سهامٌ ودروع

عن الرحيل أكتب ولم أصل لمعنى واضح هل يعني رحيلي أم رحيلها؟ فكلنا رحل لما يريد وكلانا يحمل داخله سبباً يحميه ليدافع عن نفسه ويضع دروعه لتقيه السهام، تلك الأسئلة التي يلقيها من يعرفنا عند اللقاء تصيب مقاتلنا دون قصد وتحيي فينا ضعفنا الذي نخفيه خلف الإجابات المترددة والغريبة التي نقولها، تهتز دروعنا ولا نتخلى عنها مؤمنين بأننا لا نريد أن نعود سوياً ويبقى السؤال الذي لا توجد له إجابة من المخطئ؟

من تخلى عن الآخر ورحل، وهل للرحيل ملامح تصفه غير الأسئلة التي تضع حدود العلاقة بين سهمٍ ودرع؟ بين لما وهكذا؟ وتموت الرماح وتثقب الدروع عندما نجلس في وحدتنا نسترجع الذكريات التي تطل رغماً عنا من ثنايا الذاكرة لتلك الكلمات واللمسات، حينها فقط ندرك أننا كاذبون نلبس ثياب النزاهة لنبرأ أنفسنا من الخطأ الذي نتج عن خطأ ومن الحب الذي نتج عن لقاء ومن الجرم المتمثل في الرحيل، كلانا طعن الآخر ورحل وعلينا أنا نعالج أنفسنا منفردين هذه المرة وننسى أننا كنا نقف سوياً في كل المواقف السابقة.

أنا، حينما كنا سوياً كانت الأنا تجمعنا فأناتي أنتِ جزء منها أرسم نفسي فتوجدين بجواري دون أن أشعر أن رسمي انعكاس لصورتك التي زرعت فيني، زرعت معي في قلمي وفي عيني وفي تلك الضلوع التي تحن لتلك الملامح التي يحددها الجسد وذكرياته، حينها كنت أجد الطمأنينة تتدفق للضلوع المرتعشة فتهدئ ولذلك القلب الضعيف فيقوى، فأبدي بعد ذلك الاستقرار كل الشجاعة واقتحم عوالمك المجهولة دون تردد.

الرحيل ينتزعنا وينتزع منا، يأخذنا بعيداً ويأخذ منا، ويضع النقطة في نهاية تلك الفقرة من حياتنا، لكن النقاط لا تعني النهاية والفواصل لا تعني الطعون، فالألم لا يرحل بالغياب والذكريات لا تمسحها المسافات، عند كل رحيل نفقد جزءاً ينتزعه الآخر ليحتفظ به في خزانات الزمن، وأنا انتزعت تلك القطعة ومعها مساحة من حياة عشناها لأستعيد منها الجميل والمؤلم.

لا تحزني ..

لا تحزني فما أنا إلا فُتات وشيءٌ من الذكريات وشيءٌ من الأمنيات، لا تحزني حين الرحيل وارحلي حيث الوجود، فأنا السأم المضجر والملل الذي لا يطاق وأنتِ الحياة، كل الحياة، يكمن فيكِ لون الزهور وعطرها ورحيقها فلا تذبلين بين أناملي البائسة، انطلقي بعيداً وأشرقي في فضاءات الهوى والنعيم، ولا تنظري خلفك فهناك كمٌ من البؤس لا تستحقينه دعيه يأكل بعضه وينتهي.

لا تحزني فما أنا إلا طيفٌ غريب مر من أمامك وداعب عطر مشاعرك، فدعيني أمر وأحمل ذكرياتي معي، لا تقلقي فالأطياف لا تحمل الكثير من الماضي لكنها لا تترك حسرته، فلما تحملين معي الحسرات، دعيني وانطلقي لآفاق الخيال وروعة الجمال ولا مانع حين تتذكرين أن تبتهلِ لأجلي قليلاً ولا تكثري من الابتهال فلا أستحق أن أنتزع منكِ الدقائق التي تزخرف وقتك وتزينه .

لا تحزني فأنا شيءٌ قليل لا يلبي طموحك وشيءٌ ضئيل لا يملأ عينيك فأغمضيها وسأتلاشى دون جهد، احتفظي بكحلك الجميل وسحرك عينيكِ البهية، لا تغرقي روعتك في تعاستي وانطلقي لتقطفي الكثير، الكثير من الحياة والأمل.

لا تحزني فلا يليق بكِ الحزن ولا الدموع فتلك اللآلئ الغالية التي تنحدر على وجنتيكِ مؤلمة لا أريد أن أراها وصدقي أني أحبك لذا أقول: أرحلي أهربي فعواطفي قيود ومشاعري أغلال وحبي سجنٌ مظلم يصعب علي أن تسكنيه ويصعب أن أراكِ تذبلين بين جدراني مكبلة.

لا تحزني حبيبتي، إن كنت أستحق يكفي أن تحملي معكِ بعض الذكريات الجميلة رغم أني أعرف أنها قليلة تذكرينها وابتسمي، لا تحزني لا تحزني.

كلمة..

ليست الكلمات مجرد حروف فصلتها مع النفس أكبر فهي تعبير عما نشعر به وما يدور في خواطرنا

فنكتبها لكي:

نعيش لحظة

نمجد لحظة

نخلق معها لحظة .. نعود بها لأشواقنا لنعيشها وفي النهاية يقولون إنها كلمة .. وهي كل التعابير والمشاعر والألم ، هي رسول .. هي سهم ، هي أنا وأنت.

اقدار ..

تجد الأقدار مراسيها على شواطئ أيامنا فهي تعرف أين تنزل وماذا تفعل

ليس في مقدورنا أن نتصرف في أقدارنا .. لكننا نستطيع أن نتصرف مع أقدارنا .. فنحمد ما هو جيد .. ونعالج ما هو سيئ ونعايش ما استدام.

الحكمة تتولد من الرَوية .. والتفكر .. ولا تتولد من التهور والاستعجال.

لنتحدث عن السعادة..

ماذا سنجني من السعادة التي نسعى ورائها لاهثين؟ ما الذي سنحتفظ به من الحب والغنى؟ نحن إلى زوال، وكل هذه الأمور لا بد زائلة ، فما نحمل من ذكريات هو مخزون شخصي في أغلبه لا يحمل همه المحيطون بنا، يبقى في خصوصيتنا الشخصية، الأسرة تحمل جزءاً من هذه الذكريات لكنه أقل والمحيط الاجتماعي يحمل جزءاً أقل مما تحمله الأسرة، وكلما اتسعت الدائرة زاد فراغ الذكريات وأصبحت ضعيفة لا تحمل قيمة مؤثرة.

الذكريات التي نحملها وتأثر فينا ونحن أحياء تضعف تدريجياً في مسافات الحياة التي تبتعد عن نقطة الذاكرة وتضعف مع مرور الزمن، فكيف بها حين يتلاشى الكيان الجسدي لحامل الذكرى، لا أظن أنها تبقى مع الرفات ولا يستطيع التراب أن يخزن ذلك الكم الهائل من الذكريات التي تعود إلينا من المجهول أثناء حياتنا التي نعيشها تحت تأثيرات متغيرة، التفاصيل الصغيرة التي تستطيع أن تشعرنا بالألم والحب والشوق والندم وليدة تركيبات نفسية وفسيولوجية معقدة تحدث نتيجة التفاعل في الجسد الحي ويترتب عليها الكثير من التصورات المقتبسة من أعماق الذاكرة، وفي حالة الموت تنقطع تلك التفاعلات بشكل نهائي مع تحلل الجسد.

إذا لماذا نلهث وراء السعادة في الدنيا؟ ونبحث عن البهجة والمتعة سوى أننا نريد أن نعيش شعوراً معيناً في لحظة معينة ووضع معينة لنحصد لذة محددة أو شعوراً، أحياناً تنتكس محاولاتنا لتصدمنا وتنقلب الذكريات التي كنا نأمل أن تكون سعيدة لذكريات تعيسة أو مؤلمة نحملها معنا طوال الحياة ولا نستطيع أن نتخلص منها.

لو فكرنا في اللذة بشكل عام أو حتى الألم الناتج عن المواقف سنجدها محدودة الزمن لا محدودة التأثير حيث إنها لحظات أو دقائق تنتهي ويبقى الشعور المتولد عنها فترة أطول من زمن الواقعة التي عشناها بالفعل، مثلاً لحظات السعادة تجعلنا نسير في مسار أطول من مسار الشعور الذي عشناه ذاته ومسافات زمنية أبعد، كأن نشعر بالسعادة بوجود إنسان معنا في لحظات معينة، يتولد من ذلك مسار زمني نكون حريصين أن نبقى مع الشخص بسبب تلك اللحظات التي تراكمت في ذاكرتنا كنقاط مبهجة تجعلنا نتمسك بالإنسان الذي فجر لدينا ذلك الشعور، حتى لو تغير ذلك الشخص تغييراً ملحوظاً لا يكون الاستغناء عنه بالسرعة التي مرت بها لحظات السعادة.

أيها المجهول..

أيها المجهول، تعبت أفكر في تفاصيلك لأجعل لك كياناً يمكنني أن أتعامل معه دون حيرة، رسمتك في مخيلتي إنسان لطيف وجشع يجمع التناقضات يخلق المحبة من لا شيء ويشعل النار في كل شيء، أردت أن أراك لكي أقتل الخوف من الجهل فأنا الجاهل الضئيل الذي ينظر إلى البعيد حتى يحترق بصره في أفق لا ينتهي يبحث عما رسم في عقله، يتوقع أن يرى ما يجهل ليطمئن ويكف عن التفكير وأنت تستمتع بحيرته وتخلق مجاهيل أكثر ليبقى بصره معلقاً في أفقك للأبد.

أيها المجهول، ها أنا ذا بين النار والجنة يسبقني اللهب حين أجري خائفاً وتبتعد الجنة حين آتيها راكضاً، فلا احترقت ولا تنعمت، بين رجاء وأمل أترقبك لتكشف لي المسافة بين النعيم والجحيم؟ وتعطيني أرضاً آمنة لأقف وألتقط أنفاسي دون خوف.

أيها المجهول، تعرف أني لا أكون إلى حين أبحث عنك في ثنايا الماضي ومساحات المستقبل، تلك الفراغات المطوية في سجلات التاريخ وتلك الصحائف البيضاء المنثورة في مستقبل الزمن، أنا بينهما بين ما كان وما سيكون، أردت أن أكشف المجاهيل وأفكك رموزها عللي أجد أحد الخيوط الذي يوصلني إليك فأمسكه بكلتا يدي وأسحبه لتراني أقف أمامك وأصرخ “لقد جئت إليك، لأكون أنا” بينك وبين الأفق أقف أحمل تلك الأسئلة الحائرة لأنثرها في وجهك وأقول لك “أجب”.

أيها المجهول، أنت كالسراب الجميل الذي يعلق الظمآن عليه كل آماله في الحياة حين يراه فيلهث ورائه وهو موقن أنه سيروي ظمئه القاتل ولا يدري أنه يسير لحتفه بإرادته والأمل يملئه، هل رأيت إنساناً يسعى لموته بسعادة مثل ذلك العطشان، هل رأيته حين وصل إليك وعرف أنك وهم لا طائل منه إلا الموت، حينها يضحك حتى انتهى مثل آماله التي احترقت في رحلة البحث عنك.

أيها المجهول، يكفيني من غيابك أنك دمرت تلك الأحلام التي صنعتها من جهلي وغبائي، والأوهام التي علقت عليها صحف المجد الكاذبة، وتلك الأمنيات التي كنت أرعاها لكي تنمو في حدائق الخيال الخصبة. شيءٌ واحد جميل أحمله كل وأشكرك عليه، أنك ساعدتني على أن أحرق الأيام في رحلة البحث لتمر بلا ملل قبل أن أرحل.

الغياب ..

لا تكن معي كالذي كان صاحباً ساحباً لي في الهوى حتى هوية فتركني أهوي في هواه، قد رآني في رباه مثل الغيوم السابحة مثل الندى قد كسوت الريح عشقي وغسلت العمر بوجدي ولم أجد وجد الهوى في الهاوية.

لم أعي أني على أطراف الزمان أبكي أياماً مضت لم تترك من الشَعر أسوداً، قد مضت وما زلت أمشي فيما مضى بخيالٍ خصب وأحلام تزخرفه وكأني طفل قد لبس العيد ثيابه ليرقص معه فأخذ العيد ثيابه ورحل.

لم يبكِ الطفل ثيابه، بكى الأمل في عيده الراحل، بكى حتى ذبل ومضى في طريق الذبول يسكب خمر عينيه، فتزهر شوكا جارحا بين الأماني فتمزقها أشلاءً.

لماذا يسحرنا الغياب بحزنه فنغيب بين الأنين والذكريات، يسحبنا عن واقعنا حتى نصبح أطياف بشر لا يعنيها الواقع؟ أشباحٌ نعيش خارج زماننا كأننا جئنا من المجهول، لنُمضي ما تبقى لنا من الحياة.

قراءة في كتاب “ذات” للكاتبة فلونا عبدالوهاب

أنا في غرقٍ منذ أن قلت أحبك ..

غارقة في الاحلام ..

في عمق صحراء عينيه ..

في خطوط يديه البعيدتين ..

التي لا أتشبث بغيرها .. رغم الضياع .

هنا وقفت لأدرك أن ما أقرأه ليس خواطر يكتبها البعض ليفرغ شحنة عاطفية طغت على شعوره، بل معنى أعمق مما تصورت حين أمسكت ذلك الكتاب النحيف بصفحاته الثمانين فأصبحت أدقق في كل جملة وأعيد قراءة الفقرة أكثر من مرة وبصوت عالٍ، لم يعجبني الأسلوب وحده بل وجدت شيئاً أجمل وهو عمق الشعور الذي كتبت به تلك الفقرات.

يذكُرها في ركن المقهى، يراها في كل كتابً أول صفحة، يحتضن نفسَه تحت المطر ليراقصها.. لا يتأخر عن جواب رسائلها .. 

تتدفق الصفحات بهذه السلاسة والعذوبة لتجرفك عبر أمواج المشاعر دون أن تشعر إلا بنهاية ذلك الكتاب الصغير في حجمه الجميل في معناه فهو يمثل عنوانه حرفياً “ذات” لذا أرفع تحية للأستاذة فلونا عبدالوهاب فمنذ زمن لم أقرأ هذا الشعور الجميل والمؤلم ..

غارقا في نفسي ..

غارقا في نفسي ..

http://ahmedalalawi-om.com/2023/05/08/%d8%ac%d8%a7%d8%a8%d8%b1-%d8%b9%d8%aa%d9%8a%d9%82-%d9%85%d8%b2%d8%a7%d8%ad%d9%85%d9%8c-%d9%8a%d9%82%d8%b8%d8%aa%d9%87/

لا شيء معنا نُكلل به نزق المساء ورتابة اللحظة، سوى الخيبة، والضحكات المنفلتة من هواجسنا اللاذعة”لم يبقَ سوانا يا جابر، لم تبقَ الزرقةُ معنا بعد هذا الغروب الشاحب؛ ذهبتْ حيث الليل، لترتاح  من يقظتنا، بقينا ننوس كسلًا على مسطبتنا؛ أين العابرون من هنا؟ كيف تواروا خلف الظلمة؟
 ولا شيء معنا نُكلل به نزق المساء ورتابة اللحظة، سوى الخيبة، والضحكات المنفلتة من هواجسنا اللاذعة.
هناك يا صاحبي خيط نوري، يُقسِّمُ الأفق، أنظر خيطَ خوفٍ وضياعٍ يُقسم مسطبتنا، نضحك، ونلف سجائرنا، نشعلها، وخلفها العالم يغور في عينك، تهتز من دخان الحروب، وتغضب من جلوسنا الطويل، الطويل. 
ألم تقل يا ابن عتيق: اللحظة المتشظية لا يعاد تشكيلها إلا على مسطبة، تُزاحم فيها رائحة التبغ سقفَ هذه الظلام؟ 
ها نحن هنا تحته نعدُّ خسائر المهزومين. كم مضى على الظلام؟ سألتكَ لكنك اتكأتَ وحدَّقتَ صوب أحلامك، تُعلق عينيك على صدر أيامنا، فوق مسطبة المتصوفة، وتسأل بعدها شاردًا: كم سيطول غيابُنا؟ وإلى أين تقودنا آمالنا الغريقة؟ 
نحن الذين اخترنا هذه البقعة، وهذا الانتظار الطويلَ الطويل الطويل، عبثًا نراقب الغيب، كما نفعل يومًا بعد يوم على مسطبتنا، عبثًا نُحملق نحو الأفق، ننتظر طلوع الذئب من قمرة اللاوعي؛ لنحاول استيعاب خيبة العالم، في آنية اللحظة.
تصرخ وتثور قفزًا، لستَ أنت وحدك ترمم الأيام، وتكتب وتعانق الأهواء، وتخسر؛ أصعدُ معك على ما تبقى من حجارة مسطبتنا، وأصرخ: “أنت معي”؛ مثل المتصوف يقاتل العُزلة بالنشوة؛ ليمضي إلى الوحدة.
أحمد العلوي 
AhmedAlalawi
الدوحة قطر، فبراير 2023

رد …
عزيزي لا شيء يبقى، فكل شيء محكوم عليه بالعودة إلى العدم، لا ألوان هناك ولا أشخاص فلا تستغرب أن تجرب بعض الذي سيحدث في المستقبل قبل وقوعه، فما نحن إلا ماء نثر على وجه الأرض ولا بد لنا أن نتبخر.

سنتذكر تلك الكلمات التي كنا نرسم بها المشهد كما كنا نرسم الحكايا، وكما نوجه بها الجدل والنقاش في لقاءاتنا المتتالية، نخرجها من أنفسنا العميقة، التي تسكنها الظلمة لنلقيها في الواقع، فتصرعه أو يصرعها، فندفن أحدهم، أو ربما تتصادم حين تخرج كلماتي من الأعماق، فتجابها كلماتك بدروعها وسيوفها، وتدور المعركة التي لا دم فيها، وتذكر أن الموت بلا دم نازف هو أقسى موت يمكن أن يعيشه بشر.

 حين تثور الحروب بين الكلمات يصبح للسيجارة معنى آخر، نشعلها وننفث دخانها وكأننا نخلق عواصف، ضبابٌ ودخان في ساحة المعركة، وحين تنزل الفوضى لعيوننا ننظر إلى بعضنا ونحن نرى المعركة، ثم نضحك على ذلك المشهد التراجيدي الذي خلقناه من العدم، سنتذكر كم من الكلمات ألقينا في فوهة الجحيم لنخلق بها واقعاً مختلفاً يمكننا أن نرسم من خلاله خيطاً من النور أو رائحة عطر تغير الحاضر، وتجعل الجميع يلتفت إلينا.

تمدد عزيزي على المذبح فلا خيار لك سوى أن تقدم نفسك قرباناً لآلهة لا تعرفها لكي تعبث بدمك، ستقول: تمدد أنت، سأخبرك حينها أني أعرف رائحة دمي فقد تمددت على مذابح كثيرة، لكنها للأسف لم تنجح أن تخلق لي النهاية المحتومة وعليك أن تجرب الشعور حين ترى الدم ينزف ليشكل دائرة حولك وأنت لا تتحرك، وأكثر من ذلك تعرف أنك لن تموت، فالمذابح مثل الفاكهة المحرمة ما إن تذقها مرة، تهوي للجحيم وتستسلم لكل المذابح التي تجدها أمامك.

 عزيزي لا أملك غير الأفق لأنظر إليه فالنظرات كلها غائبة عن الواقع وراء فكر مجنون يسيطر على عقل رجل بسيط، استطاع أن يخلق عالماً في داخله أعمق وذا أبعادٍ مختلفة، تحيطه أسوار وخنادق، ويقف أمامه جنودٌ لا حصر لهم ولا عدد، فيعود أدراجه لوهمه الجميل، لكنه في يوم من الأيام استيقظ ليجد أن كل أفكاره قد تحطمت وتهدمت الأسوار، ومات الجنود وأنه أصبح في الواقع، فرحٌ ورقصٌ وغنا، ثم اكتشف أن الواقع له أسوار أضخم وجنود أقوى وأقسى وأكثر، وأن الموت أخرج الشبح الذي يعيش بداخلي ليسيطر عليه.

أغلق عينيك عزيزي، وأستسلم لفكرة غبية واحدة لا تغيرها، الجمود رحمة لا ينالها إلا الأغبياء، لكنهم رغم غبائهم الذي يلومونهم عليه تكون أمامهم الأمور أبسط، فيقدمون ويبحرون، يخسرون ويضحكون كأن لا شيء قد حدث.

 لتصبح ابن العربي، سألبس الصوف من أجلك، ونجوب العالم بأقدامٍ حافية فالعالم لا يستحق أن نلبس له أحذية، علينا أن نطأه كما الخيول الجامحة لنترك أثرنا كندوب لا يستطيع أن يمحوها أحد..

jaberatiq

١٨ مايو ٢٠٢٣

سيدتي .. لا اجد نفسي ..

سيدتي .. لا أجد نفسي .. فما بين لحظة سكينة تمر تأتي اللحظة التالية لتضج وتصرخ دون سبب، ولا تعود اللحظات لاستقرارها الذي كان يغيب طويلا ويأتي قصيرا، قصيرا جداً.

سيدتي أقلب نفسي بين ماضٍ عشته في ألم وحاضر أعيشه ألماً، وبين بين أجد تلك النفس المضطربة تضج بماضيها وحاضرها تتمرد لكنها تنكسر، تصرخ لكنها تدفن صراخها في صدري فيئن معها في نوبة حزن عميقة، لا تنتهي سوى بنوم متقطع يزعجني أكثر من السهر.

تلك قهوتي التي تعرفينها سوداء كالليل، قهوتي في الصباح أيضاً سوداء لا يتبدل لونها ولا يتغير مذاقها مع النور، تلك القهوة  “أنا” بكل اختصار، لم يتغير فيّ شيء، لا زلت سيئ المزاج تائه الفكر مشتت.

سيدتي  وأكررها دوما، أنت سيدتي، أحدثك كما أحدث نفسي، احشوا الكلمات في المفكرات التي أملكها بندائي لكِ، وأعرف أنك لن تسمعي تلك النداءات الميتة ، فلا يصل صوت الموتى للحياة.

اليوم أنت تتلبسن عقلي بذكرياتك، نظراتك، ذلك الفستان الأزرق وتلك الضفيرتين القصيرتين، تلك الصورة عالقة في ذهني لا تغيب، كقهوتي سيدتي لا يتغير طعمها ولا لونها، كذلك فستانك وضفيرتاك لا تتغيران في نظري، البراءة التي جعلتني أخرج من كل شيء سيئ لتلقيني فيما هو أسوأ.

أعرف ومتأكد أنكِ تعرفين ما سأقوله حين أراكِ صدفة في أحد الأيام، أنا وأنت نعرف ما يقوله الصمت بين قلبين، كانا معا في صمتٍ جميل، والتقيا صدفة ، في وقت لن يحمل شيئاً من الجمال، أحدهما لا زال يحب، والآخر ربما كان كذلك، لكنهما لا يريدان أن يلتقوا في صمتهم كالسابق.

خيال..

أنا هناك أتربع على وسائد الريح وأرحل فأطأ الرؤوس العالية واجمح بين الصبا والمشيب فلا عمر للخيال ولا حدود، أضع كل قدم في قارة وكل فكرة في محيط وأقرأ النجوم والكواكب ككتابٍ مفتوح ..

لا تفكر ..

لا تفكر .. كثيراً فكثرة التفكير تنقلك لمسارات لا يمكن مغادراتها، لكن حين تفكر وتجد نفسك وصلت لنقطة توقف أبحث وأقرأ لكي تستمر في التفكير من منطلق صحيح فمجرد التفكير دون معرفة الآراء الأخرى يجعلك تدور في فلك واحد لا تخرج منه، مع الاطلاع والبحث تنتقل من فلك إلى فلك آخر ومن أفق لأفق، الاطلاع سيمنحك خبرة الآخرين ويطلعك على تصوراتهم فتنظر إلى الأمر الذي تفكر فيه من عدة زوايا وتراه من أبعاد مختلفة فتكتشف الثغرات وتبني أموراً صحيحة .

مساء الخير عزيزتي ..

مساء الخير عزيزتي: الرحيل هو الرحيل، أما أسبابه فتتوزع في اتجاهات مختلفة، لا أقول هذا الكلام لأبرر لنفسي أي تصرف لكني أقوله لكيلا تجهدي نفسك في تبرير أمور حدثت، الرجل يا عزيزتي يشعر كما تشعر المرأة حين يتغير المزاج ويتغير الجسد،  هناك لغة نخفيها دوماً عمن نحب، لكنه يشعر بها، لغة لا تُنطق، يشعر بها المحبوب، حين تتغير النظرات، وحين تختفي الأهمية، وحين تتغير رائحة الهوى، الجسد حين يقترب ممن يحب يكون منتشياً، وحين يقترب ممن يخاف ينكمش، حين يجد من يحب يتهيأ لاستقباله، وهذا الشعور الذي فقدته منذ فترة ليست بالقصيرة.

كنت أتابع التغير الذي يحدث في صمت، وأتتبع المواقف، وصلت لبعض التفسيرات، وتركتها على الهامش، كنت أعرف أني سأعود إلى الهامش لأنقب فيه، فمرحلة الرحيل عند الأحبة يا عزيزتي لا تحدث بين يوم وليلة، بل تمر بمراحل، لذا لم أستعجل، رأيت المراحل كلها، وفي النهاية أردت أن أختصر لكِ الوقتَ والجهد، فاختلقت المواقف التي تريدين لكي ترحلي.

كوني في سلام ولا تفكري كثيراً، فأنا في عزلتي التي أحبها، يصاحبني فنجاني وأقلامي وتلك الأفكار المجنونة التي تعرفين، سأنسج منها أشياء كثيرة، أشباحٌ وأطياف وقصص، سأكتب سأجعل للأوراق الرخيصة قيمة، ستقرئينها لا شك كما قرأت تفاصيل يدكِ عينيكِ، الريبة، الجفول، رسائل كتبت على جسد كنت أقرأها بوضوح، الآن لن أقرأ شيئاً من تفاصيلك، فالتفاصيل تكمن فيها الشياطين التي تخلق الأعذار الغريبة والمستفزة.

لحظة سكون …

جميل هي فترات السكون التي يشعر بها الإنسان عند انقطاعه عمن حوله وانعزاله عن العالم المحيط.. ليعيد اكتشاف ذاته .. أو يترك لنفسه العنان .. لتعبث بذكرياته.

على الرصيف ..

    يشغلني النظر إلى المارة في الشوارع والتأمل فيهم كلاٌ على حِدا، أتمنى أن أكتب شيئاً ذا قيمة في هذا الجانب، تلك المعاناة التي تتجسد في طفل يرجو المارة أن يعطوه شيئا، أمور كثيرة تحدث على أرصفة الطرقات تشغلني كلما جلست في مكان عام أتأمل المارة .