مناقشة رواية أن تعودي فلسطين

مناقشة رواية أن تعودي فلسطين للكاتبة التشيلية لينا مرواني عبر فعاليات الصالون الأدبي لبيت الراوي

الجزء الأول

الجزء الثاني

قراءة في كتاب رواية “ليلة الأمس” للكاتب أحمد العلوي

لم تكن ليلة عادية تلك التي مرت على أبطال هذه الرواية فبين أغلال تكبل الأيادي وأخرى تكبل النفوس ينتقل المشهد السوداوي بين السطور ليرسم لنا ليلة تحمل من التعاسة المفروضة على البشر في مكان محدد لتدمرهم جسدياً ومعنوياً ونفسياً، تجعلهم مسوخ لا يفكرون إلا في اتجاه واحد، ويمجدون شخصاً واحداً، ويجب أن يؤمنوا بنظام واحد. من تحميه السلطة يعيش مكبلاً في قيود الوضع الوظيفي، ومن لا تحميه السلطة يعيش مكبلاً بالخوف، ومن لا علاقة له بشيء فهو متهم دون تهمة.

تسير أحداث الرواية بشكل راقٍ يحمل من الفلسفة الكثير، مما يعقد المشهد ويجعلك تفكر كثيراً، لكن الصورة الحقيقية التي أراد الكاتب أن ينقلها لنا هي أنه مهما بلغت من فكر وثقافة وعلم لن تستطيع أن تقنع سجانك أنك بريء فالمحقق وإن حمل الثقافة والمعرفة فهو يحملها لكي يصيغ تهم الإعدام والسجن والتعذيب بشكل أنيق يقنع به الآخرين أنه أحسن العمل لا لكي يقيس الأمور بشكل صحيح.

توجد طبقية في الرواية تجعلك تفكر ما الذي يجعل أستاذاً جامعياً يخضع لرجل أمن، ويجعل صحفياً مرموق يخضع لشخصية مستغلة، تجد القيمة للقوة والمنصب والعلاقات، ولا تجد قيمة للإنسان مهما علا علمياً أو ثقافياً، فلا قيمة له ضمن مناصب الطبقية التي تحدد قيمتك بنسبك أو بعلاقاتك وسلطتك، فإن لم تملك تلك الأشياء الثلاث فأنت رهن مزاج سجانك ومستغلك.

تحمل الرواية الكثير من الحوارات ربما اختلف مع الكاتب في هذه النقطة رغم أني لم أعانِ وأنا أقرأها من شتات ولم ألحظ شذوذاً في النص بسببها لكنها كثيرة في الرواية، ربما لأن الحوارات الموجودة وضعت لترينا تصورات معينة وأفكار يريد الكاتب أن ينسبها لشخصياته لنميز بين شخصية المتكلم والمتلقي دون أن نعطي الأفكار المطروحة أكثر من الحجم الذي أراده الكاتب.

لفتت انتباهي شخصية سلطان بثقافته وسيطرته على أفكاره، لكن افتقدت شخصية عاصم الحاضر الغائب في كل الأحداث فهو محورها رغم حضوره، وبقي كذلك بعد غيابه، تمنيت لو أن الكاتب أعطى هذه الشخصية عمقاً أكبر ليرينا تفاصيل مشهد الغياب والحضور في الرواية ومدى تأثيره، ومدى إغراء الحياة حين تجري شخص رفض العودة طويلاً ويوافق على العودة لكي يستلم “كرسي” اقصد منصباً مهماً، نظرت إلى هذه الشخصية باهتمام لكني لم أجدها بالقوة التي توقعت في الرواية.

تحرير الرواية جيد وأسلوبها رائع وممتع تقع في 183 صفحة من القطع المتوسط أنصح بقراءتها بشدة.

قراءة في رواية (القَسم) للكاتب خلف ال خلف

رواية بوليسية لضابط تقع له أحداث غريبة تجعله يدور حول نفسه ليكتشف أنه كان ضحية عقول جبارة استطاعت أن تسيطر عليه وتتحكم في تصرفاته وتصوراته وتبعده عن القصد الحقيقي الذي يريد الوصول إليه، ينتقل مع الأحداث عبر خيوط متصلة يظن أنها تقربه من الحقيقة إلا أن الخيوط كانت تلتف حول عنقه لتجره لمصير مجهول.

تتميز هذه الرواية في ثلاثة جوانب مهمة للرواية القطرية:

أولاً: أنها رواية بوليسية وهذا النوع من الروايات غائب عن المشهد الثقافي في قطر حسب علمي ووجود عمل روائي في هذا الجانب مهم لكي نحقق التنوع ونخرج من نمط الرواية الكلاسيكية والتاريخية والبيئية التي تحاكي الماضي مما جعلها النمط السائد في المشهد الروائي القطري.

ثانياً: مساحة الخيال الواسعة في الرواية التي تجاوزت الحدث ولعبت فيه بشكل غير مسار الرواية من التصور الوهمي لقوى ما فوق الطبيعة إلى التحليل الحقيقي للأحداث عبر سلسلة أفكار تفند الوهم وتحقق للقارئ رؤية مدهشة في النهاية.

ثالثاً: كمية الأحداث الكبيرة في والتي تجعل القارئ يتتبع الحدث بشكل متواصل ليصل إلى حل اللغز المتشعب الذي وضعه الكاتب بشكل تسلسلي جيد جداً وربط الأحداث عبر، الشهد الآني، العودة إلى الماضي، الخيال، وهذه الأمور كفيلة أن تربط القارئ بالرواية بشكل جيد.

إلا أن هناك ملاحظات مهمة في هذه الرواية يجب أن نضعها في الاعتبار منها مثلاً:

  • تجاوز الكاتب لتفاصيل بعض الأحداث التي لا تتطابق مع الواقع لكنها تخدم الرواية في تسلسل أحداثها، ورغم أنه يجوز للروائي ما لا يجوز لغيره إلا أن من المهم في هذا النوع من الأعمال الأدبية أن يكون هناك واقعية أكبر للحدث لترسم مشهداً مقنعاً أكثر للقارئ.
  • تكرار بعض المشاهد في الرواية منها مثلاً كلام يعقوب الذي تتكرر على لسان أمه في أخر الرواية بشكل متطابق لحد كبير.
  • كثرة شخصيات الرواية المؤثرة على الحدث ورغم ذلك هناك وضوح في توزيع الأدوار لكن هذا لا يلغي أن عدد الشخصيات الكبير يشتت القارئ.

تمنيت وأنا أقرأ الرواية أن تكون أحداثها في قطر لكن الكاتب وضعها في مكان متخيل وهذا الشيء أفضل من أمنيتي فقد أتاح له مساحة أكبر لخدمة الأجزاء المتخيلة للزمان والمكان والشخصيات بحيث يستطيع القارئ أن يرى المشهد بشكل يفوق التصور المحلي للأحداث ويتماهى مع الفنتازيا والخيال.

تحرير الرواية ممتاز وإخراجها جيد وتويع فصولها وأبوابه سلس تقع الرواية في 289 صفحة من القطع المتوسط، أنصح بقراءتها.

قراءة في رواية “حوض الشهوات” للدكتور محمد اليحيائي.

لن أتحدث عن بداية الرواية، بل سأتحدث من الفصل السادس عن ليلى فهي التي يبدها كل الخيوط وهي التي تتحكم فيها ربما يختلف معي صاحب الرواية لكن ليلى هي التي تحكي تلك القصص وتلك الأحجيات الغرائبية عن عالم منسوخ من عقول الكثيرين الذي لم يعرفوا واقع عمان وما مر من تاريخها.

محمد اليحيائي الماضي البعيد والحاضر المأمول، والماضي القريب والحيرة، الداخل والخارج وصدام العقل العماني الذي لا ينتهي ولا ينسلخ عن ماضيه سوءً القريب أو البعيد وانتماؤه الضارب في أعماق عمان فمهما سافر وتنكر تبقى في أعماقه تستدعيه حين تشاء فيعود بكل ما يحمل من آمال ليرى أحلامه الميتة على واقع صنع بشكل لا يتصوره.

ينقلنا اليحيائي لعالم متشظِ من الداخل والخارج ليرينا كيف ننظر إلى عمان من الجهتين لنرسم صورة ثلاثية الأبعاد بوجود الإنسان العماني الذي رسم البعد الثالث في حكاية أرضه ليشاهد وجهه في مرآة الحياة ويحدثها يصدمها وتصدمه، يخدعها وتخدعه وكأن كل طرف يصدر للآخر صورة يريدها بين أن تكون فاعلاً في الحياة أو أن تنكفئ على نفسك في محيط ضيق.

الكثير من الشخصيات في الرواية والهدف واحد والتصورات كثيرة تتأرجح بين القناعة بالواقع وبين التمرد عليه، وفي أحسن الحالات الصمت وابتلاع الآراء وطمس الأفكار في رفوف الذاكرة لكيلا تنتحر في واقع لا يشارك فيه أحد، عقل واحد وفأسٌ واحدة وأحلام تنتحر على الطرقات.

لا تكتفي هذه الرواية من خلق الأفكار المتمرة والهادئة، وجهتا النظر التي يعيشها المجتمع كأي مجتمع خليجي يدعي أن الحياة تسير والأمور تتحسن والكل راضٍ، بينما في الضفة الأخرى تقف العقول المتمردة عاجزة أن تخرج أفكارها وتطلعاتها، بل حتى أحلامها، فخلف الأحلام تقف العساكر لتحبسها في قمقم التمرد والمعارضة.

ربما أجد مجالاً لأنتقد الرواية في تشظيها وكثرة شخصياتها لكني أجد مبرراً لتلك الشخصيات أما التشظي فعلاجه الوحيد إعادة قراءة الرواية مرة أخرى لكي تجتمع الصورة كاملة في عقل القارئ.

تقع الرواية في في 204 من الصفحات من القطع المتوسط أنصح بقراءتها بتمهل وتركيز فخلف كل شخصية تقف قضية وحياة.

وقت قصير للهلع (قصص) للكاتب العماني يحيى سلام المنذري ..

هي قصص لشخص واحد ينتقل من قصة لقصة كما ينتقل الإنسان بين الليل والنهار بنفس شخصيته وقلقه مما يراه ويعايشه بتلك المشاعر التي تعبر التصورات وتخلق الأفكار ليقيس ما كل شيء بتجرد ويضع المقارنات والتساؤلات الحقيقية كإنسان طبيعي يعرف ميزان العدالة، يصارعه الخوف من فكرة متمردة على الواقع .. تطارده .. يتخيلها كما لو كانت حقيقة.. وهذه هي لحظة الهلع التي نجدها في شخصية البطل الذي يروي لنا أيامه في قصص.

تتحدث القصص عن العمالة الوافدة كيف نراهم نحن وكيف يرون أنفسهم، ما هي دوافعهم؟ ورغباتهم؟ وإمكاناتهم؟ التي لم نفكر يوماً أنهم يمتلكونها.. لأننا ببساطة ننظر إليهم إما بدونية أو أنهم جاؤوا ليعملوا في تلك الأعمال الوضيعة التي ندفع مقابلها أموالاً ولا يمكننا أن نجد من ينجزها في الوطن، عمال وعاملات بعضهم متعلم يستطيع الكتابة ومنهم من يملك قدرات رائعة، لا ننظر إليها لأنها لا تهمنا، ما يهمنا فقط هو أن تكون الخدمات في أعلى مستوى وفي أقل أجر ممكن.

إلا أن هناك مقارنة بين حالة الرعب التي يعيشها بطل القصص وبين الشخصيات الأخرى، تتجلى في الخوف من الغريب، المواقف التي عايشها اقترنت بالغرباء “العمالة الوافدة” يربطهم بالجرائم والانتقام والقتل والسرقة ويربطهم بتصوراته وخيالاته ويبني مواقف مزعجة لفترة وجيزة، تتلاشى ثم يستحضر مواقف أخرى، هكذا خلق الكاتب شخصية تنظر إلى الواقع بعين متجردة لكنها لم تستطع أن تترك القلق الطبيعي لدى البشر، فكل غريب هو مصدر شك، ولا يحصل على الثقة إلا بعد أن يجربه أكثر من مرة.

تلك العمالة الوافدة منهم من يحمل الشهادات الجامعية ومنهم من يكتب ومن يغني ومن يملك تجارته، وبطل القصص يأخذ الخدمات كلها منهم فهم من يدير الأمور ويوفع للمواطنين العمالة الرخيصة، وافد يشرف على وافدين ويسيطر عليهم ويمنحهم الرواتب، لا يهمه إن كان وجودهم شرعياً أم متجاوزاً القوانين التي تنظم العمل.

الكثير من التساؤلات تنتج في عقلك حين تقرأ هذه القصص الصغيرة وتلك المشاعر والمواقف القصيرة، لكنها علامات استفهام ستنتج في تفكيرك لتقف وتبحث عن إجابتها.

أسلوب الكاتب جميل ومشوق وطرحه راقِ، يقع العمل في 86 صفحة من القطع الصغير من إصدارات دار عرب.

رواية الحرب للدكتور محمد اليحيائي

قدمت هذه الورقة في جلسة توقيع رواية الحرب في مكتبة الحي الثقافي “كتارا” بتاريخ 13/9/2023

تحكي الرواية بصورة عامة عن حرب ظفار التي تبنى فيها الثوار الفكر الشيوعي السائد في ذلك الوقت لكن الرواية متجوزة لهذا الحدث في الكثير من جوانبها حيث خلق الكاتب مجتمعاً عماني بكل عناصره تقريباً في الولايات المتحدة تجاوز من خلاله قيود الداخل وفتح الآفاق لنظرة متحررة من كل عقبات وعقد المجتمع والسلطات المحلية، وأعطانا نظرة متفتحة لتصور يطرح لعمان بشكل مغاير ومن زوايا مختلفة عبر شخصياته المتحررة.

هناك حروب كثيرة في الرواية فحرب ظفار رغم ثقل وطأتها إلا أنها ليست الحرب الوحيدة فهناك حروب الأئمة والسلاطين وحروب مع المحتل الأجنبي لكن الكاتب وضع الثقل لحرب ظفار لأنها الحرب الأخيرة ولأنها استغرقت الكثير من الوقت والجهد والفكر لكي تنتهي ويمكننا أن نشاهد تأثيرها في الواقع الحالي لو دققنا النظر.

الحرب ليست هدف الرواية إنما الهدف الأسمى هو عُمان الوطن الذي ترغب كل شخصيات الرواية في رسم صورته بشكل جميل وأحداث التغيرات التي تنقل الوطن من مجرد أرض لمعنى متجاوز تلك الصورة النمطية التي تُفرض على العقول بشكل إجباري في أوطاننا العربية دون أن يكون للمواطن إسهام في وضع ملامحها، ولهذا كان المجتمع العماني في الولايات المتحدة هو الصورة الأقوى الأنجع لوضع تصور صحيح للوطن دون خوف أو ريبة.

لعبت الشخصيات دور هام في الرواية بحيث أن كل شخصية كانت تعكس شريحة من المجتمع منهم المناضل المحارب الذي دمرته الحرب ومنهم اللامبالي الذي لا يكترث إلى بشؤونه اليومية وعمله، وآخر تضرب عروقه في التاريخ العماني ويتذكر عهد الإمامة وانهيارها لكنه  منفصل عن القيم ويعيش في تفسخ رغم اعتزازه بتاريخ الوطن والأسرة، ومنهم الموظف الذي يعيش واقع الوطن لكنه انتقل إلى الخارج لفترة قصيرة ومكنه ذلك من خلق المقارنات واكتساب المعرفة الناقصة التي يحتاجها، ومنهم الفتاة المتفتحة بنت المناضل التي تحيا حياة غربية في شكلها وتحمل معها عمق عُمان وحنينه لكنها ترفض أن تعود إليها.

كرستينا سعيد تلك الفتاة الجميلة البهية الشهية الناجحة في عملها التي تربط بين كل شخصيات الرواية وتجمعهم حولها وتهتم بشؤونهم وتراعي مشاعرهم فهي كالأم في احتوائها لأبنائها وهي كالوطن الذي يجمعهم، ورغم أنها فتاة جميلة يحبها الجميع إلى أنها ترسم لنا أكثر من صورة في الرواية فلو تجاوزنا المشاعر العاطفية بين البشر سننظر إلى كرستينا على أنها عُمان الوطن الذي من الواجب أن يأوي إليه الجميع وعليه أن يحتويهم، أو ننظر إليها بمعنى آخر يرسمها كالحلم الذي يتمنى الجميع أن تكون عليه عُمان جميلة بهية أنيقة ناجحة يحبها الجميع وتحتوي جميع أطياف المجتمع دون تمييز أو عنصرية.

في واقع الرواية كرستينا هي الرابط بين أجزاء الرواية وشخصياتها فهي ابنة المناضل سعيد علي الذي عاد للوطن بعد أن اقتنع أن المبادئ التي قامت عليها ثورة ظفار لا يمكن أن تتحقق في منطقة الخليج ثم اقتنع أن القيادة الجديدة في البلاد تريد أن تبني مستقبلاً يشارك فيه الجميع، عاد للوطن وأصبح ذا منصب رفيع يرتبط مباشرة مع السلطات العليا ليعيش في ترف القيادة ويبقى هاجس التغيير الذي يعود به للماضي موجوداً في خفايا نفسه حتى يكتب مذكرات الحرب لابنته، وهذه الشخصية تحمل رمزية خاصة في الرواية فهي التي تقع عليها كل مسؤولية التاريخ القريب وحرب ظفار.

سعيد قيصر لا يمثل شخصية عادية في الرواية فقد وضعه الكاتب ليخط مسار الرواية والاتجاه الذي تسير فيه وهو الشخصية الوحيدة في الرواية التي خرجت من الوطن تحمل الآمال المدمرة ونظر إلى الصورة من الخارج وعاد للوطن ليسحق كل طموحه ويسترجع ذكرياته العاطفية الميتة ومن خلاله وضع الكاتب المشاهد المنعزلة في  كمشاهد سينمائية منفصلة يلقى الضوء من خلالها على حدث معين كنقطة تركيز يقف عندها القارئ ويتخيل المشهد ويستنتج من خلاله ما حدث وما يمكن أن يحدث، وسعيد قيصر يعتبر هو الأكثر ارتباطاً بالوطن ينظر إليه من خلال معالمه ويزرع فيه آماله التي يريد من خلالها أن يحقق ذاته، دون جدوى، وتبقى في المخيلة كرستينا كما آماله المعلقة في الوطن البعيدة المنال، وبه ختم الكاتب روايته أن يتركه يكتب “الحرب” دون أن يحدد نوع الحرب ولا زمنها، وتنتهي الرواية والقارئ يفكر حرب التي سيكتب عنها سعيد قيصر.

سعيد زاهر التاريخ والحاضر، وجدت في ملامح شخصيته الكثير من التناقض المناسب للعمل من حيث وضعه الاجتماعي وثرائه ونسبه العريق الذي يتصل بنسل الأئمة، ورغم أنه يعشق كل شيء عريق إلا أنه لا يريد عراقة الوطن وأيضاً لا يريد أن يتخلى عن عراقة النسب، وهذه الشخصية لا تأتي من انفصام لكم في معتقدها أن الوطن مما كان جميلاً فهو لا يعطيها مستوى الحرية والانفتاح اللامحدود التي تصبو إليه فتبنى الهرب من فكرة العودة وتمسك بأصالة الوطن في غربته، والتناقض يكمن في تصرفاته التي لو حدثت في الوطن لأصبحت شاذة أو مستنكرة.

سهيل محاد، يمثل الأغلبية الصامتة التي لا ترغب في الحديث يعمل ويلهو بأي شيء ليضيع وقت الفراغ دون أهداف زائدة أو طموحات جارفة، نمطية الحياة تملؤه فلا يفكر في المزيد وهو مقتنع أنه بخير، ومن وجهة نظري هو يمثل الشعب البسيط الذي يسير خلف رزقه ولا ينظر لأكثر من ذلك فإن حصل له خير ولا يطمح بالمزيد وإن حصل شر أوى إلى جحره ليتقيه.

عيسى صالح، كل تراكمات الوطن بحروبه ونزاعاته وتصادماته ومعاركه، تحمل كل تبعات الهزيمة فاختلطت كلها فيه معنويا وعاطفياً ونفسياً حتى فقد قيمة الإحساس وأصبح يضع الحب في مكان مخالف لحقيقته، يحب كرستينا وفي أعماقه تسكن امرأة أقدم وأعرق منها كانت في البعيد هي الأمل والدافع وهي الرجاء، شخصية مدمرة لا تستطيع أن تحمل تلك الشظايا المتبعثرة من التاريخ والأزمات فتتناثر نفسه في كل الاتجاهات ولا يجد وطنناً يأويه، فيعيش في الضياع يبحث ويبحث حتى يكتشف أنه وحيد.

عندما تناقشت مع الدكتور محمد اليحيائي ذكرني بشخصية هامشية في الرواية كانت تعمل في الظل كان لها تأثير في شخصيتي الرواية المهمين زوجها سعيد قيصر وبنتها كرستينا سعيد، أخبرت الدكتور أنه وضعها كشخصية متوارية في الرواية وكأنه لا يريد أن يلتفت لها أحد، فلم يخالفني الرأي لكنه لفت انتباهي إلي تأثيرها فملامح التغيير التي أحدثها على تلك الشخصيات التي عايشتها كان يحمل التغيير ويحمل أيضاً نظرة المستقبل.

لا أستطيع مهما حاولت أن أكون فكرة واحدة صلبة في الرواية فكل شخصية وكل حدث في الرواية حين أنظر إليه يتشظى في مخيلتي ويخلق تفسيرات كثيرة لحدث أو شخصية في العمل، وواقع الرواية يدفع بهذا الاتجاه فتشظي السرد الذي نثره الدكتور بين دفتي الكتاب يساعد على خلق تفسيرات متعدِ لكل شخصية، ونتائج متباينة لكل حدث، فكرستينا نظرت إليها أنها وطن بينما لا يعتبرها الدكتور اليحيائي كذلك، ولنقس على هذا الأمر الرواية كلها.

قراءة في كتاب “رواية تغريبة القافر” للكاتب العماني زهران القاسمي

هي عُمان بكل ما تحويه من عجائب وأساطير وغرائب مثلها الإنسان العماني الذي لا يختلف كثيراً عن شعوب المنطقة ورغم خصوصية عمان بواقعها الجغرافي إلا أنها تبقى مكوناً أساسياً في شبه الجزيرة العربية، ربما تختلف الأساطير من مكان لآخر وتتلون بألوان مختلفة.

في عمان ارتبطت الأسطورة بمعتقدات أكثر تعقيداً، بينما في الجوار كانت الأساطير تنمو حول الأشخاص ورجال الدين نمت في عمان في قوى ما وراء الطبيعة فتزخرفت وتطورت حتى رسخت في عقول الناس على أنها حقائق، وهذه المسألة حاول السيد زهران أن ينقضها في الرواية بأسلوب جميل حيث يضع الأسطورة أو المعتقد في حدث وينقضه بحدث حقيقي، ورغم ما فعل إلى أن صورة المجتمع في الواقع انعكست على الرواية فالبشر يعودون إلى الأسطورة رغم أنهم عرفوا أنها وهم.

الرواية باختصار هي قرية في عمان تحوي كل الأساطير والتاريخ، فيها القوي والضعيف، الغني والفقير، المنبوذ والمرعب، تبدأ بحالة موت امرأة تنبت منها حياة طفل يكون أسطورة بحد ذاته، وقد وظف السيد القاسمي بأسلوب جميل الأحداث لتحقق أسطورة القافر “سالم بن عبدالله” فتتحرك الأحداث بمرونة ويتحول سالم من شخص منبوذ لشخص مميز يملك قدرة لا يملكها الجميع لكن قدرته لا تتصل بعالم الأرواح والأشباح بل تتصل برهافة سمعه فأذنه التي كان يضعها على الأرض ويظن المحيطون به أنه يسمع أصوات ساكنيها كانت تسمع صوت المياه صوت الحياة، فالماء هو الحياة وهو الأيقونة المستمرة في الرواية من بدايتها لنهايتها ارتبط بالموت واتفق مع الحياة لتستمر في المسير.

توجد في الرواية الكثير من الأحداث والأساطير المحلية ويوجد بها أيضاً نظام القوى التي تحكم وتتحكم فيمن حولها وفي داخل الرواية أحاديث المجتمع ما يخافه الناس ويخشونه ومن يتجرؤون ويعتدون عليه دون رحمة، فللمجتمع في تصور الكاتب سلطة على الضعفاء لا يستخدمها أبداً ضد الأقوياء والأغنياء، الضعيف هو من يتحمل كل جنون المجتمع وضغوطه وجبروته.

أيضاً ارتباط الإنسان العماني بالأرض بمواشيها وزروعها وافلاجها التي شكلت العصب الأساسي للزراعة وأقوات الناس، وقد استخدم الكاتب هذا الارتباط ليوضح أهمية الحفاظ على قيمة الفلج ووضع الصور التي عاناها البشر حين جفت السماء وكيف أنقذتهم الأفلاج وإعادتهم للحياة من جديد.

قيمة الرواية لا تكمن في المتناقضات والمترادفات التي تحويها من حياة وموت وجفاف ومطر وشقاءٌ وسعادة، وخيال وأساطير، بل تكمن قوتها في نسيجها الذي سار بشكل جيد ليرسم عبر شخص واحد صورة مجتمع مصغر متمثل في قرية عمانية تتلخص فيها النظرة العامة وتتكون فيها أسطورة “القافر” الذي رحل للمجهول.

تقع الرواية في 228 صفحة من القطع المتوسط أنصح بقراءتها.

قراءة في رواية ” امرأة الضابط الفرنسي” للكاتب جون فاولز ..

لن أتحدث عن الأسلوب السردي في هذه الرواية ولن أتحدث عن الحبكة الروائية ولن أتحدث عن القصة التي تحتويها، فهذه الرواية نوع مختلف من الروايات التي قرأتها، نوع يقع بين التخمين والتوقع والمفاجأة والكاتب السيد جون فاولز، عرف كيف يضع القارئ في تصور مشهد ثم يقلب الطاولة رأساً على عقب فيعيد المشهد بشكل آخر تماماً.

توجد قصة في الرواية ويوجد زمن وتوجد شخصيات، والشخصيات هي العنصر الأهم في في الروايات لكن في هذه الرواية لهم أهمية خاصة حيث تشعر بتأثير الشخصيات على الكاتب بشكل قوي وحضور مؤثر في تصورات الكاتب لروايته التي يطرحها، فالشخصيات تلعب دوراً مختلفاً عن دورها في الروايات النمطية، فالكاتب كما يقول ويقول غيره من الكتاب أن الشخصيات يخلقها الكاتب لكنها حين توجد تظل في رأسه ويصبح تأثيرها فيه أقوى مما نتصور، لكن الكاتب لم يجعل ذلك التأثير خفياً بل صرح به في مشاهد كثيرة في الرواية وخصص الفصل(13) يتحدث فيه بالكامل عن هذه النقطة بالتحديد ورغم أنه أخرجني من صلب حكايته إلا أنه رسم لي صورة التأثير القوي للشخصيات فيها وأنه سيجعلها ترسم أدوارها دون تدخله، وإن تدخل ستمسح ما كتب لتكتب هي النهاية التي تراها مناسبة.

وهذا بالفعل الذي حدث فكثيراً ما يقف الكاتب ويقول إن هذا الحدث تصورته هكذا لكن الذي حدث مختلف تماماً وكأنه يرى مشاهد أمامه لشخصيات تتحرك وتخلق واقعها بمنأى عنه، ينهي الرواية في الفصل (44) بشكل كلاسيكي إلى أنه يتهكم علينا ليضع أحداثاً أخرى وتصورات أخرى ثم يعود ويضع المشهد الأخير في الفصل (60) لكنه يضع التصور الأكثر إيلاماً في الفصل الذي تلاه ليرسم المشهد الأخير بشكل مختلف.

لعب الروائي لعبة التصورات والتخمينات، فما فعله كان يجبرني على أن أخمن ما سيحدث، ويجعلني أيضاً لا أصدق ما يقوله حتى يقول لي أن هذا ما حدث، فتدخله بشخصه وسط السرد جعلني أنظر إليه كشخصية موجودة في الرواية لكنها غير مرئية.

تحاكي الرواية نهايات العصر الفيكتوري وتوضح الاختلاف المجتمعي المتباين بين الريف والمدينة وقدرة الريف على الحفاظ على النمط وتكريسه بشكل يجعله إلاه لا يجرؤ أحد على الاقتراب منه، وما يحدث في المدينة ومن محاولات تغيير متكررة، كما تصف الشخصيات الفيكتورية وصفاً دقيقاً وقوياً بحيث أن الكاتب يضع حدثاً ثم يقول لك إن نمط التفكير الفيكتوري لا يسير في هذا الاتجاه وهذا يدل على أن الكاتب حضر جيداً للرواية ودرس العصر والمجتمع بشكل جيد.

ربما يكون هذا التصرف من السيد جون، ناتجاً عن تركيبات وأحداث كثيرة، فحين يعشق الكاتب روايته ويتعمق فيها تصبح هناك تقاطعات في أفكاره فيكون لديه أكثر من تصور لكل فعل فيقارن بين التصور وواقع الرواية وهنا تكون مهارة الروائي بحيث يختار المشهد الذي يواكب نمط الشخصيات وظروف الزمن، ورغم أن الكاتب لجأ في أكثر من موضع لحدث ثم غيره بشكل مختلف فقد أقحمنا بشكل قوي لا في الرواية والشخصيات فقط بل في نوع تفكيره وتصوره لذا طرحت فكرة أنه موجود ضمن شخصيات الرواية لكنه شخصية مختفية تظهر حين تسير الأحداث بشكل مخالف لعصرها.

رواية ممتعة جداً بالنسبة لي لكنها ربما لا تستهوي البعض الذين يريدون أن يقرأوا رواية نمطية، تقع الرواية في 488 صفحة من القطع الكبير أنصح بقراءتها.

قراءة في كتاب “ذات” للكاتبة فلونا عبدالوهاب

أنا في غرقٍ منذ أن قلت أحبك ..

غارقة في الاحلام ..

في عمق صحراء عينيه ..

في خطوط يديه البعيدتين ..

التي لا أتشبث بغيرها .. رغم الضياع .

هنا وقفت لأدرك أن ما أقرأه ليس خواطر يكتبها البعض ليفرغ شحنة عاطفية طغت على شعوره، بل معنى أعمق مما تصورت حين أمسكت ذلك الكتاب النحيف بصفحاته الثمانين فأصبحت أدقق في كل جملة وأعيد قراءة الفقرة أكثر من مرة وبصوت عالٍ، لم يعجبني الأسلوب وحده بل وجدت شيئاً أجمل وهو عمق الشعور الذي كتبت به تلك الفقرات.

يذكُرها في ركن المقهى، يراها في كل كتابً أول صفحة، يحتضن نفسَه تحت المطر ليراقصها.. لا يتأخر عن جواب رسائلها .. 

تتدفق الصفحات بهذه السلاسة والعذوبة لتجرفك عبر أمواج المشاعر دون أن تشعر إلا بنهاية ذلك الكتاب الصغير في حجمه الجميل في معناه فهو يمثل عنوانه حرفياً “ذات” لذا أرفع تحية للأستاذة فلونا عبدالوهاب فمنذ زمن لم أقرأ هذا الشعور الجميل والمؤلم ..

قراءة في رواية “الغابة النرويجية” للأديب الياباني هاروكي موراكامي

أتذكر جيداً متى اشتريت هذه الرواية، ورغم أني اشتريتها استغرقت الكثير من الوقت لكي أفتحها وابدأ في قراءتها، لكن كنت مدركاً أنها رواية جميلة ستعجبني حين اقرأها، وبالفعل ما إن بدأت في القراءة لم أتركها حتى انتهيت منها، ثم عدت وأخرت كتابة المقال الخاص بالرواية لأكثر من أسبوعين، ولا أدري لماذا فعلت ذلك؟ حتى هذه اللحظة التي فتحت الكمبيوتر وشرعت أكتب.

تستطيع أن ترسم شكل المجتمع الياباني من خلال شخصيات الرواية ضمن الزمن المحدد لها بشكل واضح فشخصيات الرواية من الوضوح بحيث ترى شخصية مجتمع مختلفة بشكل حقيقي عن واقعك وقيمك وأخلاقك، ولا أقول ذلك لكي أنتقد الرواية، بل لأنه ساءتني الألفاظ البذيئة التي تخللت السرد والتي طرحت على لسان الشخصيات النسائية في الرواية، مما خلق لدي انطباع بأن المرأة اليابانية وقحة بذيئة اللسان، ولا أظن أن هذا التصور صحيح على الإطلاق، فلكل مجتمع قيمه وأخلاقه، ربما تكون الشخصيات النسائية في القصة متطرفة جنسياً، أو أن الكاتب أراد أن يصف مرحلة معينة كان فيها التحرر سبيله الجرأة والوقاحة في مسألة الجنس.

دعونا من كل هذا فالرواية جميلة تصف رحلة طالب يعاني مشكلة نفسية تحصره في شخصية صديقه المتوفى، حتى إنه لا يستطيع أن ينتزع نفسه من ذلك الوهم فيحب حبيبة صديقه ويخلص لها عاطفياً لكنه لا يستطيع أن يخلص لها جسدياً فيقيم علاقات عابرة مع فتيات شتى دون الالتزام بعلاقة ثابتة إلا مع تلك الفتاة الرمز التي كانت عاملاً مشتركاً بينه وبين صديقه المنتحر، تستمر محاولاته أن يجد له مكاناً في قلب تلك الفتاة التي تعتبره هو أيضاً العامل المشترك في حياتها والعنصر الذي لا تريد أن تخسره بعد أن انتحر حبيبها، فتشكل الرواية صورة معكوسة من المشاعر بين شاب وفتاة يعيش كلٌ منهم الأوهام نفسها، لكن الفتاة في النهاية لا تستطيع أن تتغلب على الذكريات فتقيم في مصحة ثم تنتحر، ويبقى الشاب في حالة من فقدان التوازن.

هناك ثلاثية ذكرت كثيراً في الرواية، الحب والجنس والانتحار، المشاعر تدور حول تلك الأمور، كتبت بإتقان يجعلك تندمج بأحاسيس الأبطال وتستطيع أن تقييم حالتهم، بل وتخلق المبررات لكل شخصية إن أردت فالتفاصيل مهمة حين تكون مرتبطة بالعاطفة والمكان كذلك، الألم والحزن والعزلة أمور تستطيع أن تعيشها خلال قراءة الرواية التي كتبت بمهارة عالية.

تقع الرواية فيما يقارب الأربعمائة صفحة من القطع المتوسط أنصح بقراءتها لمن هم فوق الثامنة عشر.

قراءة في المجموعة القصصية (حارس الجسد) للأستاذ هاشم محمود .

لا يخلو مجتمع من مشاكل، ولا يخلو البشر من الأخطاء والذنوب، ولو قسمنا المجتمع لرجل وامرأة لوجدنا أن المرأة تتحمل جل الذنوب في المجتمع كما أنها العنصر الضعيف الذي لا يستطيع التصريح بأخطائه أو رغباته المكبوتة، كما أنها تتنازع بين العاطفة والرغبة والأمل في شريك حياة يوفر لها الاستقرار العاطفي والجسدي، لا تختلف المرأة عن الرجل من ناحية الرغبة الجسدية إلا أن الرجل لا يحمل وزر خطيئته بعكس المرأة التي يحاسبها المجتمع على أخطائها ويحملها هي وأسرتها عار الخطيئة.

في هذه المجموعة القصصية حكايات متنوعة تشرح الواقع المسكوت عنه لدى المجتمعات العربية من الخيانات والعلاقات والرغبات الجنسية لترفع الغطاء عما يدور في خلف الكواليس لكنها تنطق باسم المرأة التي لا نسمع صوتها إلا ما ندر، في هذه القصص تصرخ المرأة وتشتكي رغباتها وأهواءها وتصف كل ما تشعر به من ألم ولذة ورغبة وخوف.

صوت المرأة عالٍ حين تقع في الشهوة وتستمتع، وألمها شديد حين تشعر بالخيانة، واستسلامها متوقع حين تريد الحفاظ على أسرتها وتماسكها، وحين تصرخ بصدى ما يدور في نفسها، وهنا تجاوز الكاتب الكثير من الحدود ليقول لنا أن المرأة كائن له صوت يجب أن نسمعه باهتمام، فهي الشريك الدائم وهي الحبيبة فلا يجوز أن نتجاهلها، بل يجب علينا أن نتقبل تصرفاتها وأن نجد لها الأعذار كما نفعل مع الرجل فهي لا تقل عنه من حيث التكوين ولا الرغبات، وأن نحمل كلا الجنسين المسؤولية بشكل متساوِ حين يكون هناك خطأ.

المجموعة القصصية متجاوزة من حيث الجرأة التي ربما لا يتقبلها القارئ، فالأستاذ هاشم محمود كتب بتجرد ووصف أمور تخص النساء بشكل جريء وغريب عن المجتمع، فلم يلجأ إلى أسلوب التورية، بل وضع الأمور في نصابها الصحيح فنجد الخيانة متجردة والشهوة عنيفة والخطأ صريحاً  والأمور النفسية التي تجول في خاطر أي امرأة واضحة، فحين تحدث نفسها عن الشريك تبدي الرغبة، وحين تتألم تبكي وحين تهان تصرخ، وحين تجبر تستسلم.

لم نتعود هذه الصراحة في الكثير من القصص التي نقرأها وتوضع فيها المرأة تحت المجهر، لأن الرقابة الذاتية لدينا تمنعنا من السير في هذا الاتجاه وتقف المحاذير المجتمعية والرقابية حاجزاً دون كشف الأمور المستورة وتناول القضايا الحساسة بشكل واضح وأنا هنا لا أدري هل أهنئ الأستاذ هاشم على صراحته أم ألومه على جرأته، وفي الواقع هو لم يأتِ بشيء غير موجود لكنه كشف الغطاء فقط.

تحوي هذه المجموعة خمس عشرة قصة تتناول قضايا تمس النساء في كتاب يقع في 164 صفحة، القصص ممتعة وسنجدها في الواقع بأشكال مختلفة، أنصح بقراءتها لمن هم فوق 18 عاماً .

قراءة في كتاب “رواية السيدة التي سقطت في الحفرة” للكاتبة إيناس حليم

أنا سقطت في حفرة وأنا أقرأ هذه الرواية، وأنت لا بد أن تسقط في حفرة كما سقطت شخصيات الرواية في حفرها الخاصة، فكل إنسان له حفرة إما يسقط فيها بإرادته أو رغماً عنه، حفر تكمن في صدورنا تبلعنا بالكامل في لحظة ما، لا نستطيع أن نتحكم فيها بأنفسنا، تحفرها الحياة على مقاسنا.

“سقطت في الحفرة وغابت” سيدة في مدينة البحر الإسكندرية ابتلعتها الأرض يروي كل شخص حكاية مختلفة عنها فتمتزج الحكاية “الحقيقة” بالأسطورة والخيال والوهم، شادن تتوه بين الأطراف تبحث عن الحقيقة وتصدق الأسطورة وتطارد الوهم، وتستسلم لأقلامها حتى ينكسر آخرها على صفحة النهاية التي لم ولن تكشف حقيقة السيدة التي سقطت في الحفرة، لكنها تخلق حفرة بحجم كل شخص في صفحاتها وشخوصها، حفرة تجعلك تبحث عن حفرتك الخاصة التي تخاف أن تنظر إليها لكيلا يبلعك الظلام فتغيب كما غابت ميرفت.

بالنظرة المعكوسة للعالم التي رسمت في بداية الرواية، الفتاة التي تعلق قدميها على الجدار وتقف على يديها وتنظر إلى العالم بالمقلوب تستطيع أن تعرف أن الخيوط في تلك الرواية متشابكة مع تعقيد ناعم يشبه نسيج الصوف الذي تخلفه أبر “التريكو” فترسم دوائر ومربعات، تمائم وممرات مظلمة تختفي خلفها حقائق أو أوهام ساذجة نرى منها جزءاً من المشهد، أوهام لا ترقى أن تكون حقائق لكننا نسعى ورائها لنبحث عن المجهول في سطور الرواية نتتبع الخطوات، ندخل البيوت، نقابل الأشخاص ونحاورهم مع تلك الفتاة الحائرة التي تبحث في حفرة عن سيدة عملاقة اختفت.

تغرق الرواية في التفاصيل الصغيرة والوصف الدقيق، في الأدراج المغلقة في النقاط السوداء التي تتسع ويختبئ تحتها كل ما نخافه، بالفعل كنت أبحث وأنا أقرأ الرواية عن الحفرة التي سقط فيها كل شخص مر ذكره، ثم بدأت أبحث عن حفرتي وحفر من حولي، وارفع القبعة للكاتبة إيناس التي خلقت فراغاً في الرواية لكي يسأل القارئ نفسه أين حفرتي.

ربما لا يحب البعض كثرة التفاصيل في الرواية وكثرة الأساطير، لكنها تُكون حقيقة الاعتقاد لدى البشر حين يعجزون عن تفسير حادث ما لا يجدون له مبرراً أو لم يتمكنوا من معرفة حقيقته فيلجؤون إلى تبريرات تخرج عن الواقع ويستغل الموقف أصحاب الأهواء ليصلوا للشهرة ويتسلقون الحوادث.

رواية شيقة تقع في 311 صفحة أنصح بقراءتها.

قراءة في كتاب رواية الحرب لـ د. محمد اليحيائي

قبل أن أقرأ هذه الرواية توقعت أن أجدها عميقة وتركيباتها تخرج عن المعتاد ولم يخب ظني حين بدأت، فحين تقرأ رواية للدكتور محمد اليحيائي يجب أن تتوقع أنك ستقرأ لشخص يُخرج المعاني من الأعماق وينقلك بأسلوبه الفلسفي بين مواقع مختلفة وأزمنة وشخصيات متنوعة ولا تتوقع أن تكون روايته مجرد سرد لأحداث منتظمة، بل يكون السرد في أفق متحرك بين شخوص الرواية وأحداثها.

الحرب هو الموضوع، ثورة ظفار بما حملته من أثقال ومن قيم ومبادئ لم تتحقق على الأرض، التمرد على الواقع الذي نبتت أفكاره في الداخل ثم تشعبت ليوجهها الخارج لتفقد بذلك الكثير من قيمتها ومعناها الذي قامت من أجله، التغيير في الفكر والتغير السياسة وتصادم أفكار الثوار هي الأسباب التي قوضت الدعائم الأساسية التي قام عليها الثورة في الجنوب وجعل المحاربين يتصادمون بين الواقع المحلي والواقع الإقليمي هل يغيرون النظام في عمان أن يغيروا واقع المنطقة بأكمله، متناسين أن المواجهة لم تكن مع نظام منعزل، بل نظام تحاول القوى الفاعلة الكبرى حمايته بكل الوسائل.

وحين يفقد الإنسان البوصلة يتوه في أفكاره وهذا ما تجسد بشكل واضح في شخصيات الرواية فمنهم من يعيش أوهام الحرب ومنهم من تخلى عنها وانتقل إلى صف السلطة ومنهم من رفض الواقع الداخلي وخرج ثم أخرج من جوفه كل ما ينتمي إلى الماضي ليعيش حياة لا تمت لانتمائه القديم بصلة، وآخرون كانوا متفرجين يبحثون عن الحقائق التي لم يستطيعوا أن يقدموها للأجيال لتعرف القصة كاملة، وتستمع لطرفي النزاع بشكل محايد.

تحار وأنت تقرأ من هي الشخصية الرئيسية في هذا العمل، هل هو سعيد صالح أو سعيد قيصر أم هي كرستينا سعيد أم والدها سعيد علي، ستكتشف أن البطل الحقيقي في الرواية هي الحرب بكل ما حملته من أفكار ومبادئ وبما تعنيه من تمرد أراد أن يكسر الطغيان ويحقق الحلم، الحرب بما حملته من كوارث على أصحابها، وفعلته في المزاج وما قتلته من أمل، المحور الرئيسي الذي يربط جميع الشخصيات والأحداث هي الحرب التي جرت في الجنوب وكانت تحمل أفكاراً أكبر من الواقع ولا تنتمي لتلك الأرض، فتكسرت بن التغيير السياسي وبين ردة الفعل العنيفة والأطراف التي وقفت في مواجهتها وضعف الأطراف الداعمة لها.

ستكتشف أن الأمل في التغيير باقٍ في النفوس لكنه لم يتبلور بعد، الألسنة ما زالت مربوطة بأعراف وقوانين وخوف يقيد العقول التي تريد أن تطرح مشاكل المجتمعات الخليجية بشكل صحيح وتبحث عن حلول حقيقية تجعل تلك الدول المشتتة كيانات لها أنظمتها التي تحترم مواطنيها وتبني مستقبلها بشكل صحيح تندمج فيه كل المكونات وتُطرح من خلاله كل الأفكار دون خوف.

استخدام ذكي للعاطفة من قِبل الراوي زاوج بين العاطفة والتردد بين البقاء في الوطن والرحيل، ولن يكتمل الشهد أمامك، بل يبقى مبتوراً يحتمل كل التوقعات، كما النتائج التي أنهت الحرب وأبقت احتمالات تجدد الثورة وتجدد الغربة والمعتقدات، لكن الحب كما الأمل في النفوس لا يرحل ولا نهاية له.

المتعة التي ربما لا يتقبلها البعض هي تباعد فصول الشخصيات، فهناك أبطال حضروا بقوة في البداية ثم غابوا بين أبوابها كهوامش ثم يعودون بعد أن يظن القارئ أن دورهم انتهى أو أنهم كانوا مقدمة تمهيدية للدخول لعالم الرواية، وكذلك بعض المشاهد التي تخرج عن سياق الرواية كمقال يصف مطعماً إيطالياً، أيضاً العودة إلى البعيد في حرب سابقة بين الإمام والسلطان لكن تلك المسافات الخارجة عن النص تعتبر دمج لواقع الشخصيات في المشهد القائم الذي يرسمه الراوي كمشهد عام.

الرواية ممتعة وعميقة وتحمل أسلوباً متميز تقع في 360 صفحة وأنصح بقراءتها بشكل عام والمهتمين بالشأن العماني والباحثين في التاريخ السياسي لمنطقة الخليج على نحو خاص.

قراءة في كتاب رواية “قاربي سيعود” للروائي محمد السادة

قرأت تاريخ البحر وأنا على مركب يتصابى بفعل الأمواج فيميل تارة إلى اليمين وتارة إلى اليسار وأنا أقلب صفحات هذه الرواية وأبحر مع السيد علي شرقاً وغرباً، استخرج اللؤلؤ مع الغواص وأشد الحبل مع السيب، أتناول التمر واشرب القهوة وانتظر وجبة العشاء مع البحارة، لفحتني الشمس معهم وترك الملح آثاره على جلدي، شعرت بكل ذلك وأنا على مكتبي أقرأ رواية “قاربي سيعود” فيها تتجسد التفاصيل الصغيرة التي يمكنها أن تعود بك لماضٍ قديم تشم فيه رائحة التاريخ وترى عرق الرجال وهم يكابدون المصاعب من أجل لقمة العيش.

الرواية تناقش حقبة زمنية ما بعد الحرب العالمية الأولى مروراً بالغوص للؤلؤ وحتى موت هذه التجارة والتحولات التي طرأت على الكثيرين بسب دخول الآلة في الحياة، والتطور السريع الذي غير حياة البحارة، فأصبح أغلب تجار اللؤلؤ يعانون المصاعب وتدهورت حياتهم.

اتبع الروائي محمد السادة أكثر من أسلوب في السرد منها الراوي الذاتي والراوي العليم، وفي بعض المواضع كانت الحكاية في الحوار الدائر بين السيد علي وابن أخيه، ولم أجد أي غضاضة في الانتقال بأسلوب السرد من شكل لشكل آخر فأحداث الرواية لم تتأثر باختلاف الراوي، وبما أنها الرواية الأولى التي يصدرها السيد محمد السادة فأنا أرفع له القبعة لعدة أمور أهمها كمية المعلومات والأحداث التاريخية التي تطرق لها في الأحداث، فلن تخرج من الرواية دون أن تعرف الكثير من مصطلحات البحر وأساليبه التي كانت متبعة في ذلك الزمان وستتمكن من معرفة بعض التفاصيل التاريخية التي دخلت على عالم السفن الشراعية في الخليج.

مرحلة واحدة في الرواية يمكن أن أقف عندها وأضع عليها ملاحظة وهي مرحلة الحوار بين السيد علي وابن أخيه إبراهيم، حيث إن شخصية إبراهيم أُدمجت في الحوار دون مقدمات تهيئ القارئ لتحول السرد من الراوي العليم إلى الحوار حيث دخلت الشخصية بعد مرحلة الذكريات التي كانت تمر بالسيد علي وأصبحت الأحداث تدور عبر الحوار الذي نلمس فيه التبسيط الشديد للأسئلة، والواضح أن الروائي أراد أن يبين كل مجاهل السفن والغوص عبر شخصية تريد أن تعرف التفاصيل.

الرواية ممتعة غلبت عليها روح الشاعر التي يحملها السيد محمد السادة بين جنباته، فزينت بصمته الشعرية لغة السرد بكل ما هو جميل في اللغة وجعلتني التهم الصفحات دون أن أشعر .

الرواية صغيرة لحدٍ ما تقع في 160 صفحة من القطع المتوسط أنصح بقراءتها .

قراءة في كتاب “الربيع الآتي” للدكتور محمد اليحيائي

يعتبر هذا الكتاب الأول الذي أقرأه لـ د. محمد اليحيائي، لكني أجزم أنه لن يكون الأخير فمدى إعجابي بطرحه وأسلوبه السلس وطريقة تعاطيه مع الأمور السياسية المعقدة في عمان والخليج والوطن العربي فاقت تصوري واعتقدت أني أقرأ لفيلسوف غربي تجرد من كل العقد النفسية والأمنية والسياسية والفكرية والثقافية المنتشرة في الشرق الأوسط، فككها وحللها وربط بين الواقع والأفكار وأصل القواعد التي يجب أن توضع لتبني الأفكار بشكل صحيح لتصبح واقع يعيشه الناس.

الكتاب خليط بين أوراق بحثية قدمت في مؤتمرات دولة وبين مقالات تتعاطى مع حقيقة الثورات العربية أسبابها وتطلعاتها والنظر إلى مستقبل الديمقراطية في المنطقة، لكنه خص عمان بالجانب الأكبر فقد حلل القوانين ودوافعها وتبريراتها، ونقض التسلط والاحتكار السياسي ليكشف أن القوانين توضع في الوطن العربي لتكريس الحكم في شخص يكون هو القائد والملهم والأب، بل هو الدولة.

“عن صخرة الاستبداد وكائناتها” في نظري هو المقال الأبرز رغم قصره فقد وضع الدكتور تصور صحيح للوضع القائم في الوطن العربي مشبهاً إياه بصخرة كبيرة تجثم على الأرض تعيش تحتها كائنات لا تعرف ما يدور حولها ولا تجد الهواء، وحين ترتفع الصخرة وتشم الكائنات الهواء تحدث الفوضى والتصادم لنيل أكبر قدر من النفوذ، في هذا المقال الصخرة هي نظام الحكم المستبد، والكائنات التي أسفلها الشعب، حين ترتفع الصخرة ويشم الشعب رياح الحرية لا يعرف التصرف، فقد غيبت حقوقه، ومسح صوته، وكتمت أنفاسه السياسية والفكرية والاجتماعية على مدى أجيال، في المقال تفسير صحيح ومنطقي لحالة الفوضى التي حدثت بعد الربيع العربي، وما حدث لا يعني أن الديمقراطية شيء سيئ بل يعني أن النظم الحاكمة دمرت كل قواعد الفكر الصحيح لدى الشعوب، فكانت الفوضى هي الواقع.

فوضى في كل شيء، في السياسة، في القانون، فوضى الفكر والثقافة، كل تلك الأمور موجودة في الكتاب حتى فوضى العادات والتقاليد، القبيلة وما تشكله من انتماء يفوق الانتماء الوطني، النظرة إلى المواطن والوطن، من يسبق الآخر، الحاكم الإله الأب الملهم الزعيم القائد المبجل، أفكار كثيرة طرحت في الكتاب تستحق النظر، وحلول واقعية يجدر أن ننظر إليها بعين الصدق والرغبة في التغيير، تغير نظرتنا إلى الأمور، وطريقة تعاملنا مع الواقع المر الذي يقبع فوق رؤوسنا.

تحية لـ د. محمد اليحيائي على هذا الإصدار، وتحية أكبر وأجل لما يقدمه من فكر يستحق الإشادة والتقدير ويستحق أن نأخذ به ونعمل على تطويره.