قراءة في رواية “إمبراطورية الملائكة” للكاتب الفرنسي برنارد فيربير.

انهيت العمل منذ قليل ولم اتوان في الكتابة عنه، هذا الشعور انتابني وألح عليّ قبل أن انهي العمل لا لشيء إلا أنه استفز فيّ أشياء كثيرة مثل: النظرة للغيب، التفكير فيما بعد الموت، التأمل في العوالم الخفية من منظور خيالي، وهذا لا يعني أني اقرأ الرواية بمنظور الكاتب، بل سأحتفظ بالنقد للسطور الأخيرة من هذا المقال فهناك الكثير من الملاحظات التي يمكنني أن اذكرها دون تردد.

العمل كبير قليلاً لكنه ممتع وطرح بأسلوب جميل يجعلك تفكر فيما سيحدث وهذا ما يستدعي الرغبة في استمرار القراءة بشكل شبه متواصل، فالأحداث كثيرة وتقع في أكثر من مكان، وكذلك الشخصيات الرئيسية والفرعية، والأهم من ذلك الأسلوب الجميل ولنبدأ بشخصيات الرواية.

الملائكة:

ميشيل بانسون: هو الراوي في هذه الحكاية وعلى لسانه تسرد الأحداث

رافاييل: الملاك الباحث عن الحقيقة الأعلى والمتطلع للغيب.

إدمون ويلز: لعب دور المرشد للملائكة لكن صوته تكرر كثيراً تحت بند الموسوعة وكأنه يلعب دورين رئيسيين فمن جهة هو موجود بشخصيته في الأحداث ومن جهة أخرى تحت بند الموسوعة، يسرد معلومات استخدمها الكاتب كنقاط مضيئة في العمل.

توجد الكثير من الملائكة في الرواية ادوارهم فرعية.

البشر:

جاك: عانا من صعوبات في دراسته ويعاني من ذاكرة ضعيفة يتمتع بخيال واسع وسيمتهن الكتابة والتي يمر معها بحالات تعاسة متكررة حتى يستقر، يحب القطط ويؤمن بأنها ملهمته.

فينوس: فتاة مدللة عاشت الشهرة منذ الصغر وتطورت امنياتها فأصبحت عارضة أزياء، ملكة جمال ثم ممثلة وتستقر في النهاية.

إيجور: روسي يمر بمراحل كثيرة وينتقل من دار رعاية ايتام لمصح ومن ثم للجيش ويستقر لكنه ينتهي بلا هدف.

هناك شخصيات بشرية فرعية كثيرة في الرواية.

الرواية:

تنتقل الرواية من الأرض إلى السماء بموت البطل ميشيل بانسون وترسم منظور لمرحلة الانتقال عبر رحلة فيها مراحل انتظار ومحاكمة حتى يترقى البطل الرئيسي لدرجة ملاك ومن هنا تبدأ الرواية الفعلية التي تشرح دور هذا الملاك مع موكليه في الأرض ومع أصدقائه الملائكة الآخرين، وبما أنه موكل بثلاثة من البشر يحمل كل فصل عنوان لكل شخصية بشرية رئيسية لكتب عنها منذ الولادة وحتى الموت، وهناك أيضاً حديث يدور في الجنة خصص له عنوان في كل فصل وفي خاتمت الفصل الموسوعة التي يكتبها ادموند ويلز، وبهذا نشاهد في كل فصل خمسة عناوين أو أكثر والرابط الرئيسي بينها هو بطل الرواية ميشيل بانسون، العنوان الوحيد الذي ستشعر في البداية أنه خارج السياق هو عنوان الموسوعة الذي كان يوقع باسم ادموند ويلز موسوعة المعرفة، في الفصول الأولى تشعر من كثرة المعلومات والشخصيات انها تتداخل في عقلك ومن ثم تتسق وتترتب مع التكرار.

الأسلوب:

اعتمد الكاتب على أكثر من صوت في الرواية منها بطل الرواية ومنها الموسوعة والراوي العليم، لكنها متسقة مع العمل، وانتهج أسلوب مميز في توزيع الأدوار بين شخصياته البشرية بحيث أن ترتيب السرد في كل فصل لا يسير بتناسق تراتبي مثلاً: فينوس تأتي في المقدمة في بعض الفصول وتأتي في الوسط في بعضها أو في الأخير، وكذلك المواقع فبين الأرض والسماء تأتي الأحداث أحياناً قبل الحديث عن الشخصيات أو بعدها، الجزء الثابت هو الموسوعة التي تأتي في نهاية كل فصل لتضيء لك نقطة أو تشرحها.

الأسلوب به الكثير من التعقيد لكنه التعقيد الذي يخدم العمل والذي يمزج بين المعلومات المستقاة من التراث الديني اليهودي والمسيحي، والخيال الذي يرسم الصورة الذهنية، والفلسفة الخاصة بالكاتب، والذي يتضح انه يملك مهارة عالية في المزج بين تلك الأمور ونسجها بشكل لا يلفظه القارئ، بل يتقبله لأن أسلوب الكاتب جميل ومقنع.

النقد:

ستلاحظ دون المزيد من الجهد أن عالم الملائكة كله من العرق الأبيض وبالأخص من اليهود والمسيحيين، والبشر المنتخبين للرعاية من الملائكة من نفس الديانتين، وبهذا اختزل الكاتب المنتخبين للجنة من العرق النقي من منظور غربي بحت.

كل المعلومات المستقاة في تصوره للجنة مأخوذة من العهد القديم أو التوراة، ويشير إشارات بسيطة في الحديث للشامانية مثلاً البوذية لكنه لا يأخذ من تصوراتها في جنته ومن الطبيعي لا يذكر الإسلام نهائياً.

الشعوب الأخرى موجودة لكنها لا تقع تحت رعاية الملائكة ولا مكان لها في الجنة، وحين تحدث عن الشرق قال أنهم برابرة.

الكاتب:

من أصل يهودي لكنه لا أدري أي لا يؤمن بدين حالياً وربما مخزونه الثقافي طغى على تفكيره، أو ربما يحمل عنصرية ضد الآخر أي ما دون العروق التي يؤمن الغرب أنها نقية وأنها منتخبة من الإله.

تقييم العمل:

العمل أدبياً رائع وممتع ويحمل الكثير من المعلومات والخيال والفلسفة والإلحاد يقع في 398 من القطع المتوسط، انصح بقراءته لأنه ممتع لكنه يحمل أفكار إلحادية.

المترجم:

تحية اجلال للمترجمة أريج حمود فلغة الترجمة كانت راقية جداً لدرجة أنك لا تشعر أن العمل كتب بلغة أجنبية فلا خلل في اللغة ولا المعنى.

قمة وقاع ..

هناك أبطالٌ في كلِّ زمان، وهناك أناسٌ مغمورون لا يلتفت إليهم أحد، لكن حين ننظر إلى الأبطال، علينا أن نعلم أننا ننظر إلى رأس الهرم فقط، دون أن نرى باقي كيانه؛ فالقاعُ الأكبر في الهرم هم أولئك المغمورون الذين تخرج منهم ثقافةُ المجتمعِ العامة.

عندهم الأساطيرُ والخرافات، وعندهم البساطةُ والفقر، ونجد بينهم الصنائعَ والورش. حياةُ الشعوب لا تكمن في الأبطال؛ فربما يكتب الأبطالُ العناوين، لكن العامةَ هم من يكتبون المتن، ويصنعون الصورةَ المنمنمة التي، لو دققت فيها، لرأيتَ آلافَ الوجوه.

لنلقِ نظرةً مثلًا على لصوصِ القمّةِ والقاع. لصُّ القاع ربما يأخذ ما في جيبك، أو يسرق جهاز الهاتف، أو يتجرأ قليلًا ويقفز إلى منزلك ليسرق مما تدخر. أما لصوصُ القمّة، فيختلف الحديث عنهم؛ فهم لا يسرقون شخصًا واحدًا، بل يسرقون الجماعةَ كلها: مقدراتِهم، وأقواتَهم، وحاضرَهم، ومستقبلَهم. فلا يتركون لهم شيئًا إلا الكفاف الذي يُبقيهم على قيد الحياة.

كلُّ إنسانٍ يعمل على قدر إمكانياته؛ فاللصُّ الفقير يسرق ما يعتقد أنه يكفي، واللصُّ الغني لا يكتفي مما يسرق.

هكذا تكون النظرةُ بين القمّةِ والقاع. لذا، علينا ألّا نحصر نظرتَنا في الأبطال وحدهم، بل أن نرى المجموعةَ التي في القمّة، بمزاياهم وعيوبهم، بحميدهم وخبيثهم؛ فالقمة، كما تحتوي على الأبطال، تحوي اللصوص أيضًا.

ربما نظنُّ أن القمّة مكانٌ لشخصٍ واحد، ولكن لو دققنا النظر، لوجدناها تجمع كلِّ الرؤوس: رأسِ البطولة، ورأسِ الشجاعة، ورأسِ العلم، وكذلك المجرمين واللصوص. القمّةُ مكانٌ لكلِّ الرؤوس.

الأدب ..

الكلمات متشابهة، فأنا أملك الحروف والمفردات التي تملكها، وهي هي الحروف نفسها، كلٌ منا يوظفها فيما يريد، ومنا من تخونه الكلمات في بعض المواقف، لذلك فلا فرق بيني وبينك سوى المهارة التي استعملها أو تستعملها أنت في تشكيل تلك الكلمات والجمل لنجعلها مقنعة، مؤثرة، حزينة أو مفرحة، يشاركنا فيها الخيال ونقرأ تعابير الوجه ونكتبها.

لنتفق على شيء، أن الكلمات موجودة لدى الجميع!! فما الذي يجعل الجملة التي تقولها أنت مؤثر أكثر من الجملة التي أقولها أنا، أظن أنه الذوق والأسلوب هما اللذان يحددان شكل ومعنى الجملة، الفقرة، القصة، المقال أو الموضوع، فهي مسألة ذوق وتَمكن، كما هي الأزياء أحدهم ذوقه راقٍ، والآخر جميل، وغيرهم لا يحسن اختيار ملابسه.

الذوق مهم، فهو الذي يعطي اللمسة الجذابة، لكننا لا نطلق كلمة ذوق على الجملة، بل نقول جملة متناسقة، أو فقرة محكمة، أو بيت شعر بديع، أو خطاب رائع، وكل هذه المواضيع استطاع أصحابها أن يشدوا انتباهنا بأسلوبهم الجميل في اختيار الكلمات المناسبة ليوصلوا ما يريدون دون أن ننفر منه، فهم أصحاب ذوق رفيع في اختيار الكلمات وترتيبها وتنسيقها وحبكها لذا فهم مبدعون ، أو ماهرون في الكتابة.

لا أريد أن أشبه الإبداع الأدبي بالأزياء أو أي نوع آخر من الفنون ذات الذوق الرفيع، أريد أن أرسخ فكرة بسيطة أنه يمكننا أن نوظف الكلمات بالشكل الذي يعجب الجمهور لكي نلفت انتباهه، والكثيرين يمكنهم فعل ذلك، والمعضلة لا تكمن في تبني تصورات الجماهير الأدبية، بل تكمن الصعوبة في أن أوصل الفكرة التي لا ترغب فيها أنت بشكل يجعلك تتقبلها أو يجعلك تفكر فيها من جديد بشكل مختلف عما كان عليه تفكيرك قبل أن أطرح تلك الفكرة بمنظوري الخاص.

الكثير من الوسائل يمكننا تعلمها في مجال الأدب، والكثير من المهارات أيضاً، كل شيء ممكن، الفرق أن المهارات التي تكون وليدة إبداع مترسخة بشكل أكبر وأعمق من المهارات التي تكتسب دون وجود سابقة لها في النفس، وكذلك التي نكتسبها دون تعلم حين نخضعها لوسائل التعلم تنتظم وتترسخ بشكل عميق يجعلنا نستخدمها بمهارة أكبر.

الأدب كالبحر، مهما أخرجنا من بطنه من كلمات وإبداع يستطيع غيرنا أن يستخرج منه كلمات أجمل وأروع مما أخرجنا، والمهم أن نتقبل ما يكتبه الآخرون، وننظر إلى جماله وما يحمل من إبداع، فالأدب لا يقف عند قلم واحد، ولا شخص واحد، ففي كل حفرة في الأدب ألم وجمال، نجاح وفشل، نتعلم ونعود لنكتب من جديد، ويعود الآخرون ليقيموا أعمالنا، ونقيم أعمالهم ونصفق جميعاً للعمل المبدع الجميل دون النظر إلى الأشخاص فقيمة العمل الأدبي تكمن فيه، وهي التي تميز صاحبه، أسماء الكُتاب لا تميز الأعمال الأدبية، بل الأعمال الأدبية هي التي تميز الكُتاب.

لحظات صغيرة ..

الأمور الصغيرة التي تحدث لنا تؤثر فينا أكثر مما نتوقع، مجرد ابتسامة لطيفة في الصباح يمكنها أن تغير مزاجك طوال اليوم، وتجعلك تنظر إلى الدنيا بتفاؤل، وتبحث عن كل ما هو جميل، ويمكن أيضاً لنظرة اشمئزاز أو نظرة تعالي أو احتقار أن تقلب مزاجك رأساً على عقب، وتنشر التشاؤم في يومك، وتمسح كل الأشياء الجميلة في مخيلتك.

الحياة هي، أمور صغيرة تجتمع لتُكون شيئاً أكبر مؤثراً في حياتنا سواء لفترة طويلة أو قصيرة، ولكل حدث ردة فعل عند المتلقي فلا تعني الابتسامة في الصباح الكثير عند بعض الأشخاص، لكنها تعني الكثير عند غيرهم، وبهذا نتأكد أن استقبالنا للأمور الجيدة والسيئة يختلف من شخص لآخر، أو من حين إلى حين، فربما نفس الابتسامة الجميلة في الصباح لا نستقبلها بالتفاؤل الذي استقبلناها به في السابق.

الكوارث ثواني أو دقائق، والمصائب أيضاً، تنبني عليها أمور أكثر تعقيداً وأكبر شأناً من، لكنها مواقف قصيرة، يتأثر بها من يعيشها، وينظر إليها البعيدون نظرة استغراب ودهشة، وهكذا هم البشر كل شيء يمسهم يصبح مهماً وما يبتعد عنهم يقل تأثرهم به.

مجموع هذه الأمور الصغيرة هي التي ترسم لنا الحياة، اللحظات والدقائق تشكل واقعنا الذي نعيشه تتراكم في الذكريات، لنعود إليها في لحظات كما عشناها لحظات، لكننا حين عشناها عشنا بتأثرنا بها، وحين نعود إلى ذكراها نعيشها لفترة أقصر، وكلما بعد الزمن عنها نعود إليها لفترة أقصر من سابقتها.

كما تعود المادة في أصلها تعود الأوقات لأصلها، وأظن أن لا شيء بعد اللحظات، فهي في نظري الكتلة التي يستطيع الزمن أن يحدث فيها أمر يبقى ويؤثر في محيطه.

صدمة العاطفة ..

لا توجد حدود للمشاعر، ولا قوانين، الشعور شيء غير ملموس لا يمكننا قياس مدى فاعليته من شخص لآخر ولا تأثيره في الأشخاص، فأحدنا تؤثر فيه دموع طفل بشكل بالغ وآخر تؤثر فيه تلك الدموع بشكل سطحي ولكل شخص تبريره الذي يستند إليه ولكل منا نظرته الخاصة للدموع، ممن تصدر ولما صدرت، أمور كثيرة تجعلنا نعطي لتلك الأحاسيس قيمة، أو نقلل من شأنها.

هي مشاعر تتفاعل في مساحة من أنفسنا لا يمكننا أن نصل إليها، كتلة كامنة لا ندري متى تنفجر، عاطفة الحب، لا نعرف متى تتملكنا، والحنين، وتأثير الذكريات، نقف أمامها عاجزين في أحيان كثيرة، ولا نجد تفسيراً منطقياً يبرر أو يفسر ردة الفعل على المشاعر المقابلة.

لو أخذنا عاطفة واحدة مثلاً: الحب لا نعرف متى نتخلص من تأثيره حين نقع فيه، أو متى نفيق من غيبوبته التي نتفاعل معها، دون أن نضع لها حدوداً ولا مدى وفي أحيان كثيرة تكون نتائجها كارثية، توصلنا لمرحلة الصدمة العاطفية أو الانهيار، نصاب بالصدمة في البداية والنهاية، في البدايات غيبوبة والنهايات ضياع، وفي كل منهما لا نتحكم في مشاعرنا سواء بالسرور أو الضيق.

يعترف العالم بأجمعه أن هناك مشاعر، لكنهم لا يعطوا تفسيراً واضحاً لتلك الأمور التي لا يمكننا التحكم فيها ربما يكتشفون إفرازات الغدد بعد حدوث ثورة الشعور، لكنهم لا يستطيعون أن يصنعوا شعوراً واحداً دون اكتمال عناصره.

إلى متى أحبك …

عندما نتحدث عن العلاقات الشخصية، أو نفكر بها لا نسأل أنفسنا في أغلب الأحيان لماذا؟ ولا أعني بماذا؟ أن أفكر في الفائدة المرجوة من العلاقة بحث أن تصبح العلاقة تبادل مصالح، وهي بالفعل تبادل مصالح، لكن المصالح المالية والسوقية هي الوحيدة التي تأخذ في الاعتبار في هذا الجانب، لكننا لا ننظر إلى الجزء المعنوي والعاطفي على أنه فائدة أو مصلحة، والعكس هو الصحيح من وجهة نظري فالفائدة المعنوية من العلاقة هي التي تعززني وترفع من شأني كإنسان حقيقي بعكس القيمة المادية التي تنمي النظرة المصلحية المتمحورة فيما لدي وما أملك.
لكننا في الحقيقة لا نقيم احتياجاتنا النفسية بشكل صحيح لكي نعرف ما هي الجرعة الصحيحة التي يجب أن نتلقاها من الأشخاص المحيطين بنا وهل ما يعطونا إياه من مشاعر حقيقي أم هو غاية يستخدمونها للوصول لهدف يصبون إليه، فالإنسان مركب غريب يختفي جزء منه بمكر ليحقق الجزء الآخر أهدافه، بمعنى أن الماكر يظهر لك الود، لكنه يخونك في النهاية، ويعتبر هذا انتصاراً، وهنا تكمن مشاكلنا مع الآخرين ثقتنا المفرطة في بعضهم، ونفورنا من آخرين تتولد لدينا قناعات بأن من نثق بهم هو الصادقون المخلصون، ونحن لا نملك في الحقيقة ما يثبت ذلك في أغلب الأحيان، لكننا نقيس بعواملنا النفسية، ولو نظرنا بعين مجردة لقياساتنا في هذا الجانب سنكتشف الكثير من القصور، وسنشك في أقرب المقربين لنا.
المسألة معقدة، أحياناً تكتشف أن من تحبه وتدنيه يستغلك بفعل عاطفتك الحميمة نحوه، فنقطة ضعفك التي يمكنه أن يستفيد منها هي مشاعرك التي تغمره بها وبسببها تمنحه الرعاية والاهتمام، بعكس ما يفعل هو؛ بحيث إنه يستفيد منك، ثم يعطيك الرعاية والاهتمام بقد استفادته المادية، هنا تتحقق المصلحة بشكل مقلوب، لكنها تتحقق في مستوى معين غير حقيقي، فالحقيقي لا يتغير وإن شابه بعض العيوب أو التغيير فالقيمة الكامنة فيه نقية.
بعد فترة من الزمن، وبعد أن نكتشف حقائق المحيطين بنا ربما لا نستغني عنهم؛ لأننا بحاجة إلى وجودهم في حياتنا، ولو كلفنا ذلك الكثير من الأضرار النفسية والمعنوية.

بين لحظتين ..

لا أدري هل أحمل قلمي لأكتب أم يحملني قلمي على الكتابة فالدوافع كثيرة والقلم واحد، وكلنا نكتب بعضنا لديه غاياتٌ سامية وبعضنا لديه أهداف كبيرة وبعضنا أحلامهُ صغيرة، ربما أكون الأخير، وربما أكون الأول لكني أكتب لأملأ ذلك الفراغ المتنامي في نفسي بين الواقع الميت والفراغ، بين ما أريد وما أنا عليه فعلاً، فهناك نقطة يبحث عنها الإنسان طوال حياته، ولا يدركها وإن أدركها شارف على النهاية؛ لأن الكمال يعني النهاية التي لا تأتي قبل أن نصل إلى قمة معينة نستطيع أن نسقط من فوقها.
الفكرة التي تأتي لا ترحل فهي تخرج من تلك الصراعات الغريبة في نفوسنا التي تُصدر أشيائها من اللا شيء لتزعجنا وتعكرنا أو تسعدنا، وفي الحالتين النفس تشغلنا بتلك الأشياء التي تتولد من لا شيء، ومن كل شيء فالذكريات فينا، لكنها لا تستطيع الحركة والنفس تلعب لعبة المكعبات تجمع تلك القطع في لحظات لتشكل لنا الصورة، ثم تعود وتبعثرها؛ ثم تشكلها من جديد وتنسفها وتنسفنا معها وكأن الفراغ الكامن فينا يتجمع ليصدر لنا ما يريد وأحيانا تخدعنا لتوهمنا بما نريد، ونحن البشر نسير خلف دوافعنا الداخلية، غاياتنا وأهدافنا وأحلامنا، لا ندري ما الذي سيحدث في الغد فقط، بل في الدقيقة التالية، التالي مجهول والراحل ذكريات، ونحن نعيش لحظتنا فقط بقناعتنا أو رغماً عنا سنعيشها.
الزمن ليس أنا وأنت الزمن هو التراكم الذي نُحدثه خلفنا لنرسم الماضي المختفي من لحظاتنا، فأكون أنا كما رأيتموني، ونكون نحن كما رأونا ونكون دولة، ونكون أمة بين لحظتين فائتة وقادمة ونحن فقط اللحظة الوسطى التي تجمع بينهما، بين الماضي المحتشد بالذكريات والمستقبل الفارغ، وكأننا صفحات تكتب فالصفحة التي تمتلئ تُقلب لتخرج لنا صفحة جديدة فارغة ونحن الأقلام التي تملؤها.
لا أدري هل هي فوضى مشاعر أم فوضى أفكار، وأظنها الفراغ المتصارع مع المحسوس، الفراغ الذي ينصب لنا الكمائن من الذكريات لننطوي على أنفسنا، وننكفأ ثم نتلاشى.

لا روابط .. لا روابط ..

لا روابط .. لا روابط ..
ليس بين الموت والاشواق رابط
لا ولا بين العيون الدامعة
والاحساس رابط
ولا العواطف
ولا المشاعر والاحبة .. أي رابط
ولا الأماني والدروب
ولا بين القلوب
التي ماتت مشاعرها وذابت
بين التجاهل والهروب
لا روابط لا روابط
فالحب كان المبدأ المفقود دوماً
بين ازهار اللقاء
واشواك الرحيل
وتلك العيون الرقصات
الباكيات
بين ضحكات الهوى
وصرخات الضياع
لا روابط لا روابط

الرواية بين النقد والرأي، ومشاعر الكاتب.

حين يفرغ المؤلف من روايته، ويطرحها للعامة لا يحق له تقييم العمل، فمهما كانت قناعته بالعمل لا يحق له أن يحكم عليه، حيث إن العمل صدر منه، وتقمص شخصية أبطاله، وفي هذه الحالة يكون حكمه منحازاً للعمل دون أدنى شكل، فأي رأي سيمتدح فيه روايته، يكون رأياً سلبياً، حتى لو كان العمل رائعاً بالفعل، مجرد أن يسلب الكاتب حق الجمهور في إبداء الرأي أو تقييم العمل يكون قد تدخل في قرارهم بالحكم على الرواية.
القرار المهم الذي يجب على الكاتب اتخاذه في تقييم العمل هو مدى ملائمته للنشر، وهل يصلح للقراءة، أو لا يصلح، والعمل والجهد كله الذي يقوم به الكاتب، من كتابة وتدقيق وتصحيح ومراجعة، يفعلها لكي يخرج العمل في أفضل صورة ممكنة، وبعد النشر ينتظر رأي النقاد والقراء في العمل، ويجوز له إبداء رأيه فيما يقال ويجوز له أن يدافع عن عمله، ويبرر كل شيء طُرِح من قبل النقاد والقراء دون حرج، فإيمان الكاتب بالعمل وما بذله من مجهود يعطيه الحق أن يدافع عن عمله الأدبي دون رفض النقد بشكل عام، ودون أن يعترض على نقاط الضعف التي يصل إليها النقاد في العمل، فالنقد لا يجرح العمل إلا إذا كان العمل سيئاً، أما إن كان العمل جيداً أو مميزاً، فإن النقد بين للكاتب نقاط الضعف التي لم يلمسها هو شخصياً، لذا يجب أن يستمع الكاتب لرأي الناقد بحرص، ويرد عليه بإتقان بما لا يخرج عن صورة العمل، أو يحول الصدام مع النقاد من صدام فكري إلى صدام شخصي.
من المؤكد أن العمل الأدبي يتجاوز صاحبه كما في باقي الأعمال الفنية، ورغم أنه يحمل اسم صاحبه، إلا أنه يصبح مشاعاً بعد طرحه في السوق، ويملك كل ناقد أو قارئ نظرته الخاصة في التقييم، الآراء التي تطرح تناقش ذلك العمل من زوايا مختلفة وفئات مختلفة، فالنقد مثلاً له مدارس كثيرة تحمل كل واحدة منها وجهاً مختلف في قراءة النص الأدبي، وكذلك أذواق القراء تختلف بحسب اهتماماتهم وثقافتهم، واستمتاعهم بالعمل، وللقراء ميزة على النقاد يجب أن لا يتجاهلها الكاتب، لأن القراء هم الجمهور الذي يخاطبه الكاتب في روايته، فحين يقول قارئ هذا عمل ممتاز، أو هذا عمل ضعيف، لا يستدعي ذلك الإحباط أو الغرور، بل يستدعي أن ينتبه الكاتب لجوانب عمله القوي منها والضعيف، فرأي الجمهور رغم أنه غير احترافي إلا أنه الرأي الذي يجعل للكاتب مقبولاً أو مرفوضاً من قبل الجمهور.
الكاتب يعيش مع شخوص الرواية ويتقمصها، ومهما ظن الكاتب بعد زمن أن تلك الشخصيات التي كتبها زالت من تفكيره فهو مخطئ؛ لأن تأثير الشخصيات ينطبع في عقله ومشاعره هكما انطبع على الورق، ومهما طال الزمن يبقى تأثير تلك الشخصيات فعالاً، حين يستمع الكاتب لنقد أو رأي يمس روايته، لذا يجب أن يتعامل الكاتب بحذر حين يتلقى الآراء المختلفة وعليه أن يراجع قدراته لكي يُوصل الصورة الصحيحة التي يريدها أن تصل للجمهور، وهذه النقطة تسبب الكثير من القلق لدى الكُتاب، فحين تكون الصورة واضحة في عقل الكاتب ولا يستطيع أن يوصلها كما يتخيلها للقارئ، تصبح هناك فجوة بين الفكرة والسرد، بمعنى مهما كانت الفكرة صحيحة لدى الكاتب ولم يوصلها للقارئ بالشكل السليم ستشكل صورة مختلفة في خيال القارئ عما هو في خيال الكاتب، فيسير التفكير في اتجاه مختلف عما أراد الكاتب أن يوصله للجمهور في عمله الأدبي.

الأفكار ..

هناك جملة تجمع كلماتها بصعوبة لتكمل المعنى وهناك قصة تُكتب كاملة دون توقف، لا يعني هذا أن الجملة صعبة أو أن القصة سهلة، بل يعني أن كثافة الجملة تجعلك تحتار في اختيار الكلمات المناسبة لتُوصل المعنى الذي تريد .
هي أفكار عليك أن تجيد ترتيبها عبر السطور، تحاول توصيل فكرة معينة كما تخيلتها دون أن يخرج المتلقي عن اطارها، لو وصلت لهذه اللحظة تكون قد حققت ما تريد. .

فواصل ..

الخط الفاصل بين الظلام والنور . هو نفسه الفاصل بين الخيال والواقع

هذيان ..

لا اعرف للذكرى مقراً ..
ولا وطناً .. ولا دوله ..
ولا اسماً .. ولا عنوان ..
وهي .. تعرف عنواني ..
وأحزاني ..
وتعرفني .. من الماضي ..
أنا إنسان ..
يعيش الدهر في أمسه ..
ويغني العمر في همسه ..
ويعود .. لسالف الازمان ..
يعود لذكرى .. يعايشها
على وقعه .. يعشقها .. ويسحقها ..
ويرغمها .. على العصيان …
ويا طاقتها .. على صبره ..
وقوتها .. على أسره ..
تعيش لتأكل الايام .. من طبقه ..
ويسكر منها .. الفكر في … راسه
واعود .. أنا الإنسان ..
أبكي في هدوئي .. صمت ..
واشكي .. من عذابي ..
ليت ..
للذكري .. قلبٌ فاقتلها ..
وفم .. لأخرسها
واعود لتاريخي .. بلا هذيان

من الأرشيف

صخب ..

قليلاٌ من الهدوء لا أكثر هذا ما أحتاجه، ورغم أني أعيش في محيط هادئ، إلا أن الصخب ينتشر في داخلي، فتلك الأفكار والمشاعر والأحلام والخيالات لا تترك لي مجالاً لأن أنفرد بنفسي في هدوء، دون أن يقطع الانفراد حلماً أو شعوراً أو فكرةً أو خيالاً، الصخب لا يكون في الخارج دائماً أحياناً يكمن في داخلنا نحن، باضطراب أفكارنا ومشاعرنا وأمانينا التي نتمنى أن تتحقق، الصخب هو أن تتضارب كل تلك الأمور في داخلك، دون أن تستطيع السيطرة عليها.

ليست مرحلة الضيق التي تمر بالإنسان نتيجة حدث حزين فقط، هذا الأمر حاصل لا شك، لكن الاستمرار في الحزن هو دليل على كمون ذلك الحزن في النفس، دون أن نقاومه أو نتجاهله أو نخلق أموراً تعطينا الشعور بالسكينة، فيبقى الحزن هو ديدن الإنسان، وإن ضحك أو تكلم وجامل، ويعود ليسيطر عليه بمجرد أن يختلي بنفسه، شأن الحزن في هذا شأن الأحلام والأمنيات والأهداف التي لم تتحقق وترك فينا أشياء تخرج ما أن نستكين لأنفسنا.

الصخب الداخلي، الذي تتصارع فيه كل الأشياء الموجودة في النفس، وهو الذي لا يترك لنا مجال لكي نقاومه، ولا أن نمحوه، يحتاج منا الكثير من الوقت والتغاضي والتجاهل، وأن نقتل أحلامنا، ونوقف الأفكار الطارئة، ونبتعد عن كل أمور الدنيا، وربما لا يجدي ما نفعل ويستمر رغماً عنا.

يستغرب الكثيرون من رغبة البعض في الوحدة والانفراد بأنفسهم ظنّاً منهم أن الوحدة حالة مرضية إذا استمرت لفترة طويلة، ولهم الحق في ذلك فالإنسان اجتماعي بطبعه، لكنه يحتاج أن يترك لنفسه مجالاً لكي يرتب ملفاته والأوراق المتناثرة في رأسه، يريد أن يستمع لذلك الصوت الذي في داخله، ليفهم تلك الأفكار الثائرة والخيالات، ويعيد ترتيب أمانيه المدمرة وأحلامه الآفلة، فلا مجال لديه أن يعطي البشر الكثير من وقته، ولا أن يسمح لهم أن يدخلوا مجاله النفسي، فهذه المنطقة محرمة عند من يؤمن بالعزلة والانفراد، ورغم ما يشعر به من راحة حين يكون وحيداً، إلا أنه يواجه ذلك الصخب الذي في داخله ويستسلم له، في الكثير من الأحيان.

بين الترف والحضيض ..

على ماذا نريد أن نمشي، هل نختار أن نمشي على الحرير؟ أم الشوك؟ سنختار الحرير بلا شك، لكننا لا نسأل أنفسنا ما الذي سنتعلمه ونحن مترفون؟ وماذا سنعرف ونحن متعبون؟ هناك فرق كبير بين الترف والشقاء، بين التعب والراحة، هناك قيمة مفقودة في كلا الطرفين لا يمكننا أن نعرفها إن لم نجرب.
اختر الحرير، عزيزي، فالحياة المترفة تعطيك ألقًا وبريقًا، لا تجدهما في حياة التعب والعناء، بل يجعلك تفكر في اظافرك، ولون بشترك، ومزاج عطرك، وستركب الفاخر، وتجلس على الوسائد، لتنعم بكل الراحة وتشرق، فتتكلم عطراً، وتتحرك كأنك في ماء بسلاسة، وكل هذا من حقك فأنت مترف .
اختر الشقاء عزيزي، فالشقاء كدٌ وتعب، وأيادٍ خشنة، ورائحة عرق، وتفكير مستمر لا ينقطع في الغد، الرغيف له قيمة، والماء له طعم، والعطر يخبرك أن أحدهم مر بجوارك ولم يلتفت لك أو يقترب منك، التعب يلقي بك على الفراش فتنام كأنك في غيبوبة لا تستيقظ إلا بعد أن يسكبوا على رأسك الماء، أو تنفجر السماء فوقك، وتأكل كأنك لم تذق طعاماً قط، وكل شيء له قيمة في نظرك، وكل شيء له جهد في نظرك .
لم تولد الأمجاد من الترف، ولا تولد من الحضيض ومن يخرج من الحضيض، يكون طامعاً في الدنيا ، ومن يعيش في الترف، يرسم الدنيا على هواه، من يأكل وهو متعب ينهم الأكل لكي يسد جوعه لا يفكر فيما يحتويه، همه الوحيد أن يجد طعاماً، ومن يأكل وهو مترف، يتذوق أجزاء الطعام، ويعكر مزاجه نكهة زادت عن الحد، من يمشي في تعب لعمله يصل مجهداً ليعاقبه مديره، ومن يركب الفاخر، يصل على مزاجه، وفي الوقت الذي يريد، ليرحب به الجميع .
المجد يولد حين تتزن الأمور، بين الترف والحضيض، في هذه المساحة الضيقة، تولد مجموعة، تعرف قيمة الدنيا ، وتدرك قيمة العلم، وتعلم أن الحضيض مقبرة، وأن النعيم مفسدة ، مساحة بها أناس متزنون، حين يفكرون في الرقي يكون العلم وسيلتهم، وحين يفكرون في الربح تكون القيمة ميزانهم، تعيش هذه المجموعة بين الحضيض والترف، يسمونهم الوسطى، الطبقة الوسطى، غيابها يعني التدهور ونموها يعني التقدم.

القهوة ..

الاكواب تتغير .. وربما يتغير مذاق القهوة في بعض الأماكن .. وما يستمر هو بحثنا عن شيء اسود مر نستسيغه ونحبه ، فاللذة والجمال ليست كلها سكر ابيض هناك أشياء يكون سعرها اعلى بكثير من مجرد قيمة ، فالمعنى اعلى شأناً من الشكل ، والمال الذي نشتري به فنجان القهوة لا يوازي لحظات الاستمتاع التي نعيشها ونحن نحتسيها .