أرجوك فكر معي ..

     أنت لا تعرف المستحيل حين أتحدث معك ولا تقر بخطئك ولو لمرة واحدة ولا تتوقف عن الجدل، يا عزيزي لا توجد ملائكة تمشي على الأرض، وإن وجدت فأنت لست منها، عليك أن تضع احتمال ولو بسيط أن رأيك به شيء من الخطأ، وأن رأيي به شيء من الصواب، القاعد تقول ألا صواب كامل ولا خطأ كامل، الأمور نسبية، أترك لي جزء بسيط تضع فيه رأيي ضمن النسبة الصحيحة وسأمنحك إن شئت أكبر نسبة للصواب، لكني دون شك لن أمنحك العلامة الكاملة .

     أنا وأنت بشر نتميز بنفس الصفات، تأكد عزيزي أن لا شيء سيمنحك القوة مثل الاستماع، وأن لا شيء سيمنحك الحكمة مثل التفكير، تمهل حين تسمعني أتحدث حتى أنهي كلامي، وخذ من الزمن دقيقة واحدة لتفكر، فقط دقيقة لا أكثر، تفكر فيها قبل أن تجزم بأن ما أقوله خطأ، مثلما تتجمع الأفكار في رأسك، هي تجتمع أيضاً في رأسي، وكما تتولد النتيجة لديك، اخرج أنا بنتيجة أفكاري، ولي الحق أن اطرح ما فكرت فيه فربما يكون صواباً .

     ألغي كل الاعتبارات عزيزي حين تستمع إليّ فلا المال ولا النسب مقياس للذكاء والنباهة، هناك موازين وقيم نلجأ إليها لنفكر بشكل صحيح ونقيس مدى صحة أفكارنا وجدواها، كما قيادة السيارات، القواعد الأساسية واحدة لدى الجميع والأبداع دائماً في الأداء، قف لحظة قبل أن تحكم على أفكار شخص بسبب شكله أو لونه أو جنسيته، صدقني ستجني الكثير من الفوائد بمجرد أن تتمهل وتترك الاستعجال، الحكمة في التمهل والمكاسب في الصبر .

     عزيزي لو تجمع النعم كلها، ستجدها اصفار أمام العقل، لا قيمة لها ولا هدف بلا عقل يوجهها، نحن نملك ذلك الميزان في عقولنا، نفكر ونُخرج تلك الأفكار لكي تواجه الأفكار الأخرى الصالح منها والطالح، المفيد منها والضار،  الخبيث والحسن، لا نناطح البشر برؤوسنا، بل الأفكار تتصادم فتستقيم أو تموت، تصمد أو تنتهي، أو تتحد فتُخرج أجمل فكرة بين عقول مشتركة تجمعها الأهداف النبيلة في أغلب الأحيان .

عن الرفوف والذكريات ..

عندما جاءت الأمنيات كنا معاً وعندما ضاعت بقيت وحيداً، تذكرين تلك الخطى التي مشيناها سوياً، تلك الأصابع التي تشابكت في المسافات، لم تكن تعني أننا نمشي معاً، بل تعني أننا ربطنا الحياة والمصير، عهود لا تكتبها أقلام ولا تعرف الورق، لا حبر لها ولا افق، لا يعرفها إلا من عاشها، واظن أني عشتها وحدي.

حين تصبح الذكريات مجرد ماضيٍ، تفقد قيمتها وتتخلى عن كل معانيها الجميلة، المعاني التي تجعلنا نشتاق، وتزرع اللهفة في نفوسنا والأمل، وتبني معنا الغد، الاحلام الصغيرة والأماني، تلك الزاوية التي كنا سنضع فيها الزهور، وتلك التي ستحوي البوم الذكريات، وعلى الرفوف ستكون ملابسنا منسجمة ومتناغمة.

لم تعد احلامنا صغيرة ولا كبيرة، لم نعد نحلم، تلك الزهور ذبلت وتعفنت، والبوم الذكريات تخلى عن الصور، وجدت احداها على الأرض، التقطتها فشعرت بالسم يسري في عروقي، تذكرتك حينها مع الألم وهو يمزقني، كادت اصابعي أن تيبس لكني تمكنت من أن أمزق اخر صورة تجعنا، حينها فقط، شعرت أن سم الذكريات قد تلاشى، فهيا، هيا لنكنس الماضي معاً، فما دمرناه خلف الكثير من الشظايا التي تمزقنا كلما دسنا عليها.

نظرات ..

بين الأمس واليوم بين نظرات الشوق والذكريات تقف اللحظات بين الحياة والموت، ترفض النهايات المكررة تلك النهايات التي تقتل الحكايا والقصص لتجعلها شعور بائس يلازم القدر.

حدود الفكر ..

علينا ألا نؤمن بأفكار أحد، يمكننا أن نعجب بأفكاره دون أن نعتبرها مسلمات، فحين نؤمن بأفكار أي إنسان فنحن نسلم له دون تفكير، عند هذه النقطة نلغي عقولنا تماما، الإيمان تسليم دون نظر أو تفكير أو نقاش، هذا ما نعانيه نحن المسلمون حين يكون الحديث عن الدين، ليس كل الدين إيمان ومسلمات، بل أجزاء منه وأجزاء بسيطة محددة لا تتجاوز القواعد الأساسية التي يبنى عليها.

الإيمان بوحدانية الخالق وصدق الرسل والأركان والغيب الذي لا يمكننا أن نراه وسلمنا به كيقين أن الخالق لا يقول إلا صدقاً، فنقاط الأيمان في الدين لا ننقضها ويمكننا أن نبررها أو ندافع عنها بواقع فكري، لكن ما سوى تلك النقاط الأساسية، يمكننا أن نتحدث عنها ويقع هذا تحت طائلة الأخذ والرد والنقاش .

ولنضع القرآن الكريم كمقياس لما أراد الخالق أن نكون عليه نحن البشر، الله عز وجل أنزل القرآن لكنه ترك تفسيره للبشر، ولم يضع له تفسير محدد يلتزم به كل المسلمون، بل ترك هذه المهمة للاجتهاد والاجتهاد بحد ذاته فكر لأنه يقع في حيز التفسير لما هو موجود وما هو ممكن .

إذا كان كلام الله عز وجل يمكننا أن نفسره على أوجه مختلفة، دون أن نخرج عن الأساسيات والمسلمات، علينا أن نفهم أن حدود الفكر أكبر بكثير في واقعنا من حدود الأيمان لأن حدود الفكر هي التي ترسم لنا شكل الحياة بواقع سليم، دون أن نكون مكبلين بأفكار لا نفهمها ولا نناقشها ولا ننقضها، وإذا كان الفكر هو مصدر الإيمان، فمبدأ التبصر والتفكر رُسخ بشكل قوي في كتاب الله، علينا أن لا نتركه ونعمل من خلاله، فلا يمر شيء دون أن نفكر فيه، يجب أن لا ننظر للدين كله كمسلمات إيمانية دون أن نسأل ونستوضح ونتحقق ونناقش، الإنسان في تكوينه النفسي والجسدي الذي يتضمن العقل، حين يقتنع بأي فكرة يتبناها ويعمل بها، لكن حين تفرض عليه الأفكار دون قناعة يبحث عن مخارج أخرى لكي يتخلص منها، لأنها بكل بساطة فرضت عليه دون أن يقتنع.

لذا علينا ألا نسلم لأي فكرة لا تقنعنا، يمكننا أن نتجاهلها، نحللها وننقضها ولا يجب أن نعتبر الأفكار الدينية أو غير الدينية مسلمات، علينا أن نضعها في سياقها الصحيح، فهي إما نتجت من واقع تفسير للنصوص أو من واقع معايشة وخبرة أو من واقع اجتهاد فكري، وكل هذه الأمور يجب أن نضعها في مجال الفكر لنخرج فكرة عامة يتقبلها الجميع .

قمة وقاع ..

كما أن هناك ابطال في كل زمان هناك مغمورين، لا يلتفت لهم أحد، حين ننظر للأبطال علينا أن نعرف أننا ننظر لرأس الهرم فقط دون أن ننظر لباقي كيانه، القاعدة الأكبر في الهرم هي أولئك المغمورين فهم العامة وهم من يخرج منهم الثقافة العامة، ثقافة المجتمع، وهم من نجد لديهم الأساطير والخرافات، البساطة والفقر، الصنائع والورش، حياة الشعوب لا تكمن في الأبطال، يكتب الأبطال العنوان فقط لكن العامة هم من يكتبون المتن هم من يصنعون الصورة المنمنمة التي لو دققت فيها ستشاهد ألاف الوجوه .

لنلقي نظرة على لصوص القمة والقاع ، لصوص القاع يأخذ ما في جيبك أو يسرق جهاز الهاتف، يتجرأ قليلاً ويقفز في منزلك ليسرق مما تدخر ، أما لصوص القمة فيختلف الحديث عنهم، لا يسرقون شخص واحداً، بل يسرقون كل المجموعة، يسرقون مقدراتهم وأقواتهم وحاضرهم ومستقبلهم، لا يتركون لهم شيء إلا الكفاف الذي يبقيهم على قيد الحياة، كل انسان يعمل على قدر إمكانياته، اللص الفقير يسرق ما يعتقد أنه يكفي، اللص الغني لا يكتفي مما يسرق .

هكذا تكون النظرة بين القمة والقاع، لذا علينا ألا ننظر للأبطال الذين في القمة فقط، بل علينا أن ننظر للمجموعة التي على القمة بمزاياهم وعيوبهم، حميدهم وخبيثهم، القمة كما تحوي الأبطال تحوي اللصوص، نرى القمة مكان لشخص واحد لكنها تحتوي الجميع، رأس البطولة هناك ورأس الشجاعة، رأس العلم وكذلك رأس الإجرام، رأس اللصوص، القمة مكان لكل الرؤوس .

شجن ..

توقفت تلك الاحاسيس الشابة في صدري، لم أعد أشعر بإغراء العواطف كما في السابق، العمر يتقدم ويمسح تلك الانفعالات التي كنت أشعر بها في الماضي، يمسحها قيلا قليلاً، حتى يأتيها وقت تزول ولا تبقى سوى الذكريات، لتزورنا بين حين وحين، ربما لم أصل لتلك المرحلة بعد لكني أسير باتجاهها، فالعمر يسير ولا يتوقف.

عندما كنا صغارا، كان انفعالاتنا قوية وغرائزنا قوية، واندفاعنا نحو الامام، لدرجة أننا لا نتوقف عند ما هو جميل، بل نريد أن نقفز من مكان لآخر ، وآخر ، وآخر ، نريد أن نرى كل شيء ونفعل كل شيء، وفي النهاية يتقدم بنا العمر فنكتشف أننا كنا نضيع الأشياء الجميلة في حياتنا بالاستعجال.

الآن أصبح كوب القهوة ممتع، الوحدة ممتعة، والكتاب كذلك، النظر لوجوه البشر في شارع مزدحم مغري، مراقبة طفل يقفز ويلعب في مكان عام مثير للاهتمام، تفاصيل الأشياء التي كانت لا تتضح لنا في شبابنا بالاستعجال، صارت أوضح وأجمل، لكن تراكم الماضي في عقولنا يشوش على الواقع، وأحياناً يدمره .

عناد ..

العناد شيء غريب فإما أن يوصلك إلى النصر أو أن يوصلك إلى الموت

وتصل إلى كلاهما وأنت راض عن نفسك

وفي الحالتين ستتحمل جميع أخطائك

طفلٌ كبير ..

طفلٌ كبير

لو أردت أن أوصل معنى: كيف يجب أن تنظر المرأة للرجل؟ ما وجدت أبلغ مما قاله نزار قباني في هذا المقطع من قصيدته أغضب :

اغضبْ كما تشاءُ.. واجرحْ أحاسيسي كما تشاءُ

حطّم أواني الزّهرِ والمرايا .. هدّدْ بحبِّ امرأةٍ سوايا..

فكلُّ ما تفعلهُ سواءُ .. كلُّ ما تقولهُ سواءُ..

فأنتَ كالأطفالِ يا حبيبي .. نحبّهمْ.. مهما لنا أساؤوا..

أن يعود طفلاً حين يكون مع امرأة، هذا الأمر الذي ربما لا يعترف به الرجل ، كل الدنيا يواجهها الرجل بقوته وعنفه، لكنه يحتاج أن يعود طفلاً في حضن امرأة يحبها، يلقي بكل همومه وضيقه ويخلع لباس القوة ويتجرد من كبريائه ليستسلم في أحضانها كطفل في حضن أمه، يجب أن يعترف الرجل بأنه طفل امام المرأة، وبعد ذلك ليواجه العالم بكل قوة وعنف ويبرز كبريائه لمن يشاء.

صباح الخير

صباح الخير .. هل أشرقت الشمس اليوم ؟ أم تنتظر خبر جديد يخرجها عن الصمت

ذكريات

يجب ألا نشوه الذكريات فهي الشيء الوحيد الذي يبقى من الأشخاص الذين نحبهم