الرواية: تأثير الرواية ..

كل حدث في الدنيا له بداية ونهاية، والرواية كذلك بها نقطة بداية ونهاية، وتقع الأحداث بين تلك النقطتين، بتصور شخص واحد للأحداث.

عندما أفكر في الرواية لا أفكر بها على أنها قصة فقط، ما يشغلني في الرواية ذلك الشوق الذي يدفعنا أن نمسك كتاباً لا يحمل مادة علمية أكاديمية، ونقرأه بشوق لا يفتر حتى ننتهي من قراءته، ثم نبحث عن رواية أخرى لنفعل الشيء نفسه، ربما تحمل الروايات العبرة، وبعض الدلالات الأخرى لكن لها سحرها الخاص الذي يحبسك في أحداثها فلا تتركها حتى تعرف نهايتها.

الرواية تحمل فكر شخص واحد، وهو الكاتب، يضع فيها عصارة فكر روائي قصصي، يحور فيها أحداث، ويكحلها بمواقف مشوقة، لتشد انتباه القارئ، ويمكنه كذلك أن يضع أفكاره، وتوجهاته سواء كانت سياسية، أو ثقافية أو علمية أو أيدلوجية، على هيئة أشخاص يمثلون ذلك الفكر ويضع حولهم هالة من الوقار أو يجعل القارئ يتعاطف مع الشخصيات او ينفر منها، وهو بذلك يزرع فكرة معينة في ذهن القارئ، ويضع مبادئ ذلك التوجه في جدول أفكاره دون أن يشعر.

هذه النقطة مهمة، فالرواية تتعايش مع الأحداث كالحياة التي تتخللها المشاكل والشخصيات، والأزمات، إذاً الرواية مشابهة لواقع البشر الذي يعيشونه، بسبب هذا التشابه يمكنها أن تأثر بشكل سلل وقوى على القارئ دون أن يشعر، وهو يقرأ الرواية في عزلة وتركيز، وربما يتأثر بشخصية معينة، أو ينسجم مع فكرة.

الكثير من الروايات سوقت لمبادئ فلسفية، ومبادئ منحرفة، وأيديولوجيات غريبة، ووضعتها في سياق مشوق، جسدت شخوصها كأبطال، ننظر إليهم في الرواية بفخر، أو دفعتنا للتعاطف مع حالة أو قضية أو مشكلة معينة، وبعض الروايات حققت رواجاً كبيراً في زمانها، وأثرت في الرأي العام، ووجهة الجماهر في بعض الأحيان.

إذا للرواية، تأثير أكبر مما نتوقع، لأنها تتربع على هرم الأدب، فالأقصوصة ثم القصة القصيرة، ثم القصة،ثم الحكاية، ثم الرواية، علاوة على ذلك يخرج من الرواية مستوى أعلى من الإعلام فتتحول لمسلسل أو فيلم سينمائي، ورغم محدودية زمن تلك الأعمال إلا أن تأثيرها في زمانها يكون قوياً جداً.

إذاً الرواية تقع ضمن سلسلة هرمية، فهي في قمة هرم الأدب، وهي في قاع الأعمال السنيمائية، وهذا الامتداد يعطي الرواية قيمة أكبر وأهمية لا يمكن أن ينكرها أي شخص.

قراءة لرواية الثقب الاعوج من الاستاذة أزهار الأنصاري..

الرواية “الحشو والتفاصيل”

الرواية “الحشو والتفاصيل”

لا يختلف فن الرواية عن الفنون الأدبية الأخرى، فكل منها يشكل مشهداً من مشاهد الأدب التي ينتمون إليه جميعاً، لكن الرواية رغم أنها تحتاج إلى الكثير من الجهد والتركيز، تفتقر لبعض الجوانب التي تتمتع بها بعض الفنون الأدبية الأخرى مثل الشعر الذي يمكنه أن يختصر لك الموقف في بيت شعرٍ واحد، أو يحدثك عن قصة كاملة في قصيدة من عدة أبيات، بخلاف الرواية التي تعتمد اعتماداً كلياً على السرد، والاختصار في الرواية ربما يضعفها إن لم يوصل المعنى المراد شرحه بشكل يتقبله القارئ.

الرواية فن أدبي لا يعتمد على الاختصار؛ لأنه يتعاطى مع أحداث الحياة بشكل يجسدها في سطور يستطيع القارئ من خلالها تخيل المشهد كاملاً دون اختزال، فلو فرضنا أن موقفاً حزيناً يتمثل فيه رجل نجد أن من الأجدى أن يصف الكاتب مشاعر ذلك الرجل بالشكل الذي يضمن فيه وصول ذلك الشعور الذي يبين كثافة الموقف، ولو كان الشرح مطولاً فلا ضير في ذلك ما دام سيوصل المعنى كاملاً دون اختزال ودون الخروج عن المشهد.

لأن الرواية لا تشمل موقفاً واحداً، فهي تحتاج إلى تلك التفاصيل التي تخدم العمل لا التي تبعث الملل في نفس القارئ، في الرواية نحتاج إلى شرح تفاصيل المشاعر، وتفاصيل الموقف، وأحياناً نحتاج إلى شرح تفاصيل حوار، وأخرى نحتاج فيها لشرح تفاصيل المكان إن كان للمكان تأثير في ذلك المشهد المرسوم بالكلمات.

يمكننا أن نختصر أي شيء نقرأه، لكن الرواية لا تعتمد على الاختصار فالاختصار يختزل الكثير من جماليات الرواية، ويجعلها هزيلة في المعاني والتفاصيل التي أعتبرها حساسة جداً؛ لأنها تؤثر في النسيج العام للعمل الأدبي، ولأن القارئ حين يقتني رواية يعرف حق المعرفة أنها قصة طويلة، وبها الكثير من الكلمات والمعاني والمواقف والمشاعر، فمن المهم أن نعرف أين نضع الاختزال وأين نحتاج إلى الشرح، ومن واقع القراءة يمكننا أن نكتشف؟ أين ابتذل الكاتب وأين اختصر، وهل الابتذال في المشهد في محله الصحيح أم أنه أجهد الرواية وقارئها، وأثر في النسيج السردي، فمثلاً حين نصف المشاعر نبتعد كثيراً عن وصف المكان، وإن تطرقنا له نتطرق له بشكل جزئي لكي لا نشتت تفكير القارئ، فيكون تركيزه على العاطفة لا المكان؛ لأننا نريد أن نوصل مشاعر تلك اللحظة لا مكانها، فنجعل للعاطفة التأثير الأكبر، وللمكان الأصغر أو ننفي المكان من المشهد.

حين نحشو الرواية بتفاصيل متكررة ومملة، فإننا نخسر في أكثر من جانب، أولها أن التفاصيل الكثيرة التي تخرج عن المعقول، تشتت القارئ عن الحكاية الرئيسية في الرواية، وثانيها تجعل النسق يميل إلى التكرار والتكرار بحد ذاته يبعث على السأم، ويؤثر في النسيج العام من حيث المضمون والمضمون في الرواية ليست التفاصيل المملة، بل هي أحداث ومواقف نريد أن نوصلها بشكل مؤثر وبنسق متصل لكي يستمتع بها القارئ ونصل للفائدة الكاملة التي تعطي القارئ قيمة القصة وما تطرحه.

الرواية .. الكاتب إله الرواية ..

ربما لا يعجب هذا المصطلح فئات كثيرة، لكنه يعجبني بلا شك، فالكاتب هو إله الرواية الذي يفعل كل شيء فيها يحي ويميت، يوزع الأموال والمناصب، ويخلق المشاكل ويضع الحلول، ويبني الشخصيات ويهدمها، وإلى هذا الحد يقف دور الكاتب، فهو إله في نصه الذي يكتبه ولا تستطيع قدراته أن تتجاوز هذا النص، فقدرته الهائلة في الرواية تقف عاجزة مثلاً عن إيجاد القبول أو رفض العمل أدبياً أو شعبياً، نتفق إذا أن الكاتب إله الرواية، لكنه عندما ينتهي منها يخضع للمعاير التي يخضع لها البشر في الواقع.

ما يجب على الكاتب في هذه الجانب الذي يبني فيه الرواية، ويتحكم في النسق أن يجد له طريقة مناسبة ومتزنة في طرح القضايا والأحداث وخلق الشخصيات، بحيث يتتبع القارئ خيط التشويق الذي يجعله يستمر في القراءة لمعرفة النهايات، دون أن يزهد في الرواية ويتركها، فتشابك الأحداث وتتابعها مهم جداً، وكذلك حجم الحدث وموضعه في العمل، فأن تبدأ الرواية بكارثة، يتوجب عليك أن تعطي هذه الكارثة حجمها الطبيعي المقبول لدى الجمهور فلا ترفعها أكثر، فتنهار ولا تسخطها فتتحول لحدث عرضي، لكن يمكنك أن تظهر الجوانب الخفية في الكارثة كالجانب الإنساني أو الاقتصادي أو الاجتماعي، وبهذا الأسلوب تتضخم الكارثة في عين القارئ، دون أن يكون فيها شذوذ عن الواقع.

يجب أن يكون هناك توازن، فأن تكتب شيئاً معقولاً يساير الواقع أو أن تكتب شيئاً في الخيال، يخالف الواقع أو أن تبالغ في طرح القضايا وتضخمها بالقدر الذي يفوق لفت الانتباه، ويصل لدرجة الاشمئزاز، فأنت تخلق أحداثاً في كل الاتجاهات تبنيها بتصورك الشخصي، لأن الرواية تصور شخصياً للأحداث مهما تبنت من مراجع، أو تضمنت كوارث، فهي تفسر الواقع والتاريخ بعين واحدة، والمبالغة أو الاختزال لها موقعها في الرواية فبعض الأمور يجب أن يرتفع فيها نسق التفاصيل وبعضها يأفل فيها ذلك النسق، وكل القضايا والشخصيات والأحداث يربطها أسلوب الكاتب وكيفية الطرح، فالأسلوب يجعل من الغريب مقبولاً، ومن المستنكر جائزاً، ومن الشاذ طبيعياً.

إذا أحسن الكاتب الصياغة، واستطاع أن يصل بالأحداث لمستوى الإقناع لدى القارئ يكون العمل تجاوز الإرباك وفك الاشتباك الذي يحدث بين الشخصية والحدث في الرواية، وحتى لو لم يعجب العمل الأدبي المختصين، ووجد نقداً لاذعاً، واكتشفوا فيه الكثير من الأخطاء التكوينية، يمكن للعمل أن يتجاوزهم جمعياً في عين الجمهور، ويكون مقبولاً أو ناجحاً أو مبهراً.

الإله يتحكم في كل شيء من البداية حتى النهاية، والكاتب إله الرواية، وهو المتحكم فيها، وعليه أن يخلقها بشكل جميل، وأن يعود إلى الواقع أو تصوراته؛ لأن الواقع هو ما يربط الرواية في ذهن القارئ، فوجود الإنسان في رواية خيالية هو بحد ذاته واقع؛ لأن الإنسان واقع، والأحداث الخيالية تدور حوله، أو تشابه الأحداث بين عالم افتراضي كامل مع الأحداث في عالمنا، مع الفرق في التشكيل والتلوين والبهرجة التي يضعها الكاتب لكي يكون عالماً خيالياً يناسب الطرح.

قراءة في رواية “مذلون مهانون” لـ دوستويفسكي

ما يلفت نظري حين أقرأ للكتاب الروس مسألة الحب، كيف تحب المرأة الروسية وعمق العاطفة الموجودة لديها وقوتها، وهذه الرواية بها صور جميلة ومؤلمة من العواطف تلمسها في الأحداث كلها، وكل الشخصيات الموجودة في الرواية ما عدا شخصية واحدة التي جسدها الأمير “الأمير فالكوفسكي” والتي رسمت الشر بكل ملامحه والأنانية بأبشع صورها، وكتلة الخير التي تواجهه رغم كثرتها، إلا أنها ضعيفة في مقابل قوته.

هكذا تسير معظم روايات القرن التاسع عشر؛ حيث إن الشخصيات فيها إما أن تكون نافرة عن الأخلاق والمبادئ، أو تكون ملتزمة التزاماً كاملاً بها، وتمايز الشخصيات في الرواية يعطيها ملامح أقوى لشخصياتها الرئيسية، لكنه يغفل الجوانب البشرية الحقيقية، مثل الأنانية، حيث إن في كل إنسان جزء من الأنانية لا بد أن يتحقق في حياتهم وقس على ذلك كل الأمور الأخرى، إلا أن لـدوستويفسكي نظرة ثاقبة في الشخصيات، رغم أنه لا يخرج عن الإطار العام للشخصيات في زمانه، يخلف الشخصية متسقة مع الحدث الذي وضعه ويربطها بمحيطها وما يحتويه من أحداث وشخوص بشكل منسجم لا يجعلك تخرج عن إطار الفكرة العامة للرواية.

تحاكي الرواية زمن القرن التاسع عشر بما فيه من إقطاعيات وملاك أراضي وفقراء معدمون، وما فيه من سلطة ونفوذ، وما يحتويه من ذل ومهانة للفئات الدنيا من المجتمع، حيث يكون الإقطاعي أو الأمير مالك للأرض ومن عليها يحكم فيها كيف يشاء، وكيف أن النفوذ والقوة تزداد مع ارتفاع الطبقة الاجتماعية للإنسان دون وجود لقانون واضح وصريح يحمي الطبقات الدنيا في المجتمع، وعندما يرسم الواقع في رواية يمكننا أن نحدد ملامح المجتمع الذ تقع فيه، ونعرف ملامحه الرئيسية من خلال ما يحدث في الرواية، ونعرف العناصر الرئيسية في شخصيات المجتمع من تعاطي تلك الشخصيات مع ظروف الحياة، وهذه الرواية تكون صورة واضحة عن زمانها وشخوصها وعن ظروف الحياة التي تعالجها.

تعتمد الرواية على أسلوب الحوار، ونجد صوت “الراوي العليم” أو الشخصية الرئيسية في أجزاء متناثرة من الرواية لتشرح بعض النقاط المحورية، ورغم ذلك فالكاتب ترك للحوار المساحة الكافية لنسج الأفكار والاستماع إليها، مما جعل كل شخصية تتحدث عن نفسها، أو تصفها وتحللها الشخصية الرئيسية في العمل، فكانت الشخصيات متألقة ببرها أو بإثمها حسب الظرف الذي تمر به وحسب موقعها في الرواية.

لن أتحدث عن دوستويفسكي فهو كاتب يعرفه الجميع، ويقدره الكثيرون ويمكن للقارئ أن يجد ما يبحث عنه من إصداراته وما كتب عنه في الإنترنت، واكتفى بأن أتحدث هنا عن الرواية التي شغلني وأنا أقرأها المزاج العام للعمل حيث يقودك أن القوة هي التي تحكم في النهاية، وأن السعادة تكمن في الحب، رغم كل الظروف القاسية والتعيسة التي يمكن أن يمر بها الإنسان خلال حياته، أما عن الذل والمهانة لا تختلف هذه الصفات في روسيا عن غيرها من البلدان فالطبقات الدنيا معرضة للذل والمهانة وضياع الحقوق أكثر من غيرها من الطبقات.

الرواية كبيرة الحجم تقع في 524 صفحة من القطع المتوسط أنصح بقراءتها والاستمتاع بها.

الرواية .. الشخصية الرئيسية ..

هي المحور الأهم في الرواية، ورغم أن الكاتب يمكنه أن يضع أكثر من شخصية رئيسية في العمل الروائي، إلا أن القليل يتمكنون من عدم تضخيم أحد الشخصيات لتطغى على البقية، أو يكون لها حضور لافت في الرواية بحيث يكون تأثيرها هو المحرك الرئيسي للعمل، ويمكن الملاحظة بسهولة أن الكاتب يضع لتلك الشخصية الخارطة الأقوى في الأحداث.

محورية الشخصية الرئيسية ليست فقط لأن الأحداث تدور حولها، أو أنها تحرك الأحداث، بل هي مكون رئيسي في بنية الرواية وتكوينها، بحيث أن الخلل في الشخصية الرئيسية يؤثر في العمل بشكل عام، وكلما تمكن الكاتب من تجسيد الشخصية التي تلعب دور البطولة بشكل صحيح نجح في تكوين الجزء الأهم من لأن الشخصية الرئيسية تقع في القلب وأي خلل فيها يسبب الارتباك.

مسار الرواية التي تكون فيها البطولة لشخص واحد يمشي على خط شبه مستقيم، فالأحداث تقع إما بفعل الشخصية الرئيسية أو بجانبها، يستمر التسلسل على نمط واحد تقريباً، مع تشكيل الأحداث وتأثيرها.

البطولة المشتركة في الرواية تكون متعبة للكاتب أكثر من البطولة المفردة، ففي حال البطولة المفردة ينظر الكاتب للأحداث بعين البطل فقط، لكن عندما تكون البطولة مشتركة بين أكثر من شخصية، تختلف نظرة كل شخصية للأحداث التي تدور حولها، ويختلف التحليل، وعلى الكاتب أن ينتبه للعوامل المؤثرة مثل العوامل النفسية والاجتماعية والمالية لكل شخصية.

في البطولة المشتركة تكون للرواية مسارات إما تبدأ وهي ملتقية مع بعضها، أو تكون متفرقة ثم تجتمع، ومن الممكن أن تلتقي مرة أخرى بحسب التقاء الأحداث وتنافرها في الرواية ومدى تأثيرها في الشخصيات، هذا النمط له ميزة أنه يعطي الرواية تفاصيل أكثر، ويعمق الفكرة فيمكن للكاتب أن يطرح قضية واحدة، ويضع لها أكثر من تصور بحسب الشخصيات الموجودة في الرواية.

من الضروري للكاتب مراعاة الشخصيات النسائية في أدوار البطولة، حيث إن النساء يختلفن كل الاختلاف عن الرجال في الحالة النفسية والانفعالية والتأثر بالمشاعر وحالة الصدمة وردة الفعل، من الضروري أن يؤمن الكاتب الرجل بأنه لا يكتب عن نفسه، بل يكتب عن جنس آخر له تكوينه الفيسيولوجي المختلف، وكذلك الكاتبة المرأة يجب أن تراعي تلك الملاحظات عندما تكتب عن البطل الرجل، فالتفاصيل للأجناس البشرية تميز الشخصية، وتميز الحدث أحياناً.

الرواية “الشخصيات الوسطى”

لا أجد وصفاً أجمل من مسرح العرائس للشخصيات الوسطى في الرواية التي تنتقل أحياناً لدور البطولة ثم تخبوا، وتختفي دون أن يكون لها تأثير في مجرى الرواية، فيخلق الكاتب حبيبة للبطل أو حبيب للبطلة، عدواً، صديقاً أو معلماً أو أي شخصية تتناسب من أحداث روايته، وتدعمها في مراحل معينة، دون أن يقلق الكاتب من موجودها، فمثلاً لو كانت الشخصية شريرة، استمرارها في الرواية لفترة طويلة سيجعل الرواية تتحول لصدام، فيخلقها الكاتب كشخصية وسطى تؤدي دوراً مرحلياً، ثم يتخلص منها بالشكل المناسب الذي يدعم فكرته.

ببساطة الشخصيات الوسطى يخلقها الكاتب في وسط الرواية، أو في أولها، أو في نهايتها، ويرفع من أهميتها، أو يحط من شأنها، ويمكنه من خلال تلك الشخصيات إضافة بعض الجوانب التي يشعر أن روايته تحتاجها، ولا بد من معالجتها كالجوانب العاطفية أو النفسية، مثلاً يرى الكاتب أن النص تنقصه المشاعر، فيضخم دور العاطفة بوضع شخصية تلعب هذا الدور، وتأثر على البطل أو البطلة في الرواية.

الشخصيات الوسطى عكس الشخصية الرئيسية فالشخصيات الرئيسية هي التي تسير مع الكاتب من البداية إلى النهاية، أما الشخصية الوسطى فهي مرحلة، ربما تدخل في مراحل متقدمة في الرواية، وتحتل مركزاً في البطولة، لكنها لا تكون محور الحدث، بل تكون ملازمة لأحد الشخصيات الرئيسية، من الشخصيات الوسطى في الرواية شخصية الحكيم مثلاً أو المعلم، يضعها الكاتب كمرجع ليغير دفة الأحداث، فيكون التغيير مقنعاً، وهذه الشخصية لا تكون موجودة باستمرار، تظهر بين فترة وفترة، ثم تختفي من جديد، وتسير الأحداث دون وجودها.

لا نستطيع أن نصنف الشخصيات الوسطة في دور أعلى كالبطولة، ولا نستطيع أن نحط منها لنجعل دورها هامشياً، الإبداع أن يخلق الكاتب هذه الشخصيات، كما هي في الواقع، فكل إنسان لديه في حياته الطبيعية أشخاص في القمة وأشخاص في الوسط وأشخاص هامشيون، والإجادة في خلق الشخصيات الوسطى والتخلص منها بشكل مطابق أو قريب من الواقع يجعل الرواية تلامس شعور القارئ، وتوصل الرسائل التي يريد الكاتب أن يوصلها من خلالها.

كل شخصية توضع في الرواية تأثر فيها والكاتب هو الميزان ومهارته في السرد والتعبير هي التي تجعل لكل شخصية في الرواية رونقها الخاص، فحين يرفع الكاتب شخصية وسطى في الرواية عليه أن يجيد في رسمها بالشكل الذي يناسب روايته لكيلا يراها القارئ أو النقاد كنشاز.

“الرواية” الشخصيات الهامشية ..

في كل قصة توجد شخصيات هامشية، وهذا لا يعني أن الشخصية الهامشية ليست مهمة، بل تعتبر مكوناً أساسياً لا يمكن الاستغناء عنها إلى حين تُهمش أو تُتجاهل في الروايات التي تصف المشاعر، أو تتحدث بصيغة النفس دون التطرق للكثير من الشخصيات التي من المفترض أن تكون موجودة في الروايات التي تكون بصفة الراوي العليم.

الشخصيات الهامشية يمكن أن تلعب دوراً مهماً فبعض الأحداث الضئيلة التي يوضح الكاتب من خلالها أفكاراً صغيرة تستثمر فيما بعد في الرواية كأسباب، أو توضح الرأي العام إذا احتاج الكاتب للتطرق لذلك في روايته.

كما تُرقى الشخصيات الوسطى لمستوى البطولة في الرواية يمكن أن ترقية بعض الشخصيات الهامشية أيضاً لتحتل أدوار وسطى في الرواية، أو تكون مع الشخصيات الرئيسية، بحسب سير الأحداث ونظرة الكاتب لأهمية خلق شخصية تحرك الأحداث، أو تتطرق لجوانب جديدة في العمل.

الشخصيات الهامشية كما في الواقع البشري لا يمكن الاستغناء عنها وفي الغالب تكون أدوارها مكملة للشكل العام للرواية، ويمكن إغفال أحدها في أي لحظة، دون أن ينتبه لها القارئ، أو يعير لغيابها أي اهتمام.

الرواية: الشخصيات في الزمان والمكان ..

عندما أكتب نصاً قصصياً أو روائياً وأصف مكاناً أو شخصاً أو يكون هناك حوار يناقش قضية مهمة انتبه لعمر الشخصية التي تتحدث ، ولجنسه، ذكر، أنثى، والثقافة التي ينتمي إليها.

ولأشرح هذه المسألة قليلاً، لنفرض رجلاً في الخمسين يتحاور مع شاب في العشرين من العمر، من المهم أن يكون فكر الشاب مواكب لعمره وزمانه وثقافته، وكذلك الرجل الخمسيني، يجب ألا يخرج عن نظرة الرجل الكبير ذي الخبرة والوقار مثلاً، وعلينا أن نغير الشخصيات قليلاً لنكتشف بعض الفروق، لو كان رجل في الخمسين من العمر يحاور رجل في الأربعين ، من الطبيعي إن نوعية الحوار ستختلف لتتماشى مع الشخصيات، فعمر الأربعين أكثر اتزاناً من عمر العشرين، واندفاع الشاب، أقوى من اندفاع الشيخ .

مرة أخرى لنغير المشهد، ونجعل الشخصيات تصف مكاناً لنفترض أنه مقهى، تصفه ثلاث شخصيات ، شخصية شاب، ورجل كبير في السن، وامرأة في الثلاثين من العمر، فما الذي سيلفت انتباه الشاب وما الذي سيلفت انتباه الشيخ وما الذي سيثير المرأة الثلاثينية في المكان، ولنضع حسب نظرتنا إلى الأشخاص تصور لما ستنتبه له الشخصيات الثلاث، فالشيخ الكبير سيعجبه الأثاث العتيق في المقهى الذي يعطيه ملامح الأصالة، لكنه سيشتكي أن الكرسي غير مريح، والمرأة الثلاثينية لن يعجبها الأثاث القديم ، لكنها ستبتسم للوردة الموجودة على الطاولة، أما الشاب ربما لا يعجبه المكان برمته ولا جودة مأكولاته ، فهو يريد مكاناً يتسم بالحداثة، لكن تستهويه فتاة المقهى .

من الضروري أن يكون هناك اختلافات في شخصيات الرواية ومن الضروري أن تتناغم تصرفات الشخصيات مع الأحداث بما يتناسب معها، فالشخصية القوية في الرواية لا تستسلم دون مقاومة، ولا تتوقف عن المحاولة، والشخصية الضعيفة لا تتمرد إلا في حالات نادرة بدوافع معينة، وشخصية الرجل تختلف عن شخصية المرأة، والمرأة الكبير في السن تختلف عن الشابة في العشرين من العمر، وقس على ذلك، هذا لا يعني أن تكون الشخصيات نمطية لا تخرج عن السياق، لكننا يجب أن نحرص على أن تسير الشخصية حسب الصورة التي رسمناها للشخصية في الرواية ولا تخرج عنها إلا بقناعة أو حدث يستطيع أن يؤثر في الشخصية بحيث تتبنى تصور جديد أو تغير من سلوكها .

شخصيات الرواية هي الأساس الذي تقوم عليها، والخل في الشخصيات يولد الإرباك للكاتب ويشتت ذهن القارئ بحيث لا ينتبه لجماليات الرواية بل ينظر إلى الخل، فالتحول المفاجئ لشخصية مهمة في الرواية دون مبررات مقنعة يضعها الكاتب، تخلق فجوة بين واقع الرواية وشخصياتها، وتجعل القارئ يتوقع أن يتجه الكاتب للفنتازيا، وهذا الأمر لا يحدث إلا في روايات الكوميديا أو الفنتازيا ذاتها، لكننا لا نستطيع أن نقلب الشخصيات رأساً على عقب في الروايات الاجتماعية أو الروايات التي تحاكي التاريخ دون أسباب أو أحداث مؤثرة، تكون مبرراً مقنعاً لتحول الشخصية من قناعة لقناعة أخرة أو من تصرف متوقع لتصرف متهور أو شاذ عن السياق .

ما يميز الرواية ..

تحمل الرواية في طياتها خطاً زمنياً طويلاً يميزها عن باقي الأعمال الأدبية ولا يعني هذا أنها لا تحاكي الأزمنة القصيرة مثل اليوم أو الليل والنهار، فبعض الروايات حكت أحداث ليلة واحدة، لكنها حكتها بشكل مكثف يطيل مدة الحدث المحكي ليكون حدث مشروح بأبعاد أطول من الواقع دون إهمال الزمن الحقيقي للحدث، والعكس صحيح فأحياناً تحكي الرواية مدة تاريخية طويلة بشكل يختصر الزمن، لكنها في الحالتين لا تنكر الزمن الحقيقي للحدث أو للشخصية ، فخطوط الزمن تسير في الرواية بشكل منتظم أو مرتبك ضمن إطار محدد لا تتجاوزه، يزامن الشخصيات والأحداث، حتى السرد لا يخرج عن الإطار الزمني إلا ليشير إلى زمن سابق أو آتِ بشكل واضح.

الشخصية أو الشخصيات ميزة في الرواية ، فالرواية إما أن تحكي شخصية واحدة أو تحكي لعدة شخصيات، وتتنوع أساليب السرد فأحياناً لا تنال الشخصيات منزلة البطولة التي تكون للحدث أو للمجتمع، عبر عدة شخصيات ورغم ذلك تمر الأحداث عبرها لتصل للقارئ، وما يميز الشخصية في الرواية عن غيرها من الأنواع الأدبية هي أن الرواية تضع الشخصية موضع القلب فهي التي تبث الروح في الحكايا والأحداث والمحيط، وتتناول الشخصية بأبعادها المختلفة الإيجابية والسلبية، الجميلة والبشعة، بشرح طويل لكي تتشخص للقارئ فيعرف الأبعاد ونمط التفكير، مما يثير لديه المشاعر فيتعاطف مع الشخصية أو يكرهها.

المتعة، في هذه المسألة ألذ ما يشتهيه القارئ، وهي الهدف الأول الذي يجعل أي إنسان يقتني الرواية، فنظرة القارئ للرواية أنها عمل أدبي لطيف يحاكي الحياة والأفكار والقضايا والكوارث وتطرحها بشكل ممتع، رغم أنها تتضمن الألم والمصائب والكوارث، إلا أنها تتناولها بشكل يساير الواقع الإنساني العاطفي الذي يتفاعل مع الشخصيات والأحداث، أناس تبكي، تضحك، تحب وتكره إلخ..، فالمسار العاطفي لا يعني الحب فقط، بل يعني التعاطف والتفاعل مع كل شيء، المكان، الشخصيات، الأحداث والزمان، وكل تلك الأمور تصور المتعة باختلاف تصورات القراء، فالشباب تثيرهم العاطفة والجنس، لكنهم في الرواية يتتبعون التسلسل العاطفي المتنامي، ويمكننا القياس من هذه النقطة على كل نقطة اهتمام لدى القراء سواءً في التاريخ أو الفلسفة أو العلوم إلخ…

تأثير الرواية، علينا أن نرفع هذه النقطة لأعلى درجة، فتأثير الرواية لا يقع في القراءة فقط، بل يقع في النفس فالقارئ يعيش معها فترة من الزمن، ليست فترة صمت، بل هي فترة تفاعل وانجذاب سواء للحدث أو للشخصيات، مما يجعله يتلقى الأفكار بشكل أعمق وأكثر تأثيراً مما يتصور، كما أن تأثير الرواية على القارئ يكون بشكل تراكمي يسير من البداية حتى النهاية، حدة التعاطف والتفاعل لدى القارئ ترتفع تدريجياً، ولا يعني أن كل من يقرأ الرواية يؤمن بما تطرحه فربما تولد لديه نفور من تصرف أو واقع أو شخصية، أو تجعله ينظر بشكل عكسي لقضية معينة، لكن كل هذا لا يعني أن الرواية لا تؤثر في القارئ، على العكس تماماً فالنفور هو أمر نقيض الانجذاب لأمر آخر، الكاتب أحياناً يريد أن يُنفر المجتمع من تصرف شاذ أو يريد أن يجذب المجتمع له، فيختار القارئ الاتجاه الذي يراه أكثر صواباً أو الاتجاه الذي يرغب، والتأثير يقع عاطفياً في نفس القارئ وهذا هو التأثير الأقوى في حياة البشر .

الرواية .. الإغراء والجنس ..

عندما كنا شباباً نقرأ الروايات العاطفية بكثافة، تأسرنا شخصياتها، كنا ننظر إلى القبلة على الورق بلذة تفوق الواقع، وننظر إلى العاطفة التي أوصلت تلك الشخصيات للقبلة بشيء من اللذة الدفينة خلف العاطفة، بحيث يكون للمسة شعور وللنظرة شعور وللبسمة شعور، الحدث العاطفي المكتوب، يفجر الخيال لدى فئة الشباب على وجه الخصوص، فيعطي الحب قيمة أعلى وأسمى من الممارسة الجنسية، ويرسخ مبدأ أن العلاقة الجنسية لا تتولد إلى حين تكون هناك عاطفة صادقة مشتركة لدى الطرفين.

لكن هناك اختلافاً كبيراً بين الخيال والحقيقة فالحقيقة أن الرغبات الجنسية غريزة في الإنسان تتكون وتنمو حتى تصل إلى مرحلة الهوس إن لم يكن هناك أسلوب صحيح يفرغ شحنة الرغبة، ومن الطبيعي أن يختلف البشر في غرائزهم ورغباتهم، ويختلفون أيضاً في تصوراتهم للغريزة، وكيفية وصلهم لمرحلة اللذة النهائية.

لا أريد أن أشرح هذه الأمور، فأنا لست طبيباً ولا مختصاً في علم النفس كي استرسل في هذا الجانب، طرحته فقط لكي نواجه الواقع بعين تبين أن التفكير في الغريزة تفكير حقيقي لا يمكن إغفاله، رغم أنه يختلف من شخص لآخر، ولكي أتحدث عن هذا العامل الذي أراه مهماً في الروايات التي نقرأها وتثيرنا فيها تلك الحركات المغرية التي تجعلنا نتصورها في عقولنا بمتعة ولذة تفوق واقعنا أحياناً.

لا نستطيع أن نعزل الحقيقة في الرواية، مهما خلقنا مجتمعات فاضلة ومتدينة، فالغريزة باقية، والتنقيب عن المتعة مستمر، لكننا نستطيع أن نضع ذلك الهوس الجنسي في قالب من القدسية الذي يعطيه قيمة أكبر من كونه تفريغ شحنة غريزية، فنخلق له جانباً عاطفياً وجانباً نفسياً، وجانب أخلاقياً يوازن الثورة التي تشتعل في الجسد، ويعيدها لإطارها السليم، فالعاطفة في الحقيقة تعطي الممارسة الجنسية أبعاد ألذ من الممارسة العشوائية البهيمية، وهذا الأمر مرتبط بمدى رغبتنا في الاقتراب من المحبوب وملاطفته والشعور به، فتكون لحركاته معنى أجمل، ولقربه دفئ خاص ولقبلته شعور بالتواصل يفوق ما نريده من إثارة.

لا يمكننا أن نترك الجنس على الهامش، ولا يمكننا أن نغفله في الرواية وخاص العاطفية، فالعاطفة بين الرجل والمرأة مرتبطة بالقرب والحميمية، وحين يقتل الكاتب هذا الموضوع في روايته فهو يقتل جزءاً حقيقياً في تكوين الإنسان، ويجعل علاقة الرجل والمرأة جامدة، وتهميش العلاقة الجنسية في الروايات العاطفية، يفقدها الدفء العاطفي، الذي يريده البشر ويسعون إليه.

ما الذي على الكاتب فعله، حين يكتب رواية عاطفية؟ لا يمكنني أن أجيب عن هذا السؤال إجابة وافية، فكل إنسان ينظر إلى هذا الجانب من منظوره الخاص، وكذلك بحساسية مختلفة فللبشر تصوراتهم، وللكاتب تصورات وخيال، وكل ما يمكنني أن أقوله إن وجود الجنس في الرواية يجب ألا يخرج عن النسق الطبيعي، بحيث أن لا يترك القارئ الشاب الأحداث في الرواية، ويتتبع مراحل الجنس فقط، بل يجب أن يكون الجنس ضمن تكوين الرواية العاطفي، ويعتبر حدث فيها دون هدم الأحداث الأخرى، ونمو العاطفة هو ما يجعل الكاتب يسير في نسق مغري، دون أن يحوله لنسق جنسي متمرد على الرواية.

الرواية تعطي العاطفة القيمة الأكبر، وتأطر العلاقة الجسدية والمتعة الغرائزية في إطار جميل ومبجل بحيث تكون الأمور المتعلقة بالمحبوب في الرواية لها روابط خاصة ومشاعر خاصة، والرغبة لا يكون هدفها فقط المتعة، بل هدفها الرئيسي العاطفة ونموها، بحيث تكون الغريزة البشرية هي مرحلة جميلة في العلاقة العاطفية، ولا تكون هي الهدف والنهاية.

وللماضي سلام..

حيث تكونين سلاماً، فأنا لا أريد لكِ إلا السلام، فإن كنت مع نفسكِ في سلام لا تفكري كثيراً في من حولك، غالبا هم لا يستحقون تلك الدقائق الثمينة التي ستنفقيها عليهم، ولا يستحقون المساحة التي من الواجب أن تخصصيها لهم في قلبك، هم مجرد أشخاص يتحركون في فراغ الذكريات .

استسلمي للسكون واشربي قهوتك في هدوء تام، افتحي تلك الكتب التي أهملتها فترة من الزمن، اقرئي، وأتمنى أن لا تجدي أشباح الماضي كامنة بين السطور، وأن لا يزعجك حين تقرئين شيئاً يثير الشجن، أو يحيي الذكريات، أو شيئاً من الحب، فلا معنى لتلك المشاعر فالسطور والحروف جامدة، ويجب أن تكون مشاعرك أيضاً جامدة.

كل شيء يجب أن يسخر لكِ، مكتبك، كُتبك، أقلامك، مفكرتك، وحدتك، فراغك، حتى جنونك، لا تشركي فيه أحد، تذكري أنكِ تملكين كل هذه الأشياء عزيزتي فلا تفرطي فيما تملكين، احرصي أن تكوني وحيدة فالوحدة أبلغ من الصحبة، والفراغ أثمن من الاجتماع، وغالباً ما تكمن قيمة الأشياء الصغيرة في وجودها بين يديكِ.

لا وقت لديك لتنفقيه لأحد، ولا تمنحين قُبلة الحياة لأحد فأحياناً ما تكون تلك القبلة مميته ، لا تفكري أن تهبيها لأياً كان، احتفظي بها لنفسك، لا تغامري، لأنك إما أن تقتلي بها شخصاً، أو أن تقتلي بها نفسك.

قولي وداعا ليس لي أنا، أو لأحد ممن كانوا حولك في أحد الأيام، بل وداعا للصخب الذي سببته لكِ، وللأمل الذي دمرته في في نفسك، وللحب، الذي يقولون أنه أكبر كذبة عرفها التاريخ، قولي له وداعا، فربما يستحق هذا الوهم الوداع.

الصدى ..

هل تسمعين ؟ ..

أناديكِ

أنا هنا

بين جفنين

أحدهما أنتِ

والثاني أنا

بين الجحيم والنار

تكمن جنة

فيها الورود تشتعل

بالأرواح وتضيع

فيها أسكن أنا

بين الجحيم والنار

واشتعل

أتعرفين معنى الأرق

وهل تعرفين معنى الورق

الأرق أن أفكر في النوم، ولا أفعل

والورق أن أفكر في البوح، ولا أفعل

فاسكن بين وسادتك وأوراقك

حتى أذبل

في الحيرة

معاني

وفي الصمت

معاني

وبينهما أنا

لا أستكين

فأعاني

ارحل

أبقى

لا فرق

سأبقى أعاني

بين الأرق والورق

أناديكِ

أنا هنا

لا أستكين

بين الحياة والموت

أنا ..

رحلة أمل

أنا ..

رحلة ألم

أناديك

هنا تسمعين؟

أنت في عالم صاخب…

جئت لأكتب، لكن خطرت لي فكرة أن فتح المتصفح، دخلت على اليوتيوب، بحثت عن بعض الفيديوهات، ووجدتها، ثم انتقلت إلى مواقع مختلفة أنشر تلك الفيديوهات التي رأيت أنها مميزة، وقد فعلت كل ذلك، وتركت صفحة مايكروسوفت وورد مفتوحة، ولم أكتب شيئاً، ثم عدت لأفتح الصفحة البيضاء، إلا أن الأفكار عادت إلي من جديد، ماذا حصل في موضوعك الذي طرحته للنقاش على الفيس بوك؟ وما مدى التفاعل الصورة التي وضعتها على الإنستغرام؟ ففتحت المتصفح من جديد، وتوجهت لصفحتي، لأرى حجم التفاعل، ثم توجهت للفيس بوك لأرى ما الذي جناه ذلك الموضوع من إعجابات وتعليقات، وبعد نصف ساعة، عدتُ إلى صفحتي البيضاء التي لم أكتب فيها شيئاً.

هكذا تسير الأمور في الغالب فالعقل المشغول بأمور صغيرة لا يمكنه أن يركز كثيراً، مثل ما حدث لي من جولة اليوتيوب والفيس بوك والإنستغرام ومدونتي وغيرهم من التطبيقات، شيء بسيط، كان بإمكاني أن أمر أيضاً على الواتس أب، وأرى تلك المجموعات وما يدور فيها وما هو الجديد، حينها ستمر الساعات، دون أن أفعل شيئاً مهماً، ودون أن أجلس أمام تلك الصفحة البيضاء لأسودها بتلك الفكرة التي جعلتني أغادر فراشي لأكتبها.

عندما تريد الكتابة على جهاز الكمبيوتر أو على النوتة في الهاتف المحمول، فأنت تكتب في عالم صاخب، يناديك فيه أشخاص كثر، من كل حدب وصوب، تلتف يميناً ويساراً، تكلم هذا وتلوح لهذا، وتشاكس هذا، وتترك ما تريد القيام به بالفعل، فكل الوسائل الحديثة التي سهلت لنا عالمنا أشغلتنا أيضاً عن أمور أخرى ربما تكون أهم وأرقى من تلك المسائل.

المهم أن نعرف كيف نستخدم وسائلنا، ومتى تكون مهمة ونافعة، ومتى تكون سلبية تشتت أفكارنا في أمور لا ترقى أن نجلس أمامها، أو نهتم بها لفترة طويلة، “الوقت” هو العامل الأكبر في حياة البشر، متى عرفوا كيف يستخدمونه، وفي ماذا يستخدمونه، يمكنهم أن ينالوا الفائدة، وطالما بقي الوقت دون أهمية لدى البشر تتناثر الدقائق والساعات هباءً دون عمل مفيد ونافع.

إن ما توفره وسائل التواصل الاجتماعي والتطبيقات الأخرى أضاف إلينا الكثير، لكنه سلب منا الكثير، أضاف لنا سهولة المعرفة، وسهولة التواصل وسهولة طرح الأفكار، وهنا عند الأفكار أريد أن أضع علامة استفهام؟ لأقف وأتجرد من كل شيء، حين أجد أن كل الأفكار أصبحت مشوشة، الأخبار أصبحت كاذبة، والجدل الذي يدور من حولي لم يوفر لي ما أريد، وأتمنى أن استبدل هاتفي بهاتف لا يحمل شاشة ملونة، ولا تعمل به التطبيقات الحديثة، وأتمنى أن اترك الكمبيوتر، وأعود إلى الورقة والقلم، ثم أفكر من جديد من يمسك الآن ورقة ليقرأها، وإذا كتبتها، هل سأنشرها كورقة أم سأنشرها كنص.

أعود وأطرد التجرد، ويزيد إيماني أن كل شيء مهم في حياتنا الورقة والقلم، الهاتف الذكي والكمبيوتر، كل التطبيقات وكل وسائل التواصل الاجتماعي، العالم الآن لا يعرف لغة غيرها، فإن تركت كل تلك الأمور ستكتشف أنك تعيش في عالم آخر لا ينتمي إليه أحد سواك.

بالفعل كل شيء في حياتنا أصبح مهماً، كل ما كنا نعتقد أنه كماليات أصبح من الأساسيات، وكل ما علينا هو أن نستخدم تلك الأمور الحديثة لنستفيد منها لا لكي نضيع فيها.

عجباً ..

ألا تخبريني لماذا أنظر إلى هاتفي كل دقيقة وأنتِ غائبة؟ وكيف ستخبرينِ وأنتِ غائبة؟ أحياناً ترد إلى ذهني أسئلة غبية، وأنا أفكر فيكِ، ولا أجد لها تبريرات ولا أسباب تدفعها للظهور، تنبثق في ذهني فجأة حين تمرين ببالي وأحياناً أخرى تحملك تلك الأسئلة إليّ لأقف أمام نفسي عارياً، واكتشف أني أضعف مما أظن.

نعم أنا ضعيف ولولا الألم الذي أحمله في نفسي تجاهك لما تأخرت أبداً، هناك شيء يقف حائلاً بين نفسي التي تريدك ورغبتي التي تدفعني إليكِ وبين تلك الخطوة الصغيرة التي تكسر كل المسافات بيننا، تجعلني احبس يدي عن كتابة رسالة وامنع مشاعري المزعجة واسجن نفسي لأمنعها أن تتهور وتهرول في اتجاهك، فأنتِ لا تعنين لي الحب وحده كما تظنين، فأصابعك مزقت أوتار اللهفة.