ما نراه خطوط مستقيمة هو جزء من عالم منحنِ لا يسير بشكل منتظم، ولو وسعنا دائرة النظر سنكتشف أن كل شيء حولنا، رغم أنه يملك نقطة بداية وخط نهاية، إلا أن الصلة بينهما ليست بخطوط مستقيمة، بل منحنية أو دائرية، وهذا هو نظام الكون حولنا وحين نقول إن هذا هو النظام السائد، فنحن البشر لسنا استثناءً من القانون بحيث أن نقاط البداية والنهاية لدينا لا تكون مستقيمة فحياتنا التي تغلب عليها الانحرافات والانحناءات، عندما نرى أي خط مستقيم يكون عبارة عن جزئية مستوية في خط مائل كبير لا يمكننا مشاهدته.
هل المسألة ؛ أرواح؟ ام أجساد؟ فإن كانت أجساد فهي فانية لا محالة. وإن كانت أرواح فهي باقية لا محالة. فقط نحن من ننظر إلى السماء نعرف أن الأرواح خالدة. وعلينا أن نقنع العالم بذلك¿¡ او من الأجدر أن نقنع انفسنا¿¡
اذبحوا أضاحيكم واغتسلوا واجلسوا في بيوتكم فلا يجوز لكم أن تحتفلوا بدماء المسلمين التي تراق، وحقوقهم التي تضيع، وجياعهم وفقرائهم لا يجدون شيئاً يسترهم، ومشردوهم لا يجدون بلداً يأويهم.
كيف تحتفلون والقدس أصبحت عاصمة الكيان الصهيوني، ولم يبق منزلٌ قائم في غزة، والأطفال الجرحى والقتلى يملؤون الشاشات ودمشق تحكم بإله جديد، ومصر في صمتها المميت، والليبيون يتقاتلون، ولا صدى لشعب السودان الذي يتجرع غباء العسكر، واليمنيون بين نار العدوان ونار الفتنة، والعراق مصابة بمرض عضال اسمه الطائفية، وإيران تنمرت، والغرب يشرب أفخر الخمور بأموالنا، وروسيا غرست صواريخها في السماء والصين تنسج شباكها في في الشرق الأوسط.
كيف تحتفلون، هل تظنون العيد ملابس جديدة؟ وعُلب حلوى؟ ومجالس تفتح للاستقبال؟ وولائم تقام؟ هل أنتم من شَرع العيد؟
أدوا الفرائض واكتفوا، فوالله الذي لا إله غيره، سوف يسألنا -عز وجل- عن كل شيء.
هناك جملة تجمع كلماتها بصعوبة لتكمل المعنى وهناك قصة تُكتب كاملة دون توقف، لا يعني هذا أن الجملة صعبة أو أن القصة سهلة، بل يعني أن كثافة الجملة تجعلك تحتار في اختيار الكلمات المناسبة لتُوصل المعنى الذي تريد . هي أفكار عليك أن تجيد ترتيبها عبر السطور، تحاول توصيل فكرة معينة كما تخيلتها دون أن يخرج المتلقي عن اطارها، لو وصلت لهذه اللحظة تكون قد حققت ما تريد. .
على ماذا نريد أن نمشي، هل نختار أن نمشي على الحرير؟ أم الشوك؟ سنختار الحرير بلا شك، لكننا لا نسأل أنفسنا ما الذي سنتعلمه ونحن مترفون؟ وماذا سنعرف ونحن متعبون؟ هناك فرق كبير بين الترف والشقاء، بين التعب والراحة، هناك قيمة مفقودة في كلا الطرفين لا يمكننا أن نعرفها إن لم نجرب. اختر الحرير، عزيزي، فالحياة المترفة تعطيك ألقًا وبريقًا، لا تجدهما في حياة التعب والعناء، بل يجعلك تفكر في اظافرك، ولون بشترك، ومزاج عطرك، وستركب الفاخر، وتجلس على الوسائد، لتنعم بكل الراحة وتشرق، فتتكلم عطراً، وتتحرك كأنك في ماء بسلاسة، وكل هذا من حقك فأنت مترف . اختر الشقاء عزيزي، فالشقاء كدٌ وتعب، وأيادٍ خشنة، ورائحة عرق، وتفكير مستمر لا ينقطع في الغد، الرغيف له قيمة، والماء له طعم، والعطر يخبرك أن أحدهم مر بجوارك ولم يلتفت لك أو يقترب منك، التعب يلقي بك على الفراش فتنام كأنك في غيبوبة لا تستيقظ إلا بعد أن يسكبوا على رأسك الماء، أو تنفجر السماء فوقك، وتأكل كأنك لم تذق طعاماً قط، وكل شيء له قيمة في نظرك، وكل شيء له جهد في نظرك . لم تولد الأمجاد من الترف، ولا تولد من الحضيض ومن يخرج من الحضيض، يكون طامعاً في الدنيا ، ومن يعيش في الترف، يرسم الدنيا على هواه، من يأكل وهو متعب ينهم الأكل لكي يسد جوعه لا يفكر فيما يحتويه، همه الوحيد أن يجد طعاماً، ومن يأكل وهو مترف، يتذوق أجزاء الطعام، ويعكر مزاجه نكهة زادت عن الحد، من يمشي في تعب لعمله يصل مجهداً ليعاقبه مديره، ومن يركب الفاخر، يصل على مزاجه، وفي الوقت الذي يريد، ليرحب به الجميع . المجد يولد حين تتزن الأمور، بين الترف والحضيض، في هذه المساحة الضيقة، تولد مجموعة، تعرف قيمة الدنيا ، وتدرك قيمة العلم، وتعلم أن الحضيض مقبرة، وأن النعيم مفسدة ، مساحة بها أناس متزنون، حين يفكرون في الرقي يكون العلم وسيلتهم، وحين يفكرون في الربح تكون القيمة ميزانهم، تعيش هذه المجموعة بين الحضيض والترف، يسمونهم الوسطى، الطبقة الوسطى، غيابها يعني التدهور ونموها يعني التقدم.
قراءة في بعض الدراسات التي تنقد وتحلل الأعمال الروائية.
قرأت دراسات في تحليل الروايات وبالتأكيد تتناول هذه الدراسات بناء الرواية، أسلوبها وعناصرها، وتتطرق للكثير من التفاصيل والمقارنات بين العمل الذي تقوم عليه الدراسات وأعمال أخرى مشابهة أو قريبة وتحمل العناصر نفسها، الدراسات التي قرأتها تذكر المدارس التي ينتمي إليها بعض الكتاب كمرجعية، وهذا شيء جيد يُمنهج العمل الروائي ويضع له قوالب متنوعة ومختلفة ومتطورة، وقابلة للتحول في المستقبل.
تتناول الدراسات المكان والزمان والشخصيات والأساليب والتفاصيل واللغة والحبكة، بأسلوب تحليلي دقيق والجيد في هذه الدراسات أنها تتناول الأعمال الأدبية التي بها مضمون قوي وصحيح ككتلة روائية مبنية بشكل سليم، ولا اختلف مع الباحثين في هذه الجوانب، ولا أنكر عملهم، بل أستفيد شخصياً من هذه المواد القيمة، فهي تبين الكثير من الجوانب الخفية في الرواية محل الدراسة وتفكك عناصرها بشكل يثير الإعجاب.
فقط لدي ملاحظات لا تمس الدراسات، وهي تعني بالكاتب وكيفية تشكيله للرواية، فهو إنسان له ثقافة ومرجعيات ولغة، وحين يبدأ السرد تكون الأهمية الأولى هي العمل الذي يشتغل عليه، حبكة الرواية وشخوصها وأحداثها تفرض على الكاتب أن يخرج أحياناً عن السياق الذي أطر فيه الأفكار الأساسية قبل البدء في الكتابة، مثلاً التعاطي مع الزمن يختلف من عمل لآخر، في بعض الأعمال يكون الزمن عنصراً واجب الحضور، وأخرى يكون الزمن فيها مموهاً أو مائعاً، وكذلك المكان أحياناً يكون محيط يحدد موقع الحدث أو القضية وأحياناً أخرى يحمل الكثير من التفاصيل، ويحدد هذه الأهمية العمل نفسه ومدى خدمة تلك العناصر للرواية، فلو افترضنا عملاً أدبياً توثيقي يتناول مرحلة في الحرب العالمية الثانية سيكون الزمان والمكان واضحي المعالم، بعكس لو كان العمل يناقش قضايا اجتماعية، فيخف وضوح الزمن.
كذلك اللغة، فلغة الرواية البسيطة تجعل القراءة تنساب بسلاسة، لكنها تخضع لمعايير واعتبارات، منها مثلاً المجتمع الذي يعيش فيه الكاتب ويريد أن يوصل فكرته له، عليه أن يجعل اللغة سلسة بعيدة عن التقعير والكلمات الغير مستخدمة والمصطلحات الغريبة، ولو اضطر الكاتب لاستخدامها عليه أن يضع لها تفسيراً، كذلك تخضع اللغة لدرجة إجادة الكاتب للغة المستخدمة، وتخضع أيضاً لأسلوبه هو شخصياً، هل هو سلس أم عميق أو مبتذل، الرواية تعكس شيئاً من الكاتب حتى لو أراد أن يخفيه، واستخدام اللغة مهم في الرواية؛ لأنه الأساس الذي ينقل من خلاله الكاتب أفكاره للقارئ فحين تكون اللغة ضعيفة لن تصل الفكرة وحين تكون اللغة مبتذلة يصبح العمل مملاً، التوازن يضعه الكاتب بناءً على تصوراته الشخصية فيما يرى أنه يخدم العمل.
علينا أن نطرح السؤال المهم، لماذا يعزف المجتمع عن القراءة؟ وعلينا أيضاً أن نبحث خلف هذا السؤال عن الأسباب الحقيقية التي تجعل مجتمعاً ما يعزف عن القراءة بشكل لافت للنظر، رغم وجود الكثير من المؤلفات التي يمكنه أن يستفيد منها.
لا أحد يملك الإجابة كاملة ولكل شخص اجتهاده في تخمين الأسباب التي تؤثر في رغبة المجتمع في القراءة والاطلاع وكسب المعرفة أو التسلية والاستمتاع فالقراءة ليست علماً فقط، فهي تحمل في ثناياها الكثير من المتعة والتشويق.
أحياناً لا توجد هناك قناعة لدى القارئ بجودة المؤلفات، وأحياناً لا تكون هناك قناعة لديه بالمؤلفين، وهذا السبب ربما لا يتناسب مع مجتمعنا فهناك الكثير من الأقلام الممتازة في كل المجالات، وأظن أن هناك سبب أكبر في هذا الأمر وهو أن الوسط الثقافي معزول أو بعيد عن المجتمع الذي ينتمي إليه، لذا لا يوجد تأثير ثقافي يمس المجتمع بشكل مباشر، ويثير حفيظته لكي يقرأ، هذه النقطة لها وجود قوي في مجتمعنا، لكنها ليست النقطة الوحيدة التي تسبب العزوف عن القراءة.
لا توجد مؤسسات ثقافية لدينا تروج للكتب بشكل مؤثر، وهذا ما يجعل الكاتب يجتهد ويروج عمله بنفسه، حين يكون العمل مؤسسياً تكون النتائج أفضل بكثير، فالمؤسسات الإعلامية والثقافية لها جمهورها من الأساس، كما أنها تنقب في الكتاب، وتبين مزاياه التي لا ينتبه لها القارئ من الوهلة الأولى، وهنا يبرز دور النقد؛ لأنه عملية تقييم فني ومهني لأي كتاب يصدر، فيعطينا دافعاً إما لقراءته أو تركه.
الندوات والمقابلات والحوارات التي يجريها المثقفون لها دور كبير في تشجيع المجتمع على القراءة، وتساعد على انتشار الأعمال الجيدة، والندوات والحوارات والمقابلات يجب أن تشمل كل وسائل الإعلام المرئية والمقروءة ووسائل التواصل الاجتماعي وهناك قصور كبير في هذا الجانب.
دور النشر لها أهمية ورسالتها أكبر من أن تطبع الكتب وتوزعها، فهي التي تتبنى الأقلام، وتنتج المؤلفين وتحرص على جودة المخرجات، وحين يقتصر عملها على الطباعة والتسويق فقط، تفقد قيمتها ويصبح تأثير مخرجاتها من الكتب على القارئ لا شيء.
هناك أسباب أخرى لدى المجتمع نفسه تساعده على العزوف عن القراءة والاطلاع، فالمجتمع حين تكون لديه مغريات كثيرة وميسرة، لا يلتفت للكتاب، وأخص هنا جيل الشباب الذي يساعد الترف في تشكيل هويته في الفترة الحالية، الكثير من الملهيات دخل ضمن نمط حياة الجيل الحالي، وهذه النقطة نتجت عن ضعف دور الأسرة والمؤسسات التربوية والثقافية، ترف المجتمع المادي يجب أن تلازمه الثقافة بدلاً عن اللهو.
أيضاً يوجد قياس خاطئ لنسبة القراءة، فالكل يقيس نسبة القراءة من نسبة مبيعات الكتب، ويتناسون أن الكثير من الكتب تنتشر في الإنترنت بشكل مجاني ولها جمهورها الذي يقرأها، وهذه الفئة لا تدخل ضمن الإحصائيات، ولو نظرنا إلى المواقع التي تضع الكتب المجانية كجوجل درايف ومواقع أخرى سنجد أن نسبة المشاهدات جيدة، صحيح أنها لا تقارن بنسبة مشاهدة الأفلام ولا الاستماع للأغاني، لكنها جيدة على العموم.
من وجهة نظري يجب أن يقتحم المثقفون المجتمع، لا أن ينتظروا أن يلتفت لهم المجتمع دون أي جهد منهم، الرغبة في المعرفة لا تتولد حين ينزوي العلم في أماكن مغلقة، يجب أن يكون الوسط الثقافي منفتحاً على المجتمع يسعى بكل الوسائل للتأثير فيه، وبناء هويته الثقافية ودفعه لما هو مفيد.
تحكمنا النصوص والقضايا التي نطرحها في الرواية، وليس صحيحاً أننا نتحكم في الرواية بشكل تام كما يقال، النص الأدبي محكوم بفكرة أو طرح معين، أو تحدده القضية أو الحدث أو الشخصية التي يناقشها الكاتب في روايته، فيضع إطاراً فكرياً محدداً لتلك الرواية، ومن الصحيح أن الكاتب يقيد نفسه بنفسه، لكن ذلك التقييد يكون مفيداً في أحيان كثيرة، خصوصاً إذا كانت القضايا التي يناقشها ذات طابع خاص، فلو شط وترك فكره يتجول دون إطار محدد سيخرج لا شك عن سياق الرواية، ولن يحقق تلك السلاسة التي تجعل القارئ يسترسل في الحدث بشكل مريح.
أحيانا تحكمنا الفكرة، مثلاً لو أن القضية التي تطرحها محلية لا يمكنك أن تتجاوز القيم والأعراف الموجودة في المجتمع ولا معاير الأخلاق التي تحدد صيغة الخطاب الموجه للقارئ بحيث تخاطب الموروث الثقافي لدى ذلك المجتمع دون تجاوزه أو إدخال أي قيم شاذة، وهذا لا يعني أننا لا نطرح الأفكار الجديدة، على العكس يجب أن تطرح، لكن بالصيغة التي تجعلها مقروءة ومؤثرة، ولا تكون مصدر شذوذ في العمل، هذا بعكس أن نكتب رواية خيالية، فحين ندخل الخيال في العمل، نفتح أمامنا كل مساحات الحرية في معالجة الأمور الحساسة والعلاقات، أو أي شيء بشرط أن ما نكتبه يخدم العمل ولا يشوهه.
أنا أدعي أن الكاتب هو رب الرواية، يحيي شخصياتها ويميتهم، وهو من ينفي ويثبت ويُبعد ويُقرب كل ما يريد، لكن يقيني في هذا الأمر يختلف اختلاف كلي عما ادعيه ، فالرواية حين نبدأ فيها ننطلق بسرعة فمعظم الأحداث والشخصيات تكون مرسومة في عقولنا، نسترسل في البداية، ننسق أحداثه ونرتبها ونجمع بين الشخصيات، ونفتعل القضايا في الوسط، وهنا تكمن المشكلة فالكاتب بعد أن ينجز البدايات يظن أنه متحكم تماماً في الرواية، إلا أنها تبدأ من حينها تتحكم به، فلا يستطيع أن يتجاوز الشخصيات التي رسمها والأطر التي وضعها، ولا يستطيع أن يتخطى شخصية مؤثرة مثلاً، دون أن يضع أسباباً كافية ومقنعة، ولنفرض أن هناك شخصية مؤثرة يريد الكاتب أن يبعدها عن روايته، لا يمكنه أن يتجاهل ذكرها دون سبب يقنع القارئ، ولو أهملها دون سبب يكون هناك خلل في بناء الرواية والحبكة.
لذا فإن الرواية تتحكم فينا كما نتحكم فيها، وهذا التوازن الذي يحدث يضع النص الروائي في حدود العقل والمنطق، كما يحق للكاتب أن يؤلف كل شيء في الرواية يكون الحدث في الرواية محسوباً بدقة بعد أن نتجاوز البدايات، ويقيدنا في الكثير من الجوانب.
خلق أحداث من واقع مختلف عن الرواية يجعل بناء الرواية مختلاً أو مهزوزاً، وفي أغلب الأحيان يعتمد الكاتب على إقناع القارئ بالحدث، حين يقحم قضية أو شخصية جديدة في الرواية لم تكن موجودة، ولم يضع لها مؤشرات، فالأحداث تبنى بناءً على شخصيات الرواية وعواملها النفسية، والمؤثرات التي تقع عليها.
الرواية التي تستقي أحداثها من قصص حقيقية يجب ألا يضع الكاتب فيها أي حدث مفتعل، أو يقحم فيها شخصية لا تناسبها، وعلى الكاتب أن يستخدم مهارته في صياغة الرواية ليضفي عليها واقعاً جمالياً، أحياناً يحتاج الكاتب أن يكثف الشرح في نقطة معينة لكي يوصل للقارئ الأسباب أو الدوافع التي حركت الأحداث أو أن يصف بتركيز مشاعر الشخصيات لتحقيق القيمة المعنوية في ذهن القارئ لذلك الحدث ومدى تأثيره في المجتمع.
ليست الكلمات مجرد حروف، صلتها مع النفس أكبر، تعبير عما نشعر به وما يجول في خواطرنا، نكتبها لكي: نعيش لحظه ،نمجد لحظة ،نخلق لحظة .. ونعود بها لأشواقنا لنعيش معها، في النهاية يقولون إنها كلمة .. وهي كل التعابير والمشاعر والألم ، هي رسول .. هي سهم ، هي أنا وأنت ..
ربما تكون تلك الحروف التي نكتبها عن مشاعرنا مثيرة للانتباه ، او للسخرية والشفقة ، لكنها في كل الاحول تثير شيء في النفوس سواء كان سلبي ام إيجابي ، فالحديث عن العواطف والمشاعر والحب والالم والسعادة أمور مشتركة لدى كل البشر ، مع تفاوت اهتماماتهم بها ، واولويتها في حياتهم .
عندما يشعر الإنسان بالهدوء يتغلغل إلى نفسه، تصفوا أفكاره من الشوائب، ويتخلص عقله من الضوضاء، فيسمع صدى أفكاره تتردد في رأسه وتتصادم، تخرج أفكار جديدة، وتموت أخرى، يرى صور الذكريات، وهي تغذي الخيالات والتأملات، وتملأ روحه دون ملل ولا إزعاج، فوضى الذكريات والصور المبتورة التي نرسمها ونغذيها في الخيال لكي تكبر وتتضح.
الحياة، تحتاج إلى الهدوء، لا لتستكين فقط، بل لتستقر، الروح استقرارها الهدوء، والعقل استقراره الفكر، والخيال استقراره الصور والذكريات، والنفس آهٍ من النفس التي تقلبنا بين الرغبات، والأهواء.
يعجبني الهدوء أشعر به وهو يقيد نفسي فلا تجمح لأهوائها، بل يجعلها تحت سيطرة العقل، فيتحكم بها في فترة السكينة كيف يشاء، ويحركها فتحفزه تارة، وتستفزه تارة أخرى، لكنها لا تخرج عن سيطرته.
العقل هو الحافظ لكل شيء يمر بنا، ونحن نجتر ما هو موجودٌ فيه، نعبث بتلك المعلومات التي وضعناها في رؤوسنا، نقرأها، نظيف إليها، نعيد ترتيبها كلما وجدنا لها مكاناً أفضل، ونبحث عن الجديد، ننقب في بطون الكتب، في عقول البشر، نستفز الأقلام والمشاعر، لنحصل على ما نستطيع أن نأخذه، لنضعها مع ما قرأنا وما عرفنا وما درسنا وما اكتسبنا، ورغم ذلك نكتشف أننا نريد أن نعرف أكثر، ونحصل على المزيد.
يأتي الصباح بنسخة مكررة، ونخرج بنفسيات مختلفة كل شيء مكرر في “الصباح” الشروق العمل الازدحام حتى السيارات والأشخاص نشاهدهم يوميا كل صباح في أوقات محددة تتكرر.
الأحداث متحركة والأشياء الصامتة مثل الشمس والأرض، وكل جماد نمر عليه، لكن هناك أحداثاً متحركة لدى المخلوقات الأخرى وأحداث سريعة لدى البشر وأيضا تتكرر بنفس السرعة أو بسرعة أكبر مع مرور الزمن، حتى الأحداث الكبيرة والأخبار المدوية تبدأ عظيمة الشأن ثم تخمد، وتعود الرتابة من جديد لتدمر تلك الضجة التي فعلها البشر واحدثوها، ببطيء وثبات تعود الرتابة لشأنها الأول كما كانت.
نحن البشر نكسر الرتابة بضجيجنا ومشاريعنا وأحداثنا، حروب سلام، تدمير وتعمير، أصوات وموسيقى، تلك الأمور من يهتم بها سوانا، لا أحد نحن فقط نسمع ضجيجنا، ونتحمل أخطاءنا ونجني نتائج أعمالنا التي لا تدوم للأبد، العمر كما يمضي على البشر، يسري هذا القانون على كل شيء حولنا، نحن ضد الرتابة والصمت وتعميرنا الدائم يمثل رغبتنا المستمرة في الحياة التي تتخطانا في أبنائنا وأحفادنا في المستقبل.
تلاشت حضارات كثيرة، واندثرت وحفظ القليل من آثارها، أكلت الأرض أغلبها، لكن الإنسان رغم ما يراه، يستمر في البناء. ويستمر في التدمير، فمنا من يبني ومنا من يهدم، وهذا أمر صحيح فالحقيقة تقول إن هناك أناساً ينظرون إلى الأمام، وآخرون ينظرون إلى الخلف، فمن ينظر إلى الأمام يرتقي ومن يرجع إلى الخلف يتدهور، للأسف بعضهم لا يتدهور وحده، بل يدهور أمه بكاملها معه.
تعود الحياة لرتابتها سواء أكانت الأمم متقدمة أو منهارة، سواء كان البشر طائعين أو متخلفين، تغزونا الرتابة فتذوب الأمجاد، وتبنى أمجاد أخرى، وهذه أيضا رتابة، لكنه على زمن أبعد من اليوم والسنة
كل شيء يندثر .. لكن له “زمن” الإنسان له “زمن” الأمم لها “زمن” البناء له “زمن” والزمن له نهاية، ومن أراد أن يستمر لأقصى مدى عليه أن يخلد أثره، ويستمر في العطاء، فالشخص والمجتمع والدولة، لهم زمن، البشر تاريخهم قصير، مع المجتمع يصبح أطول ومع الدولة يصبح أطول، والنهاية تأتي لا محالة فالطبيعة تطغى وتفرض رتابتها، وتمحو كل شيء.
الإنسان لا يُمنح الفرح، بل يصنعه ويعمل كل ما يسره وحين تأتي المصائب، فإنها تخترق الظروف المحيطة التي خلقها ليحصل على السعادة.
الأحزان أو المصائب أو الصدمات إعادة بناء للإنسان لينظر في شؤونه من زاوية مختلفة، فالبناء الذي ننشئه ليس بالضرورة صحيحاً بمعنى أن سعادتنا التي نبنيها تقوم أحياناً على تعاسة الآخرين، أو تتقاطع مع أحلامهم، ولو حصل إنسان على السعادة كاملة سيحرم منها آخرون لا شك في ذلك.
توازن غريب في الحياة، حين نؤمن بإنسان لدرجة اليقين، نخلص له حتى النهاية، وعندما نكتشف أن ذلك الشخص لم يكن على مستوى ثقتنا تكون الصدمة مضاعفة، هو لم يصنع لنا الصدمة نحن من صدمنا أنفسنا بمنحه ثقة أكبر من حجمه الطبيعي؛ لأننا لم ننظر إلى الجوانب السلبية في شخصيته، فلا يوجد إنسان على وجه الأرض لا يخطئ ولا تعيش الملائكة في ثياب البشر.
كل شيء يهدم يحتاج إعادة بناء وعلينا أن نبني ما يستطيع أن يقاوم أكثر، وأن نؤمن أن الأشياء التي خسرناها قد انتهى دورها في حياتنا، ربما تُخلف الصدمات وبعض الهموم، لكن علينا أن نبدأ من جديد، وننظر في جوانب الأمور المشرقة والمظلمة، ونخلق توازنات تجعلنا قادرين أن نستمر بأقل الخسائر.
الخصوصية والكوكيز: يستخدم هذا الموقع الكوكيز. تعني متابعة استخدام موقع الويب هذا أنك توافق على استخدامها. لمعرفة المزيد، بما في ذلك كيفية التحكم في الكوكيز – شاهد هنا: سياسة الكوكي.