قراءة في رواية “إمبراطورية الملائكة” للكاتب الفرنسي برنارد فيربير.

انهيت العمل منذ قليل ولم اتوان في الكتابة عنه، هذا الشعور انتابني وألح عليّ قبل أن انهي العمل لا لشيء إلا أنه استفز فيّ أشياء كثيرة مثل: النظرة للغيب، التفكير فيما بعد الموت، التأمل في العوالم الخفية من منظور خيالي، وهذا لا يعني أني اقرأ الرواية بمنظور الكاتب، بل سأحتفظ بالنقد للسطور الأخيرة من هذا المقال فهناك الكثير من الملاحظات التي يمكنني أن اذكرها دون تردد.

العمل كبير قليلاً لكنه ممتع وطرح بأسلوب جميل يجعلك تفكر فيما سيحدث وهذا ما يستدعي الرغبة في استمرار القراءة بشكل شبه متواصل، فالأحداث كثيرة وتقع في أكثر من مكان، وكذلك الشخصيات الرئيسية والفرعية، والأهم من ذلك الأسلوب الجميل ولنبدأ بشخصيات الرواية.

الملائكة:

ميشيل بانسون: هو الراوي في هذه الحكاية وعلى لسانه تسرد الأحداث

رافاييل: الملاك الباحث عن الحقيقة الأعلى والمتطلع للغيب.

إدمون ويلز: لعب دور المرشد للملائكة لكن صوته تكرر كثيراً تحت بند الموسوعة وكأنه يلعب دورين رئيسيين فمن جهة هو موجود بشخصيته في الأحداث ومن جهة أخرى تحت بند الموسوعة، يسرد معلومات استخدمها الكاتب كنقاط مضيئة في العمل.

توجد الكثير من الملائكة في الرواية ادوارهم فرعية.

البشر:

جاك: عانا من صعوبات في دراسته ويعاني من ذاكرة ضعيفة يتمتع بخيال واسع وسيمتهن الكتابة والتي يمر معها بحالات تعاسة متكررة حتى يستقر، يحب القطط ويؤمن بأنها ملهمته.

فينوس: فتاة مدللة عاشت الشهرة منذ الصغر وتطورت امنياتها فأصبحت عارضة أزياء، ملكة جمال ثم ممثلة وتستقر في النهاية.

إيجور: روسي يمر بمراحل كثيرة وينتقل من دار رعاية ايتام لمصح ومن ثم للجيش ويستقر لكنه ينتهي بلا هدف.

هناك شخصيات بشرية فرعية كثيرة في الرواية.

الرواية:

تنتقل الرواية من الأرض إلى السماء بموت البطل ميشيل بانسون وترسم منظور لمرحلة الانتقال عبر رحلة فيها مراحل انتظار ومحاكمة حتى يترقى البطل الرئيسي لدرجة ملاك ومن هنا تبدأ الرواية الفعلية التي تشرح دور هذا الملاك مع موكليه في الأرض ومع أصدقائه الملائكة الآخرين، وبما أنه موكل بثلاثة من البشر يحمل كل فصل عنوان لكل شخصية بشرية رئيسية لكتب عنها منذ الولادة وحتى الموت، وهناك أيضاً حديث يدور في الجنة خصص له عنوان في كل فصل وفي خاتمت الفصل الموسوعة التي يكتبها ادموند ويلز، وبهذا نشاهد في كل فصل خمسة عناوين أو أكثر والرابط الرئيسي بينها هو بطل الرواية ميشيل بانسون، العنوان الوحيد الذي ستشعر في البداية أنه خارج السياق هو عنوان الموسوعة الذي كان يوقع باسم ادموند ويلز موسوعة المعرفة، في الفصول الأولى تشعر من كثرة المعلومات والشخصيات انها تتداخل في عقلك ومن ثم تتسق وتترتب مع التكرار.

الأسلوب:

اعتمد الكاتب على أكثر من صوت في الرواية منها بطل الرواية ومنها الموسوعة والراوي العليم، لكنها متسقة مع العمل، وانتهج أسلوب مميز في توزيع الأدوار بين شخصياته البشرية بحيث أن ترتيب السرد في كل فصل لا يسير بتناسق تراتبي مثلاً: فينوس تأتي في المقدمة في بعض الفصول وتأتي في الوسط في بعضها أو في الأخير، وكذلك المواقع فبين الأرض والسماء تأتي الأحداث أحياناً قبل الحديث عن الشخصيات أو بعدها، الجزء الثابت هو الموسوعة التي تأتي في نهاية كل فصل لتضيء لك نقطة أو تشرحها.

الأسلوب به الكثير من التعقيد لكنه التعقيد الذي يخدم العمل والذي يمزج بين المعلومات المستقاة من التراث الديني اليهودي والمسيحي، والخيال الذي يرسم الصورة الذهنية، والفلسفة الخاصة بالكاتب، والذي يتضح انه يملك مهارة عالية في المزج بين تلك الأمور ونسجها بشكل لا يلفظه القارئ، بل يتقبله لأن أسلوب الكاتب جميل ومقنع.

النقد:

ستلاحظ دون المزيد من الجهد أن عالم الملائكة كله من العرق الأبيض وبالأخص من اليهود والمسيحيين، والبشر المنتخبين للرعاية من الملائكة من نفس الديانتين، وبهذا اختزل الكاتب المنتخبين للجنة من العرق النقي من منظور غربي بحت.

كل المعلومات المستقاة في تصوره للجنة مأخوذة من العهد القديم أو التوراة، ويشير إشارات بسيطة في الحديث للشامانية مثلاً البوذية لكنه لا يأخذ من تصوراتها في جنته ومن الطبيعي لا يذكر الإسلام نهائياً.

الشعوب الأخرى موجودة لكنها لا تقع تحت رعاية الملائكة ولا مكان لها في الجنة، وحين تحدث عن الشرق قال أنهم برابرة.

الكاتب:

من أصل يهودي لكنه لا أدري أي لا يؤمن بدين حالياً وربما مخزونه الثقافي طغى على تفكيره، أو ربما يحمل عنصرية ضد الآخر أي ما دون العروق التي يؤمن الغرب أنها نقية وأنها منتخبة من الإله.

تقييم العمل:

العمل أدبياً رائع وممتع ويحمل الكثير من المعلومات والخيال والفلسفة والإلحاد يقع في 398 من القطع المتوسط، انصح بقراءته لأنه ممتع لكنه يحمل أفكار إلحادية.

المترجم:

تحية اجلال للمترجمة أريج حمود فلغة الترجمة كانت راقية جداً لدرجة أنك لا تشعر أن العمل كتب بلغة أجنبية فلا خلل في اللغة ولا المعنى.

النقد من منظور إلهي ..

أنهيت قراءة كتاب “موت الناقد لـ رونان ماكدونالد” منذ فترة طويلة وكتبت هذه السطور لكني لم انشرها سابقاً، ولن أعلق كثيراً فمادة الكتاب جيدة بها الكثير من المحاور المهمة التي سيستفيد منها من يقرأه، يتناول نظريات عدة منها نظرية موت الناقد عبر مراحل مختلفة من خلال كُتاب ونُقاد وأكاديميين بين ضفتي الأطلسي، إنجلترا والولايات المتحدة، وينقل الكثير من الآراء لكل مرحلة مر بها الأدب والجمال والثقافة منذ بداية القرن الماضي حتى نهايته، يتعاطى مع النقد بشكل موضوعي في الكثير من المواقع، إلا أنه عاد في نهاية الكتاب لينصب الناقد إله للأدب واللغة والجمال.

نقد تقويمي نقد تحليلي نقد فني إلخ.. ما لم يتطرق له الكاتب هو تعالي النقاد وبيع أقلامهم ومحاباة الأسماء الكبيرة التي يخشون المساس بها، وهذا الأسباب أثرت أكثر من غيرها، والتي دعت المجتمعات الثقافية والأكاديمية والشعبية لقتل الناقد كصورة من صور الانتقام “من وجهة نظري، لا أرفض منظومة النقد التي تدعو للارتقاء بالعمل الأدبي لكني اقبل أن ينصب الكاتب نفسه إلهاً في الرواية، فيخلق ما يريد ويقتل من يريد ويفعل ما يشاء لكي يعطي العمل قيمة إضافية، يصنع الأحداث ويكرس المشاعر، ويركز النظر على نقاط يريدها أن تصل للمتلقي من خلال مقدرته الإلهية المتواصلة في العمل وجهده، وحين يتأله الناقد يتعامل مع المخرجات الأدبية تعامل الأب المسيطر والإله لحاكم.

حين ينصب الكاتب نفسه إلهاً يُمكنه ذلك من الوصول لهدفه، وحين ينصب الناقد نفسه إلهاً يخسف بكل ما يراه غير مناسب من منظوره الشخصي، ويغفل أن العمل الأدبي مر بمراحل، واحتاج إلى مجهود وعمل طويل متواصل لكي يخرج إلى النور، بينما يضع الناقد نقده في جلسة في مقهى لا تتجاوز الساعة، ليموت الناقد أو يعيش لا يهم، المهم أن تُراجع المهام النقدية كما تراجع الأعمال الأدبية، وأن توضع لها معايير كما وضع للأدب معايير وشروط.

“الناقد كما الأستاذ يوجه والتوجيه لا يحتاج إلى إبداع بقدر ما يحتاج إلى مهارة ومعرفة وشعور وإدراك”

قراءة في كتاب “دمج العناصر العقلانية والإرشادية في عملية اتخاذ القرار” للكاتب د. يوسف الكواري.

لست ضليعاً في مجال الإدارة لكني أملك بعض المعلومات المفيدة مثلي مثل باقي الموظفين، لكن هذا الكتاب يجعلك تنتقل إلى مستوى أعلى من واقعك، لأنه يحاكي مسألة “اتخاذ القرار” في دولة قطر، وهذه مسألة مهمة جعلتني اهتم بقراءته بتمعن وتركيز حيث إني أجد قصور في هذا الجانب الذي يحاكي واقع الإدارة القطرية على مستويات صنع واتخاذ القرار.

هذا الكتاب يحمل قدراً كبيراً من المعلومات، رغم حجمه الصغير حيث تطرق بعناية لأساليب اتخاذ القرار، وشرح كل جوانبها والنظريات التي تعززها أو تنقضها، ورغم أن الكاتب استخدم كم كبير من المعلومات من المختصين، إلا أننا نجد لمسته واضحة من خلال أساليب البحث التي اتبعها لتحليل المعلومات واستقاء النتائج، من مستويات عليا للإدارة في قطر في الاستبيانات والمقابلات الشخصية التي وضحت لنا الصورة الصحيحة لأساليب اتخاذ القرار المعتمدة في الدولة.

مهما كانت نتائج البحث الذي تضمنه هذا الكتاب فهو نقطة مهمة في كشف الجوانب الإدارية والأساليب المتبعة في المستويات العليا من الإدارة القطرية، التي يعاني القطاع المدني فيها من مشاكل كباقي الأنظمة الإدارة في كافة دول العالم، لكننا في قطر نفتقر لهذا النوع من الدراسات لنكتشف نقاط الخلل ونضع تصورات صحيحة لحلول في المستقبل.

تحية للدكتور يوسف الكواري على هذا العمل القيّم، وننتظر منه دراسات وأبحاث أخرى تكشف جوانب جديدة عن الإدارة في الدولة، وأتمنى عليه أن يطلع على القوانين الإدارية، ويضع دراسة عن مدى فعالية القوانين الإدارة وملائمتها لواقع الإدارة القطرية وجوانب القصور فيها.

كتاب دمج العناصر العقلانية والإرشادية في عملية اتخاذ القرار” للكاتب د. يوسف الكواري يقع في 113 صفحة، ويحمل معلومات مهمة في أساليب اتخاذ القرار أنصح بقراءته للمختصين والمهتمين في مجال النظم الإدارة.

قراءة في المجموعة القصصية “التبغ الأحمر” للكاتبة فلونا عبد الوهاب.

متنوعة تلك القصص التي قرأتها لدرجة أن كل قصة تنقلك لمحيط مختلف وعالم مختلف وفكر مختلف لذا كان من الواجب استحضار التركيز مع المتعة ليكتمل المشهد التخيلي الكامل أمامي، وقد وجدت أن تلك القصص تحاكي الواقع والمشاعر والخيال والعاطفة، وهذا التنوع الجميل يجعلك تعرف أن الكاتبة استطاعت خلق عوالم خيالية، واستطاعت أن تدمجها في الفكر القصصي اللذيذ، فجمعت بذلك روعة القصة ولذة الحكاية، وأخرجت لنا “التبغ الأحمر”.

من واقع معرفتي لأسلوب الكاتبة فلونا عبدالوهاب كنت مقتنعاً أني سأجد لغة جميلة وراقية حين أقرأ العمل الذي بين يدي، ولم يخب ظني فيما سرت إليه فلغة العمل راقية وجميلة، واستطاعت أن تنقل لنا كل الجوانب المهمة في القصص بوضوح دون ابتذال، استخدمت الكاتبة اللغة القوية البسيطة التي يفهما الجميع، لم تقعرها ولم تهشمها، وهذه نقطة مهمة أجدها دائما في أعمال السيدة عبد الوهاب، فهي تتمتع بحس شعري وشاعري يجعل الصياغة لديها سلسة ومنمقة في آنٍ واحد.

في المجموعة القصصية لفتت انتباهي قصة التبغ الأحمر لما تحمله من مشاعر مكثفة رسمت على لسان سيدة تنظر بعين الحب ولذة العاطفة، فكانت بليغة في المواقف الصغيرة التي يمكنها أن تجعلنا ننظر إلى الموقف من زاوية مختلفة، ونتعاطى مع مشاعر صاحبة القصة برغبة في الاستماع للمزيد، لكن أيضاً وقفت عند قصة رسالة من العالم الآخر رغم أنها خيالية، وربما لا تحدث في الواقع، لكنها جعلتني أؤمن بأن الكاتبة متمكنة فمجرد أن تقدر أن تجعل القارئ مستمتعاً بخيلك فأنت كاتب تملك الأسلوب والإقناع، وهذا ما جعلني أرفع القبعة للكاتبة فلونا عبدالوهاب.

تحتوي المجموعة القصصية على أربع قصص *سبعة أيام من الجنون *لا تخبر أحداً *التبغ الأحمر *رسالة من العالم الآخر، وتقع في 117 صفحة من القطع المتوسط، أنصح بقراءتها والاستمتاع بها.

قراءة لرواية الثقب الاعوج من الاستاذة أزهار الأنصاري..

قراءة في رواية “مذلون مهانون” لـ دوستويفسكي

ما يلفت نظري حين أقرأ للكتاب الروس مسألة الحب، كيف تحب المرأة الروسية وعمق العاطفة الموجودة لديها وقوتها، وهذه الرواية بها صور جميلة ومؤلمة من العواطف تلمسها في الأحداث كلها، وكل الشخصيات الموجودة في الرواية ما عدا شخصية واحدة التي جسدها الأمير “الأمير فالكوفسكي” والتي رسمت الشر بكل ملامحه والأنانية بأبشع صورها، وكتلة الخير التي تواجهه رغم كثرتها، إلا أنها ضعيفة في مقابل قوته.

هكذا تسير معظم روايات القرن التاسع عشر؛ حيث إن الشخصيات فيها إما أن تكون نافرة عن الأخلاق والمبادئ، أو تكون ملتزمة التزاماً كاملاً بها، وتمايز الشخصيات في الرواية يعطيها ملامح أقوى لشخصياتها الرئيسية، لكنه يغفل الجوانب البشرية الحقيقية، مثل الأنانية، حيث إن في كل إنسان جزء من الأنانية لا بد أن يتحقق في حياتهم وقس على ذلك كل الأمور الأخرى، إلا أن لـدوستويفسكي نظرة ثاقبة في الشخصيات، رغم أنه لا يخرج عن الإطار العام للشخصيات في زمانه، يخلف الشخصية متسقة مع الحدث الذي وضعه ويربطها بمحيطها وما يحتويه من أحداث وشخوص بشكل منسجم لا يجعلك تخرج عن إطار الفكرة العامة للرواية.

تحاكي الرواية زمن القرن التاسع عشر بما فيه من إقطاعيات وملاك أراضي وفقراء معدمون، وما فيه من سلطة ونفوذ، وما يحتويه من ذل ومهانة للفئات الدنيا من المجتمع، حيث يكون الإقطاعي أو الأمير مالك للأرض ومن عليها يحكم فيها كيف يشاء، وكيف أن النفوذ والقوة تزداد مع ارتفاع الطبقة الاجتماعية للإنسان دون وجود لقانون واضح وصريح يحمي الطبقات الدنيا في المجتمع، وعندما يرسم الواقع في رواية يمكننا أن نحدد ملامح المجتمع الذ تقع فيه، ونعرف ملامحه الرئيسية من خلال ما يحدث في الرواية، ونعرف العناصر الرئيسية في شخصيات المجتمع من تعاطي تلك الشخصيات مع ظروف الحياة، وهذه الرواية تكون صورة واضحة عن زمانها وشخوصها وعن ظروف الحياة التي تعالجها.

تعتمد الرواية على أسلوب الحوار، ونجد صوت “الراوي العليم” أو الشخصية الرئيسية في أجزاء متناثرة من الرواية لتشرح بعض النقاط المحورية، ورغم ذلك فالكاتب ترك للحوار المساحة الكافية لنسج الأفكار والاستماع إليها، مما جعل كل شخصية تتحدث عن نفسها، أو تصفها وتحللها الشخصية الرئيسية في العمل، فكانت الشخصيات متألقة ببرها أو بإثمها حسب الظرف الذي تمر به وحسب موقعها في الرواية.

لن أتحدث عن دوستويفسكي فهو كاتب يعرفه الجميع، ويقدره الكثيرون ويمكن للقارئ أن يجد ما يبحث عنه من إصداراته وما كتب عنه في الإنترنت، واكتفى بأن أتحدث هنا عن الرواية التي شغلني وأنا أقرأها المزاج العام للعمل حيث يقودك أن القوة هي التي تحكم في النهاية، وأن السعادة تكمن في الحب، رغم كل الظروف القاسية والتعيسة التي يمكن أن يمر بها الإنسان خلال حياته، أما عن الذل والمهانة لا تختلف هذه الصفات في روسيا عن غيرها من البلدان فالطبقات الدنيا معرضة للذل والمهانة وضياع الحقوق أكثر من غيرها من الطبقات.

الرواية كبيرة الحجم تقع في 524 صفحة من القطع المتوسط أنصح بقراءتها والاستمتاع بها.

قراءة في رواية “كتاب الأوهام” للكاتب بول أوستر.

سأتحدث أولاً عن أسلوب الكاتب الذي يستطيع أن يوهمك أن كل ما هو حشو في الرواية مهم ومهم للغاية، وستقتنع بلا شك؛ لأن أسلوبه جميل ومقنع فرغم أن الرواية تقع في 351 صفحة، إلا أنها محشوة لأخرها بالفقرات المطولة التي تتناول جوانب فنية في الأفلام وشخصيات الرواية، ولو أن الكاتب كان غير متمكن لما استطاع أن يقنع شخصاً مثلي لا يهتم بالمجال السينمائي كثير من إتمام هذا العمل الذي اعتبره معقداً ومتداخلاً لأبعد الحدود، ونظرتي هذه لم تولد من فراغ؛ حيث إن الشخصية الرئيسية “أستاذ جامعي” تتحدث عن شخصية ثانوية، وتتابعها باهتمام لدرجة أنك تظن أن تلك الشخصية استلمت زمام الأمور في الرواية، وأن النهاية ستقع حين تختفي هذه الشخصية الثانوية، ثم يعود بك الكاتب للشخصية الرئيسية باندفاع يجعلك تعاود التفكير بأسلوب وفكر الشخصية الرئيسية.

تتحدث الرواية عن أستاذ جامعي يبحث في حياة ممثل قديم عمل في زمن الأفلام الصامتة واختفى فجأة، وهذه هي العقدة التي بنى عليها الكاتب كل أفكاره، ونسج حولها الأوهام التي اصطبغت بها الرواية، وستظن في وقت من الأوقات أن كل ما يقوله حقيقي، ثم يكشف لك الوهم الذي جعلك تتماهى معه وتصدقه.

لقد استمتعت بالرواية، وحرصت أن أتمها وأنا في كامل تركيزي، وهذا لا يعني أني لم ألاحظ الجوانب الأخرى السلبية ولا الأبواب التي مط فيها الكاتب الفصول على نحو معقد، وهو يتكلم عن تفاصيل أفلام بشكل مطول لبطله المفقود “هكتور مان” فكان من المقنع أن يشرح الكاتب فلماً واحداً لكي يوصل للقارئ مدى مهارة الممثل، لكنه استرسل أكثر وأكثر، وشرح أفلاما كثيرة بتفاصيلها الدقيقة، وقد شعرت بالملل في الفصول الأولى؛ بسبب هذا الشرح المستفيض.

نقطة أخرى تعتبر ميزة وعيباً في ذات الوقت فبطل الرواية الحقيقي هو أستاذ جامعي يبحث في حياة ممثل اختفى من الساحة في العشرينات من القرن الماضي، ومن كثافة البحث تعتقد أن البطل هو ذلك الممثل، وتنسى الأستاذ الجامعي، وتعتقد أن الكاتب دمج الشخصية الرئيسية بشخصية المتحدث “الراوي العليم” ولهذا الوجه ميزة وعيب فالميزة أن الأدوار تتبدل في الرواية والعيب أن بعد موت الشخصية الفرعية تشعر ببرود في الرواية، رغم أن الكاتب وضع الكثير من الأحداث المعقدة بعد موت الممثل، إلا أنه في اعتقادي كان يحاول أن يقنع القارئ بأن كل شيء تحقق منه في روايته لا دليل عليه، خلق الوهم في نهاية الرواية بشكل فج عبر سلسلة من الموتى الذين أنهى حياتهم بقلمه.

تقع الرواية في 351 صفحة من القطع المتوسط، جيدة في العموم أنصح بقراءتها.

قراءة في رواية “الزنبقة السوداء” للكاتب ألكسندر دوما

تستطيع أن تخمن كل أحداث الرواية وأنت تقرأها، لكنك ستكتشف أنك مستمتع بالقراءة، ولا تريد تجاوز أحداثها عبر خيالك فسير الأحداث كان بشكل كلاسيكي منتظم كما هي الرواية الكلاسيكية في أحداثها لها بداية واضحة وشخصيات واضحة وأحداث أيضاً واضحة وتنتهي بالسعادة.

هي زهرة، لكنها كانت تختزل الحياة والعمل والإنجاز والأمل والحب والخوف، وهذه النقطة الكثيفة في الرواية التي جعلتني أسير بشكل سريع في قراءتها لكي أرى الصورة من خلال الكاتب، وكيف تمكن من أن يجعل لتلك الزنبقة كل تلك القيمة العالية في قلب شخصيات الرواية، فهناك حب بين رجل وامرأة وهناك خيانة وحسد، وكل تلك الأحداث تتبلور وتتضح حول تلك الزهرة الجميلة التي تخلق فيها الحياة يد جميلة حانية، وتخلق بدورها الحياة في الشخصيات.

شخصيات الرواية كثيرة، لكن الأساسية والتي تدور حولها الحكاية هي ثلاث شخصيات كانت واضحة المعالم، بحيث أن تكون الشخصية النقية نقية في كل تفاصيلها دون شائبة والشخصية الخبثة غارقة في عمل الرذيلة، دون أن يخالط القارئ أي شك أنه سيصدر منها فعل مخالف، أو تردد في مساعيها السيئة وقس على ذلك كل المشاعر في الرواية، فكل شيء حاد في الرواية الأحداث والشخصيات والمشاعر بحيث تشعر وأنت تقرأ كأنك ستلمسها بيدك.

هولندا هي المكان والسياسة، رغم بعدها عن جمال الزهور ونقائها، إلا أنها ألقت قذاراتها على تلك النفوس الطاهرة التي كانت تتحرك في المحيط لتحقق الأحلام، هكذا مزج الكاتب بين القذر والنقي والخبيث والطاهر ليحدث صراع حول زهرة استطاعت أن تجذب الجميع إليها، فكلهم داروا حولها وكأنها الحياة رغم سوادها، إلا أنها تحمل القدر الكافي من الجاذبة والسحر لتشغلهم وتخرج ما بنفوسهم

تقع الرواية في 337 صفحة من القطع المتوسط، أنصح بقراءتها.

قراءة في رواية “المدعوة غريس” للكاتبة مارغريت آتوود

لم تكن رواية عادية فهي في الحقيقة قصة واقعية حدثت على أرض الواقع، وجُمِّعَت أجزاءها أكثر من مرة، وهذا الإصدار حول القصة إلى رواية لتصل إلينا مع لمسات أدبية جميلة، وفي قالب روائي أنيق، وعندما أقول أنيقاً فقط فإني أظلم الرواية فهناك إبداع تمكنت الكاتبة منه، ووضعته عبر الفصول بشكل متسلسل عبر شخصياتها واحداثها التي جمعتها وخلقتها.

أما شخصيات الرواية فهي كثيرة، لكن الأساس لم يكن المدعوة غريس، بل كان الدكتور النفسي المعالج “سايمون جوردن” فشخصية غريس مرت من خلاله للمكان والحدث، ومرت من خلاله كل الرسائل والمخاطبات والتحليلات والتوقعات والتخمينات التي رأيناها في الرواية، أما غريس فكانت هي محور اهتمامه ومحور التفكير الذي أنتج تصوراته وهنا تدرك أن العمل تجاوز الحدث وشخصياته بالنمط الرسمي لتخلق لنا الكاتبة شخصية جذابة نراها من عين فاحصة تدقق في الأحداث، وتحاول جاهدة أن تصل لأعماق المتهمة وتقرأها.

شخصيات الرواية بها أيضاً أمر جميل حيث أنها رسمت على حجمها في الرواية، فلم أجد أي شخصية متجاوزة لحجمها الروائي، أو نالت اهتماماً أكبر من قدرها ضمن القصة، وهذا تحكم يحسب للكاتبة حيث استطاعت تحريك الشخصيات في الرواية بما يوافق صورتها وقدر فعلها في الحدث.

تنوعت فصول الرواية، فمنها من بدأ بالحديث المباشر للمدعوة غريس، ومنها ما كان يتحدث عن حياة الطبيب نفسه وبعضها كان عبارة عن رسائل كتبت من وإلى الطبيب “سايمون جوردن” من أشخاص أحياناً يطلب منهم النصيحة المهنية أو الشخصية، حتى حين غاب سايمون عن المشهد ظلت الأحداث تمر من خلاله في نهاية القصة.

ترسم الرواية الكثير من مشاهد الحياة في كندا في تلك الفترة؛ مما يجعلنا نتعرف على الزمن بشكل أنيق بتفاصيله النسائية التي اقتصرت على الخادمات، ومنهم المدعوة غريس التي كانت تعمل في هذا القطاع، فكان الزمن وتفاصيل الحياة فيه مشروحة بشكل جميل وأنيق.

تقع الرواية في 517 صفحة من القطع الكبير أنصح بقراءتها مع العلم بأنها تحولت لمسلسل على تطبيق النت فلكس

قراءة في رواية “لعبة الحياة والموت” للكاتب الصيني مو يان.

تبدأ الرواية في زمن الإقطاع في الصين، ثم تنتقل إلى النظام الشيوعي بأنظمته وتعاونياته، وفي المرحلة الأخير  تنتقل للرأسمالية الشيوعية التي اعتمدتها الصين لتحاكي بذلك فترة زمنية طويلة من 1950 إلى 2000 ميلادي على ألسنة متعددة ومتنوعة وبعقول مختلفة أيضاً، فلم يكن العقل البشري وحده الذي يروي الأحداث، بل ينقل لنا الكاتب الأحداث على لسان البشر وعبر أجيال مختلفة، وعلى ألسنة حيوانات، نرى الأحداث في أبعاد مختلفة، ومن زاوية ضيقة أو واسعة حسب أهمية الأحداث، ورغم هذا التنوع فالأحداث تحكا لنا من روح واحدة هي روح “زيمن ناو” الإقطاعي، أو من أبنائه وأحفاده الذين يجسدون نفس المجتمع والبيئة، ويتأثرون بالتغيرات بشكل متساوِ في الأوقات كلها، ولنبدأ من البداية:

زيمن الإقطاعي: رجل يملك أرضاً واسعة، وزوجة نبيلة ومحظيتين، وكنوز يدفنها في أماكن مختلفة، ويتمتع بكل وسائل الترف، لكنه لا يستكين لكل ذلك، ولا يهمل العمل بيده، فنراه لا يمل هو يعمل بجد واجتهاد، ولم تؤثر فيه الثروة كثيراً، فنراه يساعد الكثيرين من مستأجرين الأراضي والمحتاجين وقت الكوارث، ورغم ذلك لم يسلم من سطوة الشيوعية التي لم تفرق بين إقطاعي جيداً وآخر سيئ، فحكم عليه بالإعدام رمياً بالرصاص، ومن نفذ حكم الإعدام رجل كان “لزيمن ناو” الفضل عليه، وعلى أسرته لكنه لم يتوان في تنفيذ الحكم في الإقطاعين الإمبريالي كما سمته الشيوعية.

زيمن الحمار: هنا حصل تحول كبير في الرواية فالحاكي الرئيسي أنتقل من لسان الإنسان للسان الحمار الذي يحمل روح بشرية، انتقلت ” زيمن ناو” إلى جسد يحتقره، لكنه مضطر أن يتعايش معه ويتأثر بغرائزه، ورغم ذلك تبقى المشاعر البشرية قوية لديه، حيث عاد إلى نفس قريته وعند الرجل الذي كان في يوم من الأيام يعتبر ابنه بالتبني “لأن ليان” والذي احتفظ له بالكثير من المشاعر الطيبة، وحافظ على استقلاليته، ولم يندمج في التعاونيات الشيوعية، كما أنه شعر بأن روح الحمار هي روح سيده وولي نعمته.

وعلينا أن نتخيل حماراً بذكاء بشري وبقوة حمار لا يمكنه الكلام، مشاعره تضطرب وتشتعل وهو يشاهد زوجته ومحظياته وخدمه وأبناءه، وكل أفراد المجتمع الذي كان سيداً مطلقاً عليه، وأرضه التي تقسمت لأفراد الشعب، ويستذكر مواقفه البشرية المؤلمة والجميلة وهو مقيد في ذلك الجسد الحيواني، ورغم ذلك تطغى عليه رغباته الحيوانية في الأكل والرغبة في التزاوج والتكاثر، وع ذلك كان يوثق مرحلة الانتقال من الإقطاعية إلى الشيوعية، وكيف تم دمج المجتمع في تجمعات تسلم كل ما تملك للتجمعات التعاونية، وكيف يُحَارَب المزارعون المستقلون وتفكك أسرهم ويسحب أبنائهم.

زيمن الثور: تعود الرواية بشكل مختلف أيضاً مع هذه الشخصية، لا على لسان زيمن الإنسان ولا زيمن الثور، بل على لسان ابن المزارع المستقل الوحيد في الصين “لأن جيفانج” الطفل الذي يرى مدى اجتهاد والده في أرضه وكفاحه للحفاظ على الأسرة التي تتكون منه وأمه التي كانت محظيته “زيمن ناو” الإقطاعي وأبناء الولد والفتاة، وتجسد هذه المرحلة تفكك الأسرة وانتقال الجميع إلى التعاونية الشيوعية وبقاء المزارع المستقل الوحيد في الصين وحيداً ليعاني كل أشكال الاضطهاد والتنمر والتعدي عليه وعلى أرضه الصغيرة التي تجاور أرض التعاونية.

حياة الثور لم تصور ذكاءه؛ لأنها لم تأتِ على لسانه كما في حياة زيمن الحمار، مما جعلنا نرى المشهد بشكل مختلف كل الاختلاف عن حياة يزمن الحمار؛ حيث إن الحاكي كان إنساناً يرى المشهد بشكل أكبر، وينقل المرحلة باتساعها للقارئ، لكن الكاتب لم يغفل أن الروح التي تسكن الثور روح نبيلة، فتكون المشاهد درامية وقاسية على روح نبيلة تتعرض لكل وسائل الإهانة حتى يصل لمرحلة الموت تحت قدمي صاحبه “لأن ليان” وعلى أرضه ليعطي قيمة للمستقلين.

زيمن الكلب: مزج الكاتب الحديث في هذه الشخصية بين لسان الإنسان ولسان الحيوان، فكان المتحدث صاحبه القديم هو “لأن جيفانج” الذي كبر وأصبحت له أسرة وعلى لسان الكلب الذي ولد في القرية نفسها، وانتقل إلى مكان آخر أكبر، فاستطاع الكاتب أن يرسم الصورة من زاويتين مختلفتين، الأكبر كانت على لسان الإنسان والضيقة على لسان الكلب، والمرحلة التي نقلها لنا كانت مرحلة انفتاح الصين على النظام الرأسمالي وتفكك التعاونيات الشيوعية ونقل لنا صورة صغيرة عن الخلافات بين وجهة النظر الشيوعية التي كانت تحتضر ووجهة النظر الرأسمالية المنطلقة في تلك الفترة.

زيمن القرد: كان الكاتب يظهر على لسان المتحدثين في الرواية في أجزاء صغيرة، لكن في هذا الباب والذي تلاه ظهر بصورته الكاملة، فأخذ ينقل لنا ما حول القرد وأحوال كل شخصيات الرواية وأحداث الواقع الذي عاشوه في تلك المرحلة ومالات الأحداث، واتسم هذا الفصل والذي بعده بنزعة دموية عند الكاتب في مشاهد تنوعت بين المرض وحوادث السيارات والتفجير وإطلاق النار ليخلط كل الأفكار التي يمكن أن يتوقعها القارئ، ولا أظن أنه بهذا تمكن أن يجعل القارئ مقتنعاً بتصوراته الشخصية التي بدت واضحة في الفصل الرابع والأخير، فقتل من قتل ودمر ما دمر لينهي المشهد بطفل له رأس كبير على حافة الموت لا يعرف أحد متى سيرحل.

 اللورد ياما: هو إله الأرض السفلى، ولا أعرف الكثير عنه إلا ما قاله الكاتب مو يان في روايته فهو من بنزع الأرواح، ويعيدها في أجسام مختلفة بعد محاسبتها فالآثم يعيده في جسد خبيث والصالح يعيده في جسد صالح، لكن الكاتب لم يصوره بشكل حسن فهو لا يحكم بالعدل في أحيان، ويكذب في أحيان أخرى.

الرواية ضخمة، وتشمل مرحلة طويلة من الزمن شهدت تحولات كثيرة في الصين كدولة وكمجتمع وإنسان صيني مر بكل المراحل الحرب والإقطاعية والشيوعية والرأسمالية، رغم أن المساحة المستخدمة للرواية في مكان يعتبر ضيقاً بالمقارنة بالزمن إلى أن المكان كان يعكس الصين بأكملها على حد تصوري.

الرواية شيقة وممتعة تعرفنا بالكثير من تفاصيل الصين كدولة وثقافاتها ومجتمعها، حتى الأمور الصغيرة مثل معاني الأسماء الصينة ستعرف كيف يسمي الصينيون أبناءهم، وستعرف نوعيات العلاقات والكثير من الأمور وأنت تقرأ الرواية.

تقع الرواية في 550 صفحة من القطع الكبير “A4” أنصح بقراءتها.

قراءة في رواية “في عمق البحر حيث لا تلمس الأرض” للكاتب فابيو جينوفيزي.

هناك في قرية مانشيني حيث لا تلمس الأرض، وتشعر بالغرق والضياع، لكنك لا تغرق، لا يعني أن تكون تحت البحر الغرق على الإطلاق، بل يعني اللا معرفة حين تقف أمام الأمور، وأنت تجهلها فتشعر أنك تغرق في جهلك، والجهل هنا ليس إنساناً بالغاً على العكس، فمن كان يغرق في أفكاره ومواقفه وحياته طفلاً في السادسة من العمر اسمه “فابيو” وضع التصورات كلها وسط عائلة كبيرة لا ينتمي إليها مباشرة فأعمامه العشرة لأمه أو أجداده كما يطلقون على أنفسهم كلهم عزاب وهو حفيدهم الوحيد، كانوا وثيقي الصلة معه، بل هم جزء من حياته اليومية أجسامهم الكبيرة وأعمارهم المتقدمة، ونظرتهم المتمردة للحياة، وقد أشركوه في كل أمورهم من حبهم الشديد له.

فابيو ذلك الطفل الذي ينمو وسط هذا الصخب يرى الحياة بعيون متلهفة للمعرفة تنمو فيه المشاعر والتصورات والأفكار بشكل عفوي غير موجه، ثم يكتشفها عينه وقلبه وعقله، يتدرج العمر وتسير الأيام ما بين السادسة والثالثة عشر، وهي الأعوام التي تحاكي المرحلة العمرية للطفل، وكيف تنمو لديه الفكرة حتى تتحقق أو تختفي، وكيف يكون تصوره الساذج حين يرى الواقع الحقيقي، والأمل يرافقه بقوة وإيمان.

ما جعلني أتوقف كثيراً أمام هذه القصة أمور بسيطة، لكنها لذيذة فمجرد أن تنظر إلى الأمور بعين طفل تشعر بالسعادة تتدفق، تتألم بعمق ويصيبك شغف لمعرفة العالم، وهذه الفكرة التي استخدمها الكاتب لشد الانتباه لأقصى درجة، استخدمها بإجادة ولغة بسيطة وسهلة بحيث أن الكلمات تتسارع وتلحقها الجمل والفقرات والصفحات والفصول، وأنت تقرأ دون انقطاع.

أيضاً هناك شيء قوي في الرواية وهي الحكاية، ولا تقف رواية فابيو عن حكاية واحدة طويلة، بل هي مزيج فخط حياة الطفل المتصلة من البداية إلى النهاية تتخللها حكايات أخرى طويلة، لكنها تنتهي في الوسط، أو قبل أن تنتهي من القراءة، وهناك حكايا كثيرة في كل فصل فالأطفال يخلقون الحكايات ثم يصنعونها في الواقع، وهذا أسلوب جميل يجعل القارئ مرتبطاً ذهنياً في أكثر من جزء من الرواية، ويتابع أكثر من حكاية في آنٍ واحد.

التحول في الزمن من طفل صغير يروي قصصه وقصص لأشخاص كبار، فيمتزج الزمن التصويري بين عقل الطفل وتصوراته للأحداث، حتى يصل للتفسير الصحيح، وكان هذا واضحاً في تعرفه على ميوله العاطفية والجنسية، فما بين تصوره والحقيقة كان هناك زمن الاكتشاف الذي يستغرق وقت أطول في مسيرة حياة الطفل، كما أن زمن الرواية الحقيقي منسجم مع الزمن العمري للشخصية فالأحداث تطابق زمن الشخصيات والتاريخ.

لا توجد شخصيات رئيسية كثيرة في الرواية، رغم وجود الأعمام الكثر، فيمكننا أن ندمج شخصيتهم في شخصية واحدة متمردة تتجاوز بعض الأحيان في الأمور الخاصة، الأب الأم الجدة وصديق واحد، وتبقى الشخصيات الأخرى في المحيط القريب، وفي نفس دائرة المستوى الاجتماعي للعائلة فلا يتجاوزها إلا حين التمرد أو رسم صورة الطبقات البرجوازية الغنية بمظهرها المادي المستنزف للمشاعر الباحث عن رغباته وشهواته، مما يجعلنا نتصور أن النظرة الشيوعية سائدة في الرواية، فالوحدة التي يخلقها الفقر متماسكة بعكس الترف وما يخلقه من نفاق ومجاملات واستغلال.

الرواية جميلة وممتعة تقع في 494 من الصفحات من القطع المتوسط أنصح بقراءتها بشدة.

قراءة في كتاب “رواية عزيز” للكاتب هاشم محمود

أيها السجان!

(أنا بذرة لن تختفي، ضع كثيراً من التراب فوق رأسي، واغمرني بالظلام، سأنبتُ في الزنزانة، وأقتلعك، وأثمر نوراً يحرق كل فلاسفة القضبان).

بهذا المقطع استهل الأستاذ هاشم محمود روايته، عزيز تلك الشخصية التي شخصنة السجن والزنزانة، ثمن الصدق في وطن لا يعرف قيمة الإنسان وعزيز يعرف أنه سيدفع ثمناً غالياً لمجرد أنه رفض أن يغير مبادئه، ويحرف معنى الإخلاص للوطن ويحول الإخلاص للحاكم، عرف منذ البداية أنه سيدفع الثمن “ثمن وفق ما يحدده أولئك الذين منحوه حرية الاختيار بين الحديد والنار”.

تتسلسل الزنازين، وتتابع أيامها وما يعانيه السجين من بيئة قذرة ومعاملة سيئة وتعذيب لا يجعله يفرق بين الأيام، الألم ممنهج والإهانة تستمر، كل هذا يصب في اتجاه واحد، إهانة المعتقل لانتزاع اعترافات في قضايا لم يفعلها لإبقائه بعيداً عن الساحة العامة التي يؤثر فيها، فخوف النظام لا من أفكار المعتقل، بل من مدى تأثيره في الجماهير، فكلما زاد تأثيره وعلاقاته الداخلية والخارجية نظرت إليه السلطات الدكتاتورية بنظرة ريبة وشك، ووضعته موضع الاتهام حتى تحين الفرصة الملائمة لتلقي به في السجن لتغيبه عن مجال تأثيره الفعال.

إن حب الوطن الذي يشير إليه الكاتب لا ينطوي على السيطرة الجبرية فحب الوطن هو انتماء يفوق لغة القوة، ويتعداها لمجال أرحب لا يعرفه العسكر الذين سيطروا على البلاد في غفلة من أهلها بدباباتهم وسطوتم، وفرضوا عليهم الخضوع والذلة، ومن يرون أنه لا يبجل سلطتهم يجب أن يموت أو يختفي، فكل شيء لدى العسكر له طريق واحد، الرأي واحد والقرار واحد والحاكم واحد، ويجب أن يتبعه الجميع ويطيعوه، فهو العارف العليم القوي الأمين.

عندما يصبح الحكم مأوى لمجموعة معينة تضطهد الفئات الأخرى؛ وهذه المجموعة مؤمنة بأن تلك الفئات لا بد أن تطالب بحقوقها طال الزمان أو قصر، وبما أن بطل الرواية مسلم نشط له تلاميذ وأتباع، ويملك هو ووالده مؤسسة تعليم ديني يتضح اضطهاد السلطات الأريتيرية للمسلمين لا لكرههم، بل خوفاً منهم، وتتجلى الإهانة بتهميشهم والنظر إليهم على أنهم فئة دونية يجب أن تخضع وتستسلم للسلطات، وإلا تسلط عليها ألوان العذاب.

تتناول الرواية عناصر مهمة في السجن سواء للسجانين أو المساجين، فالسجان بلا قلب، ولم يكتسب هذه الصفة بين عشية وضحاها، لكنه تبلد مع الوقت، وأصبح سادياً لا يبالي بصراخ وألم الضحايا، هدفه فقط أن يحقق غايته في تلفيق التهم وانتزاع الاعترافات عن طريق التعذيب، لكي يحيل المتهم لقبر آخر يقضي فيه بقية عمره، أو يعلق على أثره على حبل مشنقة.

أما السجين فهو الحلقة الأضعف وصبره لا ينبعث من قوته البدنية، بل من إرادته التي تقاوم الاستسلام، أوضح الكاتب الجوانب النفسية القاسية التي يعانيها السجناء والطرق البسيطة التي يحاولون من خلالها التغلب على قهر السجان وعزلة الزنزانة، الخيال يلعب دوراً هاماً في تلك الوحدة والإيمان كذلك، إلا أن كثافة التعذيب وقسوته تكسر أحيانا إرادة بعض المساجين فيستسلمون لقدرهم، وبعضهم لا يتحمل ويرحل عن الدنيا، دون أن تعقد له محاكمة أو أن يقف أمام قاضٍ.

قضية اضطهاد المسلمين في أريتيريا وبعض القوميات الأخرى من قبل السلطات، على عكس التعايش الذي يحدث في المجتمع، والفتن التي تثور بين الطوائف والأديان أغلبها إن لم تكن كلها من صنع أجهزة الأمن لكي تحكموا سيطرتهم على المجتمع.

لا زلت ألوم الأستاذ هاشم محمود على بخله، ففي الرواية الكثير الذي لم يقله، ولو فعل لأعطى للرواية ألقاً أكثر، لكنها رواية جميلة تحكي الثورة والسجن والاضطهاد تقع في 237 صفحة من القطع الصغير أنصح بقراءتها.

قراءة في كتاب “رواية على الحافة” للكاتب هانس بلاتسغومر

تسير أحداث هذه الرواية الكثيرة بوتيرة باردة تصور المشاهد تحت غطاء من الـلا ندم واللا مبالاة، لكنها تنطلق من البدايات الأولى، قواعد القوة الكامنة في روح لاعب الكاراتيه الذي يطبق القواعد الخمسة بحذافيرها، فتكون كلمة “شتوتسه” هي الكلمة المحورية في الرواية بدايات الطفولة والشباب والحب، بدايات الموت والصمت والعزلة، وبدايات العجز والنهاية.

يتسلسل البطل في الحكاية، ويتدحرج خلال الزمن عبر كل المراحل بنفس الوتيرة الباردة، فتنعكس تلك البرودة على كل تصرفاته حتى في حالات العنف التي يرسمها تشعر أنه مشاهد ميتة وكأنه يقول لك: هذه المواقف لا تعني، إلا أنها ذكريات في سجل سيرمى في مكان ربما لا يطل على أحد فلا تهتم لها وواصل معرفة الحقيقة، دون أن تتألم لما حدث، فكل شيء يسير دون نظام ونحن وحدنا من يتصرف في هذه الحياة، نجلب السعادة والشقاء لأيامنا.

هذا الذي طرحته ربما يكون مجرد استنتاج، لكنه ترسخ لي وهو يروي كيف قتل جده، وكأنه إنسان يريد الجميع أن يتخلص منه، ولن يسأل أحد كيف مات؟ ومن قتله؟ مشهد موت بارد جداً، لا يشعر بعده البطل بأي تأنيب ضمير، وعلى العكس تماماً يشعر أنه أنجز شيئاً يجب إنجازه، يتكرر هذا المشهد في حالة موت صديقه الذي يطلب منه أ، ينهي حياته، فيقدم على قتله، لكن في مشهد موت صديقه كرس نضرة أن الإنسان الذي يعاني يريد الموت، وكأنه بذلك يبرر أن كل معتل صحياً لا يمانع أن يقتله أحدهم لينهي معاناته، وبذلك يكون هو في منزلة المتحكم والمسيطر على الضحية، ويقدم لها النهاية المرجوة.

في مشهد موت زوجته والطفلة التي سرقاها، كان المشهد أكثر احتداماً من سابقيه؛ حيث إنه شعر بالفراغ بعد رحيلهم وشيء من الندم، ربنا لأنهم ماتوا وهم بصحة جيدة، أو أنهم تركوا في حياته مساحة فارغة لم يستطع تجاوزها بعد رحيلهم الأبدي، ومن وجهة نظري أنه وضع القاعدة الأساسية لشخصية البطل في هذا المشد حيث أ، كل إنسان لا يعنيه لن يترك أثراً في ذاكرته، وإن كان يعنيه ستبقى ذكرياته موجودة، لكنها لن تؤثر في سير حياته، وسيتجاوزها في عبر مراحل.

أما المشهد الأخير مشهد الحافة والنهاية الهاوية للعدم، لم يخلقها الكاتب لكي نقف عندها ونتأمل، بل وضعها لنرى كيف تعيش شخصية البطل كل التناقضات والصراعات ببرود، حتى تكون نهايته بالوتيرة نفسها، والاعترافات التي كان من الواجب أن يقولها بصدق أمام محقق، تركها على الورق لتلقى مصيرها، دون أن يحدد ذلك المصير الغامض.

جميلة الرواية في ذكرى البدايات، وبليدة في ذكرى النهايات، وباردة في المشهد الأخير، لكنها رسمت شخصية البطل بتصورات صحيحة من وجهة نظري، فشخصية باهتة صامته قليلة التفاعل لا يمكنها أن تواجه العالم بأخطائها، فكانت النهاية على الحافة والحقيقة مدفونة في حقيبة تحت إحدى الصخور التي تجثم على صدرها.

جميلة الرواية ومشوقة أنصح بقراءتها تقع في 184 صفحة من القطع المتوسط.

أن تعودي فلسطين للكاتبة: الفلسطينية التشيلية: لينا مرواني

قدمت ورقة العمل هذه في قراءة للرواية ضمن فعاليات الصالون الأدبي لبيت الراوي

تعريف بالكاتبة:

لينا مرواني (1970-)، كاتبة وروائية فلسطينية، ولدت في سانتياغو لأب فلسطيني من مدينة بيت جالا وأم إيطالية وتحمل الجنسية التشيلية. حاصلة على درجة الدكتوراه في الأدب الإسباني والأمريكي من جامعة نيويورك وتشغل منصب بروفسور أكاديمي وتقوم حالياً بتدريس الأدب والثقافات الأمريكية واللاتينية في ذات الجامعة، وحالياً معارة في جامعة مدريد بإسبانيا لتدريس أدب أمريكا اللاتينية.

وتعتبر من أهم كتاب التشيلي الذين تناولوا مسيرة الفلسطينيين في أميركا اللاتينية. وترجمت أعمالها من اللغة الإسبانية إلى اللغة الإنجليزية والإيطالية، والبرتغالية، والألمانية، والفرنسية.

المجالات التي كتبت فيها:

الشعر، الرواية، القصة القصيرة، المقال، ولها اهتمامات سياسية

الجوائز:

جائزة خوسيه دونوسو للأدب الأيبيري الأمريكي‏ (2023) وسام الثقافة والعلوم والفنون الفلسطيني (2022) زمالة غوغنهايم الهيئة الألمانية للتبادل الثقافي جائزة سور خوانا إينيس دي لا كروز‏ الصندوق الوطني للفنون، وجوائز أخرى.

الأعمال:

• أن تعودي فلسطين

• مقبرة قزحية للروح

الروايتان مترجمتان للعربية

وكتب أخرى باللغة اللاتينية

الرواية من أدب المهجر ..تروي فيها الكاتبة تجربتها خلال رحلتها إلى فلسطين المحتلة.

أن تعودي فلسطينرأي في الرواية..

غربة لم تكن في المهجر فقط، كانت قبل ذلك في الوطن الأم، حيث النظرة في العهد العثماني للمسيحي مختلفة وكأنه جاء من خارج الزمن رغم أنه فلسطيني الجذور، هذا ما تناولته الكاتبة في بداية روايتها، النظرة الناقصة للمواطن الذي يحمل ديانة مختلفة عن ديانة الدولة فيتهم في انتمائه وإخلاصه حتى يشعر بالخوف والغربة في وطنه، فيغادر ليفقد الوطن والهوية معاً ويجمع شتاته في الخارج البعيد هروباً من المصير المحتوم في التجنيد الإجباري الذي فرض على جميع مواطني الدولة العثمانية.

لا تنتهي مأساة الفلسطيني المسيحي عند هذه النقطة فالمهجر لم يكن بهذا الاتساع ليحتويهم أو يوفر لهم الرفاهية المطلوبة من الوهلة الأولى، ورغم ذلك ينجح الفلسطيني في خلق مجتمعه الخاص ويحيط أبنائه بذكرياته ويغذيهم بمشاهد الوطن الأم، ورغم هذا الارتباط لا يفكر في العودة للوطن من جديد لأنه يحمل كل المشاكل السابقة واللاحقة للاحتلال الصهيوني، يصل لأقرب نقطة لوطنه الأصلي لكنه لا يفكر في الدخول لا بسبب الحواجز العسكرية، بل بسبب الحواجز النفسية، فمجرد أنه يعرف أن الأرض لم تعد أرضه خلق لديه حاجز لا يمكن أن يجتازه.

يمسك بجذوره بقوة لكيلا تتفلت ورغم أن الأبناء انتموا للوطن الجديد إلا أنهم يحملون بذرة فلسطين والعائلة الفلسطينية في داخلهم وأقل تذكير لهم بأصولهم يعيد لهم الانتماء الأساسي الذي ينمو رغماً عنهم ومع ذلك هم لا يحملون في مخيلتهم مشاهد من الوطن الأم، بل مجرد ذكريات نقلت لهم عبر القصص والحكايات وبعض الصور.

علاقة فلسطينيو المهجر بالأرض ورغبتهم في معرفة تفاصيل الجذور التي تربطهم بالوطن الأم من مباني، أشخاص، أدوات، والمقارنات التي تثور بين الموقف وردة الفعل لتحلل الواقع وتشرحه.

التفاصيل التي تتطرق لها الكاتبة بشكل مكثف هي تفاصيل العلاقة بين الإنسان الفلسطيني والعسكر الإسرائيلي وبين الفلسطيني والإسرائيلي المدني، وبين الفلسطيني في الداخل 48 والمهجرين، وتميز بين الكلام والفعل، فبينما يكون الحديث متسامحاً من قِبل فلسطينيي الداخل 48 يكون الفعل من الإسرائيليين مخالفاً لهذا التسامح ويتشح بالعنصرية أو الاتهام متمثلاً في الحواجز الأمنية واحتلال المباني لأيام لمجرد الشك بوجود عنصر مقاومة، مع العرب المهجرين والعرب عموما..

تنقل الكاتبة الصورة كما يعيشها أي زائر لإسرائيل يخرج من مناطق النفوذ اليهودية ويجرب التحرك كفلسطيني والصعوبات التي يواجهه من حواجز أمنية ومضايقات وتنقل بعض المشاهد التي نراها غريبة رغم أنها موجودة على الأرض وتصف بشكل جلي طول صبر الإنسان الفلسطيني على الضغوط والمضايقات المتكررة، وتوضح بشكل جازم أن الفلسطيني يراهن على البقاء والصبر.

ترجع للتاريخ القديم قبل قيام إسرائيل وتتطرق السيدة مرواني إلى إشكالية عودة الفلسطينيين الذين فروا من الحكم العثماني وإصرار بريطانيا على عدم منحهم الجنسية الفلسطينية وقد اعتبرتهم أتراك لا ينتمون لفلسطين، ثم تغيرت الوجهة بعد ذلك وتمت قَولبت الفلسطينيين ليكونوا عرباً لا ينتمون لفلسطين والقصد في الحالتين واحد، إبعاد الفلسطينيين وتسهيل حصول اليهود المهاجرين القادمين من دول غريبة على الجنسية الفلسطينية بسهولة دون التدقيق في أصولهم.

من ضمن المآسي تنقل الكاتبة معاناة المهاجرين في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا وما يمرون به خلال تجديد إقاماتهم وما يقاسونه من تمييز بسبب الجنس أو العرق أو اللغة، وكأن الصورة في داخل إسرائيل وخارجها تتطابق في التفرقة والعنصرية والإذلال.

والأسئلة تتكرر ..

• أين موطن عائلتك الأصلي؟

• ما هو المنزل بالنسبة لك؟ أو ربما تقصد هل تعتبر الولايات المتحدة هي منزلك؟

• ما هي اللغة الأخرى التي تتكلمها غير الإنجليزية؟

كلها أسئلة محرجة لطلبة متعددي الجنسيات تتحدث عن الانتماء للوطن أيهما تقصد الوطن الأم أم المهجر، وهل المهجر هو الأمان أو الانسلاخ من الحقيقة لاعتبارات تختلف من شخص لآخر، متعددي الجنسيات يمثلون العالم الآخر العالم والصورة المؤلمة لعصرية الجنسية والأرض.

جدران العزل والفصل العنصري التي انتشرت في العالم في فترات سابقة كلها متشابهة تفصل القوي عن الضعف والغني عن الفقير وصاحب الحق عن الظالم ثم تنتقل إلى كاميرات الرقابة التي تلاحق الوجوه وتبيعها كمعلومات للأجهزة الأمنية والجيوش وهذه النقطة مستخدمة بكثافة في فلسطين لكن الكاتبة لم تذكر هذه النقطة عن فلسطين لكنها ذكرتها في وسط الرواية في ألمانيا، تشبه تلك الكاميرات بجاسوس صغير.

تتطرق الكاتبة لمشكلة اليهودي الأصلي وتذكر مسألة الوثائق التي تثبت أن الفرد “يهودي” وكيف أن الكثير من اليهود اضطروا لتغيير أسمائهم لأسماء مسيحية نتيجة الخوف من السلطات الشيوعية مثلاً، والإجراء الذي تبع ذلك مثل تحليل الدي أن أيه وما يثور حول صدقية هذا التحليل من عدمه طبعاً هذه في فترة الحرب العالمية الثانية وما تلاها.

من الصفحة 245 حتى نهاية الرواية لم تذكر فلسطين وتطرقت كما أشرنا إلى الأصول اليهودية في أوروبا وتحليل الدي أن أيه والرقابة بالكاميرات والهواتف وتصنيف المسافرين لإسرائيل وهذا الأمر يجعل القارئ ينسى الموضوع الأساسي للرواية بحيث أن أصبح اليهودي هو الغالب على المشهد دون أن تربطه بفلسطين أو إسرائيل.

تنتقل الكاتبة للقاهرة وكعادتها تبدأ بشرح الأحداث من البداية المطار ورجل الأمن والفندق والحسين والمقاهي والباعة ولباسها ومشاكلها التي تواجهها بسبب اللغة كذلك لكونها سيدة وما تفعله لكيلا تلفت الأنظار لها مبتعدة عن المجال الحيوي للرواية التي من الواجب أن تتحدث فيها عن فلسطين

الكثير من المشاهد تنقلها لنا الكاتبة في فقرات صغيرة أو في صفحة أو اثنتين لكن كثرة المشاهد لا تعني تحقيق هدف الرواية، بل تعني أن الكاتبة أرادت نقل الأحداث التي تشاهدها دون أن تفكر في نسق واحد وكأنها تكتب أدب رحلات لموطنها القديم مخلة بذلك في صناعة روايتها التي أصبحت أرشيف للرحلة أكثر من كونها رواية.

لا أعرف هل اشترطت الكاتبة أن تكون الجمل الإنجليزية في الرواية كثيرة، أو إن المترجم أبقاها كما هي ولم يترجمها مما يسبب إرباكاً للقارئ.

تختم الكاتبة الرواية بمشهد درامي “مستغرب” حين تعلق في الزحام ولا تجد من يرشدها لوجهتها متجاهلة بذلك كل وسائل المساعدة الإلكترونية من ترجمة وخدمة المواقع وغيره وكأنها تشير لبشاعة العيش في دولة عربية لدرجة أنها تختم الرواية بجملة تتنصل فيها من أصلها الفلسطيني بقولها: ((أكلم نفسي هي ليست بعودة، بل مجرد أرض تطأها قدماي لأول مرة أرض ليس لها أي وجود في ذاكرتي، ولو صورة واحدة منها، فلطالما كان كل ما هو فلسطيني، بالنسبة لي هو مهمة يُسمع صوتها في الخلفية، قصة نلجأ إليها لننقذ أصلنا المشترك من الاندثار، إنها عودة نعم لكنها ليست بعودتي أنا، هي عودة مستعارة، أي أن أعود بدل آخرين، بدل جدي، بدل والدي)) علماً بأنها لم تذكر في الرواية أن أحد طالبها بالعودة لفلسطين أو زيارتها، من بادر إلى ذلك لتبحث عن أصول عائلتها وضل هاجس الهوية شاغلها حتى في الفصول التي لم تذكر فيها فلسطين.

المسألة التي تكررت ليست فلسطين بثقلها الثقافي، بل قضية الهوية، لكل الأجناس اليهود المهاجرين الملونين العرب، ومدى قبولهم في المجتمعات التي يلجؤون إليها، واجتهادهم الدائم أن يُنظر إليهم كأشخاص عاديون ضمن المجتمع، فتكون الصورة أن المجتمع ينظر إليهم بغرابة وحذر وهو يبذلون أنفسن لكي يقبلوا في ذلك الوسط.

مشاهد منفصلة:

  • احتفال الفلسطينيين بسقوط أبراج التجارة مع الحدث وكأنهم هم من قاموا بفعله وتبنوه.
  • مشكلة عرب 48
  • سلطة المستوطنين في الضفة الغربية التي تفوق سلطة الفلسطينية الذين يشكلون الأكثرية بنسبة تفوق 500%
  • الأسلاك الشائكة والحواجز
  • رمزية المفتاح في القضية الفلسطينية الذي حملته الأسر وهي تغادر فلسطين على أمل العودة
  • حالة العداء بين الإسرائيليين وعرب الداخل متأصلة.
  • طريقة استقطاب الأشخاص للحضور لفلسطين تشمل البعث الدراسية
  • اليهود المعارضون لوجود إسرائيل ينظرون أنها خطأ ولا يجب أن يعودوا لفلسطين إلا حين يظهر المسيح.
  • مشكلة الملونين وتصنيفهم في العالم الغربي أوروبا والولايات المتحدة
  • اليهود خارج إسرائيل والوافدين لها والذين لا يحملون هوية دينية واضحة
  • تفصل الرواية أجزاء بعيدة عن المضمون مثل زيارة متحف اللوفر
  • ما يعانيه الكتاب في أوروبا حين يتم الحديث عن فلسطين وقضيتها حتى لو كان من عرب المهجر ولا يجيد اللغة العربية
  • الاعتبارات التي يفكر فيها النشطاء حين يفكرون في زيارة فلسطين وكيف يجتازون أسئلة رجال الأمن الإسرائيليين
  • كيف يعالج الفلسطينيون والنشطاء انتظارهم على الحواجز الأمنية
  • ازدواجية تعامل ألمانيا بيت الإسرائيليين والفلسطينيين
  • تقنيات المراقبة الإسرائيلية تمتد حتى تراقب الوجه عبر تقنيات متطورة
  • أثر المساعدات
  • المحاولات المتكررة للسيطرة على الأراضي الراعية وإجبار أصحابها للتخلي عنها بوسائل الضغط المستمر عبر وسائل غريبة أحياناً
  • دور النشطاء الفلسطينيين في نشر الأدب والثقافة دون قبول أي دعم موجه أو بشروط
  • محاولات دخول المسجد الأقصى الفاشلة لمن ليس بمسلم ولم توضح الكاتبة هل المنع من الأوقاف الفلسطينية أو من الأمن الإسرائيلي.
  • مغالطات الإسراء والمعراج نقلتها بشكل أسطوري وهي تتحدث عن دابة البراق.
  • الأحياء التي هجر منها الفلسطينيون في 48 ومن سكنها بعدهم وبعض مشاكل الإسرائيليين أنفسهم والتفرقة التي تتم بحسب الجنس والعرق .
  • تنقلات الفلسطينيين وإجبارهم على الحصول على جنسيات مختلفة.
  • غرفة وداع الأهل والأصدقاء التي كانت موجودة عند جدار برلين والرقابة الشديدة على الوثائق.
  • الازدحام في القاهرة.
  • عدم احترام المصريين للمواعيد

قراءة في كتاب “حكايات الجدة مشكاة” للكاتبة أزهار الأنصاري.

ما أحوجنا أن نتعلم مثل الأطفال، وأن يكون هناك حكيم يوجهنا لما نفعل، هذا الشعور لم يأتِ من فراغ، بل مر بي وأنا أقرأ “حكايات الجدة مشكاة” التي كتبتها المبدعة “أزهار الأنصاري”، فالتعليم لا يقتصر على الصغار فقط، بل يجب أن يشمل الجميع.

صوت الحكمة وميلنا إلى الحكماء يتجسد في صغرنا في الأجداد والجدات، تلك الأصوات التي نؤمن بأنها على صواب دائماً لذا نلجأ إليها، ونسمعها بتمعن يفوق ما نسمعه من الآخرين، اختيار شخصية الملقن في هذه القصص كان موفقاً فصوت الجدة مشكاة وهي التي تمثل صوت الحكمة لم يعتمد على القصة المحكية، أضاف لها الأفعال التي يمكن للطفل أن ينظر إليها بسلبية إن لم يكن هناك من يوجهه لفعل الصواب.

أعجبني في هذه المجموعة أن الجدة لا تحكي قصصاً فقط، هي تصحح أفعال حفيدها، أو تعلمه شيئاً جديداً في كل مرة يزورها فيها، ثم تزوده بقصة هادفة لا شك أنه سيواجه ما يشابهها في الواقع، وبعد ذلك تعطيه المبررات التي تؤيد الفعل الصحيح، وتنكر الخاطئ فتكتمل الصورة الذهنية لديه وتتضح، ويعرف أسباب الفعل والنتائج، وهذا هو الأسلوب الأكثر تأثيراً في التربية.

لفت انتباهي أن الأستاذة أزهار استخدمت الدين، لكنها لم تستخدمه في القصة التي تحكيها الجدة، استخدمته في التبرير والخلاصة بأسلوب سلس دون تعقيد، ويتجلى بذلك مشهد الحياة فالدين هو المرجعية التي تكمن في نفوس البشر ليحققوا التوازن الصحيح في الحياة، وبما أن الدين الإسلامي قام على ركيزة الأخلاق، فقد اقترن الخلق الحميد بالدين دائماً، قال صلى الله عليه وسلم: “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”

أظن أن للأستاذة أزهار معرفة نفسية بسلوك الأطفال، وهذا مجرد استنتاج ترسخ في ذهني وأنا أقرأ مجموعتها القصصية، فنقطة الارتكاز في كل قصة هي بالفعل موضع تساؤل عن الأطفال أو موقع اهتمام أو تصرف دارج، وقد أصابت في اختيار المواضيع وتوزيع الحكايا بين الموقع والقصة والتبرير.

ربما اختلف مع الكاتبة في الفئة العمرية التي يجب أن تشملها القصة، وأظن أنها تتسع لأعمار أكبر قليلاً لكني لا أجزم بذلك، واعتقد أن اختيار الفئة العمرية للقصة اختيرت بعد دراسة.

تقع المجموعة في 60 صفحة مع الرسومات والألوان، وأجد من المهم أن يخلق الآباء والأمهات لغة تواصل تعليمية مع أبنائهم من خلال القصص والمواقف بحكمة كما فعلت الجدة مشكاة، أنصح بها بشدة، وأتمنى على الكاتبة أن تستمر في هذه المسيرة النافعة.