوسط أنصح بقراءتها .

رأي في رواية ثمار القلب ..

رواية ثمار القلب

للكاتب جابر عتيق

قراءة نقديه للأستاذ أحمد صقر

يتحفنا الكاتب المتألق جابر عتيق بلغة بلورية مُقطرة، بيسر سردها من الصفحة الأولى تقريبا للرواية.

اربع حكايا لا تعتقد ولا في الاحلام ان ابطالها يمكن ان تتقاطع حياتهم بأي شكل من الأشكال. لكن تشدك الاثارة ، من ابداع الكاتب في اختيار الكلمات المناسبة والبعد عن الحشو والتكرار يشدك هذا التمكن من الاستمرار واشعال سيجارة وراء أخرى وانت تغوص في خيال جابر. أيش جاب بلح الشام لعنب اليمن؟

الاثارة موجودة لأنك لا تعرف كيف سيجمع القدر كل هذه الشخصيات في حلقة واحده من مسلسل الحياة يحدث ذلك تقريبا في النصف الثاني من الكتاب حيث تتلاقى الخيوط وتبدأ حياكة الحكاية بشكل لا يخطر ببال من شدة واقعية العمل الفني في كتاب جابر لم أستطع الا ان اعتبر هذه الشخصيات جميعا حقيقية قد تكون اسماؤها مستعارة فقط ، ومن شدة هذه الواقعية انها ذكرتنا بمستوى القهر والظلم التي تعيشه المرأة في مجتمعنا .

لا استطيع الا ان اشعر بالغثيان في قصة أحمد وهيا ! وفعلا كنت أتمنى ان ترفض هيا الزواج من خالد والذي كان هو السبب في طلاقها ممن احبت وارتضت وكنت أتمنى ان تستمر حياتها مع أولادها وبدون زوج، على ان يظفر بها خالد في نهاية المطاف، ولكن هذا ما حصل لأن القصة فعلا حقيقيه وكثيرات هن على شاكلة هيا وطلاق نور المبني على كلمة من رجل قال لزوجها انها اهدته قلما قبل زواجها منه!! وزوجها طلقها حتى بدون ان يسألها والجميع سانده واعتبره صاحب حق كالعادة حلال على الرجال وحرام على النساء، ولكن أيضا هذا دليل على واقعية الخيال عند الأستاذ جابر (ان لم يكن حقيقة لا خيال)

ليس من الدين بشيء ان تفقد المرأة حضانة اطفالها ان تزوجت، بل هي حمية الجاهلية الأولى المقيتة والذي جاء الإسلام ليغيرها لكنها مع الأسف متأصلة في مجتمعنا، بل ونسميها القضاء الشرعي والعياذ بالله .

في المحصلة، كانت رسالة الكاتب ان المجتمعات مهما بلغ ثراؤها لا تُبنى سعادتها الا على صدق المشاعر وحرية الاختبار.

لا اريد ان اطيل اكثر لكنني استمتعت بقراءة رواية اخي وصديقي جابر عتيق واشعلت مشاعري كلماته البليغة وأتمنى ان يقرأها الجميع فهي إضافة قيمة لأدب الرواية العربية والخليجية القطرية .

كل الحب والتقدير والاحترام

أحمد صقر

https://www.facebook.com/ahmr.hnyh

مقابلة للكاتب جابر عتيق في مجلة هي و هو

https://www.raya.com/magazine-category/%D9%87%D9%8A-%D9%88-%D9%87%D9%88/

قراءة في كتاب رواية “ناريا” للكاتب حسن علي أنواري

عندما تقرأ رواية ناريا للكاتب حسن علي انواري، تتصور للوهلة الأولى أنك تقرأ رواية خيالية، على عكس الحقيقة التي تكتشفها بعد بضع صفحات أنها تحاكي الواقع بمنطق الخيال، واحداثها التي تجري تسقط بسرعة في مخيلتك على احداث جرت منذ فترة قريبة، عايشها الكثيرون، تكتشف أن ظل الله في الأرض موجود بيننا وقادة جيشه ومخابراته يمثلون الحقيقة التي نحاول أن نتجنبها في الواقع.

النهر الفاصل، الهزائم والانتصارات، يستطيع القارئ أن يضع لها تواريخ ويسميها، لكنه يجد في النهاية الدرامية التي نسجها الكاتب تصورات أخرى، تنبت في عقله مع مشهد قتل “نحسو” بطل الرواية، أن الدكتاتور يمكنه أن يضع يده بيد عدوه لكنه لا يستطيع أن يضع يده بيد شعبه، وأن الكلمة التي يقولها العقلاء من الشعب هي مصدر القلق الأكبر لدي أي دكتاتور، وأن الدين اصبح لعبة يستخدمها الساسة للسيطرة على الشعوب، ورغم هذا التصور المتشائم، ستجد مبدأ مهم،  أن الأفكار الصحيحة لابد أن تصل للشعوب وتحقق أهدافها لا محالة، طال الزمان أو قصر.

الرواية سلسة بشكل كبير، لدرجة أنك تعتقد في بعض المراحل من القراءة أنها رواية للناشئة، لكنها تتعدى هذا التصور، حيث أن اسقاطات الأحداث على الواقع أعمق من أن توضع في نص يخاطب الناشئة وحدهم، بل يخاطب شرائح مستسلمة ومغيبة.

الفرق بين بين كتابة التاريخ والرواية الخيالية التاريخية، أن بها منطق ادبي يستطيع أن يتسلل لنفس القارئ بسلاسة تجعله ينظر للحدث من ناحين أدبية أو درامية وتفتح له مجال الخيال ليعيش الأحداث أو ينقلها لواقعه، أو يسقطها على احداث وقعت بالقرب منه منذ قترة، وهي أسلوب فعال يستخدمه الكتاب العرب للهرب من مقص الرقيب والأجهزة الأمنية.

صدرت عن دار أبجد

http://www.ebjed.com/single.php?view=1091

رواية الثقب الأعوج

الشكر لمجلة “هي وهو” الصادرة عن جريدة الراية القطرية على متابعة الجديد في عالم الرواية، كذلك الشكر للأستاذة / حنان بديع لما تقوم به من مجهود رائع وملموس في هذا المجال .

جلسة نقاش لرواية الثقب الأعوج ..

تحت رعاية نادي اقرأ وأرتقِ الثقافي تمت مناقشة رواية الثقب الأعوج

فوضى بثينة العيسى ..

فوضى بثينة العيسى ..

فوضى السرد في رواية “كبرت ونسيت أن أنسى” للروائية بثينة العيسى ..

كبرت ونسيت أن أنسي ، يسهل علينا أن نعرف من العنوان أن الرواية تتحدث عن فوضى مشاعر ، وحين تضطرب المشاعر لا تكون الذكريات مرتبة بحسب أحداث الزمن ، ولا تحمل منطقة، بل هي لمحات تمر دون ترتيب في الذاكرة وقد وظفت بثينة العيسى هذا المعنى بشكل جميل في روايتها ، وجعلته يحاكي واقع المشاعر في الفوضى وواقع الأحداث الفوضوي ، فكان الانتقال من حدث متأخر لحدث متقدم دون النظر للترتيب ثم العودة لحدث وسطي ، ورغم كل هذه الفوضى في السرد كانت الصورة ترسم بشكل عشوائي بحسب الذكريات ورواسبها في النفس .

من وجهة نظري التي أراها صحيحة وأضعها في مقاييس جودة الكاتب حين يستطيع الكاتب أن يرسم فوضى المشاعر بالكلمات ، ويشكل الاضطراب الذي يحدث في النفس عبر تعابير متكررة ومكسورة أحياناً لكي نرى مدى تصدع شخصية ما في الرواية ، فالروائي لا يرسم صور زيتية بل هو يسرد جمل تجعلنا ننظر لتلك النفوس والشخصيات في الرواية فنعرف أن بها خلل نفسي أو عاطفي أو تعاني من ألم ما ، وهو بذلك يوصل رسالته عبر الكلمات ولا يحتاج لللتصريح بالأمر بل يترك للقارئ قراءة الشخصية بناءً على السرد ، فيعرف من خلاله ما تعانيه فيجد الاضطراب ويجد التردد ويجد الحيرة والضياع ، ضمن الكلمات .

ربما لا يعجب هذا الأسلوب الكثير من المحررين ، وأعتقد أن المحرر المختص في الرواية يمكنه قراءة الشخصيات المتشكلة في السرد بشكل سهل ، ويا للأسف أغلب محررينا هم محررين صحفيين ، يفرضون شروطهم على عالم الرواية فيطالبونا أن نسرد الأحداث بشكل آلي وننمقه بشكل يخرج شخصيات الرواية عن واقعها النفسي .

مشوقة الرواية ، مشوقة الفوضى التي كتبتها بثينة العيسى تلك الفوضى التي تتخلل كل شيء في شخصية اخترقتها الظروف ودمرتها ، فالفكر لا يخرج مرتباً حين يمتزج بالألم ولا يمكن أن يتذكر الإنسان آلامه بشكل منظم ، المشاكل والأحزان لا تأتي بشكل منتظم بل بها عشوائية فمنها العميق ومنها السطحي ومنها ما يجرح ومنها المستقيم والمعترض ومنها الخطير ، وتمر في ذاكرتنا بحسب المحرك الذي يذكرنا بها ، وأظن أن بثينة العيسى بَنت روايتها على هذا الأساس الفوضوي لكن في مساحة نفسية واحدة جعلنا نجمع مكعباتها حتى وصلنا للصورة النهائية .

لم أجد أي اعتراض للبناء الروائي إلا حين تحدثت عن الحب ، فغابت الفوضوية وبدأت الأحداث تترتب وأظن أن لو سارت الفوضى للنهاية لكانت فوضى خلاقة فنسيج الرواية المموج في البداية اصبح منتظماً في النهاية ، وما كنا نجمعه كأجزاء أصبحنا نرصه رصاً في النهاية ، وهذا لا يعني أننا ننكر جمالية السرد بل جماليات السرد سارت للنهاية لكن فوضى الحدث توقفت عند نقطة معينة وسارت بتناغم مختلف .

من النادر أن تشدني رواية لهذه الدرجة ، ربما تكرر صدى الأحداث في رأسي ، أو أني عايشت الشخصية لدرجة أني شعرت برغبة في مد يدي إليها وملامسة آلامها والتخفيف عنها ، وهذه الحالة جميلة حين يستطيع الكاتب أن يزرعها في نفس القارئ فهي تثبت تمكنه من إيصال المشاعر بشكل صحيح وعميق .

انصح بقراءة الرواية .

رواية الثقب الاعوج

https://www.neelwafurat.com/itempage.aspx?id=lbb378388-375162&search=books

اصدار اتمنى ان يحوز على اعجابكم

قراءة في رواية العالم لـ خوان خوسيه مياس ..

قراءة في رواية العالم لـ خوان خوسيه مياس ..

أظن أن أي كاتب سوف يقرأ هذا العمل سيشعر بسهولة أن كاتب الرواية يتحدث عن نفسه ، ولا تعني هذه النقطة شيء في الواقع ، لكن صياغة نقاط الارتكاز التي تتضح كبؤر في حياة الكاتب يعود إليها في اعماله دائماً وهو الأمر الذي يشير له الكاتب بانتظام في روايته العالم والتي أستطيع أن اسميها عالم مياس الذي جعله يكتب ، يجعلنا نركز في كل الاحداث لنكتشف الكاتب نفسه .

الرواية سلسه وأستطيع أن اجزم أنها كذل بلغته الأصلية التي كتبت بها ، لأن الكاتب يتحدث عن نفسه دون قيود بل يرحل عنها ويعود لها دون قيود ، يكرسها في اعماله ويستوحي منها ويضيف إليها المزيد من الأحداث ، ثم يعود ويضع نقطة ارتكاز أخرى في نفس الحدث كأنه كان يكتب من ذاكرته المجردة دون أن يكون هناك إعداد مسبق لما يريد أن يكتب .

الخيال الذي يتحدث عنه الكاتب والذي تشك أحيانناً أنه حقيقي في بعض القصص ثم تبدأ تشكك هل القصة كلها خيال أم أن القصة واقعية أم أن بعض اجزائها واقع والآخر خيال ، فمهارته حين يضع مشهد خيالي في وسط مشهد حقيقي ينقلك لتصور آخر ثم يعيدك لنفس المشهد الحقيقي فتبدأ المقارنة بعد أن تنتهي من المشهد لتكتشف ما هو حقيقي وما هو مزيف إن استطعت التمييز .

أظن أن كل من سيقرأ الرواية سيقرأها بسلاسة ، لكن من يستطيع أن ينتزع منها الحقيقية ومن يستطيع أن يكتشف الخيال ومن سينقل الحدث على أرض الواقع ليعرف ما يعنيه الكاتب من ابعاد في قصص اثرت فيه لدرجة أنها اصبحت نقاط عميقة في نفسه يعود إليها لا شعورياً في أي زمان وأي مكان ، وهنا نجد أن الكاتب حبيس تلك المواقف التي تسكنه ، كل مشاهد الطفولة من بؤس ومن ألم ومن خيال واغراء وامل ، تسيطر عليه لدرجة أنه لا يستطيع أن يتخلص منها  وإن اجتهد وأن تعاطى الحشيش أو أي شيء آخر يساعده لكي ينفصل عن الواقع ، واقعه الذي يعيشه في داخله ونزعة الا انتماء التي يعيش فيها .

ورغم أنه لا ينتمي لعالمه يكتشف أن العالم كله يعرف أنه مياس ، وقد كرس هذه المسألة في المشهد الأخير من الرواية حين ناداه الرجل “مياس أرجوك ساعدني” كأنه أكتشف أن مياس هذا ليس والده بل هو وهو في واقعه حقيقة وإن لم ينتمي هو لعالمه فعالمه ينتمي له بالفعل .

الكثير من الاسقاطات في الرواية يمكننا أن نقف عندها فالكاتب ربط بين أمور كثيرة يمكننا أن نكتشف بسهول أنه لا يربطها شيء حقيقي لكنها ترتبط في عقله بين حالة عاش فيها وآلة كالمشرط مثلاً أو القيد الذي وضعه في حياته “فوبيا الأماكن المزدحمة” وعودته من نفس النافذة للبدروم الذي كان يراقب من خلاله الشارع فلم يتخلص من هذه المسألة لأنه عاد من نفس النافذة لمكانه ولم يغير وجهته ويعود من الباب الصحيح .

الدين في الرواية ، الكنيسة الألم جهنم الجنة لا تغيب عن واقع الكاتب الذي قال “فكرة الخلاص في ثقافتنا ترتبط بتفادي جهنم أكثر من الفوز بالجنة” وكأنه يخاطب الواقع سواء كان واقعه المسيحي أو واقع أي دين على وجه الأرض ، لكنه يبتعد عن الدين ثم يعود إليه يهرب منه ويجده أمامه في كل مكان ، يهرب من الأكاديمية التي تشرف عليها الكنيسة لما يعانيه فيها من تعذيب ليعود ويلتحق بمدارس اللاهوت ليصبح قسيساً ثم يخرج من كل هذا ويصبح كاتباً ، لكنه لا يستطيع أن ينسلخ من واقع الدين الذي يحاصره ، في الرماد الذي سيؤول إليه كما آل إليه كل الراحلين قبله .

الرواية جميلة وسلسة والعالم هو عالم خوسيه مياس الذي لا يريد أن يستغني عنه تقع الرواية فيما يقارب 240 صفحة ترجمتها جيدة جداً .