قراءة في كتاب “رواية عزيز” للكاتب هاشم محمود

أيها السجان!

(أنا بذرة لن تختفي، ضع كثيراً من التراب فوق رأسي، واغمرني بالظلام، سأنبتُ في الزنزانة، وأقتلعك، وأثمر نوراً يحرق كل فلاسفة القضبان).

بهذا المقطع استهل الأستاذ هاشم محمود روايته، عزيز تلك الشخصية التي شخصنة السجن والزنزانة، ثمن الصدق في وطن لا يعرف قيمة الإنسان وعزيز يعرف أنه سيدفع ثمناً غالياً لمجرد أنه رفض أن يغير مبادئه، ويحرف معنى الإخلاص للوطن ويحول الإخلاص للحاكم، عرف منذ البداية أنه سيدفع الثمن “ثمن وفق ما يحدده أولئك الذين منحوه حرية الاختيار بين الحديد والنار”.

تتسلسل الزنازين، وتتابع أيامها وما يعانيه السجين من بيئة قذرة ومعاملة سيئة وتعذيب لا يجعله يفرق بين الأيام، الألم ممنهج والإهانة تستمر، كل هذا يصب في اتجاه واحد، إهانة المعتقل لانتزاع اعترافات في قضايا لم يفعلها لإبقائه بعيداً عن الساحة العامة التي يؤثر فيها، فخوف النظام لا من أفكار المعتقل، بل من مدى تأثيره في الجماهير، فكلما زاد تأثيره وعلاقاته الداخلية والخارجية نظرت إليه السلطات الدكتاتورية بنظرة ريبة وشك، ووضعته موضع الاتهام حتى تحين الفرصة الملائمة لتلقي به في السجن لتغيبه عن مجال تأثيره الفعال.

إن حب الوطن الذي يشير إليه الكاتب لا ينطوي على السيطرة الجبرية فحب الوطن هو انتماء يفوق لغة القوة، ويتعداها لمجال أرحب لا يعرفه العسكر الذين سيطروا على البلاد في غفلة من أهلها بدباباتهم وسطوتم، وفرضوا عليهم الخضوع والذلة، ومن يرون أنه لا يبجل سلطتهم يجب أن يموت أو يختفي، فكل شيء لدى العسكر له طريق واحد، الرأي واحد والقرار واحد والحاكم واحد، ويجب أن يتبعه الجميع ويطيعوه، فهو العارف العليم القوي الأمين.

عندما يصبح الحكم مأوى لمجموعة معينة تضطهد الفئات الأخرى؛ وهذه المجموعة مؤمنة بأن تلك الفئات لا بد أن تطالب بحقوقها طال الزمان أو قصر، وبما أن بطل الرواية مسلم نشط له تلاميذ وأتباع، ويملك هو ووالده مؤسسة تعليم ديني يتضح اضطهاد السلطات الأريتيرية للمسلمين لا لكرههم، بل خوفاً منهم، وتتجلى الإهانة بتهميشهم والنظر إليهم على أنهم فئة دونية يجب أن تخضع وتستسلم للسلطات، وإلا تسلط عليها ألوان العذاب.

تتناول الرواية عناصر مهمة في السجن سواء للسجانين أو المساجين، فالسجان بلا قلب، ولم يكتسب هذه الصفة بين عشية وضحاها، لكنه تبلد مع الوقت، وأصبح سادياً لا يبالي بصراخ وألم الضحايا، هدفه فقط أن يحقق غايته في تلفيق التهم وانتزاع الاعترافات عن طريق التعذيب، لكي يحيل المتهم لقبر آخر يقضي فيه بقية عمره، أو يعلق على أثره على حبل مشنقة.

أما السجين فهو الحلقة الأضعف وصبره لا ينبعث من قوته البدنية، بل من إرادته التي تقاوم الاستسلام، أوضح الكاتب الجوانب النفسية القاسية التي يعانيها السجناء والطرق البسيطة التي يحاولون من خلالها التغلب على قهر السجان وعزلة الزنزانة، الخيال يلعب دوراً هاماً في تلك الوحدة والإيمان كذلك، إلا أن كثافة التعذيب وقسوته تكسر أحيانا إرادة بعض المساجين فيستسلمون لقدرهم، وبعضهم لا يتحمل ويرحل عن الدنيا، دون أن تعقد له محاكمة أو أن يقف أمام قاضٍ.

قضية اضطهاد المسلمين في أريتيريا وبعض القوميات الأخرى من قبل السلطات، على عكس التعايش الذي يحدث في المجتمع، والفتن التي تثور بين الطوائف والأديان أغلبها إن لم تكن كلها من صنع أجهزة الأمن لكي تحكموا سيطرتهم على المجتمع.

لا زلت ألوم الأستاذ هاشم محمود على بخله، ففي الرواية الكثير الذي لم يقله، ولو فعل لأعطى للرواية ألقاً أكثر، لكنها رواية جميلة تحكي الثورة والسجن والاضطهاد تقع في 237 صفحة من القطع الصغير أنصح بقراءتها.

قراءة في كتاب “رواية على الحافة” للكاتب هانس بلاتسغومر

تسير أحداث هذه الرواية الكثيرة بوتيرة باردة تصور المشاهد تحت غطاء من الـلا ندم واللا مبالاة، لكنها تنطلق من البدايات الأولى، قواعد القوة الكامنة في روح لاعب الكاراتيه الذي يطبق القواعد الخمسة بحذافيرها، فتكون كلمة “شتوتسه” هي الكلمة المحورية في الرواية بدايات الطفولة والشباب والحب، بدايات الموت والصمت والعزلة، وبدايات العجز والنهاية.

يتسلسل البطل في الحكاية، ويتدحرج خلال الزمن عبر كل المراحل بنفس الوتيرة الباردة، فتنعكس تلك البرودة على كل تصرفاته حتى في حالات العنف التي يرسمها تشعر أنه مشاهد ميتة وكأنه يقول لك: هذه المواقف لا تعني، إلا أنها ذكريات في سجل سيرمى في مكان ربما لا يطل على أحد فلا تهتم لها وواصل معرفة الحقيقة، دون أن تتألم لما حدث، فكل شيء يسير دون نظام ونحن وحدنا من يتصرف في هذه الحياة، نجلب السعادة والشقاء لأيامنا.

هذا الذي طرحته ربما يكون مجرد استنتاج، لكنه ترسخ لي وهو يروي كيف قتل جده، وكأنه إنسان يريد الجميع أن يتخلص منه، ولن يسأل أحد كيف مات؟ ومن قتله؟ مشهد موت بارد جداً، لا يشعر بعده البطل بأي تأنيب ضمير، وعلى العكس تماماً يشعر أنه أنجز شيئاً يجب إنجازه، يتكرر هذا المشهد في حالة موت صديقه الذي يطلب منه أ، ينهي حياته، فيقدم على قتله، لكن في مشهد موت صديقه كرس نضرة أن الإنسان الذي يعاني يريد الموت، وكأنه بذلك يبرر أن كل معتل صحياً لا يمانع أن يقتله أحدهم لينهي معاناته، وبذلك يكون هو في منزلة المتحكم والمسيطر على الضحية، ويقدم لها النهاية المرجوة.

في مشهد موت زوجته والطفلة التي سرقاها، كان المشهد أكثر احتداماً من سابقيه؛ حيث إنه شعر بالفراغ بعد رحيلهم وشيء من الندم، ربنا لأنهم ماتوا وهم بصحة جيدة، أو أنهم تركوا في حياته مساحة فارغة لم يستطع تجاوزها بعد رحيلهم الأبدي، ومن وجهة نظري أنه وضع القاعدة الأساسية لشخصية البطل في هذا المشد حيث أ، كل إنسان لا يعنيه لن يترك أثراً في ذاكرته، وإن كان يعنيه ستبقى ذكرياته موجودة، لكنها لن تؤثر في سير حياته، وسيتجاوزها في عبر مراحل.

أما المشهد الأخير مشهد الحافة والنهاية الهاوية للعدم، لم يخلقها الكاتب لكي نقف عندها ونتأمل، بل وضعها لنرى كيف تعيش شخصية البطل كل التناقضات والصراعات ببرود، حتى تكون نهايته بالوتيرة نفسها، والاعترافات التي كان من الواجب أن يقولها بصدق أمام محقق، تركها على الورق لتلقى مصيرها، دون أن يحدد ذلك المصير الغامض.

جميلة الرواية في ذكرى البدايات، وبليدة في ذكرى النهايات، وباردة في المشهد الأخير، لكنها رسمت شخصية البطل بتصورات صحيحة من وجهة نظري، فشخصية باهتة صامته قليلة التفاعل لا يمكنها أن تواجه العالم بأخطائها، فكانت النهاية على الحافة والحقيقة مدفونة في حقيبة تحت إحدى الصخور التي تجثم على صدرها.

جميلة الرواية ومشوقة أنصح بقراءتها تقع في 184 صفحة من القطع المتوسط.

أن تعودي فلسطين للكاتبة: الفلسطينية التشيلية: لينا مرواني

قدمت ورقة العمل هذه في قراءة للرواية ضمن فعاليات الصالون الأدبي لبيت الراوي

تعريف بالكاتبة:

لينا مرواني (1970-)، كاتبة وروائية فلسطينية، ولدت في سانتياغو لأب فلسطيني من مدينة بيت جالا وأم إيطالية وتحمل الجنسية التشيلية. حاصلة على درجة الدكتوراه في الأدب الإسباني والأمريكي من جامعة نيويورك وتشغل منصب بروفسور أكاديمي وتقوم حالياً بتدريس الأدب والثقافات الأمريكية واللاتينية في ذات الجامعة، وحالياً معارة في جامعة مدريد بإسبانيا لتدريس أدب أمريكا اللاتينية.

وتعتبر من أهم كتاب التشيلي الذين تناولوا مسيرة الفلسطينيين في أميركا اللاتينية. وترجمت أعمالها من اللغة الإسبانية إلى اللغة الإنجليزية والإيطالية، والبرتغالية، والألمانية، والفرنسية.

المجالات التي كتبت فيها:

الشعر، الرواية، القصة القصيرة، المقال، ولها اهتمامات سياسية

الجوائز:

جائزة خوسيه دونوسو للأدب الأيبيري الأمريكي‏ (2023) وسام الثقافة والعلوم والفنون الفلسطيني (2022) زمالة غوغنهايم الهيئة الألمانية للتبادل الثقافي جائزة سور خوانا إينيس دي لا كروز‏ الصندوق الوطني للفنون، وجوائز أخرى.

الأعمال:

• أن تعودي فلسطين

• مقبرة قزحية للروح

الروايتان مترجمتان للعربية

وكتب أخرى باللغة اللاتينية

الرواية من أدب المهجر ..تروي فيها الكاتبة تجربتها خلال رحلتها إلى فلسطين المحتلة.

أن تعودي فلسطينرأي في الرواية..

غربة لم تكن في المهجر فقط، كانت قبل ذلك في الوطن الأم، حيث النظرة في العهد العثماني للمسيحي مختلفة وكأنه جاء من خارج الزمن رغم أنه فلسطيني الجذور، هذا ما تناولته الكاتبة في بداية روايتها، النظرة الناقصة للمواطن الذي يحمل ديانة مختلفة عن ديانة الدولة فيتهم في انتمائه وإخلاصه حتى يشعر بالخوف والغربة في وطنه، فيغادر ليفقد الوطن والهوية معاً ويجمع شتاته في الخارج البعيد هروباً من المصير المحتوم في التجنيد الإجباري الذي فرض على جميع مواطني الدولة العثمانية.

لا تنتهي مأساة الفلسطيني المسيحي عند هذه النقطة فالمهجر لم يكن بهذا الاتساع ليحتويهم أو يوفر لهم الرفاهية المطلوبة من الوهلة الأولى، ورغم ذلك ينجح الفلسطيني في خلق مجتمعه الخاص ويحيط أبنائه بذكرياته ويغذيهم بمشاهد الوطن الأم، ورغم هذا الارتباط لا يفكر في العودة للوطن من جديد لأنه يحمل كل المشاكل السابقة واللاحقة للاحتلال الصهيوني، يصل لأقرب نقطة لوطنه الأصلي لكنه لا يفكر في الدخول لا بسبب الحواجز العسكرية، بل بسبب الحواجز النفسية، فمجرد أنه يعرف أن الأرض لم تعد أرضه خلق لديه حاجز لا يمكن أن يجتازه.

يمسك بجذوره بقوة لكيلا تتفلت ورغم أن الأبناء انتموا للوطن الجديد إلا أنهم يحملون بذرة فلسطين والعائلة الفلسطينية في داخلهم وأقل تذكير لهم بأصولهم يعيد لهم الانتماء الأساسي الذي ينمو رغماً عنهم ومع ذلك هم لا يحملون في مخيلتهم مشاهد من الوطن الأم، بل مجرد ذكريات نقلت لهم عبر القصص والحكايات وبعض الصور.

علاقة فلسطينيو المهجر بالأرض ورغبتهم في معرفة تفاصيل الجذور التي تربطهم بالوطن الأم من مباني، أشخاص، أدوات، والمقارنات التي تثور بين الموقف وردة الفعل لتحلل الواقع وتشرحه.

التفاصيل التي تتطرق لها الكاتبة بشكل مكثف هي تفاصيل العلاقة بين الإنسان الفلسطيني والعسكر الإسرائيلي وبين الفلسطيني والإسرائيلي المدني، وبين الفلسطيني في الداخل 48 والمهجرين، وتميز بين الكلام والفعل، فبينما يكون الحديث متسامحاً من قِبل فلسطينيي الداخل 48 يكون الفعل من الإسرائيليين مخالفاً لهذا التسامح ويتشح بالعنصرية أو الاتهام متمثلاً في الحواجز الأمنية واحتلال المباني لأيام لمجرد الشك بوجود عنصر مقاومة، مع العرب المهجرين والعرب عموما..

تنقل الكاتبة الصورة كما يعيشها أي زائر لإسرائيل يخرج من مناطق النفوذ اليهودية ويجرب التحرك كفلسطيني والصعوبات التي يواجهه من حواجز أمنية ومضايقات وتنقل بعض المشاهد التي نراها غريبة رغم أنها موجودة على الأرض وتصف بشكل جلي طول صبر الإنسان الفلسطيني على الضغوط والمضايقات المتكررة، وتوضح بشكل جازم أن الفلسطيني يراهن على البقاء والصبر.

ترجع للتاريخ القديم قبل قيام إسرائيل وتتطرق السيدة مرواني إلى إشكالية عودة الفلسطينيين الذين فروا من الحكم العثماني وإصرار بريطانيا على عدم منحهم الجنسية الفلسطينية وقد اعتبرتهم أتراك لا ينتمون لفلسطين، ثم تغيرت الوجهة بعد ذلك وتمت قَولبت الفلسطينيين ليكونوا عرباً لا ينتمون لفلسطين والقصد في الحالتين واحد، إبعاد الفلسطينيين وتسهيل حصول اليهود المهاجرين القادمين من دول غريبة على الجنسية الفلسطينية بسهولة دون التدقيق في أصولهم.

من ضمن المآسي تنقل الكاتبة معاناة المهاجرين في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا وما يمرون به خلال تجديد إقاماتهم وما يقاسونه من تمييز بسبب الجنس أو العرق أو اللغة، وكأن الصورة في داخل إسرائيل وخارجها تتطابق في التفرقة والعنصرية والإذلال.

والأسئلة تتكرر ..

• أين موطن عائلتك الأصلي؟

• ما هو المنزل بالنسبة لك؟ أو ربما تقصد هل تعتبر الولايات المتحدة هي منزلك؟

• ما هي اللغة الأخرى التي تتكلمها غير الإنجليزية؟

كلها أسئلة محرجة لطلبة متعددي الجنسيات تتحدث عن الانتماء للوطن أيهما تقصد الوطن الأم أم المهجر، وهل المهجر هو الأمان أو الانسلاخ من الحقيقة لاعتبارات تختلف من شخص لآخر، متعددي الجنسيات يمثلون العالم الآخر العالم والصورة المؤلمة لعصرية الجنسية والأرض.

جدران العزل والفصل العنصري التي انتشرت في العالم في فترات سابقة كلها متشابهة تفصل القوي عن الضعف والغني عن الفقير وصاحب الحق عن الظالم ثم تنتقل إلى كاميرات الرقابة التي تلاحق الوجوه وتبيعها كمعلومات للأجهزة الأمنية والجيوش وهذه النقطة مستخدمة بكثافة في فلسطين لكن الكاتبة لم تذكر هذه النقطة عن فلسطين لكنها ذكرتها في وسط الرواية في ألمانيا، تشبه تلك الكاميرات بجاسوس صغير.

تتطرق الكاتبة لمشكلة اليهودي الأصلي وتذكر مسألة الوثائق التي تثبت أن الفرد “يهودي” وكيف أن الكثير من اليهود اضطروا لتغيير أسمائهم لأسماء مسيحية نتيجة الخوف من السلطات الشيوعية مثلاً، والإجراء الذي تبع ذلك مثل تحليل الدي أن أيه وما يثور حول صدقية هذا التحليل من عدمه طبعاً هذه في فترة الحرب العالمية الثانية وما تلاها.

من الصفحة 245 حتى نهاية الرواية لم تذكر فلسطين وتطرقت كما أشرنا إلى الأصول اليهودية في أوروبا وتحليل الدي أن أيه والرقابة بالكاميرات والهواتف وتصنيف المسافرين لإسرائيل وهذا الأمر يجعل القارئ ينسى الموضوع الأساسي للرواية بحيث أن أصبح اليهودي هو الغالب على المشهد دون أن تربطه بفلسطين أو إسرائيل.

تنتقل الكاتبة للقاهرة وكعادتها تبدأ بشرح الأحداث من البداية المطار ورجل الأمن والفندق والحسين والمقاهي والباعة ولباسها ومشاكلها التي تواجهها بسبب اللغة كذلك لكونها سيدة وما تفعله لكيلا تلفت الأنظار لها مبتعدة عن المجال الحيوي للرواية التي من الواجب أن تتحدث فيها عن فلسطين

الكثير من المشاهد تنقلها لنا الكاتبة في فقرات صغيرة أو في صفحة أو اثنتين لكن كثرة المشاهد لا تعني تحقيق هدف الرواية، بل تعني أن الكاتبة أرادت نقل الأحداث التي تشاهدها دون أن تفكر في نسق واحد وكأنها تكتب أدب رحلات لموطنها القديم مخلة بذلك في صناعة روايتها التي أصبحت أرشيف للرحلة أكثر من كونها رواية.

لا أعرف هل اشترطت الكاتبة أن تكون الجمل الإنجليزية في الرواية كثيرة، أو إن المترجم أبقاها كما هي ولم يترجمها مما يسبب إرباكاً للقارئ.

تختم الكاتبة الرواية بمشهد درامي “مستغرب” حين تعلق في الزحام ولا تجد من يرشدها لوجهتها متجاهلة بذلك كل وسائل المساعدة الإلكترونية من ترجمة وخدمة المواقع وغيره وكأنها تشير لبشاعة العيش في دولة عربية لدرجة أنها تختم الرواية بجملة تتنصل فيها من أصلها الفلسطيني بقولها: ((أكلم نفسي هي ليست بعودة، بل مجرد أرض تطأها قدماي لأول مرة أرض ليس لها أي وجود في ذاكرتي، ولو صورة واحدة منها، فلطالما كان كل ما هو فلسطيني، بالنسبة لي هو مهمة يُسمع صوتها في الخلفية، قصة نلجأ إليها لننقذ أصلنا المشترك من الاندثار، إنها عودة نعم لكنها ليست بعودتي أنا، هي عودة مستعارة، أي أن أعود بدل آخرين، بدل جدي، بدل والدي)) علماً بأنها لم تذكر في الرواية أن أحد طالبها بالعودة لفلسطين أو زيارتها، من بادر إلى ذلك لتبحث عن أصول عائلتها وضل هاجس الهوية شاغلها حتى في الفصول التي لم تذكر فيها فلسطين.

المسألة التي تكررت ليست فلسطين بثقلها الثقافي، بل قضية الهوية، لكل الأجناس اليهود المهاجرين الملونين العرب، ومدى قبولهم في المجتمعات التي يلجؤون إليها، واجتهادهم الدائم أن يُنظر إليهم كأشخاص عاديون ضمن المجتمع، فتكون الصورة أن المجتمع ينظر إليهم بغرابة وحذر وهو يبذلون أنفسن لكي يقبلوا في ذلك الوسط.

مشاهد منفصلة:

  • احتفال الفلسطينيين بسقوط أبراج التجارة مع الحدث وكأنهم هم من قاموا بفعله وتبنوه.
  • مشكلة عرب 48
  • سلطة المستوطنين في الضفة الغربية التي تفوق سلطة الفلسطينية الذين يشكلون الأكثرية بنسبة تفوق 500%
  • الأسلاك الشائكة والحواجز
  • رمزية المفتاح في القضية الفلسطينية الذي حملته الأسر وهي تغادر فلسطين على أمل العودة
  • حالة العداء بين الإسرائيليين وعرب الداخل متأصلة.
  • طريقة استقطاب الأشخاص للحضور لفلسطين تشمل البعث الدراسية
  • اليهود المعارضون لوجود إسرائيل ينظرون أنها خطأ ولا يجب أن يعودوا لفلسطين إلا حين يظهر المسيح.
  • مشكلة الملونين وتصنيفهم في العالم الغربي أوروبا والولايات المتحدة
  • اليهود خارج إسرائيل والوافدين لها والذين لا يحملون هوية دينية واضحة
  • تفصل الرواية أجزاء بعيدة عن المضمون مثل زيارة متحف اللوفر
  • ما يعانيه الكتاب في أوروبا حين يتم الحديث عن فلسطين وقضيتها حتى لو كان من عرب المهجر ولا يجيد اللغة العربية
  • الاعتبارات التي يفكر فيها النشطاء حين يفكرون في زيارة فلسطين وكيف يجتازون أسئلة رجال الأمن الإسرائيليين
  • كيف يعالج الفلسطينيون والنشطاء انتظارهم على الحواجز الأمنية
  • ازدواجية تعامل ألمانيا بيت الإسرائيليين والفلسطينيين
  • تقنيات المراقبة الإسرائيلية تمتد حتى تراقب الوجه عبر تقنيات متطورة
  • أثر المساعدات
  • المحاولات المتكررة للسيطرة على الأراضي الراعية وإجبار أصحابها للتخلي عنها بوسائل الضغط المستمر عبر وسائل غريبة أحياناً
  • دور النشطاء الفلسطينيين في نشر الأدب والثقافة دون قبول أي دعم موجه أو بشروط
  • محاولات دخول المسجد الأقصى الفاشلة لمن ليس بمسلم ولم توضح الكاتبة هل المنع من الأوقاف الفلسطينية أو من الأمن الإسرائيلي.
  • مغالطات الإسراء والمعراج نقلتها بشكل أسطوري وهي تتحدث عن دابة البراق.
  • الأحياء التي هجر منها الفلسطينيون في 48 ومن سكنها بعدهم وبعض مشاكل الإسرائيليين أنفسهم والتفرقة التي تتم بحسب الجنس والعرق .
  • تنقلات الفلسطينيين وإجبارهم على الحصول على جنسيات مختلفة.
  • غرفة وداع الأهل والأصدقاء التي كانت موجودة عند جدار برلين والرقابة الشديدة على الوثائق.
  • الازدحام في القاهرة.
  • عدم احترام المصريين للمواعيد

قراءة في كتاب رواية “ليلة الأمس” للكاتب أحمد العلوي

لم تكن ليلة عادية تلك التي مرت على أبطال هذه الرواية فبين أغلال تكبل الأيادي وأخرى تكبل النفوس ينتقل المشهد السوداوي بين السطور ليرسم لنا ليلة تحمل من التعاسة المفروضة على البشر في مكان محدد لتدمرهم جسدياً ومعنوياً ونفسياً، تجعلهم مسوخ لا يفكرون إلا في اتجاه واحد، ويمجدون شخصاً واحداً، ويجب أن يؤمنوا بنظام واحد. من تحميه السلطة يعيش مكبلاً في قيود الوضع الوظيفي، ومن لا تحميه السلطة يعيش مكبلاً بالخوف، ومن لا علاقة له بشيء فهو متهم دون تهمة.

تسير أحداث الرواية بشكل راقٍ يحمل من الفلسفة الكثير، مما يعقد المشهد ويجعلك تفكر كثيراً، لكن الصورة الحقيقية التي أراد الكاتب أن ينقلها لنا هي أنه مهما بلغت من فكر وثقافة وعلم لن تستطيع أن تقنع سجانك أنك بريء فالمحقق وإن حمل الثقافة والمعرفة فهو يحملها لكي يصيغ تهم الإعدام والسجن والتعذيب بشكل أنيق يقنع به الآخرين أنه أحسن العمل لا لكي يقيس الأمور بشكل صحيح.

توجد طبقية في الرواية تجعلك تفكر ما الذي يجعل أستاذاً جامعياً يخضع لرجل أمن، ويجعل صحفياً مرموق يخضع لشخصية مستغلة، تجد القيمة للقوة والمنصب والعلاقات، ولا تجد قيمة للإنسان مهما علا علمياً أو ثقافياً، فلا قيمة له ضمن مناصب الطبقية التي تحدد قيمتك بنسبك أو بعلاقاتك وسلطتك، فإن لم تملك تلك الأشياء الثلاث فأنت رهن مزاج سجانك ومستغلك.

تحمل الرواية الكثير من الحوارات ربما اختلف مع الكاتب في هذه النقطة رغم أني لم أعانِ وأنا أقرأها من شتات ولم ألحظ شذوذاً في النص بسببها لكنها كثيرة في الرواية، ربما لأن الحوارات الموجودة وضعت لترينا تصورات معينة وأفكار يريد الكاتب أن ينسبها لشخصياته لنميز بين شخصية المتكلم والمتلقي دون أن نعطي الأفكار المطروحة أكثر من الحجم الذي أراده الكاتب.

لفتت انتباهي شخصية سلطان بثقافته وسيطرته على أفكاره، لكن افتقدت شخصية عاصم الحاضر الغائب في كل الأحداث فهو محورها رغم حضوره، وبقي كذلك بعد غيابه، تمنيت لو أن الكاتب أعطى هذه الشخصية عمقاً أكبر ليرينا تفاصيل مشهد الغياب والحضور في الرواية ومدى تأثيره، ومدى إغراء الحياة حين تجري شخص رفض العودة طويلاً ويوافق على العودة لكي يستلم “كرسي” اقصد منصباً مهماً، نظرت إلى هذه الشخصية باهتمام لكني لم أجدها بالقوة التي توقعت في الرواية.

تحرير الرواية جيد وأسلوبها رائع وممتع تقع في 183 صفحة من القطع المتوسط أنصح بقراءتها بشدة.

قراءة في رواية (القَسم) للكاتب خلف ال خلف

رواية بوليسية لضابط تقع له أحداث غريبة تجعله يدور حول نفسه ليكتشف أنه كان ضحية عقول جبارة استطاعت أن تسيطر عليه وتتحكم في تصرفاته وتصوراته وتبعده عن القصد الحقيقي الذي يريد الوصول إليه، ينتقل مع الأحداث عبر خيوط متصلة يظن أنها تقربه من الحقيقة إلا أن الخيوط كانت تلتف حول عنقه لتجره لمصير مجهول.

تتميز هذه الرواية في ثلاثة جوانب مهمة للرواية القطرية:

أولاً: أنها رواية بوليسية وهذا النوع من الروايات غائب عن المشهد الثقافي في قطر حسب علمي ووجود عمل روائي في هذا الجانب مهم لكي نحقق التنوع ونخرج من نمط الرواية الكلاسيكية والتاريخية والبيئية التي تحاكي الماضي مما جعلها النمط السائد في المشهد الروائي القطري.

ثانياً: مساحة الخيال الواسعة في الرواية التي تجاوزت الحدث ولعبت فيه بشكل غير مسار الرواية من التصور الوهمي لقوى ما فوق الطبيعة إلى التحليل الحقيقي للأحداث عبر سلسلة أفكار تفند الوهم وتحقق للقارئ رؤية مدهشة في النهاية.

ثالثاً: كمية الأحداث الكبيرة في والتي تجعل القارئ يتتبع الحدث بشكل متواصل ليصل إلى حل اللغز المتشعب الذي وضعه الكاتب بشكل تسلسلي جيد جداً وربط الأحداث عبر، الشهد الآني، العودة إلى الماضي، الخيال، وهذه الأمور كفيلة أن تربط القارئ بالرواية بشكل جيد.

إلا أن هناك ملاحظات مهمة في هذه الرواية يجب أن نضعها في الاعتبار منها مثلاً:

  • تجاوز الكاتب لتفاصيل بعض الأحداث التي لا تتطابق مع الواقع لكنها تخدم الرواية في تسلسل أحداثها، ورغم أنه يجوز للروائي ما لا يجوز لغيره إلا أن من المهم في هذا النوع من الأعمال الأدبية أن يكون هناك واقعية أكبر للحدث لترسم مشهداً مقنعاً أكثر للقارئ.
  • تكرار بعض المشاهد في الرواية منها مثلاً كلام يعقوب الذي تتكرر على لسان أمه في أخر الرواية بشكل متطابق لحد كبير.
  • كثرة شخصيات الرواية المؤثرة على الحدث ورغم ذلك هناك وضوح في توزيع الأدوار لكن هذا لا يلغي أن عدد الشخصيات الكبير يشتت القارئ.

تمنيت وأنا أقرأ الرواية أن تكون أحداثها في قطر لكن الكاتب وضعها في مكان متخيل وهذا الشيء أفضل من أمنيتي فقد أتاح له مساحة أكبر لخدمة الأجزاء المتخيلة للزمان والمكان والشخصيات بحيث يستطيع القارئ أن يرى المشهد بشكل يفوق التصور المحلي للأحداث ويتماهى مع الفنتازيا والخيال.

تحرير الرواية ممتاز وإخراجها جيد وتويع فصولها وأبوابه سلس تقع الرواية في 289 صفحة من القطع المتوسط، أنصح بقراءتها.

قراءة في رواية “حوض الشهوات” للدكتور محمد اليحيائي.

لن أتحدث عن بداية الرواية، بل سأتحدث من الفصل السادس عن ليلى فهي التي يبدها كل الخيوط وهي التي تتحكم فيها ربما يختلف معي صاحب الرواية لكن ليلى هي التي تحكي تلك القصص وتلك الأحجيات الغرائبية عن عالم منسوخ من عقول الكثيرين الذي لم يعرفوا واقع عمان وما مر من تاريخها.

محمد اليحيائي الماضي البعيد والحاضر المأمول، والماضي القريب والحيرة، الداخل والخارج وصدام العقل العماني الذي لا ينتهي ولا ينسلخ عن ماضيه سوءً القريب أو البعيد وانتماؤه الضارب في أعماق عمان فمهما سافر وتنكر تبقى في أعماقه تستدعيه حين تشاء فيعود بكل ما يحمل من آمال ليرى أحلامه الميتة على واقع صنع بشكل لا يتصوره.

ينقلنا اليحيائي لعالم متشظِ من الداخل والخارج ليرينا كيف ننظر إلى عمان من الجهتين لنرسم صورة ثلاثية الأبعاد بوجود الإنسان العماني الذي رسم البعد الثالث في حكاية أرضه ليشاهد وجهه في مرآة الحياة ويحدثها يصدمها وتصدمه، يخدعها وتخدعه وكأن كل طرف يصدر للآخر صورة يريدها بين أن تكون فاعلاً في الحياة أو أن تنكفئ على نفسك في محيط ضيق.

الكثير من الشخصيات في الرواية والهدف واحد والتصورات كثيرة تتأرجح بين القناعة بالواقع وبين التمرد عليه، وفي أحسن الحالات الصمت وابتلاع الآراء وطمس الأفكار في رفوف الذاكرة لكيلا تنتحر في واقع لا يشارك فيه أحد، عقل واحد وفأسٌ واحدة وأحلام تنتحر على الطرقات.

لا تكتفي هذه الرواية من خلق الأفكار المتمرة والهادئة، وجهتا النظر التي يعيشها المجتمع كأي مجتمع خليجي يدعي أن الحياة تسير والأمور تتحسن والكل راضٍ، بينما في الضفة الأخرى تقف العقول المتمردة عاجزة أن تخرج أفكارها وتطلعاتها، بل حتى أحلامها، فخلف الأحلام تقف العساكر لتحبسها في قمقم التمرد والمعارضة.

ربما أجد مجالاً لأنتقد الرواية في تشظيها وكثرة شخصياتها لكني أجد مبرراً لتلك الشخصيات أما التشظي فعلاجه الوحيد إعادة قراءة الرواية مرة أخرى لكي تجتمع الصورة كاملة في عقل القارئ.

تقع الرواية في في 204 من الصفحات من القطع المتوسط أنصح بقراءتها بتمهل وتركيز فخلف كل شخصية تقف قضية وحياة.

وقت قصير للهلع (قصص) للكاتب العماني يحيى سلام المنذري ..

هي قصص لشخص واحد ينتقل من قصة لقصة كما ينتقل الإنسان بين الليل والنهار بنفس شخصيته وقلقه مما يراه ويعايشه بتلك المشاعر التي تعبر التصورات وتخلق الأفكار ليقيس ما كل شيء بتجرد ويضع المقارنات والتساؤلات الحقيقية كإنسان طبيعي يعرف ميزان العدالة، يصارعه الخوف من فكرة متمردة على الواقع .. تطارده .. يتخيلها كما لو كانت حقيقة.. وهذه هي لحظة الهلع التي نجدها في شخصية البطل الذي يروي لنا أيامه في قصص.

تتحدث القصص عن العمالة الوافدة كيف نراهم نحن وكيف يرون أنفسهم، ما هي دوافعهم؟ ورغباتهم؟ وإمكاناتهم؟ التي لم نفكر يوماً أنهم يمتلكونها.. لأننا ببساطة ننظر إليهم إما بدونية أو أنهم جاؤوا ليعملوا في تلك الأعمال الوضيعة التي ندفع مقابلها أموالاً ولا يمكننا أن نجد من ينجزها في الوطن، عمال وعاملات بعضهم متعلم يستطيع الكتابة ومنهم من يملك قدرات رائعة، لا ننظر إليها لأنها لا تهمنا، ما يهمنا فقط هو أن تكون الخدمات في أعلى مستوى وفي أقل أجر ممكن.

إلا أن هناك مقارنة بين حالة الرعب التي يعيشها بطل القصص وبين الشخصيات الأخرى، تتجلى في الخوف من الغريب، المواقف التي عايشها اقترنت بالغرباء “العمالة الوافدة” يربطهم بالجرائم والانتقام والقتل والسرقة ويربطهم بتصوراته وخيالاته ويبني مواقف مزعجة لفترة وجيزة، تتلاشى ثم يستحضر مواقف أخرى، هكذا خلق الكاتب شخصية تنظر إلى الواقع بعين متجردة لكنها لم تستطع أن تترك القلق الطبيعي لدى البشر، فكل غريب هو مصدر شك، ولا يحصل على الثقة إلا بعد أن يجربه أكثر من مرة.

تلك العمالة الوافدة منهم من يحمل الشهادات الجامعية ومنهم من يكتب ومن يغني ومن يملك تجارته، وبطل القصص يأخذ الخدمات كلها منهم فهم من يدير الأمور ويوفع للمواطنين العمالة الرخيصة، وافد يشرف على وافدين ويسيطر عليهم ويمنحهم الرواتب، لا يهمه إن كان وجودهم شرعياً أم متجاوزاً القوانين التي تنظم العمل.

الكثير من التساؤلات تنتج في عقلك حين تقرأ هذه القصص الصغيرة وتلك المشاعر والمواقف القصيرة، لكنها علامات استفهام ستنتج في تفكيرك لتقف وتبحث عن إجابتها.

أسلوب الكاتب جميل ومشوق وطرحه راقِ، يقع العمل في 86 صفحة من القطع الصغير من إصدارات دار عرب.

رواية الحرب للدكتور محمد اليحيائي

قدمت هذه الورقة في جلسة توقيع رواية الحرب في مكتبة الحي الثقافي “كتارا” بتاريخ 13/9/2023

تحكي الرواية بصورة عامة عن حرب ظفار التي تبنى فيها الثوار الفكر الشيوعي السائد في ذلك الوقت لكن الرواية متجوزة لهذا الحدث في الكثير من جوانبها حيث خلق الكاتب مجتمعاً عماني بكل عناصره تقريباً في الولايات المتحدة تجاوز من خلاله قيود الداخل وفتح الآفاق لنظرة متحررة من كل عقبات وعقد المجتمع والسلطات المحلية، وأعطانا نظرة متفتحة لتصور يطرح لعمان بشكل مغاير ومن زوايا مختلفة عبر شخصياته المتحررة.

هناك حروب كثيرة في الرواية فحرب ظفار رغم ثقل وطأتها إلا أنها ليست الحرب الوحيدة فهناك حروب الأئمة والسلاطين وحروب مع المحتل الأجنبي لكن الكاتب وضع الثقل لحرب ظفار لأنها الحرب الأخيرة ولأنها استغرقت الكثير من الوقت والجهد والفكر لكي تنتهي ويمكننا أن نشاهد تأثيرها في الواقع الحالي لو دققنا النظر.

الحرب ليست هدف الرواية إنما الهدف الأسمى هو عُمان الوطن الذي ترغب كل شخصيات الرواية في رسم صورته بشكل جميل وأحداث التغيرات التي تنقل الوطن من مجرد أرض لمعنى متجاوز تلك الصورة النمطية التي تُفرض على العقول بشكل إجباري في أوطاننا العربية دون أن يكون للمواطن إسهام في وضع ملامحها، ولهذا كان المجتمع العماني في الولايات المتحدة هو الصورة الأقوى الأنجع لوضع تصور صحيح للوطن دون خوف أو ريبة.

لعبت الشخصيات دور هام في الرواية بحيث أن كل شخصية كانت تعكس شريحة من المجتمع منهم المناضل المحارب الذي دمرته الحرب ومنهم اللامبالي الذي لا يكترث إلى بشؤونه اليومية وعمله، وآخر تضرب عروقه في التاريخ العماني ويتذكر عهد الإمامة وانهيارها لكنه  منفصل عن القيم ويعيش في تفسخ رغم اعتزازه بتاريخ الوطن والأسرة، ومنهم الموظف الذي يعيش واقع الوطن لكنه انتقل إلى الخارج لفترة قصيرة ومكنه ذلك من خلق المقارنات واكتساب المعرفة الناقصة التي يحتاجها، ومنهم الفتاة المتفتحة بنت المناضل التي تحيا حياة غربية في شكلها وتحمل معها عمق عُمان وحنينه لكنها ترفض أن تعود إليها.

كرستينا سعيد تلك الفتاة الجميلة البهية الشهية الناجحة في عملها التي تربط بين كل شخصيات الرواية وتجمعهم حولها وتهتم بشؤونهم وتراعي مشاعرهم فهي كالأم في احتوائها لأبنائها وهي كالوطن الذي يجمعهم، ورغم أنها فتاة جميلة يحبها الجميع إلى أنها ترسم لنا أكثر من صورة في الرواية فلو تجاوزنا المشاعر العاطفية بين البشر سننظر إلى كرستينا على أنها عُمان الوطن الذي من الواجب أن يأوي إليه الجميع وعليه أن يحتويهم، أو ننظر إليها بمعنى آخر يرسمها كالحلم الذي يتمنى الجميع أن تكون عليه عُمان جميلة بهية أنيقة ناجحة يحبها الجميع وتحتوي جميع أطياف المجتمع دون تمييز أو عنصرية.

في واقع الرواية كرستينا هي الرابط بين أجزاء الرواية وشخصياتها فهي ابنة المناضل سعيد علي الذي عاد للوطن بعد أن اقتنع أن المبادئ التي قامت عليها ثورة ظفار لا يمكن أن تتحقق في منطقة الخليج ثم اقتنع أن القيادة الجديدة في البلاد تريد أن تبني مستقبلاً يشارك فيه الجميع، عاد للوطن وأصبح ذا منصب رفيع يرتبط مباشرة مع السلطات العليا ليعيش في ترف القيادة ويبقى هاجس التغيير الذي يعود به للماضي موجوداً في خفايا نفسه حتى يكتب مذكرات الحرب لابنته، وهذه الشخصية تحمل رمزية خاصة في الرواية فهي التي تقع عليها كل مسؤولية التاريخ القريب وحرب ظفار.

سعيد قيصر لا يمثل شخصية عادية في الرواية فقد وضعه الكاتب ليخط مسار الرواية والاتجاه الذي تسير فيه وهو الشخصية الوحيدة في الرواية التي خرجت من الوطن تحمل الآمال المدمرة ونظر إلى الصورة من الخارج وعاد للوطن ليسحق كل طموحه ويسترجع ذكرياته العاطفية الميتة ومن خلاله وضع الكاتب المشاهد المنعزلة في  كمشاهد سينمائية منفصلة يلقى الضوء من خلالها على حدث معين كنقطة تركيز يقف عندها القارئ ويتخيل المشهد ويستنتج من خلاله ما حدث وما يمكن أن يحدث، وسعيد قيصر يعتبر هو الأكثر ارتباطاً بالوطن ينظر إليه من خلال معالمه ويزرع فيه آماله التي يريد من خلالها أن يحقق ذاته، دون جدوى، وتبقى في المخيلة كرستينا كما آماله المعلقة في الوطن البعيدة المنال، وبه ختم الكاتب روايته أن يتركه يكتب “الحرب” دون أن يحدد نوع الحرب ولا زمنها، وتنتهي الرواية والقارئ يفكر حرب التي سيكتب عنها سعيد قيصر.

سعيد زاهر التاريخ والحاضر، وجدت في ملامح شخصيته الكثير من التناقض المناسب للعمل من حيث وضعه الاجتماعي وثرائه ونسبه العريق الذي يتصل بنسل الأئمة، ورغم أنه يعشق كل شيء عريق إلا أنه لا يريد عراقة الوطن وأيضاً لا يريد أن يتخلى عن عراقة النسب، وهذه الشخصية لا تأتي من انفصام لكم في معتقدها أن الوطن مما كان جميلاً فهو لا يعطيها مستوى الحرية والانفتاح اللامحدود التي تصبو إليه فتبنى الهرب من فكرة العودة وتمسك بأصالة الوطن في غربته، والتناقض يكمن في تصرفاته التي لو حدثت في الوطن لأصبحت شاذة أو مستنكرة.

سهيل محاد، يمثل الأغلبية الصامتة التي لا ترغب في الحديث يعمل ويلهو بأي شيء ليضيع وقت الفراغ دون أهداف زائدة أو طموحات جارفة، نمطية الحياة تملؤه فلا يفكر في المزيد وهو مقتنع أنه بخير، ومن وجهة نظري هو يمثل الشعب البسيط الذي يسير خلف رزقه ولا ينظر لأكثر من ذلك فإن حصل له خير ولا يطمح بالمزيد وإن حصل شر أوى إلى جحره ليتقيه.

عيسى صالح، كل تراكمات الوطن بحروبه ونزاعاته وتصادماته ومعاركه، تحمل كل تبعات الهزيمة فاختلطت كلها فيه معنويا وعاطفياً ونفسياً حتى فقد قيمة الإحساس وأصبح يضع الحب في مكان مخالف لحقيقته، يحب كرستينا وفي أعماقه تسكن امرأة أقدم وأعرق منها كانت في البعيد هي الأمل والدافع وهي الرجاء، شخصية مدمرة لا تستطيع أن تحمل تلك الشظايا المتبعثرة من التاريخ والأزمات فتتناثر نفسه في كل الاتجاهات ولا يجد وطنناً يأويه، فيعيش في الضياع يبحث ويبحث حتى يكتشف أنه وحيد.

عندما تناقشت مع الدكتور محمد اليحيائي ذكرني بشخصية هامشية في الرواية كانت تعمل في الظل كان لها تأثير في شخصيتي الرواية المهمين زوجها سعيد قيصر وبنتها كرستينا سعيد، أخبرت الدكتور أنه وضعها كشخصية متوارية في الرواية وكأنه لا يريد أن يلتفت لها أحد، فلم يخالفني الرأي لكنه لفت انتباهي إلي تأثيرها فملامح التغيير التي أحدثها على تلك الشخصيات التي عايشتها كان يحمل التغيير ويحمل أيضاً نظرة المستقبل.

لا أستطيع مهما حاولت أن أكون فكرة واحدة صلبة في الرواية فكل شخصية وكل حدث في الرواية حين أنظر إليه يتشظى في مخيلتي ويخلق تفسيرات كثيرة لحدث أو شخصية في العمل، وواقع الرواية يدفع بهذا الاتجاه فتشظي السرد الذي نثره الدكتور بين دفتي الكتاب يساعد على خلق تفسيرات متعدِ لكل شخصية، ونتائج متباينة لكل حدث، فكرستينا نظرت إليها أنها وطن بينما لا يعتبرها الدكتور اليحيائي كذلك، ولنقس على هذا الأمر الرواية كلها.

قراءة في رواية ” امرأة الضابط الفرنسي” للكاتب جون فاولز ..

لن أتحدث عن الأسلوب السردي في هذه الرواية ولن أتحدث عن الحبكة الروائية ولن أتحدث عن القصة التي تحتويها، فهذه الرواية نوع مختلف من الروايات التي قرأتها، نوع يقع بين التخمين والتوقع والمفاجأة والكاتب السيد جون فاولز، عرف كيف يضع القارئ في تصور مشهد ثم يقلب الطاولة رأساً على عقب فيعيد المشهد بشكل آخر تماماً.

توجد قصة في الرواية ويوجد زمن وتوجد شخصيات، والشخصيات هي العنصر الأهم في في الروايات لكن في هذه الرواية لهم أهمية خاصة حيث تشعر بتأثير الشخصيات على الكاتب بشكل قوي وحضور مؤثر في تصورات الكاتب لروايته التي يطرحها، فالشخصيات تلعب دوراً مختلفاً عن دورها في الروايات النمطية، فالكاتب كما يقول ويقول غيره من الكتاب أن الشخصيات يخلقها الكاتب لكنها حين توجد تظل في رأسه ويصبح تأثيرها فيه أقوى مما نتصور، لكن الكاتب لم يجعل ذلك التأثير خفياً بل صرح به في مشاهد كثيرة في الرواية وخصص الفصل(13) يتحدث فيه بالكامل عن هذه النقطة بالتحديد ورغم أنه أخرجني من صلب حكايته إلا أنه رسم لي صورة التأثير القوي للشخصيات فيها وأنه سيجعلها ترسم أدوارها دون تدخله، وإن تدخل ستمسح ما كتب لتكتب هي النهاية التي تراها مناسبة.

وهذا بالفعل الذي حدث فكثيراً ما يقف الكاتب ويقول إن هذا الحدث تصورته هكذا لكن الذي حدث مختلف تماماً وكأنه يرى مشاهد أمامه لشخصيات تتحرك وتخلق واقعها بمنأى عنه، ينهي الرواية في الفصل (44) بشكل كلاسيكي إلى أنه يتهكم علينا ليضع أحداثاً أخرى وتصورات أخرى ثم يعود ويضع المشهد الأخير في الفصل (60) لكنه يضع التصور الأكثر إيلاماً في الفصل الذي تلاه ليرسم المشهد الأخير بشكل مختلف.

لعب الروائي لعبة التصورات والتخمينات، فما فعله كان يجبرني على أن أخمن ما سيحدث، ويجعلني أيضاً لا أصدق ما يقوله حتى يقول لي أن هذا ما حدث، فتدخله بشخصه وسط السرد جعلني أنظر إليه كشخصية موجودة في الرواية لكنها غير مرئية.

تحاكي الرواية نهايات العصر الفيكتوري وتوضح الاختلاف المجتمعي المتباين بين الريف والمدينة وقدرة الريف على الحفاظ على النمط وتكريسه بشكل يجعله إلاه لا يجرؤ أحد على الاقتراب منه، وما يحدث في المدينة ومن محاولات تغيير متكررة، كما تصف الشخصيات الفيكتورية وصفاً دقيقاً وقوياً بحيث أن الكاتب يضع حدثاً ثم يقول لك إن نمط التفكير الفيكتوري لا يسير في هذا الاتجاه وهذا يدل على أن الكاتب حضر جيداً للرواية ودرس العصر والمجتمع بشكل جيد.

ربما يكون هذا التصرف من السيد جون، ناتجاً عن تركيبات وأحداث كثيرة، فحين يعشق الكاتب روايته ويتعمق فيها تصبح هناك تقاطعات في أفكاره فيكون لديه أكثر من تصور لكل فعل فيقارن بين التصور وواقع الرواية وهنا تكون مهارة الروائي بحيث يختار المشهد الذي يواكب نمط الشخصيات وظروف الزمن، ورغم أن الكاتب لجأ في أكثر من موضع لحدث ثم غيره بشكل مختلف فقد أقحمنا بشكل قوي لا في الرواية والشخصيات فقط بل في نوع تفكيره وتصوره لذا طرحت فكرة أنه موجود ضمن شخصيات الرواية لكنه شخصية مختفية تظهر حين تسير الأحداث بشكل مخالف لعصرها.

رواية ممتعة جداً بالنسبة لي لكنها ربما لا تستهوي البعض الذين يريدون أن يقرأوا رواية نمطية، تقع الرواية في 488 صفحة من القطع الكبير أنصح بقراءتها.

قراءة في كتاب “ذات” للكاتبة فلونا عبدالوهاب

أنا في غرقٍ منذ أن قلت أحبك ..

غارقة في الاحلام ..

في عمق صحراء عينيه ..

في خطوط يديه البعيدتين ..

التي لا أتشبث بغيرها .. رغم الضياع .

هنا وقفت لأدرك أن ما أقرأه ليس خواطر يكتبها البعض ليفرغ شحنة عاطفية طغت على شعوره، بل معنى أعمق مما تصورت حين أمسكت ذلك الكتاب النحيف بصفحاته الثمانين فأصبحت أدقق في كل جملة وأعيد قراءة الفقرة أكثر من مرة وبصوت عالٍ، لم يعجبني الأسلوب وحده بل وجدت شيئاً أجمل وهو عمق الشعور الذي كتبت به تلك الفقرات.

يذكُرها في ركن المقهى، يراها في كل كتابً أول صفحة، يحتضن نفسَه تحت المطر ليراقصها.. لا يتأخر عن جواب رسائلها .. 

تتدفق الصفحات بهذه السلاسة والعذوبة لتجرفك عبر أمواج المشاعر دون أن تشعر إلا بنهاية ذلك الكتاب الصغير في حجمه الجميل في معناه فهو يمثل عنوانه حرفياً “ذات” لذا أرفع تحية للأستاذة فلونا عبدالوهاب فمنذ زمن لم أقرأ هذا الشعور الجميل والمؤلم ..

قراءة في رواية “الغابة النرويجية” للأديب الياباني هاروكي موراكامي

أتذكر جيداً متى اشتريت هذه الرواية، ورغم أني اشتريتها استغرقت الكثير من الوقت لكي أفتحها وابدأ في قراءتها، لكن كنت مدركاً أنها رواية جميلة ستعجبني حين اقرأها، وبالفعل ما إن بدأت في القراءة لم أتركها حتى انتهيت منها، ثم عدت وأخرت كتابة المقال الخاص بالرواية لأكثر من أسبوعين، ولا أدري لماذا فعلت ذلك؟ حتى هذه اللحظة التي فتحت الكمبيوتر وشرعت أكتب.

تستطيع أن ترسم شكل المجتمع الياباني من خلال شخصيات الرواية ضمن الزمن المحدد لها بشكل واضح فشخصيات الرواية من الوضوح بحيث ترى شخصية مجتمع مختلفة بشكل حقيقي عن واقعك وقيمك وأخلاقك، ولا أقول ذلك لكي أنتقد الرواية، بل لأنه ساءتني الألفاظ البذيئة التي تخللت السرد والتي طرحت على لسان الشخصيات النسائية في الرواية، مما خلق لدي انطباع بأن المرأة اليابانية وقحة بذيئة اللسان، ولا أظن أن هذا التصور صحيح على الإطلاق، فلكل مجتمع قيمه وأخلاقه، ربما تكون الشخصيات النسائية في القصة متطرفة جنسياً، أو أن الكاتب أراد أن يصف مرحلة معينة كان فيها التحرر سبيله الجرأة والوقاحة في مسألة الجنس.

دعونا من كل هذا فالرواية جميلة تصف رحلة طالب يعاني مشكلة نفسية تحصره في شخصية صديقه المتوفى، حتى إنه لا يستطيع أن ينتزع نفسه من ذلك الوهم فيحب حبيبة صديقه ويخلص لها عاطفياً لكنه لا يستطيع أن يخلص لها جسدياً فيقيم علاقات عابرة مع فتيات شتى دون الالتزام بعلاقة ثابتة إلا مع تلك الفتاة الرمز التي كانت عاملاً مشتركاً بينه وبين صديقه المنتحر، تستمر محاولاته أن يجد له مكاناً في قلب تلك الفتاة التي تعتبره هو أيضاً العامل المشترك في حياتها والعنصر الذي لا تريد أن تخسره بعد أن انتحر حبيبها، فتشكل الرواية صورة معكوسة من المشاعر بين شاب وفتاة يعيش كلٌ منهم الأوهام نفسها، لكن الفتاة في النهاية لا تستطيع أن تتغلب على الذكريات فتقيم في مصحة ثم تنتحر، ويبقى الشاب في حالة من فقدان التوازن.

هناك ثلاثية ذكرت كثيراً في الرواية، الحب والجنس والانتحار، المشاعر تدور حول تلك الأمور، كتبت بإتقان يجعلك تندمج بأحاسيس الأبطال وتستطيع أن تقييم حالتهم، بل وتخلق المبررات لكل شخصية إن أردت فالتفاصيل مهمة حين تكون مرتبطة بالعاطفة والمكان كذلك، الألم والحزن والعزلة أمور تستطيع أن تعيشها خلال قراءة الرواية التي كتبت بمهارة عالية.

تقع الرواية فيما يقارب الأربعمائة صفحة من القطع المتوسط أنصح بقراءتها لمن هم فوق الثامنة عشر.

قراءة في كتاب “رواية السيدة التي سقطت في الحفرة” للكاتبة إيناس حليم

أنا سقطت في حفرة وأنا أقرأ هذه الرواية، وأنت لا بد أن تسقط في حفرة كما سقطت شخصيات الرواية في حفرها الخاصة، فكل إنسان له حفرة إما يسقط فيها بإرادته أو رغماً عنه، حفر تكمن في صدورنا تبلعنا بالكامل في لحظة ما، لا نستطيع أن نتحكم فيها بأنفسنا، تحفرها الحياة على مقاسنا.

“سقطت في الحفرة وغابت” سيدة في مدينة البحر الإسكندرية ابتلعتها الأرض يروي كل شخص حكاية مختلفة عنها فتمتزج الحكاية “الحقيقة” بالأسطورة والخيال والوهم، شادن تتوه بين الأطراف تبحث عن الحقيقة وتصدق الأسطورة وتطارد الوهم، وتستسلم لأقلامها حتى ينكسر آخرها على صفحة النهاية التي لم ولن تكشف حقيقة السيدة التي سقطت في الحفرة، لكنها تخلق حفرة بحجم كل شخص في صفحاتها وشخوصها، حفرة تجعلك تبحث عن حفرتك الخاصة التي تخاف أن تنظر إليها لكيلا يبلعك الظلام فتغيب كما غابت ميرفت.

بالنظرة المعكوسة للعالم التي رسمت في بداية الرواية، الفتاة التي تعلق قدميها على الجدار وتقف على يديها وتنظر إلى العالم بالمقلوب تستطيع أن تعرف أن الخيوط في تلك الرواية متشابكة مع تعقيد ناعم يشبه نسيج الصوف الذي تخلفه أبر “التريكو” فترسم دوائر ومربعات، تمائم وممرات مظلمة تختفي خلفها حقائق أو أوهام ساذجة نرى منها جزءاً من المشهد، أوهام لا ترقى أن تكون حقائق لكننا نسعى ورائها لنبحث عن المجهول في سطور الرواية نتتبع الخطوات، ندخل البيوت، نقابل الأشخاص ونحاورهم مع تلك الفتاة الحائرة التي تبحث في حفرة عن سيدة عملاقة اختفت.

تغرق الرواية في التفاصيل الصغيرة والوصف الدقيق، في الأدراج المغلقة في النقاط السوداء التي تتسع ويختبئ تحتها كل ما نخافه، بالفعل كنت أبحث وأنا أقرأ الرواية عن الحفرة التي سقط فيها كل شخص مر ذكره، ثم بدأت أبحث عن حفرتي وحفر من حولي، وارفع القبعة للكاتبة إيناس التي خلقت فراغاً في الرواية لكي يسأل القارئ نفسه أين حفرتي.

ربما لا يحب البعض كثرة التفاصيل في الرواية وكثرة الأساطير، لكنها تُكون حقيقة الاعتقاد لدى البشر حين يعجزون عن تفسير حادث ما لا يجدون له مبرراً أو لم يتمكنوا من معرفة حقيقته فيلجؤون إلى تبريرات تخرج عن الواقع ويستغل الموقف أصحاب الأهواء ليصلوا للشهرة ويتسلقون الحوادث.

رواية شيقة تقع في 311 صفحة أنصح بقراءتها.

قراءة في كتاب رواية الحرب لـ د. محمد اليحيائي

قبل أن أقرأ هذه الرواية توقعت أن أجدها عميقة وتركيباتها تخرج عن المعتاد ولم يخب ظني حين بدأت، فحين تقرأ رواية للدكتور محمد اليحيائي يجب أن تتوقع أنك ستقرأ لشخص يُخرج المعاني من الأعماق وينقلك بأسلوبه الفلسفي بين مواقع مختلفة وأزمنة وشخصيات متنوعة ولا تتوقع أن تكون روايته مجرد سرد لأحداث منتظمة، بل يكون السرد في أفق متحرك بين شخوص الرواية وأحداثها.

الحرب هو الموضوع، ثورة ظفار بما حملته من أثقال ومن قيم ومبادئ لم تتحقق على الأرض، التمرد على الواقع الذي نبتت أفكاره في الداخل ثم تشعبت ليوجهها الخارج لتفقد بذلك الكثير من قيمتها ومعناها الذي قامت من أجله، التغيير في الفكر والتغير السياسة وتصادم أفكار الثوار هي الأسباب التي قوضت الدعائم الأساسية التي قام عليها الثورة في الجنوب وجعل المحاربين يتصادمون بين الواقع المحلي والواقع الإقليمي هل يغيرون النظام في عمان أن يغيروا واقع المنطقة بأكمله، متناسين أن المواجهة لم تكن مع نظام منعزل، بل نظام تحاول القوى الفاعلة الكبرى حمايته بكل الوسائل.

وحين يفقد الإنسان البوصلة يتوه في أفكاره وهذا ما تجسد بشكل واضح في شخصيات الرواية فمنهم من يعيش أوهام الحرب ومنهم من تخلى عنها وانتقل إلى صف السلطة ومنهم من رفض الواقع الداخلي وخرج ثم أخرج من جوفه كل ما ينتمي إلى الماضي ليعيش حياة لا تمت لانتمائه القديم بصلة، وآخرون كانوا متفرجين يبحثون عن الحقائق التي لم يستطيعوا أن يقدموها للأجيال لتعرف القصة كاملة، وتستمع لطرفي النزاع بشكل محايد.

تحار وأنت تقرأ من هي الشخصية الرئيسية في هذا العمل، هل هو سعيد صالح أو سعيد قيصر أم هي كرستينا سعيد أم والدها سعيد علي، ستكتشف أن البطل الحقيقي في الرواية هي الحرب بكل ما حملته من أفكار ومبادئ وبما تعنيه من تمرد أراد أن يكسر الطغيان ويحقق الحلم، الحرب بما حملته من كوارث على أصحابها، وفعلته في المزاج وما قتلته من أمل، المحور الرئيسي الذي يربط جميع الشخصيات والأحداث هي الحرب التي جرت في الجنوب وكانت تحمل أفكاراً أكبر من الواقع ولا تنتمي لتلك الأرض، فتكسرت بن التغيير السياسي وبين ردة الفعل العنيفة والأطراف التي وقفت في مواجهتها وضعف الأطراف الداعمة لها.

ستكتشف أن الأمل في التغيير باقٍ في النفوس لكنه لم يتبلور بعد، الألسنة ما زالت مربوطة بأعراف وقوانين وخوف يقيد العقول التي تريد أن تطرح مشاكل المجتمعات الخليجية بشكل صحيح وتبحث عن حلول حقيقية تجعل تلك الدول المشتتة كيانات لها أنظمتها التي تحترم مواطنيها وتبني مستقبلها بشكل صحيح تندمج فيه كل المكونات وتُطرح من خلاله كل الأفكار دون خوف.

استخدام ذكي للعاطفة من قِبل الراوي زاوج بين العاطفة والتردد بين البقاء في الوطن والرحيل، ولن يكتمل الشهد أمامك، بل يبقى مبتوراً يحتمل كل التوقعات، كما النتائج التي أنهت الحرب وأبقت احتمالات تجدد الثورة وتجدد الغربة والمعتقدات، لكن الحب كما الأمل في النفوس لا يرحل ولا نهاية له.

المتعة التي ربما لا يتقبلها البعض هي تباعد فصول الشخصيات، فهناك أبطال حضروا بقوة في البداية ثم غابوا بين أبوابها كهوامش ثم يعودون بعد أن يظن القارئ أن دورهم انتهى أو أنهم كانوا مقدمة تمهيدية للدخول لعالم الرواية، وكذلك بعض المشاهد التي تخرج عن سياق الرواية كمقال يصف مطعماً إيطالياً، أيضاً العودة إلى البعيد في حرب سابقة بين الإمام والسلطان لكن تلك المسافات الخارجة عن النص تعتبر دمج لواقع الشخصيات في المشهد القائم الذي يرسمه الراوي كمشهد عام.

الرواية ممتعة وعميقة وتحمل أسلوباً متميز تقع في 360 صفحة وأنصح بقراءتها بشكل عام والمهتمين بالشأن العماني والباحثين في التاريخ السياسي لمنطقة الخليج على نحو خاص.

جلسة نقاشية ..

قراءة في كتاب رواية “ناريا” للكاتب حسن علي أنواري

عندما تقرأ رواية ناريا للكاتب حسن علي أنواري، تتصور لأول وهلة أنك تقرأ رواية خيالية، على عكس الحقيقة التي تكتشفها بعد بضع صفحات أنها تحاكي الواقع بمنطق الخيال، وأحداثها التي تجري تسقط بسرعة في مخيلتك على أحداث جرت من فترة قريبة، عايشها الكثيرون، تكتشف أن ظل الله في الأرض موجوداً بيننا وقادة جيشه ومخابراته يمثلون الحقيقة التي نحاول أن نتجنبها في الواقع.

النهر الفاصل، الهزائم والانتصارات، يستطيع القارئ أن يضع لها تواريخ ويسميها، لكنه يجد في النهاية الدرامية التي نسجها الكاتب تصورات أخرى، تنبت في عقله مع مشهد قتل “نحسو” بطل الرواية، أن الدكتاتور يمكنه أن يضع يده بيد عدوه لكنه لا يستطيع أن يضع يده بيد شعبه، وأن الكلمة التي يقولها العقلاء من الشعب هي مصدر القلق الأكبر لدي أي دكتاتور، وأن الدين أصبح لعبة يستخدمها الساسة للسيطرة على الشعوب، ورغم هذا التصور المتشائم، ستجد مبدأ مهماً،  أن الأفكار الصحيحة لا بد أن تصل للشعوب وتحقق أهدافها لا محالة، طال الزمان أو قصر.

الرواية سلسة بشكل كبير، لدرجة أنك تعتقد في بعض المراحل من القراءة أنها رواية للناشئة، لكنها تتعدى هذا التصور، حيث إن إسقاطات الأحداث على الواقع أعمق من أن توضع في نص يخاطب الناشئة وحدهم، بل يخاطب شرائح مستسلمة ومغيبة.

الفرق بين كتابة التاريخ والرواية الخيالية التاريخية، أن بها منطقاً أدبياً يستطيع أن يتسلل للقارئ نفسه بسلاسة تجعله ينظر إلى الحدث من ناحية أدبية أو درامية وتفتح له مجال الخيال ليعيش الأحداث أو ينقلها لواقعة، أو يسقطها على أحداث وقعت بالقرب منه منذ فترة، وهي أسلوب فعال يستخدمه الكتاب العرب للهرب من مقص الرقيب والأجهزة الأمنية.

صدرت عن دار أبجد

http://www.ebjed.com/single.php?view=1091