هناك أبطالٌ في كلِّ زمان، وهناك أناسٌ مغمورون لا يلتفت إليهم أحد، لكن حين ننظر إلى الأبطال، علينا أن نعلم أننا ننظر إلى رأس الهرم فقط، دون أن نرى باقي كيانه؛ فالقاعُ الأكبر في الهرم هم أولئك المغمورون الذين تخرج منهم ثقافةُ المجتمعِ العامة.
عندهم الأساطيرُ والخرافات، وعندهم البساطةُ والفقر، ونجد بينهم الصنائعَ والورش. حياةُ الشعوب لا تكمن في الأبطال؛ فربما يكتب الأبطالُ العناوين، لكن العامةَ هم من يكتبون المتن، ويصنعون الصورةَ المنمنمة التي، لو دققت فيها، لرأيتَ آلافَ الوجوه.
لنلقِ نظرةً مثلًا على لصوصِ القمّةِ والقاع. لصُّ القاع ربما يأخذ ما في جيبك، أو يسرق جهاز الهاتف، أو يتجرأ قليلًا ويقفز إلى منزلك ليسرق مما تدخر. أما لصوصُ القمّة، فيختلف الحديث عنهم؛ فهم لا يسرقون شخصًا واحدًا، بل يسرقون الجماعةَ كلها: مقدراتِهم، وأقواتَهم، وحاضرَهم، ومستقبلَهم. فلا يتركون لهم شيئًا إلا الكفاف الذي يُبقيهم على قيد الحياة.
كلُّ إنسانٍ يعمل على قدر إمكانياته؛ فاللصُّ الفقير يسرق ما يعتقد أنه يكفي، واللصُّ الغني لا يكتفي مما يسرق.
هكذا تكون النظرةُ بين القمّةِ والقاع. لذا، علينا ألّا نحصر نظرتَنا في الأبطال وحدهم، بل أن نرى المجموعةَ التي في القمّة، بمزاياهم وعيوبهم، بحميدهم وخبيثهم؛ فالقمة، كما تحتوي على الأبطال، تحوي اللصوص أيضًا.
ربما نظنُّ أن القمّة مكانٌ لشخصٍ واحد، ولكن لو دققنا النظر، لوجدناها تجمع كلِّ الرؤوس: رأسِ البطولة، ورأسِ الشجاعة، ورأسِ العلم، وكذلك المجرمين واللصوص. القمّةُ مكانٌ لكلِّ الرؤوس.
الكلمات متشابهة، فأنا أملك الحروف والمفردات التي تملكها، وهي هي الحروف نفسها، كلٌ منا يوظفها فيما يريد، ومنا من تخونه الكلمات في بعض المواقف، لذلك فلا فرق بيني وبينك سوى المهارة التي استعملها أو تستعملها أنت في تشكيل تلك الكلمات والجمل لنجعلها مقنعة، مؤثرة، حزينة أو مفرحة، يشاركنا فيها الخيال ونقرأ تعابير الوجه ونكتبها.
لنتفق على شيء، أن الكلمات موجودة لدى الجميع!! فما الذي يجعل الجملة التي تقولها أنت مؤثر أكثر من الجملة التي أقولها أنا، أظن أنه الذوق والأسلوب هما اللذان يحددان شكل ومعنى الجملة، الفقرة، القصة، المقال أو الموضوع، فهي مسألة ذوق وتَمكن، كما هي الأزياء أحدهم ذوقه راقٍ، والآخر جميل، وغيرهم لا يحسن اختيار ملابسه.
الذوق مهم، فهو الذي يعطي اللمسة الجذابة، لكننا لا نطلق كلمة ذوق على الجملة، بل نقول جملة متناسقة، أو فقرة محكمة، أو بيت شعر بديع، أو خطاب رائع، وكل هذه المواضيع استطاع أصحابها أن يشدوا انتباهنا بأسلوبهم الجميل في اختيار الكلمات المناسبة ليوصلوا ما يريدون دون أن ننفر منه، فهم أصحاب ذوق رفيع في اختيار الكلمات وترتيبها وتنسيقها وحبكها لذا فهم مبدعون ، أو ماهرون في الكتابة.
لا أريد أن أشبه الإبداع الأدبي بالأزياء أو أي نوع آخر من الفنون ذات الذوق الرفيع، أريد أن أرسخ فكرة بسيطة أنه يمكننا أن نوظف الكلمات بالشكل الذي يعجب الجمهور لكي نلفت انتباهه، والكثيرين يمكنهم فعل ذلك، والمعضلة لا تكمن في تبني تصورات الجماهير الأدبية، بل تكمن الصعوبة في أن أوصل الفكرة التي لا ترغب فيها أنت بشكل يجعلك تتقبلها أو يجعلك تفكر فيها من جديد بشكل مختلف عما كان عليه تفكيرك قبل أن أطرح تلك الفكرة بمنظوري الخاص.
الكثير من الوسائل يمكننا تعلمها في مجال الأدب، والكثير من المهارات أيضاً، كل شيء ممكن، الفرق أن المهارات التي تكون وليدة إبداع مترسخة بشكل أكبر وأعمق من المهارات التي تكتسب دون وجود سابقة لها في النفس، وكذلك التي نكتسبها دون تعلم حين نخضعها لوسائل التعلم تنتظم وتترسخ بشكل عميق يجعلنا نستخدمها بمهارة أكبر.
الأدب كالبحر، مهما أخرجنا من بطنه من كلمات وإبداع يستطيع غيرنا أن يستخرج منه كلمات أجمل وأروع مما أخرجنا، والمهم أن نتقبل ما يكتبه الآخرون، وننظر إلى جماله وما يحمل من إبداع، فالأدب لا يقف عند قلم واحد، ولا شخص واحد، ففي كل حفرة في الأدب ألم وجمال، نجاح وفشل، نتعلم ونعود لنكتب من جديد، ويعود الآخرون ليقيموا أعمالنا، ونقيم أعمالهم ونصفق جميعاً للعمل المبدع الجميل دون النظر إلى الأشخاص فقيمة العمل الأدبي تكمن فيه، وهي التي تميز صاحبه، أسماء الكُتاب لا تميز الأعمال الأدبية، بل الأعمال الأدبية هي التي تميز الكُتاب.
هيا نلعب، حتى يسقط الضعفاء، فنقتسم الغنائم، ونرقص على جثثهم، هيا نلعب بعقول الشعوب، لكي نسيطر على ما يملكون، فنحن كنا المحتلين، ونحن الحاضر ونحن من صنع تاريخ تلك الدول الغارقة في التفاهة وتظن أنها مستقلة، نلعب بهم لكي يروا أننا لا زلنا نسيطر عليهم، وننقلهم كالبيادق بين الرقع السوداء والبيضاء، فنحكم على من نشاء بالإعدام، ونولي من نشاء الحكم.
سنشعل لهم السماء بألعابنا، وتضل أعناقهم عالقة تراقب المشهد، في خوفٍ خاضعين، لكي يتجنبوا ألعابنا الخطرة التي كانوا يظنون أنهم يحسنون استخدامها.
هيا نلعب اللعبة التي نكررها كل عشر سنوات، فنشعل الفتيل، ونتركه مشتعلاً، ولا أحد يستطيع أن يقطعه سوانا، فإما أن نأخذ ما نريد عن طيب خاطر، أو نتركه يصل للبارود، فإن أطاعونا وأخذنا ما نريد، سنعطيهم بعض الألعاب النارية ليحرقوا بعضهم، ولن نتدخل، سنتركهم يتسلون بتلك اللعب حتى يملوا الموت.
هيا نلعب لعبة الأمم التي باعت كل شيء في الخفاء، وخزنت أموالها في البنوك، وحاكت مؤامراتها في الغرف المغلفة، نلعب لكي نكرس السيطرة، ونصنع قوانين جديدة، يعيدون من خلالها بيع ما تبقى من الأوطان، ودعهم يجمعون أموالاً أخرى غير تلك التي أصبحوا لا تعرفون مكانها، وسنساعدهم على نسج الأكاذيب الجميلة من أجل تمجيد العروش.
هيا نلعب، فلا إله في اللعب، ولا مساجد، ولا كنائس، فالألعاب لا يضع قوانينها الرب، ولا يبعث الرسل من أجلها، فتركوا الآلهة بعيداً عن ألعابنا، ألا تروا أن لا إله في الشطرنج، بل هناك ملك، ألا تعرفون أن الرسل جاءوا برسائل، ولم يأتوا بقنابل، ألم تقولوا أن الملائكة لا تحب الكلاب.
هيا، هيا، فكلما تأخرتم، تكون إمكانيات خصومك أكبر، فعليكم أن تلعبوا معنا من البداية، فربما تصلون للأدوار المتقدمة، وأنتم تعرفون بالتأكيد أنكم في النهاية ميتون، لكننا سنخلد أسماءكم “كأفضل اللاعبين الأغبياء”
على ماذا نريد أن نمشي، هل نختار أن نمشي على الحرير؟ أم الشوك؟ سنختار الحرير بلا شك، لكننا لا نسأل أنفسنا ما الذي سنتعلمه ونحن مترفون؟ وماذا سنعرف ونحن متعبون؟ هناك فرق كبير بين الترف والشقاء، بين التعب والراحة، هناك قيمة مفقودة في كلا الطرفين لا يمكننا أن نعرفها إن لم نجرب. اختر الحرير، عزيزي، فالحياة المترفة تعطيك ألقًا وبريقًا، لا تجدهما في حياة التعب والعناء، بل يجعلك تفكر في اظافرك، ولون بشترك، ومزاج عطرك، وستركب الفاخر، وتجلس على الوسائد، لتنعم بكل الراحة وتشرق، فتتكلم عطراً، وتتحرك كأنك في ماء بسلاسة، وكل هذا من حقك فأنت مترف . اختر الشقاء عزيزي، فالشقاء كدٌ وتعب، وأيادٍ خشنة، ورائحة عرق، وتفكير مستمر لا ينقطع في الغد، الرغيف له قيمة، والماء له طعم، والعطر يخبرك أن أحدهم مر بجوارك ولم يلتفت لك أو يقترب منك، التعب يلقي بك على الفراش فتنام كأنك في غيبوبة لا تستيقظ إلا بعد أن يسكبوا على رأسك الماء، أو تنفجر السماء فوقك، وتأكل كأنك لم تذق طعاماً قط، وكل شيء له قيمة في نظرك، وكل شيء له جهد في نظرك . لم تولد الأمجاد من الترف، ولا تولد من الحضيض ومن يخرج من الحضيض، يكون طامعاً في الدنيا ، ومن يعيش في الترف، يرسم الدنيا على هواه، من يأكل وهو متعب ينهم الأكل لكي يسد جوعه لا يفكر فيما يحتويه، همه الوحيد أن يجد طعاماً، ومن يأكل وهو مترف، يتذوق أجزاء الطعام، ويعكر مزاجه نكهة زادت عن الحد، من يمشي في تعب لعمله يصل مجهداً ليعاقبه مديره، ومن يركب الفاخر، يصل على مزاجه، وفي الوقت الذي يريد، ليرحب به الجميع . المجد يولد حين تتزن الأمور، بين الترف والحضيض، في هذه المساحة الضيقة، تولد مجموعة، تعرف قيمة الدنيا ، وتدرك قيمة العلم، وتعلم أن الحضيض مقبرة، وأن النعيم مفسدة ، مساحة بها أناس متزنون، حين يفكرون في الرقي يكون العلم وسيلتهم، وحين يفكرون في الربح تكون القيمة ميزانهم، تعيش هذه المجموعة بين الحضيض والترف، يسمونهم الوسطى، الطبقة الوسطى، غيابها يعني التدهور ونموها يعني التقدم.
علينا أن نطرح السؤال المهم، لماذا يعزف المجتمع عن القراءة؟ وعلينا أيضاً أن نبحث خلف هذا السؤال عن الأسباب الحقيقية التي تجعل مجتمعاً ما يعزف عن القراءة بشكل لافت للنظر، رغم وجود الكثير من المؤلفات التي يمكنه أن يستفيد منها.
لا أحد يملك الإجابة كاملة ولكل شخص اجتهاده في تخمين الأسباب التي تؤثر في رغبة المجتمع في القراءة والاطلاع وكسب المعرفة أو التسلية والاستمتاع فالقراءة ليست علماً فقط، فهي تحمل في ثناياها الكثير من المتعة والتشويق.
أحياناً لا توجد هناك قناعة لدى القارئ بجودة المؤلفات، وأحياناً لا تكون هناك قناعة لديه بالمؤلفين، وهذا السبب ربما لا يتناسب مع مجتمعنا فهناك الكثير من الأقلام الممتازة في كل المجالات، وأظن أن هناك سبب أكبر في هذا الأمر وهو أن الوسط الثقافي معزول أو بعيد عن المجتمع الذي ينتمي إليه، لذا لا يوجد تأثير ثقافي يمس المجتمع بشكل مباشر، ويثير حفيظته لكي يقرأ، هذه النقطة لها وجود قوي في مجتمعنا، لكنها ليست النقطة الوحيدة التي تسبب العزوف عن القراءة.
لا توجد مؤسسات ثقافية لدينا تروج للكتب بشكل مؤثر، وهذا ما يجعل الكاتب يجتهد ويروج عمله بنفسه، حين يكون العمل مؤسسياً تكون النتائج أفضل بكثير، فالمؤسسات الإعلامية والثقافية لها جمهورها من الأساس، كما أنها تنقب في الكتاب، وتبين مزاياه التي لا ينتبه لها القارئ من الوهلة الأولى، وهنا يبرز دور النقد؛ لأنه عملية تقييم فني ومهني لأي كتاب يصدر، فيعطينا دافعاً إما لقراءته أو تركه.
الندوات والمقابلات والحوارات التي يجريها المثقفون لها دور كبير في تشجيع المجتمع على القراءة، وتساعد على انتشار الأعمال الجيدة، والندوات والحوارات والمقابلات يجب أن تشمل كل وسائل الإعلام المرئية والمقروءة ووسائل التواصل الاجتماعي وهناك قصور كبير في هذا الجانب.
دور النشر لها أهمية ورسالتها أكبر من أن تطبع الكتب وتوزعها، فهي التي تتبنى الأقلام، وتنتج المؤلفين وتحرص على جودة المخرجات، وحين يقتصر عملها على الطباعة والتسويق فقط، تفقد قيمتها ويصبح تأثير مخرجاتها من الكتب على القارئ لا شيء.
هناك أسباب أخرى لدى المجتمع نفسه تساعده على العزوف عن القراءة والاطلاع، فالمجتمع حين تكون لديه مغريات كثيرة وميسرة، لا يلتفت للكتاب، وأخص هنا جيل الشباب الذي يساعد الترف في تشكيل هويته في الفترة الحالية، الكثير من الملهيات دخل ضمن نمط حياة الجيل الحالي، وهذه النقطة نتجت عن ضعف دور الأسرة والمؤسسات التربوية والثقافية، ترف المجتمع المادي يجب أن تلازمه الثقافة بدلاً عن اللهو.
أيضاً يوجد قياس خاطئ لنسبة القراءة، فالكل يقيس نسبة القراءة من نسبة مبيعات الكتب، ويتناسون أن الكثير من الكتب تنتشر في الإنترنت بشكل مجاني ولها جمهورها الذي يقرأها، وهذه الفئة لا تدخل ضمن الإحصائيات، ولو نظرنا إلى المواقع التي تضع الكتب المجانية كجوجل درايف ومواقع أخرى سنجد أن نسبة المشاهدات جيدة، صحيح أنها لا تقارن بنسبة مشاهدة الأفلام ولا الاستماع للأغاني، لكنها جيدة على العموم.
من وجهة نظري يجب أن يقتحم المثقفون المجتمع، لا أن ينتظروا أن يلتفت لهم المجتمع دون أي جهد منهم، الرغبة في المعرفة لا تتولد حين ينزوي العلم في أماكن مغلقة، يجب أن يكون الوسط الثقافي منفتحاً على المجتمع يسعى بكل الوسائل للتأثير فيه، وبناء هويته الثقافية ودفعه لما هو مفيد.
عندما كنا شباباً نقرأ الروايات العاطفية بكثافة، تأسرنا شخصياتها، كنا ننظر إلى القبلة على الورق بلذة تفوق الواقع، وننظر إلى العاطفة التي أوصلت تلك الشخصيات للقبلة بشيء من اللذة الدفينة خلف العاطفة، بحيث يكون للمسة شعور وللنظرة شعور وللبسمة شعور، الحدث العاطفي المكتوب، يفجر الخيال لدى فئة الشباب على وجه الخصوص، فيعطي الحب قيمة أعلى وأسمى من الممارسة الجنسية، ويرسخ مبدأ أن العلاقة الجنسية لا تتولد إلى حين تكون هناك عاطفة صادقة مشتركة لدى الطرفين.
لكن هناك اختلافاً كبيراً بين الخيال والحقيقة فالحقيقة أن الرغبات الجنسية غريزة في الإنسان تتكون وتنمو حتى تصل إلى مرحلة الهوس إن لم يكن هناك أسلوب صحيح يفرغ شحنة الرغبة، ومن الطبيعي أن يختلف البشر في غرائزهم ورغباتهم، ويختلفون أيضاً في تصوراتهم للغريزة، وكيفية وصلهم لمرحلة اللذة النهائية.
لا أريد أن أشرح هذه الأمور، فأنا لست طبيباً ولا مختصاً في علم النفس كي استرسل في هذا الجانب، طرحته فقط لكي نواجه الواقع بعين تبين أن التفكير في الغريزة تفكير حقيقي لا يمكن إغفاله، رغم أنه يختلف من شخص لآخر، ولكي أتحدث عن هذا العامل الذي أراه مهماً في الروايات التي نقرأها وتثيرنا فيها تلك الحركات المغرية التي تجعلنا نتصورها في عقولنا بمتعة ولذة تفوق واقعنا أحياناً.
لا نستطيع أن نعزل الحقيقة في الرواية، مهما خلقنا مجتمعات فاضلة ومتدينة، فالغريزة باقية، والتنقيب عن المتعة مستمر، لكننا نستطيع أن نضع ذلك الهوس الجنسي في قالب من القدسية الذي يعطيه قيمة أكبر من كونه تفريغ شحنة غريزية، فنخلق له جانباً عاطفياً وجانباً نفسياً، وجانب أخلاقياً يوازن الثورة التي تشتعل في الجسد، ويعيدها لإطارها السليم، فالعاطفة في الحقيقة تعطي الممارسة الجنسية أبعاد ألذ من الممارسة العشوائية البهيمية، وهذا الأمر مرتبط بمدى رغبتنا في الاقتراب من المحبوب وملاطفته والشعور به، فتكون لحركاته معنى أجمل، ولقربه دفئ خاص ولقبلته شعور بالتواصل يفوق ما نريده من إثارة.
لا يمكننا أن نترك الجنس على الهامش، ولا يمكننا أن نغفله في الرواية وخاص العاطفية، فالعاطفة بين الرجل والمرأة مرتبطة بالقرب والحميمية، وحين يقتل الكاتب هذا الموضوع في روايته فهو يقتل جزءاً حقيقياً في تكوين الإنسان، ويجعل علاقة الرجل والمرأة جامدة، وتهميش العلاقة الجنسية في الروايات العاطفية، يفقدها الدفء العاطفي، الذي يريده البشر ويسعون إليه.
ما الذي على الكاتب فعله، حين يكتب رواية عاطفية؟ لا يمكنني أن أجيب عن هذا السؤال إجابة وافية، فكل إنسان ينظر إلى هذا الجانب من منظوره الخاص، وكذلك بحساسية مختلفة فللبشر تصوراتهم، وللكاتب تصورات وخيال، وكل ما يمكنني أن أقوله إن وجود الجنس في الرواية يجب ألا يخرج عن النسق الطبيعي، بحيث أن لا يترك القارئ الشاب الأحداث في الرواية، ويتتبع مراحل الجنس فقط، بل يجب أن يكون الجنس ضمن تكوين الرواية العاطفي، ويعتبر حدث فيها دون هدم الأحداث الأخرى، ونمو العاطفة هو ما يجعل الكاتب يسير في نسق مغري، دون أن يحوله لنسق جنسي متمرد على الرواية.
الرواية تعطي العاطفة القيمة الأكبر، وتأطر العلاقة الجسدية والمتعة الغرائزية في إطار جميل ومبجل بحيث تكون الأمور المتعلقة بالمحبوب في الرواية لها روابط خاصة ومشاعر خاصة، والرغبة لا يكون هدفها فقط المتعة، بل هدفها الرئيسي العاطفة ونموها، بحيث تكون الغريزة البشرية هي مرحلة جميلة في العلاقة العاطفية، ولا تكون هي الهدف والنهاية.
جئت لأكتب، لكن خطرت لي فكرة أن فتح المتصفح، دخلت على اليوتيوب، بحثت عن بعض الفيديوهات، ووجدتها، ثم انتقلت إلى مواقع مختلفة أنشر تلك الفيديوهات التي رأيت أنها مميزة، وقد فعلت كل ذلك، وتركت صفحة مايكروسوفت وورد مفتوحة، ولم أكتب شيئاً، ثم عدت لأفتح الصفحة البيضاء، إلا أن الأفكار عادت إلي من جديد، ماذا حصل في موضوعك الذي طرحته للنقاش على الفيس بوك؟ وما مدى التفاعل الصورة التي وضعتها على الإنستغرام؟ ففتحت المتصفح من جديد، وتوجهت لصفحتي، لأرى حجم التفاعل، ثم توجهت للفيس بوك لأرى ما الذي جناه ذلك الموضوع من إعجابات وتعليقات، وبعد نصف ساعة، عدتُ إلى صفحتي البيضاء التي لم أكتب فيها شيئاً.
هكذا تسير الأمور في الغالب فالعقل المشغول بأمور صغيرة لا يمكنه أن يركز كثيراً، مثل ما حدث لي من جولة اليوتيوب والفيس بوك والإنستغرام ومدونتي وغيرهم من التطبيقات، شيء بسيط، كان بإمكاني أن أمر أيضاً على الواتس أب، وأرى تلك المجموعات وما يدور فيها وما هو الجديد، حينها ستمر الساعات، دون أن أفعل شيئاً مهماً، ودون أن أجلس أمام تلك الصفحة البيضاء لأسودها بتلك الفكرة التي جعلتني أغادر فراشي لأكتبها.
عندما تريد الكتابة على جهاز الكمبيوتر أو على النوتة في الهاتف المحمول، فأنت تكتب في عالم صاخب، يناديك فيه أشخاص كثر، من كل حدب وصوب، تلتف يميناً ويساراً، تكلم هذا وتلوح لهذا، وتشاكس هذا، وتترك ما تريد القيام به بالفعل، فكل الوسائل الحديثة التي سهلت لنا عالمنا أشغلتنا أيضاً عن أمور أخرى ربما تكون أهم وأرقى من تلك المسائل.
المهم أن نعرف كيف نستخدم وسائلنا، ومتى تكون مهمة ونافعة، ومتى تكون سلبية تشتت أفكارنا في أمور لا ترقى أن نجلس أمامها، أو نهتم بها لفترة طويلة، “الوقت” هو العامل الأكبر في حياة البشر، متى عرفوا كيف يستخدمونه، وفي ماذا يستخدمونه، يمكنهم أن ينالوا الفائدة، وطالما بقي الوقت دون أهمية لدى البشر تتناثر الدقائق والساعات هباءً دون عمل مفيد ونافع.
إن ما توفره وسائل التواصل الاجتماعي والتطبيقات الأخرى أضاف إلينا الكثير، لكنه سلب منا الكثير، أضاف لنا سهولة المعرفة، وسهولة التواصل وسهولة طرح الأفكار، وهنا عند الأفكار أريد أن أضع علامة استفهام؟ لأقف وأتجرد من كل شيء، حين أجد أن كل الأفكار أصبحت مشوشة، الأخبار أصبحت كاذبة، والجدل الذي يدور من حولي لم يوفر لي ما أريد، وأتمنى أن استبدل هاتفي بهاتف لا يحمل شاشة ملونة، ولا تعمل به التطبيقات الحديثة، وأتمنى أن اترك الكمبيوتر، وأعود إلى الورقة والقلم، ثم أفكر من جديد من يمسك الآن ورقة ليقرأها، وإذا كتبتها، هل سأنشرها كورقة أم سأنشرها كنص.
أعود وأطرد التجرد، ويزيد إيماني أن كل شيء مهم في حياتنا الورقة والقلم، الهاتف الذكي والكمبيوتر، كل التطبيقات وكل وسائل التواصل الاجتماعي، العالم الآن لا يعرف لغة غيرها، فإن تركت كل تلك الأمور ستكتشف أنك تعيش في عالم آخر لا ينتمي إليه أحد سواك.
بالفعل كل شيء في حياتنا أصبح مهماً، كل ما كنا نعتقد أنه كماليات أصبح من الأساسيات، وكل ما علينا هو أن نستخدم تلك الأمور الحديثة لنستفيد منها لا لكي نضيع فيها.
لا تستوي الأمور على ما نشاء فنحن بشر تتقاطع مصالحنا فما يسرني ربما يحزنك وما يضايقني من المحتمل أنه يفرحك فوزك بالمركز الأول دمر أمنية شخص طموح لم يحالفه الحظ، لا يجب أن نبتهج بالنصر على الدوام فالمعارك الكبرى والملاحم التي سطرتها بعض الإمبراطوريات في تاريخها كانت نكسات ومصائب على شعوب وأمم قتل رجالها ونهبت ثرواتها وفي الطرف الآخر كان الأبطال المنتصرون والأمجاد تسطر بحروف من ذهب.
دواليب الحياة تدور والنصر يتغير لهزيمة والكارثة التي نعتبرها مصيبة تستفز شعباً بأكمله لكي يقوم من تحت الأنقاض وينفض الغبار عن نفسه ويتألق والسبب الرئيسي الكارثة التي وجدوا فيها عاملاً محفزاً للعودة للحياة، كذلك كل قضية مهما بلغت من التعقيد تحمل في طياتها الحل المناسب لها وما يمنع الحلول ليست القضية أو المشكلة، بل الرغبات والأطماع التي تأخر الحلول بسبب رغبة أحد الأطراف في الحصول على المزيد من رصيد خصمه فيضغط لكي يتنازل الطرف الآخر عن بعض حقوقه.
الإنسان هو محور الدنيا وهو من صنعها، يقترن أحدهم بالآخر فحياة البشر كمعنى “ما يعيشه البشر وما يفعلونه في حياتهم يشكل دنياهم” وكل جنس من المخلوقات له دنياه التي ربما تتقاطع مع المخلوقات الأخرى ويتميز البشر هنا عن البقية أنهم عقلاء يمكنهم فرض السيطرة ووضع القوانين والأنظمة وكسب المعارف هذا ما جعلهم متمكنين وقادرين على قيادة البقية فطغى الجنس البشري على كامل الأجناس واستفاد منها ولم يكتفِ الإنسان بذلك، بل سخر بني جنسه الأقل منه في القوة والإمكانيات ووضعهم في إطار الخضوع والسيطرة.
لا أعرف متى تم أول استعباد لمخلوق بشري في التاريخ ولا أدري ما القناعات التي مكنت إنساناً من استعباد إنسان آخر يشبهه في الخلق والإمكانيات، ما يرجح أن القوة هي التي مكنت مجموعة من السيطرة على البقية وفرض نفوذها عليهم ثم تطور الأمر حتى وصل للاستعباد الذي أوصل الإنسان أن يصبح سلعة بيد شخص آخر يفعل به ما يريد كأي حيوان يمتلكه.
ليست القضية الأسرى الإسرائيليين ولا صواريخ القسام التي لا تحمل رؤوساً متفجرة قوية، القضية هي اختراق حدود إسرائيل البرية وهذا الذي لم يحدث منذ حرب الـ 48، فكيف لفصيل مسلح لا يشكل جيشاً ولا دولة يستطيع أن يخترق كل الأسوار والحصون والمجسات الحساسة التي وضعت لمراقبة أصغر الحركات عبر حدود غزة ويتوغل لمسافة 40 كيلومتراً داخل إسرائيل في عملية خاطفة يحتل خلالها عدد من المستوطنات والقواعد العسكرية دون أن تكون هناك مقاومة تذكر.
الصدمة هي التي أخرجت اسوء ما في إسرائيل، المخاوف، الفشل، الاستسلام، فقد تحقق الخوف الدفين الذي يغلفونه بكمية كبيرة من القوة العسكرية ويتخذون بسببه الاحتياطات المبالغ فيها لكي يتمكنوا من أن يقتلوا شعور الخوف الذي تحقق في هذه العملية بسبب الفشل الذريع لأجهزة المراقبة وكل خطوط الدفاع المعقدة وقد خطر في ذهني اجتياز خط بارليف، حيث إن إسرائيل كلما حصنت موقعاً يكون هو الثغرة الأضعف للاختراق فكما سقط بارليف في ساعات انهارت خطوط الدفاع المحصنة المتتالية حول غزة في ساعات لا أكثر، فاستسلمت المواقع دون مقاومة وسقط الأسرى من العسكريين دون مقاومة وبدون أن يضعوا الاعتبار للأسلحة التي في أيديهم.
إسرائيل لا ترغب في تسليم الأراضي ولا ترغب أن يُمس أمنها القومي كما تدعي لذا حدث التهور بعد الصدمة فأصبح القصف عشوائياً دون التفكير في حجم الأضرار ولا عدد الضحايا من المدنيين في القطاع، وهو ما يمثل عملية انتقام متهورة ربما تدعمها أطراف دولية لفترة من الزمن، لكن لن يكون الوقت مفتوحا لعمليات عشوائية مدمرة لفترة طويلة إن كان هناك صمود فلسطيني يعطل الحياة في إسرائيل، وكذلك الأسرى المحتجزين لدى القسام سيكون لهم دور مهم وفعال في وقف القصف ووضع قواعد أخرى للمفاوضات لم تقبلها إسرائيل في السابق.
هناك سيناريوهات كثيرة طرحت بعد أن حرْكت الولايات المتحدة حاملات الطائرات للمتوسط، أولها كما تدعي أمريكا أنها لحماية إسرائيل ومنع أطراف أخرى من التدخل في الصراع، لكن هناك احتمالاً ثانياً وهو استدراج حزب الله للمشاركة وشن حرب تصفية في حقه مع اكتساح غزة وترحيل الفلسطينيين لسيناء، وأنا شخصياً أستبعد أن تدخل إسرائيل في حرب طويل في محورين مختلفين مهما كانت قوتها، ورغم أنها جربت هذا الأمر لمدد قصيرة في السابق ونجحت لكنها ستواجه نوعيات مختلفة فما تحاربه لن تكون قوات ظاهرة على الأرض بل عصابات وستكون الحرب استنزاف طويل الأمد، هناك سيناريو ثالث لا يقوله المحللون وهو أن هذه الهجمة التي قامت بها حماس واخترقت من خلالها إسرائيل ستضع قواعد جديدة في المنطقة وستكون بداية لحل أفضل للفلسطينيين تتمكن خلاله حماس من الحصول على اعتراف دولي بمستوى معقول بشرعيتها سواء بشكل مستقل أو عن طريق إدماجها في حركة فتح بشكل مؤثر واستخدام أفضل للمعابر الحدودية لضمان تدفق السلع والمؤن لقطاع غزة بشكل منتظم.
ربما لا تقف السيناريوهات عند هذا الحد وأيضاً من الممكن أن تحدث تطورات إيجابية أو سلبية تخدم أو تضر الجانب الفلسطيني، ومهما حصل علينا أن نعترف أن هناك قوة استطاعت أن تربك إسرائيل وتدمر كل أوهام الجيش الذي لا يقهر ولو وجدت قليلاً من الدعم ستفرض وضعاً جديداً في الشرق الأوسط يبنى على التوازن لا الاستسلام.
تحاصرنا السياسية في كل مكان، تخنقنا، وكان يجدر بالحكومات الخليجية أن لا تقحم الشعوب في السياسة لأنهم لا يمارسون أي دور سياسي، لا يمارسون ما هو أقل من ذلك في تشكيل مؤسسات مجتمعية يكون لها دور فاعل، فلا توجد هيئات ولا نقابات في دول الخليج، ولا منظمات حقوقية مستقلة .
كل شيء يدخل تحت مظلة الدول، ويرتب ليكون شكل مؤسسة دون أن تقوم تلك المؤسسة المجتمعية بدورها الحقيقي، في أحسن الأحوال تتجنب بعض المؤسسات التي تحمل شيئاً من الاستقلالية أي صدام مع الدولة، تسير في خط مستقيم لا يتقاطع أبداً مع السلطة ولا يعارضها .
خلاصة القول، نحن الخليجيون، الشعوب الخليجية، ما دمنا لا نمارس أعمالاً سياسية ، فلماذا يتم إقحامنا في أمور السياسة؟ لتأخذوا السياسة حيث تريدون، واتركونا نبني ما يربطنا دون تدخل .
كما أن هناك أبطالاً في كل زمان هناك مغمورون، لا يلتفت لهم أحد، حين ننظر للأبطال علينا أن نعرف أننا ننظر إلى رأس الهرم فقط دون أن ننظر إلى باقي كيانه، القاعدة الأكبر في الهرم هي أولئك المغمورون فهم العامة وهم من يخرج منهم الثقافة العامة، ثقافة المجتمع، وهم من نجد لديهم الأساطير والخرافات، البساطة والفقر، الصنائع والورش، حياة الشعوب لا تكمن في الأبطال، يكتب الأبطال العنوان فقط لكن العامة هم من يكتبون المتن هم من يصنعون الصورة المنمنمة التي لو دققت فيها ستشاهد آلاف الوجوه .
لنلقي نظرة على لصوص القمة والقاع ، لصوص القاع يأخذ ما في جيبك أو يسرق جهاز الهاتف، يتجرأ قليلاً ويقفز في منزلك ليسرق مما تدخر ، أما لصوص القمة فيختلف الحديث عنهم، لا يسرقون شخصاً واحداً، بل يسرقون المجموعة، يسرقون مقدراتهم وأقواتهم وحاضرهم ومستقبلهم، لا يتركون لهم شيئاً إلا الكفاف الذي يبقيهم على قيد الحياة، كل إنسان يعمل على قدر إمكانياته، اللص الفقير يسرق ما يعتقد أنه يكفي، اللص الغني لا يكتفي مما يسرق .
هكذا تكون النظرة بين القمة والقاع، لذا علينا ألا ننظر للأبطال الذين في القمة فقط، بل علينا أن ننظر إلى المجموعة التي على القمة بمزاياهم وعيوبهم، حميدهم وخبيثهم، القمة كما تحوي الأبطال تحوي اللصوص، نرى القمة مكاناً لشخص واحد لكنها تحتوي الجميع، رأس البطولة هناك ورأس الشجاعة، رأس العلم وكذلك رأس الإجرام، رأس اللصوص، القمة مكان لكل الرؤوس .
الخصوصية والكوكيز: يستخدم هذا الموقع الكوكيز. تعني متابعة استخدام موقع الويب هذا أنك توافق على استخدامها. لمعرفة المزيد، بما في ذلك كيفية التحكم في الكوكيز – شاهد هنا: سياسة الكوكي.