ندوة فلسطين بين الواقع والأدب

‏”سأتشرف بإدارة ندوة “فلسطين بين الواقع والأدب”
التي تجمع كوكبة مميزة من الأدباء
سعادة الدكتور عبدالرحمن الكواري
الدكتور محمد اليحيائي
الأستاذ الشاعر علي الفياض

لا تحزني ..

لا تحزني فما أنا إلا فُتات وشيءٌ من الذكريات وشيءٌ من الأمنيات، لا تحزني حين الرحيل وارحلي حيث الوجود، فأنا السأم المضجر والملل الذي لا يطاق وأنتِ الحياة، كل الحياة، يكمن فيكِ لون الزهور وعطرها ورحيقها فلا تذبلين بين أناملي البائسة، انطلقي بعيداً وأشرقي في فضاءات الهوى والنعيم، ولا تنظري خلفك فهناك كمٌ من البؤس لا تستحقينه دعيه يأكل بعضه وينتهي.

لا تحزني فما أنا إلا طيفٌ غريب مر من أمامك وداعب عطر مشاعرك، فدعيني أمر وأحمل ذكرياتي معي، لا تقلقي فالأطياف لا تحمل الكثير من الماضي لكنها لا تترك حسرته، فلما تحملين معي الحسرات، دعيني وانطلقي لآفاق الخيال وروعة الجمال ولا مانع حين تتذكرين أن تبتهلِ لأجلي قليلاً ولا تكثري من الابتهال فلا أستحق أن أنتزع منكِ الدقائق التي تزخرف وقتك وتزينه .

لا تحزني فأنا شيءٌ قليل لا يلبي طموحك وشيءٌ ضئيل لا يملأ عينيك فأغمضيها وسأتلاشى دون جهد، احتفظي بكحلك الجميل وسحرك عينيكِ البهية، لا تغرقي روعتك في تعاستي وانطلقي لتقطفي الكثير، الكثير من الحياة والأمل.

لا تحزني فلا يليق بكِ الحزن ولا الدموع فتلك اللآلئ الغالية التي تنحدر على وجنتيكِ مؤلمة لا أريد أن أراها وصدقي أني أحبك لذا أقول: أرحلي أهربي فعواطفي قيود ومشاعري أغلال وحبي سجنٌ مظلم يصعب علي أن تسكنيه ويصعب أن أراكِ تذبلين بين جدراني مكبلة.

لا تحزني حبيبتي، إن كنت أستحق يكفي أن تحملي معكِ بعض الذكريات الجميلة رغم أني أعرف أنها قليلة تذكرينها وابتسمي، لا تحزني لا تحزني.

7 أكتوبر ..

ليست القضية الأسرى الإسرائيليين ولا صواريخ القسام التي لا تحمل رؤوساً متفجرة قوية، القضية هي اختراق حدود إسرائيل البرية وهذا الذي لم يحدث منذ حرب الـ 48، فكيف لفصيل مسلح لا يشكل جيشاً ولا دولة يستطيع أن يخترق كل الأسوار والحصون والمجسات الحساسة التي وضعت لمراقبة أصغر الحركات عبر حدود غزة ويتوغل لمسافة 40 كيلومتراً داخل إسرائيل في عملية خاطفة يحتل خلالها عدد من المستوطنات والقواعد العسكرية دون أن تكون هناك مقاومة تذكر.

الصدمة هي التي أخرجت اسوء ما في إسرائيل، المخاوف، الفشل، الاستسلام، فقد تحقق الخوف الدفين الذي يغلفونه بكمية كبيرة من القوة العسكرية ويتخذون بسببه الاحتياطات المبالغ فيها لكي يتمكنوا من أن يقتلوا شعور الخوف الذي تحقق في هذه العملية بسبب الفشل الذريع لأجهزة المراقبة وكل خطوط الدفاع المعقدة وقد خطر في ذهني اجتياز خط بارليف، حيث إن إسرائيل كلما حصنت موقعاً يكون هو الثغرة الأضعف للاختراق فكما سقط بارليف في ساعات انهارت خطوط الدفاع المحصنة المتتالية حول غزة في ساعات لا أكثر، فاستسلمت المواقع دون مقاومة وسقط الأسرى من العسكريين دون مقاومة وبدون أن يضعوا الاعتبار للأسلحة التي في أيديهم.

إسرائيل لا ترغب في تسليم الأراضي ولا ترغب أن يُمس أمنها القومي كما تدعي لذا حدث التهور بعد الصدمة فأصبح القصف عشوائياً دون التفكير في حجم الأضرار ولا عدد الضحايا من المدنيين في القطاع، وهو ما يمثل عملية انتقام متهورة ربما تدعمها أطراف دولية لفترة من الزمن، لكن لن يكون الوقت مفتوحا لعمليات عشوائية مدمرة لفترة طويلة إن كان هناك صمود فلسطيني يعطل الحياة في إسرائيل، وكذلك الأسرى المحتجزين لدى القسام سيكون لهم دور مهم وفعال في وقف القصف ووضع قواعد أخرى للمفاوضات لم تقبلها إسرائيل في السابق.

هناك سيناريوهات كثيرة طرحت بعد أن حرْكت الولايات المتحدة حاملات الطائرات للمتوسط، أولها كما تدعي أمريكا أنها لحماية إسرائيل ومنع أطراف أخرى من التدخل في الصراع، لكن هناك احتمالاً ثانياً وهو استدراج حزب الله للمشاركة وشن حرب تصفية في حقه مع اكتساح غزة وترحيل الفلسطينيين لسيناء، وأنا شخصياً أستبعد أن تدخل إسرائيل في حرب طويل في محورين مختلفين مهما كانت قوتها، ورغم أنها جربت هذا الأمر لمدد قصيرة في السابق ونجحت لكنها ستواجه نوعيات مختلفة فما تحاربه لن تكون قوات ظاهرة على الأرض بل عصابات وستكون الحرب استنزاف طويل الأمد، هناك سيناريو ثالث لا يقوله المحللون وهو أن هذه الهجمة التي قامت بها حماس واخترقت من خلالها إسرائيل ستضع قواعد جديدة في المنطقة وستكون بداية لحل أفضل للفلسطينيين تتمكن خلاله حماس من الحصول على اعتراف دولي بمستوى معقول بشرعيتها سواء بشكل مستقل أو عن طريق إدماجها في حركة فتح بشكل مؤثر واستخدام أفضل للمعابر الحدودية لضمان تدفق السلع والمؤن لقطاع غزة بشكل منتظم.

ربما لا تقف السيناريوهات عند هذا الحد وأيضاً من الممكن أن تحدث تطورات إيجابية أو سلبية تخدم أو تضر الجانب الفلسطيني، ومهما حصل علينا أن نعترف أن هناك قوة استطاعت أن تربك إسرائيل وتدمر كل أوهام الجيش الذي لا يقهر ولو وجدت قليلاً من الدعم ستفرض وضعاً جديداً في الشرق الأوسط يبنى على التوازن لا الاستسلام.

رواية الحرب للدكتور محمد اليحيائي

قدمت هذه الورقة في جلسة توقيع رواية الحرب في مكتبة الحي الثقافي “كتارا” بتاريخ 13/9/2023

تحكي الرواية بصورة عامة عن حرب ظفار التي تبنى فيها الثوار الفكر الشيوعي السائد في ذلك الوقت لكن الرواية متجوزة لهذا الحدث في الكثير من جوانبها حيث خلق الكاتب مجتمعاً عماني بكل عناصره تقريباً في الولايات المتحدة تجاوز من خلاله قيود الداخل وفتح الآفاق لنظرة متحررة من كل عقبات وعقد المجتمع والسلطات المحلية، وأعطانا نظرة متفتحة لتصور يطرح لعمان بشكل مغاير ومن زوايا مختلفة عبر شخصياته المتحررة.

هناك حروب كثيرة في الرواية فحرب ظفار رغم ثقل وطأتها إلا أنها ليست الحرب الوحيدة فهناك حروب الأئمة والسلاطين وحروب مع المحتل الأجنبي لكن الكاتب وضع الثقل لحرب ظفار لأنها الحرب الأخيرة ولأنها استغرقت الكثير من الوقت والجهد والفكر لكي تنتهي ويمكننا أن نشاهد تأثيرها في الواقع الحالي لو دققنا النظر.

الحرب ليست هدف الرواية إنما الهدف الأسمى هو عُمان الوطن الذي ترغب كل شخصيات الرواية في رسم صورته بشكل جميل وأحداث التغيرات التي تنقل الوطن من مجرد أرض لمعنى متجاوز تلك الصورة النمطية التي تُفرض على العقول بشكل إجباري في أوطاننا العربية دون أن يكون للمواطن إسهام في وضع ملامحها، ولهذا كان المجتمع العماني في الولايات المتحدة هو الصورة الأقوى الأنجع لوضع تصور صحيح للوطن دون خوف أو ريبة.

لعبت الشخصيات دور هام في الرواية بحيث أن كل شخصية كانت تعكس شريحة من المجتمع منهم المناضل المحارب الذي دمرته الحرب ومنهم اللامبالي الذي لا يكترث إلى بشؤونه اليومية وعمله، وآخر تضرب عروقه في التاريخ العماني ويتذكر عهد الإمامة وانهيارها لكنه  منفصل عن القيم ويعيش في تفسخ رغم اعتزازه بتاريخ الوطن والأسرة، ومنهم الموظف الذي يعيش واقع الوطن لكنه انتقل إلى الخارج لفترة قصيرة ومكنه ذلك من خلق المقارنات واكتساب المعرفة الناقصة التي يحتاجها، ومنهم الفتاة المتفتحة بنت المناضل التي تحيا حياة غربية في شكلها وتحمل معها عمق عُمان وحنينه لكنها ترفض أن تعود إليها.

كرستينا سعيد تلك الفتاة الجميلة البهية الشهية الناجحة في عملها التي تربط بين كل شخصيات الرواية وتجمعهم حولها وتهتم بشؤونهم وتراعي مشاعرهم فهي كالأم في احتوائها لأبنائها وهي كالوطن الذي يجمعهم، ورغم أنها فتاة جميلة يحبها الجميع إلى أنها ترسم لنا أكثر من صورة في الرواية فلو تجاوزنا المشاعر العاطفية بين البشر سننظر إلى كرستينا على أنها عُمان الوطن الذي من الواجب أن يأوي إليه الجميع وعليه أن يحتويهم، أو ننظر إليها بمعنى آخر يرسمها كالحلم الذي يتمنى الجميع أن تكون عليه عُمان جميلة بهية أنيقة ناجحة يحبها الجميع وتحتوي جميع أطياف المجتمع دون تمييز أو عنصرية.

في واقع الرواية كرستينا هي الرابط بين أجزاء الرواية وشخصياتها فهي ابنة المناضل سعيد علي الذي عاد للوطن بعد أن اقتنع أن المبادئ التي قامت عليها ثورة ظفار لا يمكن أن تتحقق في منطقة الخليج ثم اقتنع أن القيادة الجديدة في البلاد تريد أن تبني مستقبلاً يشارك فيه الجميع، عاد للوطن وأصبح ذا منصب رفيع يرتبط مباشرة مع السلطات العليا ليعيش في ترف القيادة ويبقى هاجس التغيير الذي يعود به للماضي موجوداً في خفايا نفسه حتى يكتب مذكرات الحرب لابنته، وهذه الشخصية تحمل رمزية خاصة في الرواية فهي التي تقع عليها كل مسؤولية التاريخ القريب وحرب ظفار.

سعيد قيصر لا يمثل شخصية عادية في الرواية فقد وضعه الكاتب ليخط مسار الرواية والاتجاه الذي تسير فيه وهو الشخصية الوحيدة في الرواية التي خرجت من الوطن تحمل الآمال المدمرة ونظر إلى الصورة من الخارج وعاد للوطن ليسحق كل طموحه ويسترجع ذكرياته العاطفية الميتة ومن خلاله وضع الكاتب المشاهد المنعزلة في  كمشاهد سينمائية منفصلة يلقى الضوء من خلالها على حدث معين كنقطة تركيز يقف عندها القارئ ويتخيل المشهد ويستنتج من خلاله ما حدث وما يمكن أن يحدث، وسعيد قيصر يعتبر هو الأكثر ارتباطاً بالوطن ينظر إليه من خلال معالمه ويزرع فيه آماله التي يريد من خلالها أن يحقق ذاته، دون جدوى، وتبقى في المخيلة كرستينا كما آماله المعلقة في الوطن البعيدة المنال، وبه ختم الكاتب روايته أن يتركه يكتب “الحرب” دون أن يحدد نوع الحرب ولا زمنها، وتنتهي الرواية والقارئ يفكر حرب التي سيكتب عنها سعيد قيصر.

سعيد زاهر التاريخ والحاضر، وجدت في ملامح شخصيته الكثير من التناقض المناسب للعمل من حيث وضعه الاجتماعي وثرائه ونسبه العريق الذي يتصل بنسل الأئمة، ورغم أنه يعشق كل شيء عريق إلا أنه لا يريد عراقة الوطن وأيضاً لا يريد أن يتخلى عن عراقة النسب، وهذه الشخصية لا تأتي من انفصام لكم في معتقدها أن الوطن مما كان جميلاً فهو لا يعطيها مستوى الحرية والانفتاح اللامحدود التي تصبو إليه فتبنى الهرب من فكرة العودة وتمسك بأصالة الوطن في غربته، والتناقض يكمن في تصرفاته التي لو حدثت في الوطن لأصبحت شاذة أو مستنكرة.

سهيل محاد، يمثل الأغلبية الصامتة التي لا ترغب في الحديث يعمل ويلهو بأي شيء ليضيع وقت الفراغ دون أهداف زائدة أو طموحات جارفة، نمطية الحياة تملؤه فلا يفكر في المزيد وهو مقتنع أنه بخير، ومن وجهة نظري هو يمثل الشعب البسيط الذي يسير خلف رزقه ولا ينظر لأكثر من ذلك فإن حصل له خير ولا يطمح بالمزيد وإن حصل شر أوى إلى جحره ليتقيه.

عيسى صالح، كل تراكمات الوطن بحروبه ونزاعاته وتصادماته ومعاركه، تحمل كل تبعات الهزيمة فاختلطت كلها فيه معنويا وعاطفياً ونفسياً حتى فقد قيمة الإحساس وأصبح يضع الحب في مكان مخالف لحقيقته، يحب كرستينا وفي أعماقه تسكن امرأة أقدم وأعرق منها كانت في البعيد هي الأمل والدافع وهي الرجاء، شخصية مدمرة لا تستطيع أن تحمل تلك الشظايا المتبعثرة من التاريخ والأزمات فتتناثر نفسه في كل الاتجاهات ولا يجد وطنناً يأويه، فيعيش في الضياع يبحث ويبحث حتى يكتشف أنه وحيد.

عندما تناقشت مع الدكتور محمد اليحيائي ذكرني بشخصية هامشية في الرواية كانت تعمل في الظل كان لها تأثير في شخصيتي الرواية المهمين زوجها سعيد قيصر وبنتها كرستينا سعيد، أخبرت الدكتور أنه وضعها كشخصية متوارية في الرواية وكأنه لا يريد أن يلتفت لها أحد، فلم يخالفني الرأي لكنه لفت انتباهي إلي تأثيرها فملامح التغيير التي أحدثها على تلك الشخصيات التي عايشتها كان يحمل التغيير ويحمل أيضاً نظرة المستقبل.

لا أستطيع مهما حاولت أن أكون فكرة واحدة صلبة في الرواية فكل شخصية وكل حدث في الرواية حين أنظر إليه يتشظى في مخيلتي ويخلق تفسيرات كثيرة لحدث أو شخصية في العمل، وواقع الرواية يدفع بهذا الاتجاه فتشظي السرد الذي نثره الدكتور بين دفتي الكتاب يساعد على خلق تفسيرات متعدِ لكل شخصية، ونتائج متباينة لكل حدث، فكرستينا نظرت إليها أنها وطن بينما لا يعتبرها الدكتور اليحيائي كذلك، ولنقس على هذا الأمر الرواية كلها.

كلمة..

ليست الكلمات مجرد حروف فصلتها مع النفس أكبر فهي تعبير عما نشعر به وما يدور في خواطرنا

فنكتبها لكي:

نعيش لحظة

نمجد لحظة

نخلق معها لحظة .. نعود بها لأشواقنا لنعيشها وفي النهاية يقولون إنها كلمة .. وهي كل التعابير والمشاعر والألم ، هي رسول .. هي سهم ، هي أنا وأنت.

قراءة في كتاب “رواية تغريبة القافر” للكاتب العماني زهران القاسمي

هي عُمان بكل ما تحويه من عجائب وأساطير وغرائب مثلها الإنسان العماني الذي لا يختلف كثيراً عن شعوب المنطقة ورغم خصوصية عمان بواقعها الجغرافي إلا أنها تبقى مكوناً أساسياً في شبه الجزيرة العربية، ربما تختلف الأساطير من مكان لآخر وتتلون بألوان مختلفة.

في عمان ارتبطت الأسطورة بمعتقدات أكثر تعقيداً، بينما في الجوار كانت الأساطير تنمو حول الأشخاص ورجال الدين نمت في عمان في قوى ما وراء الطبيعة فتزخرفت وتطورت حتى رسخت في عقول الناس على أنها حقائق، وهذه المسألة حاول السيد زهران أن ينقضها في الرواية بأسلوب جميل حيث يضع الأسطورة أو المعتقد في حدث وينقضه بحدث حقيقي، ورغم ما فعل إلى أن صورة المجتمع في الواقع انعكست على الرواية فالبشر يعودون إلى الأسطورة رغم أنهم عرفوا أنها وهم.

الرواية باختصار هي قرية في عمان تحوي كل الأساطير والتاريخ، فيها القوي والضعيف، الغني والفقير، المنبوذ والمرعب، تبدأ بحالة موت امرأة تنبت منها حياة طفل يكون أسطورة بحد ذاته، وقد وظف السيد القاسمي بأسلوب جميل الأحداث لتحقق أسطورة القافر “سالم بن عبدالله” فتتحرك الأحداث بمرونة ويتحول سالم من شخص منبوذ لشخص مميز يملك قدرة لا يملكها الجميع لكن قدرته لا تتصل بعالم الأرواح والأشباح بل تتصل برهافة سمعه فأذنه التي كان يضعها على الأرض ويظن المحيطون به أنه يسمع أصوات ساكنيها كانت تسمع صوت المياه صوت الحياة، فالماء هو الحياة وهو الأيقونة المستمرة في الرواية من بدايتها لنهايتها ارتبط بالموت واتفق مع الحياة لتستمر في المسير.

توجد في الرواية الكثير من الأحداث والأساطير المحلية ويوجد بها أيضاً نظام القوى التي تحكم وتتحكم فيمن حولها وفي داخل الرواية أحاديث المجتمع ما يخافه الناس ويخشونه ومن يتجرؤون ويعتدون عليه دون رحمة، فللمجتمع في تصور الكاتب سلطة على الضعفاء لا يستخدمها أبداً ضد الأقوياء والأغنياء، الضعيف هو من يتحمل كل جنون المجتمع وضغوطه وجبروته.

أيضاً ارتباط الإنسان العماني بالأرض بمواشيها وزروعها وافلاجها التي شكلت العصب الأساسي للزراعة وأقوات الناس، وقد استخدم الكاتب هذا الارتباط ليوضح أهمية الحفاظ على قيمة الفلج ووضع الصور التي عاناها البشر حين جفت السماء وكيف أنقذتهم الأفلاج وإعادتهم للحياة من جديد.

قيمة الرواية لا تكمن في المتناقضات والمترادفات التي تحويها من حياة وموت وجفاف ومطر وشقاءٌ وسعادة، وخيال وأساطير، بل تكمن قوتها في نسيجها الذي سار بشكل جيد ليرسم عبر شخص واحد صورة مجتمع مصغر متمثل في قرية عمانية تتلخص فيها النظرة العامة وتتكون فيها أسطورة “القافر” الذي رحل للمجهول.

تقع الرواية في 228 صفحة من القطع المتوسط أنصح بقراءتها.

جلسة لقراءة وتوقيع رواية «الحرب» لمحمد اليحيائي في الدوحة – الموقع الرسمي لجريدة عمان

https://www.omandaily.om/%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D8%A9/na/%D8%AC%D9%84%D8%B3%D8%A9-%D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%A1%D8%A9-%D9%88%D8%AA%D9%88%D9%82%D9%8A%D8%B9-%D8%B1%D9%88%D8%A7%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1%D8%A8-%D9%84%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%AD%D9%8A%D8%A7%D8%A6%D9%8A-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D8%AD%D8%A9

اقدار ..

تجد الأقدار مراسيها على شواطئ أيامنا فهي تعرف أين تنزل وماذا تفعل

ليس في مقدورنا أن نتصرف في أقدارنا .. لكننا نستطيع أن نتصرف مع أقدارنا .. فنحمد ما هو جيد .. ونعالج ما هو سيئ ونعايش ما استدام.

الحكمة تتولد من الرَوية .. والتفكر .. ولا تتولد من التهور والاستعجال.

لنتحدث عن السعادة..

ماذا سنجني من السعادة التي نسعى ورائها لاهثين؟ ما الذي سنحتفظ به من الحب والغنى؟ نحن إلى زوال، وكل هذه الأمور لا بد زائلة ، فما نحمل من ذكريات هو مخزون شخصي في أغلبه لا يحمل همه المحيطون بنا، يبقى في خصوصيتنا الشخصية، الأسرة تحمل جزءاً من هذه الذكريات لكنه أقل والمحيط الاجتماعي يحمل جزءاً أقل مما تحمله الأسرة، وكلما اتسعت الدائرة زاد فراغ الذكريات وأصبحت ضعيفة لا تحمل قيمة مؤثرة.

الذكريات التي نحملها وتأثر فينا ونحن أحياء تضعف تدريجياً في مسافات الحياة التي تبتعد عن نقطة الذاكرة وتضعف مع مرور الزمن، فكيف بها حين يتلاشى الكيان الجسدي لحامل الذكرى، لا أظن أنها تبقى مع الرفات ولا يستطيع التراب أن يخزن ذلك الكم الهائل من الذكريات التي تعود إلينا من المجهول أثناء حياتنا التي نعيشها تحت تأثيرات متغيرة، التفاصيل الصغيرة التي تستطيع أن تشعرنا بالألم والحب والشوق والندم وليدة تركيبات نفسية وفسيولوجية معقدة تحدث نتيجة التفاعل في الجسد الحي ويترتب عليها الكثير من التصورات المقتبسة من أعماق الذاكرة، وفي حالة الموت تنقطع تلك التفاعلات بشكل نهائي مع تحلل الجسد.

إذا لماذا نلهث وراء السعادة في الدنيا؟ ونبحث عن البهجة والمتعة سوى أننا نريد أن نعيش شعوراً معيناً في لحظة معينة ووضع معينة لنحصد لذة محددة أو شعوراً، أحياناً تنتكس محاولاتنا لتصدمنا وتنقلب الذكريات التي كنا نأمل أن تكون سعيدة لذكريات تعيسة أو مؤلمة نحملها معنا طوال الحياة ولا نستطيع أن نتخلص منها.

لو فكرنا في اللذة بشكل عام أو حتى الألم الناتج عن المواقف سنجدها محدودة الزمن لا محدودة التأثير حيث إنها لحظات أو دقائق تنتهي ويبقى الشعور المتولد عنها فترة أطول من زمن الواقعة التي عشناها بالفعل، مثلاً لحظات السعادة تجعلنا نسير في مسار أطول من مسار الشعور الذي عشناه ذاته ومسافات زمنية أبعد، كأن نشعر بالسعادة بوجود إنسان معنا في لحظات معينة، يتولد من ذلك مسار زمني نكون حريصين أن نبقى مع الشخص بسبب تلك اللحظات التي تراكمت في ذاكرتنا كنقاط مبهجة تجعلنا نتمسك بالإنسان الذي فجر لدينا ذلك الشعور، حتى لو تغير ذلك الشخص تغييراً ملحوظاً لا يكون الاستغناء عنه بالسرعة التي مرت بها لحظات السعادة.

أيها المجهول..

أيها المجهول، تعبت أفكر في تفاصيلك لأجعل لك كياناً يمكنني أن أتعامل معه دون حيرة، رسمتك في مخيلتي إنسان لطيف وجشع يجمع التناقضات يخلق المحبة من لا شيء ويشعل النار في كل شيء، أردت أن أراك لكي أقتل الخوف من الجهل فأنا الجاهل الضئيل الذي ينظر إلى البعيد حتى يحترق بصره في أفق لا ينتهي يبحث عما رسم في عقله، يتوقع أن يرى ما يجهل ليطمئن ويكف عن التفكير وأنت تستمتع بحيرته وتخلق مجاهيل أكثر ليبقى بصره معلقاً في أفقك للأبد.

أيها المجهول، ها أنا ذا بين النار والجنة يسبقني اللهب حين أجري خائفاً وتبتعد الجنة حين آتيها راكضاً، فلا احترقت ولا تنعمت، بين رجاء وأمل أترقبك لتكشف لي المسافة بين النعيم والجحيم؟ وتعطيني أرضاً آمنة لأقف وألتقط أنفاسي دون خوف.

أيها المجهول، تعرف أني لا أكون إلى حين أبحث عنك في ثنايا الماضي ومساحات المستقبل، تلك الفراغات المطوية في سجلات التاريخ وتلك الصحائف البيضاء المنثورة في مستقبل الزمن، أنا بينهما بين ما كان وما سيكون، أردت أن أكشف المجاهيل وأفكك رموزها عللي أجد أحد الخيوط الذي يوصلني إليك فأمسكه بكلتا يدي وأسحبه لتراني أقف أمامك وأصرخ “لقد جئت إليك، لأكون أنا” بينك وبين الأفق أقف أحمل تلك الأسئلة الحائرة لأنثرها في وجهك وأقول لك “أجب”.

أيها المجهول، أنت كالسراب الجميل الذي يعلق الظمآن عليه كل آماله في الحياة حين يراه فيلهث ورائه وهو موقن أنه سيروي ظمئه القاتل ولا يدري أنه يسير لحتفه بإرادته والأمل يملئه، هل رأيت إنساناً يسعى لموته بسعادة مثل ذلك العطشان، هل رأيته حين وصل إليك وعرف أنك وهم لا طائل منه إلا الموت، حينها يضحك حتى انتهى مثل آماله التي احترقت في رحلة البحث عنك.

أيها المجهول، يكفيني من غيابك أنك دمرت تلك الأحلام التي صنعتها من جهلي وغبائي، والأوهام التي علقت عليها صحف المجد الكاذبة، وتلك الأمنيات التي كنت أرعاها لكي تنمو في حدائق الخيال الخصبة. شيءٌ واحد جميل أحمله كل وأشكرك عليه، أنك ساعدتني على أن أحرق الأيام في رحلة البحث لتمر بلا ملل قبل أن أرحل.

رحيل ..

تكمن الحياة بين “المهد واللحد” وبينهما نكون نحن بشر نعيش التفاصيل بكل جزئياتها الواقع والماضي الذكريات والنسيان، نحب ونكره يملؤنا اليقين بالاستمرار لما لا نهاية، والنهاية تكمن على بعد أمتار منا لا أكثر.

نتجاهل النهاية لكي نستمتع بالحياة فيسيطر علينا الواقع وننسى النهاية التي تكمن خلف واقعنا تعد اللحظات وتترصد الفرص.

يأتي الوداع بثوب الرحيل الأبدي ليخبرنا أنه لن يعود

تشاءم قليلاً لو سمحت ..

علينا أن نخاف فلا شيء يبعث على الاطمئنان البتة، الأوبئة، الحروب، النزاعات الاقتصاد، الأخلاق والمبادئ والقيم والقوانين، الدول كلها تسير نحو الانحدار وكأننا نقف على حافة عالم ينهار ولا بد من السقوط، من سينجو؟ لا أحد يعرف ذلك، لا أتحدث وأنا متوهم أو مخدوع، بل أتحدث من واقع الشعور العميق بالإحباط وأظن أني أتقاسم هذا الشعور مع كثيرين حولي، بعضهم يسعى للإصلاح والبعض الآخر يريد أن تقترب ساعة الصفر لينتهي الأمر، لكن ساعات الصفر دائماً ما تأتي بالفوضى ولا تأتي بالإنجاز .

يموت العالم من الوباء وتشل حركته وبعض الدول لا تفكر في هذه الأمور وتسعى للسيطرة وفرض الأمر الواقع دون الرجوع لمبادئ ولا قوانين لمجرد أنها تملك القوة، وأخرى تسعى لأن تكون قوية لذا تعمل على تدمير الأقوى لتحل محله، عجلة تدور وتدور ولا بد من التغير في النهاية لكن ذلك التغير المرتقب لا نعرف متى يحين ولا ما سيحل بنا حين يأتي فمعنى الانهيار هو الدمار ولا معنى آخر له .

الكل يسعى للمال تلك الدول الفقيرة تسعى له لكي تطعم شعوبها والدول الغنية تسعى له لترفه عن شعوبها وفي النهاية حين أصبح المال هو الهدف والصراع هو وسيلة الحصول عليه ذابت تحته كل الأخلاق التي بنيت عبر سنين وانهارت تحت وطأته كل القيم الأخلاقية التي توارثتها البشرية، الأديان السماوية الثلاث بدأه تلبس هوية مشتركة في الضياع فلا دين للمال ولا أخلاق ولا مبادئ، المال هو الذي يضع القانون وهو الذي يرسم المستقبل ويحدد مصير البشرية .

نحن بشر مؤمنون بآدميتنا، نعيش لنعمل ونأكل ونشرب ونتكاثر وهذا خط لا ينتهي ويجب أن يسير فيه الجميع الغني والفقير وكلاً منا يعمل بطريقته، ليحقق أهدافه بوسائله الممكنة، لكننا أصبحنا لا نفكر في الطريقة الصحيحة، بل نفكر في الطريقة الأقصر للوصول للهدف، نريد أن نصل تحت أي شعار ولو تخلينا عن كل شيء في سبيل تحقيقه.

كما يبني البشر خط حياتهم وأهدافهم تبني أيضاً الدول ذلك الخط للوصول لأهداف أكبر وأقوى فما تملكه الدول أكبر بكثير مما يملكه الفرد وهنا تكمن قوة التجمع فالبسيط حين يكثر يصبح ثروة، والثروة تقاد لتحقق أكبر مصلحة، وأيضاً الثروة يطمع فيها الآخرون سواء كان الآخرون يملكونها أو لا لكنها تثير الشهية وغرائز الرغبة التي ينكرها الجميع لكنهم حين تكون المبادئ عقبة يبطؤونها دون تفكير لأجل الحصول على الثروة وحين تتصادم المصالح دون أن يكون هناك قانون لا بد أن تنتشر عقيدة الغاب ويأكل القوي الضعيف دون رحمة وهذا بالفعل ما نسير باتجاهه لكنا نسير إليه بشكل وحشي فمناهج السياسة والمال حين طغت على كل شيء انهارت المجتمعات وأصبحت لا تحافظ على القيم والمبادئ ، تحذر من القوانين لأنها تخشى العقوبة ، وحين تتأكد أن كسر القانون لن يضرها في شيء تكسره دون الرجوع إلى الضمير .

وبدلاً من أن يغذي المجتمع السياسيين ورجال الأعمال بأناس يحملون مبادئ وقيم سليمة أصبحت المجتمعات تزودنا بالكثير من السياسيين الفاسدين ورجال الأعمال الأكثر جشعاً وعساكر أكثر توحشناً ورجال دين الأكثر تطرف، نحن نسير في اتجاه الهاوية شئنا أم أبينا فكل شيء مصيره الانهيار وما بعد الانهيار ؟ لا أحد يعرفه لكنهم جميعاً يفكرون في الفوضى، لست متشائماً بل محبط وأنا أرى الصورة العامة للعالم وهو يتنازعه الطمع والجشع وحب السيطرة.

متميزون ..

عندما تجلس مع شخص يستطيع أن يجعلك تفكر بعمق أكبر ويفتح لك آفاقاً جديدة ويجعلك تقرأ خرائط الحياة بمنظور مختلف وتنظر إلى الواقع من زاوية لم تشاهدها من قبل تعرف مدى حاجتك لأن تتعلم أكثر فهناك جوانب في الحياة لا يستطيع أن يصل إليها عقل واحد، بل هي نتاج عقول كثيرة وخلاصة أفكار من مدارس شتى، تجمعت وتصادمت وأنتجت أفكار أخرى أكثر قوة وأكثر واقعية وأكثر فاعلية.