كن عظيما وافعل كل الأمجاد التي تريدها، وكن وضيعا وسيفعلون بك كل الأمجاد التي يريدونها
التصنيف: رأي
فوق الخمسين ..

سارت بي الحياة لكل مكان، وقابلت آلاف البشر، دون أن أعرف كم سأستمر ولا أدري متى ينتهي مشواري الذي بدأ منذ فترة طويلة، أسير وأدعي أني أتعلم مع أن أغلب الأحداث في حياتي أصبحت مكررة والمتغير الأكبر هي الأماكن والأشخاص، لكن المواقف أغلبها معادة، تواجهنِ مشكلة أحياناً تكون بسيطة وأحياناً معقدة وهي اللحاق بالركب أو مسايرة الزمن الذي أعيش فيه، ورغم شعوري بأني اكتفيت إلا أني يجب أن أعيش واستمر إلى متى لا أدري.
ليس من أحد لا يريد الحياة، لكن الروتين الذي يتكرر باستمرار يجعلك تتساءل كيف استمر؟ وما الذي يمكنني فعله في هذه المرحلة من العمر؟ أنقل خبرتي مثلاً أم اعتزل البشر، وأتفرغ للمطالعة أو أذهب لأمور أخرى في الحياة، التجارة مثلاً أو أي عمل يستطيع أن يشعرني بأن الحياة يمكنها أن تمنحني المزيد من الخبرة أو المعرفة.
انظر للحياة بتفاؤل، وأحياناً انظر لها نظرة ممل، ثم أعود وادفع نفسي للتفاؤل من جديد، إلا أن نظرة الملل تكبر وتتحول لاحتقار للحياة في بعض الأحيان، وتعود الشمس لتشرق مؤذنه بروتين جديداً يتكرر وبأشخاص حفظنا وجوههم وتصرفاتهم، وبشوارع أصبحنا نتوقع فيها كل شيء قبل حدوثه، فالسيارات لا زالت تمشي على أربع، كـطفل سريع الحبو، وأتوقع أن تكبر وتمشي على عجلتين بدلاً من أربع.
لا يمكنني أن أرى الأشياء خارج نطاق الواقع أو خارج حدوده، لأني لو نظرت إليها بشكل مختلف أنا متأكد أني سأرسم لها شكلاً جميلاً لا يمكنه الحياة في الواقع ولا أن يستمر، فالحياة خليط بين جميل وقبيح، وبين طيب وشرير، وبين غبي وذكي، وبين أناس تتصدر وأناس تعيش في الهامش، وأنا أجد نفسي في الهامش أكثر مما أجدها في الطليعة فالهامش الذي يحتقره الكثيرون يعطيني مساحة شخصية لا أتمتع بها لو أني كنت في الطليعة، مساحة تجعلني أتحدث بصوت عالٍ مع نفسي، وتجعلني انتقل من مكان لآخر، دون أن يعرفني أحد.
الوقار ..
إن الاحترام لا ينبعث من نفسٍ مريضة و لا يصل لنفسٍ مريضة، وإن الوقار يضع الحواجز، بين العاقل والمجنون ، وبين الجاهل والعالم، فصن نفسك بالوقار، وأحط نفسك بالعقلاء .

لست سعيداً ..
ليستِ السعادةُ شخصًا أو حبيبًا، فربما يكون ذلك الشخص هو الحاجزَ بين الإنسانِ وسعادته؛ التضحيةُ من أجلِ الحبِّ أحيانًا تُسبِّبُ لنا التعاسة، وعندما نتجاوز مرحلةَ الألم نكتشف أنَّ الحبيبَ الذي كنا نظن أنفسَنا سعداءَ بجواره، كان سببَ تعاستنا، ورغم ما كنا نُعانيه، تبقى العواطفُ والذكرياتُ مستمرة، وهذا شيءٌ غريب، لأنَّ الأمرَ مُعقَّدٌ في هذا الجانب.
لا مقاييسَ للسعادةِ، ولا حدودَ لها، ويمكننا أن نجمحَ رغبتنا في السعادةِ الزائفة، التي تتمثل في الطمعِ أو الحبِّ، بالقناعةِ والرضا، وهذا الأمرُ يُغطيه الجانبُ الديني، لكنه يكون عكسيًّا في بعضِ الأحيان؛ كأن نكون راضينَ عن مستوى معيشةٍ معيَّن، ويمكننا أن نصلَ لمستوى أفضل، أو نستمرَّ في علاقةٍ، ونقول إننا مُقتنعون بها (والحمد لله)، وهي في الأساسِ كارثية.
السعادةُ توازناتٌ، ينجح البعضُ في تحقيقها، ويفشل آخرون، تختلف أسبابُ سعادتي عن أسبابِ سعادتك؛ بعضُنا سعادتُه الغِنى، وغيرُنا يُسعده الحبُّ، وآخَرونَ تكمن سعادتُهم في الإنجازِ والعمل.
الابتعادُ عن الضغطِ النفسي له تأثيرٌ كبيرٌ في هذا الجانب، فالعملُ تحت ضغط، أو الحياةُ مع شخصٍ سيِّئ، يدمر شعورَ السعادة.
علينا إهمالُ التفاصيلِ السخيفةِ لنتجاوزَ التعاسة، وكذلك الابتعادُ عن الأمورِ الروتينية، وإهمالُ الحذر، والإفراطُ في الخوفِ الزائد عن حدِّه من المستقبل.
مجتمعات وقيود ..

الأعمار لها أحكام، وكذلك الظروف والعلاقات، فنحن مجبرون على نسق معين في التعارف، وفي العلاقة والتعامل، ونمط معين من أجل الاستمرار، يجب أن نمشي على تلك الأنماط والأنساق، حتى نكون أسوياء في نظر المجتمع، فالأحكام تصدر على مطابقة أفعالك مع التصورات التي يفرضها عليك المجتمع في كل الجوانب.
لكننا نكتشف أن تلك الأحكام المجتمعية تكبلنا وتقيدنا في أطر معينة تجبرنا أن لا نتجاوزها أو نكسرها، ولو كسرناها أو تجاوزناها ستختل العلاقات التي تربطنا بالمجتمع بسبب رفضنا لتلك القيود التي فرضت علينا، ويبدأ الشاذ عن أعراف المجتمع وتقاليده في السير باتجاه الانعزال والابتعاد لكي يختفي عنه ويتجنب نقده، ليشعر أنه تحرر من قيوده وأحكامه.
على الطريق تجد مسارات ومواقف، وتحدد السرعات، وتوضع المخالفات والعقوبات، وكذلك المجتمع يخلق لك مسارات، ويحدد تصرفاتك، ويضع العقوبات لكل مخالفة تقترفها، لكن المجتمع لا يسحب رخصة قيادتك، بل يلفظك، ويبعدك عن محيطه، أو يجبرك على تركه والابتعاد عنه، فعقوبات المجتمع سجن بلا قضبان ولا عليها حراس، لا يوجد قاضٍ يصدر الأحكام والمراسيم، تسير الأمور كلها باتجاه النظرة العامة في والرأي العام وما يراه ذلك المجتمع صحيحاً فهو صحيح، ولو كان مبنيا على خطأ، لكن المجتمع يتقبله ويتبناه.
قيود في علاقتنا العاطفية، والأسرية، حواجز في كل الاتجاهات، لم نصنعها نحن، لكننا ندعمها بشكل أو بآخر، حين لا نبدي أي اعتراض أو رفض، أو نناقش الجوانب السيئة في تلك القيود وتلك الأعراف المجتمعية، التي أصبحنا نصنفها ضمن العادات والتقاليد، ونضعها في خانة الـ “لا ممكن” والـ “العيب”.
قراءة في رواية “مذلون مهانون” لـ دوستويفسكي

ما يلفت نظري حين أقرأ للكتاب الروس مسألة الحب، كيف تحب المرأة الروسية وعمق العاطفة الموجودة لديها وقوتها، وهذه الرواية بها صور جميلة ومؤلمة من العواطف تلمسها في الأحداث كلها، وكل الشخصيات الموجودة في الرواية ما عدا شخصية واحدة التي جسدها الأمير “الأمير فالكوفسكي” والتي رسمت الشر بكل ملامحه والأنانية بأبشع صورها، وكتلة الخير التي تواجهه رغم كثرتها، إلا أنها ضعيفة في مقابل قوته.
هكذا تسير معظم روايات القرن التاسع عشر؛ حيث إن الشخصيات فيها إما أن تكون نافرة عن الأخلاق والمبادئ، أو تكون ملتزمة التزاماً كاملاً بها، وتمايز الشخصيات في الرواية يعطيها ملامح أقوى لشخصياتها الرئيسية، لكنه يغفل الجوانب البشرية الحقيقية، مثل الأنانية، حيث إن في كل إنسان جزء من الأنانية لا بد أن يتحقق في حياتهم وقس على ذلك كل الأمور الأخرى، إلا أن لـدوستويفسكي نظرة ثاقبة في الشخصيات، رغم أنه لا يخرج عن الإطار العام للشخصيات في زمانه، يخلف الشخصية متسقة مع الحدث الذي وضعه ويربطها بمحيطها وما يحتويه من أحداث وشخوص بشكل منسجم لا يجعلك تخرج عن إطار الفكرة العامة للرواية.
تحاكي الرواية زمن القرن التاسع عشر بما فيه من إقطاعيات وملاك أراضي وفقراء معدمون، وما فيه من سلطة ونفوذ، وما يحتويه من ذل ومهانة للفئات الدنيا من المجتمع، حيث يكون الإقطاعي أو الأمير مالك للأرض ومن عليها يحكم فيها كيف يشاء، وكيف أن النفوذ والقوة تزداد مع ارتفاع الطبقة الاجتماعية للإنسان دون وجود لقانون واضح وصريح يحمي الطبقات الدنيا في المجتمع، وعندما يرسم الواقع في رواية يمكننا أن نحدد ملامح المجتمع الذ تقع فيه، ونعرف ملامحه الرئيسية من خلال ما يحدث في الرواية، ونعرف العناصر الرئيسية في شخصيات المجتمع من تعاطي تلك الشخصيات مع ظروف الحياة، وهذه الرواية تكون صورة واضحة عن زمانها وشخوصها وعن ظروف الحياة التي تعالجها.
تعتمد الرواية على أسلوب الحوار، ونجد صوت “الراوي العليم” أو الشخصية الرئيسية في أجزاء متناثرة من الرواية لتشرح بعض النقاط المحورية، ورغم ذلك فالكاتب ترك للحوار المساحة الكافية لنسج الأفكار والاستماع إليها، مما جعل كل شخصية تتحدث عن نفسها، أو تصفها وتحللها الشخصية الرئيسية في العمل، فكانت الشخصيات متألقة ببرها أو بإثمها حسب الظرف الذي تمر به وحسب موقعها في الرواية.
لن أتحدث عن دوستويفسكي فهو كاتب يعرفه الجميع، ويقدره الكثيرون ويمكن للقارئ أن يجد ما يبحث عنه من إصداراته وما كتب عنه في الإنترنت، واكتفى بأن أتحدث هنا عن الرواية التي شغلني وأنا أقرأها المزاج العام للعمل حيث يقودك أن القوة هي التي تحكم في النهاية، وأن السعادة تكمن في الحب، رغم كل الظروف القاسية والتعيسة التي يمكن أن يمر بها الإنسان خلال حياته، أما عن الذل والمهانة لا تختلف هذه الصفات في روسيا عن غيرها من البلدان فالطبقات الدنيا معرضة للذل والمهانة وضياع الحقوق أكثر من غيرها من الطبقات.
الرواية كبيرة الحجم تقع في 524 صفحة من القطع المتوسط أنصح بقراءتها والاستمتاع بها.
أنت في عالم صاخب…

جئت لأكتب، لكن خطرت لي فكرة أن فتح المتصفح، دخلت على اليوتيوب، بحثت عن بعض الفيديوهات، ووجدتها، ثم انتقلت إلى مواقع مختلفة أنشر تلك الفيديوهات التي رأيت أنها مميزة، وقد فعلت كل ذلك، وتركت صفحة مايكروسوفت وورد مفتوحة، ولم أكتب شيئاً، ثم عدت لأفتح الصفحة البيضاء، إلا أن الأفكار عادت إلي من جديد، ماذا حصل في موضوعك الذي طرحته للنقاش على الفيس بوك؟ وما مدى التفاعل الصورة التي وضعتها على الإنستغرام؟ ففتحت المتصفح من جديد، وتوجهت لصفحتي، لأرى حجم التفاعل، ثم توجهت للفيس بوك لأرى ما الذي جناه ذلك الموضوع من إعجابات وتعليقات، وبعد نصف ساعة، عدتُ إلى صفحتي البيضاء التي لم أكتب فيها شيئاً.
هكذا تسير الأمور في الغالب فالعقل المشغول بأمور صغيرة لا يمكنه أن يركز كثيراً، مثل ما حدث لي من جولة اليوتيوب والفيس بوك والإنستغرام ومدونتي وغيرهم من التطبيقات، شيء بسيط، كان بإمكاني أن أمر أيضاً على الواتس أب، وأرى تلك المجموعات وما يدور فيها وما هو الجديد، حينها ستمر الساعات، دون أن أفعل شيئاً مهماً، ودون أن أجلس أمام تلك الصفحة البيضاء لأسودها بتلك الفكرة التي جعلتني أغادر فراشي لأكتبها.
عندما تريد الكتابة على جهاز الكمبيوتر أو على النوتة في الهاتف المحمول، فأنت تكتب في عالم صاخب، يناديك فيه أشخاص كثر، من كل حدب وصوب، تلتف يميناً ويساراً، تكلم هذا وتلوح لهذا، وتشاكس هذا، وتترك ما تريد القيام به بالفعل، فكل الوسائل الحديثة التي سهلت لنا عالمنا أشغلتنا أيضاً عن أمور أخرى ربما تكون أهم وأرقى من تلك المسائل.
المهم أن نعرف كيف نستخدم وسائلنا، ومتى تكون مهمة ونافعة، ومتى تكون سلبية تشتت أفكارنا في أمور لا ترقى أن نجلس أمامها، أو نهتم بها لفترة طويلة، “الوقت” هو العامل الأكبر في حياة البشر، متى عرفوا كيف يستخدمونه، وفي ماذا يستخدمونه، يمكنهم أن ينالوا الفائدة، وطالما بقي الوقت دون أهمية لدى البشر تتناثر الدقائق والساعات هباءً دون عمل مفيد ونافع.
إن ما توفره وسائل التواصل الاجتماعي والتطبيقات الأخرى أضاف إلينا الكثير، لكنه سلب منا الكثير، أضاف لنا سهولة المعرفة، وسهولة التواصل وسهولة طرح الأفكار، وهنا عند الأفكار أريد أن أضع علامة استفهام؟ لأقف وأتجرد من كل شيء، حين أجد أن كل الأفكار أصبحت مشوشة، الأخبار أصبحت كاذبة، والجدل الذي يدور من حولي لم يوفر لي ما أريد، وأتمنى أن استبدل هاتفي بهاتف لا يحمل شاشة ملونة، ولا تعمل به التطبيقات الحديثة، وأتمنى أن اترك الكمبيوتر، وأعود إلى الورقة والقلم، ثم أفكر من جديد من يمسك الآن ورقة ليقرأها، وإذا كتبتها، هل سأنشرها كورقة أم سأنشرها كنص.
أعود وأطرد التجرد، ويزيد إيماني أن كل شيء مهم في حياتنا الورقة والقلم، الهاتف الذكي والكمبيوتر، كل التطبيقات وكل وسائل التواصل الاجتماعي، العالم الآن لا يعرف لغة غيرها، فإن تركت كل تلك الأمور ستكتشف أنك تعيش في عالم آخر لا ينتمي إليه أحد سواك.
بالفعل كل شيء في حياتنا أصبح مهماً، كل ما كنا نعتقد أنه كماليات أصبح من الأساسيات، وكل ما علينا هو أن نستخدم تلك الأمور الحديثة لنستفيد منها لا لكي نضيع فيها.
علمتني الحياة ..

علمتني الحياة أن لا اندفع خلف شعوري المفاجئ، ولا استعجل في تصديق مشاعر كثيرة استشعارها ممن حولي فالمشاعر وليدة اللحظة، تولد ثم تموت، وربما أكون من القليلين الذين ماتت مشاعرهم بين يوم وليلة، فلم تعد تأثر فيهم الكلمات اللطيفة، والمشاعر المتدفقة ولا كلمة أحبك.
لا يملك الإنسان مشاعره، ولا يستطيع أحياناً التحكم فيها، لكن لا يحق لأي إنسان أن يفرض مشاعره على أحد، لكي يصل لشخص معين، أو لمن يحب، فالطرف الآخر ربما يملك شعورا مختلفا، نحو شخص مختلف، في زمن مختلف، فكيف يستسلم لم ن يفرض عليه أحاسيسه، وإني لأرى الكثير من الناس الذين فرض عليهم الحب وقبلوه، دون أن تكون لديهم مشاعر حقيقية، فأصبحوا مقيدين بحب فرض عليهم لم يولد في نفوسهم.
من المؤكد أن الحديث عن العواطف شيء حساس، وأن الصد مؤلم، لكن الخديعة أن نتماشى مع ذلك الشعور، ونستسلم دون تفكير، ففي كلتا الحالتين ستنتهي المسألة بفشل ذريع، وربما تكون نتائجه غير متوقعة.
عساكَ بخير..
عسى أن تكون بخير صديقي، مرني الشوق وأجبرني أن أسأله عنك حين راجعت بعض الذكريات الجميلة التي اعتقد أنها جمعتنا سوياً في فترة من الزمن، ورأيت روعة ما تركت في رأسي، أردت أن أرسل إليك التحية على ذلك، ورغم معرفتي أن التحايا لا تصل دائماً حرصت أن أتمنى لك الخير على أقل تقدير، الأمنيات أوهام جميلة نرسلها لمن نحب وهي لا تحقق لهم شيئاً سوى تصور نتركه في نفوسهم أن هناك في الطرف البعيد شخص يهتم بهم، وأنا مهتمٌ بذلك لا شك، وعلى استعداد أن أرسل الأمنيات باستمرار لتتأكد أن الذكريات لا زالت تنبض في ذاكرتي لتوقظ تلك الصداقة العتيق التي جمعتنا.
تعرف صديقي ما الوفاء الذي يتحدثون عنه جيداً بخلاف صديقك الذي يكتب هذه السطور فهو مذبذب في مقاييس الوفاء ومقاييس الإخلاص والحب، أما أنت فمقاييس تلك الأمور عندك تمشي في خط مستقيم، ولا تتأثر بتغييرات الحياة ولا شك لدي أن الحفاظ على هذه القيم مهم وضروري، لكننا بشر عزيزي حتى ثقتنا بأنفسنا تهتز وتتغير فكيف لي أن أخط كل القيم على مسطرة لا تتعرج مساراتها ولا ترتعش، أنا لا أستطيع أن أخط لنفسي طريقاً مستقيماً في الحياة، تعبت وأنا أحاول أن لا ترتعش يدي حتى لا يتحول الرسم لمنحنيات ومنعطفات ونبضات متقطعة.
هناك فرق بيننا لا شك في نظرتنا للقيم، فأنت أسمى حين تطرح تلك الشعارات لكني أصدق حين أفعل، أتمنى أن تقيس كل القيم على حياتك قبل أن تتحدث عنها باستقامة، وترسم خطوطها بناءً على أفعالك، وسترى حينها أنك كائن بشري لا يمكنك أن تحافظ على مستوى واحد يشكل خطاً مستقيماً طيلة حياتك.
هناك صديقٌ لنا قديم اعلك تذكره وتتذكر كمية الكره التي تحملتها له في قلبك، حين كنا أصدقاءٌ ثلاثة، انتقاداتك وحديثك عن مثالبه وأخطائه ونزواته ومغامرات وفشله، لا أظن أنك احتقرت إنساناً بقدر ما احتقرته، وهو في الطرف الآخر كان ينظر إليك بإجلال، فأنك صاحب مبادئ راسخة وقيم عُليا، وأن ما تقوله هو الصحيح، متصالح مع نفسه ذلك الصديق يعرف أنه يخطئ ويقر بذلك دون أن يدافع عن نفسه في أغلب الأحيان، يتركك تهاجمه وتتهكم عليه، وينظر إليك أحياناً والخجل يملئ تعابير وجهه، تعرف ما الذي فعله حين وجد أن انتقاداتك، وتهجمك لا ينتهيان، بكل بساطة رحل، تركك مع نفسك تقلب تاريخه لتثبت أنك الأستاذ الذي من حقه أن يقيم تلاميذ، ربما تخرج هو من مدرستك بعد أن حصل على أدنى مستوى ينقله للمرحلة التالية، لكنك بقيت في مستواك الثابت لم تستطع أن تقتني منه الجميل، وتأخذه لتحصل على علامة تأهلك للانتقال إلى مرحلتك التالية، صدقني حين رحلت أنا أيضاً حصلت على أقل تقييم منك بالكاد نقلني للخطوة التالية لأرتقي وتبقى في محلك، تنادي بما لا تفعل، وتنتقد الجميع لكي لا يسبقك أحد في توجيه السهام، تتهمهم لكي تضعف حججهم في إثبات جرائمك.
عزيزي ألا زالت خطوطك مستقيمة؟ أرجو أن تراجعها لتتأكد من سلامتها، عليك أن تعرف أن أرضك التي تقف عليها ليست مستوية، بل مدورة فلو سرت على خطك مستقيماً لا شك ستخرج من مجالها وكذلك الحياة منحنيان وفجوات، ونحن خلقنا في فجوة، وخرجنا من فجوة، ونستمر في الدوران حتى نسقط في النهاية في فجوة، فلا تنزه نفسك، فلم تخلق من زهرة، ولم تولد في خلية أحادية لا تنتمي لأحد، سلالة تاريخك مكتوبة عبر أسماء اشتركت في إنتاجك لتخرج بأصابع وسيقان وكفوفٌ وأكتاف، كاملاً في كل شيء إلى تلك الفجوة التي في رأسك التي ظلت فارغة.
حديث الظنون ..

حديث الظنون ..
تحدث الهزات دائماً، لا أشعر بها، ثم اكتشف أن كل شيء أهتز من حولي وكل شيء بدأ يتحول، رمضان، سأصوم عن الطعام، كما أصوم عن الحديث، وأصوم عن الحياة، الصوم اختلط عندي بأشياء كثيرة، غير الطعام، قرأت كثيراً، المصحف كان جاري، وجدت شيئاً أشعر بصداه في نفسي، كنت سعيداً بذلك الصدى وهو يتردد .
يتردد، يتردد، وما إن انتهى رمضان غاب ذلك الصدى، كأن شيئاً لم يهتز ولم يتحرك، عاد السكون من جديد، ورأيت الغبار، ذلك الغبار نفسه، كان موجوداً لكني لم أره منذ 30 يوماً، عاد وكأن رمضان لم يأتِ من الأساس، أخبروني بأن العيد قد حان، وأن العيد قد غادر، وأن لا شيء تغير.
رحيل ..
تكمن الحياة بين “المهد واللحد” وبينهما نكون نحن بشر نعيش التفاصيل بكل جزئياتها الواقع والماضي الذكريات والنسيان، نحب ونكره يملؤنا اليقين بالاستمرار لما لا نهاية، والنهاية تكمن على بعد أمتار منا لا أكثر.
نتجاهل النهاية لكي نستمتع بالحياة فيسيطر علينا الواقع وننسى النهاية التي تكمن خلف واقعنا تعد اللحظات وتترصد الفرص.
يأتي الوداع بثوب الرحيل الأبدي ليخبرنا أنه لن يعود
تشاءم قليلاً لو سمحت ..

علينا أن نخاف فلا شيء يبعث على الاطمئنان البتة، الأوبئة، الحروب، النزاعات الاقتصاد، الأخلاق والمبادئ والقيم والقوانين، الدول كلها تسير نحو الانحدار وكأننا نقف على حافة عالم ينهار ولا بد من السقوط، من سينجو؟ لا أحد يعرف ذلك، لا أتحدث وأنا متوهم أو مخدوع، بل أتحدث من واقع الشعور العميق بالإحباط وأظن أني أتقاسم هذا الشعور مع كثيرين حولي، بعضهم يسعى للإصلاح والبعض الآخر يريد أن تقترب ساعة الصفر لينتهي الأمر، لكن ساعات الصفر دائماً ما تأتي بالفوضى ولا تأتي بالإنجاز .
يموت العالم من الوباء وتشل حركته وبعض الدول لا تفكر في هذه الأمور وتسعى للسيطرة وفرض الأمر الواقع دون الرجوع لمبادئ ولا قوانين لمجرد أنها تملك القوة، وأخرى تسعى لأن تكون قوية لذا تعمل على تدمير الأقوى لتحل محله، عجلة تدور وتدور ولا بد من التغير في النهاية لكن ذلك التغير المرتقب لا نعرف متى يحين ولا ما سيحل بنا حين يأتي فمعنى الانهيار هو الدمار ولا معنى آخر له .
الكل يسعى للمال تلك الدول الفقيرة تسعى له لكي تطعم شعوبها والدول الغنية تسعى له لترفه عن شعوبها وفي النهاية حين أصبح المال هو الهدف والصراع هو وسيلة الحصول عليه ذابت تحته كل الأخلاق التي بنيت عبر سنين وانهارت تحت وطأته كل القيم الأخلاقية التي توارثتها البشرية، الأديان السماوية الثلاث بدأه تلبس هوية مشتركة في الضياع فلا دين للمال ولا أخلاق ولا مبادئ، المال هو الذي يضع القانون وهو الذي يرسم المستقبل ويحدد مصير البشرية .
نحن بشر مؤمنون بآدميتنا، نعيش لنعمل ونأكل ونشرب ونتكاثر وهذا خط لا ينتهي ويجب أن يسير فيه الجميع الغني والفقير وكلاً منا يعمل بطريقته، ليحقق أهدافه بوسائله الممكنة، لكننا أصبحنا لا نفكر في الطريقة الصحيحة، بل نفكر في الطريقة الأقصر للوصول للهدف، نريد أن نصل تحت أي شعار ولو تخلينا عن كل شيء في سبيل تحقيقه.
كما يبني البشر خط حياتهم وأهدافهم تبني أيضاً الدول ذلك الخط للوصول لأهداف أكبر وأقوى فما تملكه الدول أكبر بكثير مما يملكه الفرد وهنا تكمن قوة التجمع فالبسيط حين يكثر يصبح ثروة، والثروة تقاد لتحقق أكبر مصلحة، وأيضاً الثروة يطمع فيها الآخرون سواء كان الآخرون يملكونها أو لا لكنها تثير الشهية وغرائز الرغبة التي ينكرها الجميع لكنهم حين تكون المبادئ عقبة يبطؤونها دون تفكير لأجل الحصول على الثروة وحين تتصادم المصالح دون أن يكون هناك قانون لا بد أن تنتشر عقيدة الغاب ويأكل القوي الضعيف دون رحمة وهذا بالفعل ما نسير باتجاهه لكنا نسير إليه بشكل وحشي فمناهج السياسة والمال حين طغت على كل شيء انهارت المجتمعات وأصبحت لا تحافظ على القيم والمبادئ ، تحذر من القوانين لأنها تخشى العقوبة ، وحين تتأكد أن كسر القانون لن يضرها في شيء تكسره دون الرجوع إلى الضمير .
وبدلاً من أن يغذي المجتمع السياسيين ورجال الأعمال بأناس يحملون مبادئ وقيم سليمة أصبحت المجتمعات تزودنا بالكثير من السياسيين الفاسدين ورجال الأعمال الأكثر جشعاً وعساكر أكثر توحشناً ورجال دين الأكثر تطرف، نحن نسير في اتجاه الهاوية شئنا أم أبينا فكل شيء مصيره الانهيار وما بعد الانهيار ؟ لا أحد يعرفه لكنهم جميعاً يفكرون في الفوضى، لست متشائماً بل محبط وأنا أرى الصورة العامة للعالم وهو يتنازعه الطمع والجشع وحب السيطرة.
متميزون ..

عندما تجلس مع شخص يستطيع أن يجعلك تفكر بعمق أكبر ويفتح لك آفاقاً جديدة ويجعلك تقرأ خرائط الحياة بمنظور مختلف وتنظر إلى الواقع من زاوية لم تشاهدها من قبل تعرف مدى حاجتك لأن تتعلم أكثر فهناك جوانب في الحياة لا يستطيع أن يصل إليها عقل واحد، بل هي نتاج عقول كثيرة وخلاصة أفكار من مدارس شتى، تجمعت وتصادمت وأنتجت أفكار أخرى أكثر قوة وأكثر واقعية وأكثر فاعلية.
حلقة مفرغة ..

لا أعرف ما يدور من أحدث سياسية هذه الأيام لكني متأكد أن كل ما يدور من سياسة دولية في المنطقة لا يصب في صالحها، بل على العكس تماماً، الأعداء ما زالوا يتربصون ونحن مازلنا نرتعش، الحلفاء يتمنعون ويشترطون ونحن نسايرهم في رغباتهم، لا نحن استطعنا أن نبني قوة ترهب الأعداء، ولا استطعنا أن نكسب حلفاء جدداً يمكننا الاعتماد عليهم .
حلقة مفرغة، تذهب زعامات وتأتي زعامات والوضع لا يتغير، تنازل السابقون وخضع الحاليين وسيركع من يليهم وسيسجد من بعدهم، لا شيء يتغير سوى جرعة الهوان وكمية العار التي تلحق بنا كل عام، لا سجلات تنطوي على مجد ولا إنجازات ، تدفن سجلات الموتى لكيلا يعرف عددهم أحد ولا يصل لجثثهم أحد .
شعوب ترزح تحت الذل وشعوب تحت الفقر وشعوب مترفة لا تريد إلا الاستمتاع، وأخرى تتأرجح بين، بين، جميعاً لا هدف لديهم، صموا آذانهم وأغمضوا أعينهم، والخوف الذي يمنعهم من أن يتحركوا، هو نفسه الذي يمنع حكامهم أن يتحركوا، وكما تكونوا يولى عليكم .