فوق الخمسين ..

سارت بي الحياة لكل مكان، وقابلت آلاف البشر، دون أن أعرف كم سأستمر ولا أدري متى ينتهي مشواري الذي بدأ منذ فترة طويلة، أسير وأدعي أني أتعلم مع أن أغلب الأحداث في حياتي أصبحت مكررة والمتغير الأكبر هي الأماكن والأشخاص، لكن المواقف أغلبها معادة، تواجهنِ مشكلة أحياناً تكون بسيطة وأحياناً معقدة وهي اللحاق بالركب أو مسايرة الزمن الذي أعيش فيه، ورغم شعوري بأني اكتفيت إلا أني يجب أن أعيش واستمر إلى متى لا أدري.

ليس من أحد لا يريد الحياة، لكن الروتين الذي يتكرر باستمرار يجعلك تتساءل كيف استمر؟ وما الذي يمكنني فعله في هذه المرحلة من العمر؟ أنقل خبرتي مثلاً أم اعتزل البشر، وأتفرغ للمطالعة أو أذهب لأمور أخرى في الحياة، التجارة مثلاً أو أي عمل يستطيع أن يشعرني بأن الحياة يمكنها أن تمنحني المزيد من الخبرة أو المعرفة.

انظر للحياة بتفاؤل، وأحياناً انظر لها نظرة ممل، ثم أعود وادفع نفسي للتفاؤل من جديد، إلا أن نظرة الملل تكبر وتتحول لاحتقار للحياة في بعض الأحيان، وتعود الشمس لتشرق مؤذنه بروتين جديداً يتكرر وبأشخاص حفظنا وجوههم وتصرفاتهم، وبشوارع أصبحنا نتوقع فيها كل شيء قبل حدوثه، فالسيارات لا زالت تمشي على أربع، كـطفل سريع الحبو، وأتوقع أن تكبر وتمشي على عجلتين بدلاً من أربع.

لا يمكنني أن أرى الأشياء خارج نطاق الواقع أو خارج حدوده، لأني لو نظرت إليها بشكل مختلف أنا متأكد أني سأرسم لها شكلاً جميلاً لا يمكنه الحياة في الواقع ولا أن يستمر، فالحياة خليط بين جميل وقبيح، وبين طيب وشرير، وبين غبي وذكي، وبين أناس تتصدر وأناس تعيش في الهامش، وأنا أجد نفسي في الهامش أكثر مما أجدها في الطليعة فالهامش الذي يحتقره الكثيرون يعطيني مساحة شخصية لا أتمتع بها لو أني كنت في الطليعة، مساحة تجعلني أتحدث بصوت عالٍ مع نفسي، وتجعلني انتقل من مكان لآخر، دون أن يعرفني أحد.

الوقار ..

إن الاحترام لا ينبعث من نفسٍ مريضة و لا يصل لنفسٍ مريضة، وإن الوقار يضع الحواجز، بين العاقل والمجنون ، وبين الجاهل والعالم، فصن نفسك بالوقار، وأحط نفسك بالعقلاء .

كائنات بشرية ..

ما أنا إلا إنسان جمعته الأيام وفرقته، انتشر حين أفرح، وانكمش حين أخاف، لا معنى للشجاعة دون خوف ولا معنى للفرح دون حزن، كل شيء يفسره نقيضه، وأنا بشر، فيني التناقضات، والتساؤلات، وأمامي الحلول، لأختار أحدها، ربما يكون الأصح، أو الأقل صحة، أو ربما أختار الخطأ.

خطأ، أنا خطأ، أنا مخطئ، أنا مذنب، أنا ما أنا؟ بشر، لا أتميز عن غيري، ولا أدعي، ولا أريد أن أتميز، فلا أرغب أن أكون فوق البشر، لكن لا أرضى أن أكون أسفلهم، حتى لا يضعوا أقدامهم فوق رأسي، فأخضع.

إنسان، لهذه الكلمة معنى قوي في قاموس المصطلحات، ليس في الكتب وحدها، بل في نفسي، وأظنها في نفسي أقوى، فالإنسان له تفسير علمي، وآخر منطقي، وآخر فلسفي، وآخر ديني، وهو كل هذه التفاسير مجتمعة، فيه التناقضات، يطمع ويَقنع، يخاف ويغامر، يحب ويكره، وبين كل قيمة ونقيضها شعرة، أفسرها أنا بمنظوري، ويفسرها غيري بمنظوره.

لا نتساوى في شيء غير التكوين الجسدي، لكن في دواخلنا، تختلف أفكارنا، تناقضاتنا، مشاعرنا، رغباتنا، أطماعنا، ونبني كل شيء من خلال ما ترسب في نفوسنا، وما تكدس في ذكرياتنا، نستنتج، نحلل، نخمن، نتوقع، بناءً على تراكم خبراتنا، ورواسب ذكرياتنا، ومخاوفنا.

جميعنا لدينا المشاعر، والرغبات الأطماع نفسها، لكننا نختلف، فأنا أستخدم مشاعري واطماعي ورغباتي بطريقة تعجبني وبأسلوب يخالف استخدام غيري لها، تطغى مشاعر على تصرفاتي، وغيري تطغى على تصرفاته الأطماع، وغيرنا تكتسحه الشهوات، كلنا لدينا الأشياء نفسها في الداخل والخارج تقريبا، لكننا مختلفون في استخدامنا لأنفسنا، اختلاف يصل إلى الصدام.

الاختلاف، هو أساس الحياة، والاتفاق، هو أساس النجاح. ومن ينجح؟ ومن يفشل، هو الإنسان، ذاته، تلك النسخة المكررة، في صور مختلفة، وأحجام مختلفة، ومشاعر مختلفة، كل واحد منهم يحمل صفات البشر، ومعاني الإنسانية السامية لكن تصرفاتهم تختلف ومعايرهم لقياس الأمور متغيرة.

مزاج قهوتي ..

القهوة مُرة المذاق، لم يغيرها الزمن، في لقاءٍ، أو فراق، لأنها .. مُرة .. في أساسها.

وذات مَره، أسقطت في جوفها “سكر” ظننتها ستفرح بتلك الحلةِ الحلوة.

وحين شربت منها، عرفت، أن السكر، أفسد “مزاج قهوتي” لأنها لا تريد أن تتغير….

أصعب شيء في الحياة أن تشعر بتلك الوحدة المميتة، ولا أعني أن تعيش وحيداً ومعزولاً عن العالم، بل إن البشر موجودون من حولك، لكن لا أحد منهم يستطيع أن يتغلغل إلى نفسك، فتشعر معه بلحظات الدف والرغبة في الحديث والبقاء معه كصديق.

الأثر ..

أتعلمين أني هنا؟ وكيف تعلمين، وقد رحلنا سوياً من هذا المكان لكني عدت لأشتم رائحتك، واقتفي أثر خطواتك التي مشيتيها بجواري عزيزتي لا يعني الرحيل موت المشاعر، لكنه خيار نضطر إليه أحياناً لنعالج أنفسنا من قسوة الحب العنيف الذي لا نستطيع أن نقاومه حين ينتكس علينا بشكلٍ سلبي، فيقلب حياتنا وينغصها ويجعلنا عاجزين عن وضع الحلول المناسبة، أو نضع الحلول التي تعجز عن معالجة أوضاعنا التي نعيشها.

  لنعود إلى آثارك التي لا زلت اقتفيها بدقة فملامحك ترافقني في هذه الأثناء التي أخطو فيها خلف ذكرياتك المتناثرة في حياتي لكي أجمعها واحتفظ بها لمدة أطول من الزمن، لأتذوق لذة ذلك الشعور الذي كان ينتابني وأنا أسير بجوارك، وتتخلل أصابعك أصابعي.

ذكريات حبيبتي هي كما يقولون “ذكريات” لن أتركها، فقد تَركتْ بصماتك في في نفسي أكثر مما تتوقعين من مجرد علامات أو آثار، طبعت صورتك في مخيلتي فلا أغمض عيناي إلا ووجهك يبرز أمامي دون أي مبررات فهو الشيء الأكثر تأثيراً الذي يتصدر المشاهد، ويطغى على كل الصور التي احتفظ بها في عقلي.

لا أزال اشتم رائحة عطرك المميزة دون وجود أي آثار لعطر ربما يقترن شعوري بك بتلك الرائحة العطرة التي أحببتها وكم أنا سعيد؛ لأنها تشعرني أكثر بوجودك معي وكأن روحك ترفرف في المكان وتشاركني ذكرياتي، تخيلي هذا المشهد معي شخص يجلس على طاولة في مقهى، ويسند كوعه على الطاولة، ويضع ذقنه على راحة يده وكأنه يتأمل شخصاً جالساً أمامه، هذا أنا سيدتي اجلس كما كنت أجلس في حضورك على الكرسي المقابل، كنتِ تخجلين في ذلك الحين من نظراتي التي تفترس ملامحك، وأنا استمتع بملامح الخجل على وجهك، في ذلك الموقف كنت أشعر بلذة مضافة ومتعة لا تعرفينها، لكنها تسكنني الآن، وأنا أتخيل تلك الروعة التي كنت أجدها وأنتِ معي.

في الحقيقة لا شيء يموت، فكلنا ننثر آثارنا في الزمان والمكان، وعلى من يحبنا أن يبحث عنا ليجدنا وأنا جئت إلى هنا لألمس آثارك واستمتع بصحبتها.

سوداء ..

تبتسم .. قهوتي ..

تعبس .. تضحك .. وتبكي ..

وتبقى .. هي .. صاحبتي ..

مُرةٌ .. في كوبٍ أنيق ..

سوداء .. تغلفها الألوان

وأنا .. أحبها .. رغم مرارتها .. وسوادها

لا يهمني .. ما كانت فيه .. وما كانت عليه .

نهايات ..

نهايات ..

بين البداية والنهاية خطوط مستقيمة أو متعرجة وعلينا أن نختار أي طرقٍ نسلك لكي نصل.

عندما يبدأ المسير لا يمكننا التوقف، لكن يمكننا اتخاذ سبل متعرجة أو منحنية أو مائلة.

وفي الختام سنصل بعد أن نعرف أخطاءنا.

سنصل بعد أن تتراكم لدينا الخبرة التي لا مجال لاستخدامها في النهايات.

كلَ شيء ..

هل تعلمين أن الوداع مؤلم؟ وأنه لو لم ألتقيكِ ما شعرت بذلك الألم، ولا عرفت معنى الشعور التعيس الذي يطاردني أينما ذهبت.

ليتك تفهمين أن الألم، ليس فراقاً فقط، فهو يجمع ما هو جميل ليُولِد الحسرة في النفس، وما هو مؤلم ليُعمق الجراح، وكل الأشياء البسيطة ليُعقد الحياة بعده، الفراق سيدتي شيء لا يوصف، الكل يكتب ألمه ويعترف به، والحقيقة أنه يمزق كل نفس على حدى، وبأنواع عذاب تتفاوت.

تعرفين من يعاني ألم الفراق أكثر؟ ذلك الصامت المبتسم، الذي تقرأين في ابتسامته ألف معنى للحزن، الماشي في صمت يبحث عن ذاته في الطرقات، يبحث عن محبوبته التي فارقها في الوجوه التي يقابلها، لعله يراها صدفة.

رغم الرحيل، ورغم المسافة الشاسعة في الزمان والمكان، والمسافة بين قلبي وقلبك، إلا أني أحلم أن أراكِ صدفة، أو التقي نظرتك التي لا شك أنها ستحتقرني حينها، رغم ذلك أحلم، ولا أملك إلا أن أحلم فذكرياتك تنتشر في أرجائي، تشاركني كل شيء قهوتي، كتابي، قلمي، حلمي، والأماني.

#خواطر

تفاءل..

الحياة شيء غريب مختلط تتحرك أوراقها باستمرار تدور وتدور لا تقف عند حد معين فكيف لهذا التسلسل من الأحداث أن يقف لشخص لم يقف عند حياته ويتأملها.

الحياة مغرية بما فيها من أحلام وأماني وآمال ينظر إليها الإنسان نظرة الرغبة والشهوة، فإن لم ينل مبتغاه أصبح تعيساً مكتئباً تطارده ذكرياته، وتلاحقه همومه إلى ما لا نهاية.

الحياة جميلة بها مباهج ومناظر تغيب عن أعيننا في أغلب الأحيان، فنمر عليها دون أن نراها، ولو نظرنا إلى الدنيا نظرة المتأمل سنجدها رائعة، ولو عشناها بتعاسة سنجدها كئيبة، كل عمل مبدع في الطبيعة له عين، لو بحثت عن الجمال بحث المصور المحترف لرأيت السماء بعين الطيور، وسافرت بقلب بحار مستكشف، ولو قطعت الصحاري بقلب بدوي ستجد أن الدنيا جميلة جداً لا تخلو من الروعة والدهشة وستمنحك الانبهار.

الحياة تلهمك بأشياء كثيرة، فلو ركزت في حياتك كإنسان له تاريخ، ستجد الذكريات ولو ركزت أكثر ستجد الخبرة والعبرة، ولو ركزت في خيالك ستجد الأحلام والأمل، ولو ركزت في جسدك ستجد القوة، ولك أن تستقطب كل شيء تريده. 

الحياة عدوها الموت ورمزها الأوضح هو الإنسان الكائن الوحيد الذي يستطيع أن يفهم معنى الحياة ومعنى الموت ويسعى لتلافيه، هو رمزها الخالد وخلوده متسلسل بأجياله المتعاقبة وتاريخه التراكمي.

الحياة والدنيا مرتبطان ارتباط وثيقاً فلولا الحياة لا ترى الدنيا ولا معنى لها، لكن الحياة هي من أعطاها رمزيتها وشأنها وجمالها فالدنيا تزهو بمخلوقاتها كما الزينة فالدنيا تتزين بالحياة، وتتشكل بها تلبس في الصيف ثوب الجفاف، وفي الشتاء ثوب البرد، وتحتفل معها في الربيع.

الحياة كل شيء ولا شيء بلا حياة فكيف لنا أن نقتل قلوبنا، ولا نحركها، ندفنها في الذكريات والألم، ولا نرى التجديد من حولنا الشمس تدور والقمر، والغيوم تتحرك، لا شيء يقف فكيف للإنسان أن يقف في مكانه دون حركة، ألا يستدعي كل هذا أن يفكر، ولو قليلاً لكي يفهم ويعرف أين موقعه في الخارطة.

لست سعيداً ..

ليستِ السعادةُ شخصًا أو حبيبًا، فربما يكون ذلك الشخص هو الحاجزَ بين الإنسانِ وسعادته؛ التضحيةُ من أجلِ الحبِّ أحيانًا تُسبِّبُ لنا التعاسة، وعندما نتجاوز مرحلةَ الألم نكتشف أنَّ الحبيبَ الذي كنا نظن أنفسَنا سعداءَ بجواره، كان سببَ تعاستنا، ورغم ما كنا نُعانيه، تبقى العواطفُ والذكرياتُ مستمرة، وهذا شيءٌ غريب، لأنَّ الأمرَ مُعقَّدٌ في هذا الجانب.

لا مقاييسَ للسعادةِ، ولا حدودَ لها، ويمكننا أن نجمحَ رغبتنا في السعادةِ الزائفة، التي تتمثل في الطمعِ أو الحبِّ، بالقناعةِ والرضا، وهذا الأمرُ يُغطيه الجانبُ الديني، لكنه يكون عكسيًّا في بعضِ الأحيان؛ كأن نكون راضينَ عن مستوى معيشةٍ معيَّن، ويمكننا أن نصلَ لمستوى أفضل، أو نستمرَّ في علاقةٍ، ونقول إننا مُقتنعون بها (والحمد لله)، وهي في الأساسِ كارثية.

السعادةُ توازناتٌ، ينجح البعضُ في تحقيقها، ويفشل آخرون، تختلف أسبابُ سعادتي عن أسبابِ سعادتك؛ بعضُنا سعادتُه الغِنى، وغيرُنا يُسعده الحبُّ، وآخَرونَ تكمن سعادتُهم في الإنجازِ والعمل.

الابتعادُ عن الضغطِ النفسي له تأثيرٌ كبيرٌ في هذا الجانب، فالعملُ تحت ضغط، أو الحياةُ مع شخصٍ سيِّئ، يدمر شعورَ السعادة.

علينا إهمالُ التفاصيلِ السخيفةِ لنتجاوزَ التعاسة، وكذلك الابتعادُ عن الأمورِ الروتينية، وإهمالُ الحذر، والإفراطُ في الخوفِ الزائد عن حدِّه من المستقبل.

مجتمعات وقيود ..

الأعمار لها أحكام، وكذلك الظروف والعلاقات، فنحن مجبرون على نسق معين في التعارف، وفي العلاقة والتعامل، ونمط معين من أجل الاستمرار، يجب أن نمشي على تلك الأنماط والأنساق، حتى نكون أسوياء في نظر المجتمع، فالأحكام تصدر على مطابقة أفعالك مع التصورات التي يفرضها عليك المجتمع في كل الجوانب.

لكننا نكتشف أن تلك الأحكام المجتمعية تكبلنا وتقيدنا في أطر معينة تجبرنا أن لا نتجاوزها أو نكسرها، ولو كسرناها أو تجاوزناها ستختل العلاقات التي تربطنا بالمجتمع بسبب رفضنا لتلك القيود التي فرضت علينا، ويبدأ الشاذ عن أعراف المجتمع وتقاليده في السير باتجاه الانعزال والابتعاد لكي يختفي عنه ويتجنب نقده، ليشعر أنه تحرر من قيوده وأحكامه.

على الطريق تجد مسارات ومواقف، وتحدد السرعات، وتوضع المخالفات والعقوبات، وكذلك المجتمع يخلق لك مسارات، ويحدد تصرفاتك، ويضع العقوبات لكل مخالفة تقترفها، لكن المجتمع لا يسحب رخصة قيادتك، بل يلفظك، ويبعدك عن محيطه، أو يجبرك على تركه والابتعاد عنه، فعقوبات المجتمع سجن بلا قضبان ولا عليها حراس، لا يوجد قاضٍ يصدر الأحكام والمراسيم، تسير الأمور كلها باتجاه النظرة العامة في والرأي العام وما يراه ذلك المجتمع صحيحاً فهو صحيح، ولو كان مبنيا على خطأ، لكن المجتمع يتقبله ويتبناه.

قيود في علاقتنا العاطفية، والأسرية، حواجز في كل الاتجاهات، لم نصنعها نحن، لكننا ندعمها بشكل أو بآخر، حين لا نبدي أي اعتراض أو رفض، أو نناقش الجوانب السيئة في تلك القيود وتلك الأعراف المجتمعية، التي أصبحنا نصنفها ضمن العادات والتقاليد، ونضعها في خانة الـ “لا ممكن” والـ “العيب”.

قراءة في كتاب “دمج العناصر العقلانية والإرشادية في عملية اتخاذ القرار” للكاتب د. يوسف الكواري.

لست ضليعاً في مجال الإدارة لكني أملك بعض المعلومات المفيدة مثلي مثل باقي الموظفين، لكن هذا الكتاب يجعلك تنتقل إلى مستوى أعلى من واقعك، لأنه يحاكي مسألة “اتخاذ القرار” في دولة قطر، وهذه مسألة مهمة جعلتني اهتم بقراءته بتمعن وتركيز حيث إني أجد قصور في هذا الجانب الذي يحاكي واقع الإدارة القطرية على مستويات صنع واتخاذ القرار.

هذا الكتاب يحمل قدراً كبيراً من المعلومات، رغم حجمه الصغير حيث تطرق بعناية لأساليب اتخاذ القرار، وشرح كل جوانبها والنظريات التي تعززها أو تنقضها، ورغم أن الكاتب استخدم كم كبير من المعلومات من المختصين، إلا أننا نجد لمسته واضحة من خلال أساليب البحث التي اتبعها لتحليل المعلومات واستقاء النتائج، من مستويات عليا للإدارة في قطر في الاستبيانات والمقابلات الشخصية التي وضحت لنا الصورة الصحيحة لأساليب اتخاذ القرار المعتمدة في الدولة.

مهما كانت نتائج البحث الذي تضمنه هذا الكتاب فهو نقطة مهمة في كشف الجوانب الإدارية والأساليب المتبعة في المستويات العليا من الإدارة القطرية، التي يعاني القطاع المدني فيها من مشاكل كباقي الأنظمة الإدارة في كافة دول العالم، لكننا في قطر نفتقر لهذا النوع من الدراسات لنكتشف نقاط الخلل ونضع تصورات صحيحة لحلول في المستقبل.

تحية للدكتور يوسف الكواري على هذا العمل القيّم، وننتظر منه دراسات وأبحاث أخرى تكشف جوانب جديدة عن الإدارة في الدولة، وأتمنى عليه أن يطلع على القوانين الإدارية، ويضع دراسة عن مدى فعالية القوانين الإدارة وملائمتها لواقع الإدارة القطرية وجوانب القصور فيها.

كتاب دمج العناصر العقلانية والإرشادية في عملية اتخاذ القرار” للكاتب د. يوسف الكواري يقع في 113 صفحة، ويحمل معلومات مهمة في أساليب اتخاذ القرار أنصح بقراءته للمختصين والمهتمين في مجال النظم الإدارة.

قراءة في المجموعة القصصية “التبغ الأحمر” للكاتبة فلونا عبد الوهاب.

متنوعة تلك القصص التي قرأتها لدرجة أن كل قصة تنقلك لمحيط مختلف وعالم مختلف وفكر مختلف لذا كان من الواجب استحضار التركيز مع المتعة ليكتمل المشهد التخيلي الكامل أمامي، وقد وجدت أن تلك القصص تحاكي الواقع والمشاعر والخيال والعاطفة، وهذا التنوع الجميل يجعلك تعرف أن الكاتبة استطاعت خلق عوالم خيالية، واستطاعت أن تدمجها في الفكر القصصي اللذيذ، فجمعت بذلك روعة القصة ولذة الحكاية، وأخرجت لنا “التبغ الأحمر”.

من واقع معرفتي لأسلوب الكاتبة فلونا عبدالوهاب كنت مقتنعاً أني سأجد لغة جميلة وراقية حين أقرأ العمل الذي بين يدي، ولم يخب ظني فيما سرت إليه فلغة العمل راقية وجميلة، واستطاعت أن تنقل لنا كل الجوانب المهمة في القصص بوضوح دون ابتذال، استخدمت الكاتبة اللغة القوية البسيطة التي يفهما الجميع، لم تقعرها ولم تهشمها، وهذه نقطة مهمة أجدها دائما في أعمال السيدة عبد الوهاب، فهي تتمتع بحس شعري وشاعري يجعل الصياغة لديها سلسة ومنمقة في آنٍ واحد.

في المجموعة القصصية لفتت انتباهي قصة التبغ الأحمر لما تحمله من مشاعر مكثفة رسمت على لسان سيدة تنظر بعين الحب ولذة العاطفة، فكانت بليغة في المواقف الصغيرة التي يمكنها أن تجعلنا ننظر إلى الموقف من زاوية مختلفة، ونتعاطى مع مشاعر صاحبة القصة برغبة في الاستماع للمزيد، لكن أيضاً وقفت عند قصة رسالة من العالم الآخر رغم أنها خيالية، وربما لا تحدث في الواقع، لكنها جعلتني أؤمن بأن الكاتبة متمكنة فمجرد أن تقدر أن تجعل القارئ مستمتعاً بخيلك فأنت كاتب تملك الأسلوب والإقناع، وهذا ما جعلني أرفع القبعة للكاتبة فلونا عبدالوهاب.

تحتوي المجموعة القصصية على أربع قصص *سبعة أيام من الجنون *لا تخبر أحداً *التبغ الأحمر *رسالة من العالم الآخر، وتقع في 117 صفحة من القطع المتوسط، أنصح بقراءتها والاستمتاع بها.

الرواية: الكاتب ..

لا شك أن كاتب الرواية هو إله الرواية، يحي فيها ويميت ويفعل فيها ما يشاء دون أن يكون هناك حدود لإرادته سوى جودة وحبكة الرواية، فيخلق الشخصيات ويصنع الأحداث التي يسيرها بما يناسب الرواية التي يكتبها، ولديه عدة عناصر عليه أن ينسقها ويربطها سوياً، الشخصيات، الأحداث، الزمان، المكان، كل هذه العناصر تجتمع بين دفتي كتاب لتسمى رواية

حين ننظر إلى الكاتب على أنه مبدع أو أنه قدم عملاً يستحق القراءة، علينا أن نقدر أولاً أن العمل الروائي عمل كبير بشكل عام، وأن الاستمرار في كتابة الرواية يحتاج إلى الكثير من الجهد النفسي والمعنوي والكثير من الاطلاع والاستماع والمتابعة، بالإضافة إلى الصياغة وتركيب الأحداث وأن كل هذا العمل يقوم به شخص واحد جمع الأفكار المتناثرة ووضعها في رأسه وعكف على كتابتها حتى النهاية.

يمكننا أن نصور الكاتب على أنه مُؤرخ، لكن تاريخه ضمن الرواية لا يؤخذ بجدية التاريخ المنهجي الأكاديمي للأحدث وذلك بسبب فردية الكاتب والتصور المدرج ضمن الحبكة الروائية لا يخرج من عقل جمعي يوثق ويأصل المعلومات، الروائي حين يصور أي حدث تاريخي يضع فيه الكثير من المشاعر والارتباطات التي لا يلجئ إليها المؤرخ الأكاديمي أو المختص، قس على ذلك كل ما يتعلق بالعمل الأكاديمي في التخصصات كلها.

يمكننا أن نصف الكاتب على أنه شاعري أو أنه رومنسي أو أنه عاطفي، وفي هذه النقطة بالتحديد يكون العمل الروائي ذو مصداقية أكبر حيث إنه من الطبيعي أن يعايش الكاتب روايته منذ البداية ويرسم شخصياتها، وهذا الأمر يجعله على اتصال ذهني وعاطفي بالشخصيات، لذا يكون متمكناً أكثر من غيره في وصف تلك المشاعر والأحاسيس، لدرجة تصل للواقع أو تقترب منه.

من الضروري أن نعرف أن الكاتب يقع تحت تأثير نفسي وعقلي يجعله ينسج روايته في خياله ولو بشكل مختصر عبر نقاط، وأن الرواية التي ينسجها المؤلف لا بد أن تتأثر بخلفيته الدينية أو الأيديولوجية، أو الحزبية إلخ ..، هذا يعطي الرواية بُعد شخصي فلا يمكن للكاتب أن يلغي كل اعتقاداته السابقة، وكل قراءاته وفكره دون أن يكون في الرواية بصمة نفسية شخصية، أحياناً يتعمد الكاتب أن يبرز معتقده فيما يكتب أو يوحي به وأحياناً أخرى يكتشف القارئ ذلك من معرفته السابقة بالكاتب.

نجاح العمل وفشله له عدة أوجد تقع بعضها على الكاتب، وبعضها رغماً عنه فالمسؤولية التي تقع عليه، هي جودة العمل من حيث الصياغة وربط الأحداث وتجسيد الشخصيات بشكل صحيح بحيث يكون العمل مترابطاً والرواية محبوكة بشكل لا يشتت القارئ أو يضعف اهتمامه بالعمل .