قراءة في كتاب “الربيع الآتي” للدكتور محمد اليحيائي

يعتبر هذا الكتاب الأول الذي أقرأه لـ د. محمد اليحيائي، لكني أجزم أنه لن يكون الأخير فمدى إعجابي بطرحه وأسلوبه السلس وطريقة تعاطيه مع الأمور السياسية المعقدة في عمان والخليج والوطن العربي فاقت تصوري واعتقدت أني أقرأ لفيلسوف غربي تجرد من كل العقد النفسية والأمنية والسياسية والفكرية والثقافية المنتشرة في الشرق الأوسط، فككها وحللها وربط بين الواقع والأفكار وأصل القواعد التي يجب أن توضع لتبني الأفكار بشكل صحيح لتصبح واقع يعيشه الناس.

الكتاب خليط بين أوراق بحثية قدمت في مؤتمرات دولة وبين مقالات تتعاطى مع حقيقة الثورات العربية أسبابها وتطلعاتها والنظر إلى مستقبل الديمقراطية في المنطقة، لكنه خص عمان بالجانب الأكبر فقد حلل القوانين ودوافعها وتبريراتها، ونقض التسلط والاحتكار السياسي ليكشف أن القوانين توضع في الوطن العربي لتكريس الحكم في شخص يكون هو القائد والملهم والأب، بل هو الدولة.

“عن صخرة الاستبداد وكائناتها” في نظري هو المقال الأبرز رغم قصره فقد وضع الدكتور تصور صحيح للوضع القائم في الوطن العربي مشبهاً إياه بصخرة كبيرة تجثم على الأرض تعيش تحتها كائنات لا تعرف ما يدور حولها ولا تجد الهواء، وحين ترتفع الصخرة وتشم الكائنات الهواء تحدث الفوضى والتصادم لنيل أكبر قدر من النفوذ، في هذا المقال الصخرة هي نظام الحكم المستبد، والكائنات التي أسفلها الشعب، حين ترتفع الصخرة ويشم الشعب رياح الحرية لا يعرف التصرف، فقد غيبت حقوقه، ومسح صوته، وكتمت أنفاسه السياسية والفكرية والاجتماعية على مدى أجيال، في المقال تفسير صحيح ومنطقي لحالة الفوضى التي حدثت بعد الربيع العربي، وما حدث لا يعني أن الديمقراطية شيء سيئ بل يعني أن النظم الحاكمة دمرت كل قواعد الفكر الصحيح لدى الشعوب، فكانت الفوضى هي الواقع.

فوضى في كل شيء، في السياسة، في القانون، فوضى الفكر والثقافة، كل تلك الأمور موجودة في الكتاب حتى فوضى العادات والتقاليد، القبيلة وما تشكله من انتماء يفوق الانتماء الوطني، النظرة إلى المواطن والوطن، من يسبق الآخر، الحاكم الإله الأب الملهم الزعيم القائد المبجل، أفكار كثيرة طرحت في الكتاب تستحق النظر، وحلول واقعية يجدر أن ننظر إليها بعين الصدق والرغبة في التغيير، تغير نظرتنا إلى الأمور، وطريقة تعاملنا مع الواقع المر الذي يقبع فوق رؤوسنا.

تحية لـ د. محمد اليحيائي على هذا الإصدار، وتحية أكبر وأجل لما يقدمه من فكر يستحق الإشادة والتقدير ويستحق أن نأخذ به ونعمل على تطويره.

قراءة في كتاب رواية “ناريا” للكاتب حسن علي أنواري

عندما تقرأ رواية ناريا للكاتب حسن علي أنواري، تتصور لأول وهلة أنك تقرأ رواية خيالية، على عكس الحقيقة التي تكتشفها بعد بضع صفحات أنها تحاكي الواقع بمنطق الخيال، وأحداثها التي تجري تسقط بسرعة في مخيلتك على أحداث جرت من فترة قريبة، عايشها الكثيرون، تكتشف أن ظل الله في الأرض موجوداً بيننا وقادة جيشه ومخابراته يمثلون الحقيقة التي نحاول أن نتجنبها في الواقع.

النهر الفاصل، الهزائم والانتصارات، يستطيع القارئ أن يضع لها تواريخ ويسميها، لكنه يجد في النهاية الدرامية التي نسجها الكاتب تصورات أخرى، تنبت في عقله مع مشهد قتل “نحسو” بطل الرواية، أن الدكتاتور يمكنه أن يضع يده بيد عدوه لكنه لا يستطيع أن يضع يده بيد شعبه، وأن الكلمة التي يقولها العقلاء من الشعب هي مصدر القلق الأكبر لدي أي دكتاتور، وأن الدين أصبح لعبة يستخدمها الساسة للسيطرة على الشعوب، ورغم هذا التصور المتشائم، ستجد مبدأ مهماً،  أن الأفكار الصحيحة لا بد أن تصل للشعوب وتحقق أهدافها لا محالة، طال الزمان أو قصر.

الرواية سلسة بشكل كبير، لدرجة أنك تعتقد في بعض المراحل من القراءة أنها رواية للناشئة، لكنها تتعدى هذا التصور، حيث إن إسقاطات الأحداث على الواقع أعمق من أن توضع في نص يخاطب الناشئة وحدهم، بل يخاطب شرائح مستسلمة ومغيبة.

الفرق بين كتابة التاريخ والرواية الخيالية التاريخية، أن بها منطقاً أدبياً يستطيع أن يتسلل للقارئ نفسه بسلاسة تجعله ينظر إلى الحدث من ناحية أدبية أو درامية وتفتح له مجال الخيال ليعيش الأحداث أو ينقلها لواقعة، أو يسقطها على أحداث وقعت بالقرب منه منذ فترة، وهي أسلوب فعال يستخدمه الكتاب العرب للهرب من مقص الرقيب والأجهزة الأمنية.

صدرت عن دار أبجد

http://www.ebjed.com/single.php?view=1091

قراءة كتاب “في مهب الرواية” للكاتب سلمان زين الدين

قراءة كتاب “في مهب الرواية” للكاتب سلمان زين الدين

كتاب قيم للناقد اللبناني سلمان زين الدين يتناول فيه الكاتب عدد من الروايات العربية لكتاب من شتى الدول وفي شتى المجالات، منها السياسي، التاريخي، العاطفي.

الكتاب جميل ومفيد حيث إنه يعطينا فكرة عن الإصدارات الجيدة في مجال الرواية العربية، ويناقشها بشكل احترافي يفكك عناصرها ويحلل الأساليب، ويبين جوانب القوة والضعف.

سلمان زين الدين هو شاعر، وكاتب، وروائي، وناقد لبناني، ويعمل أيضًا مفتشًا تربويًا صدرت له العديد من المؤلفات في الشعر والنثر والنقد الأدبي، وخاصة في مجال النقد الروائي حيث بلغ عدد الروايات التي تناولها في دراساته النقدية ما يزيد عن 260 رواية عربية حتى الآن، كما نشرت له العديد من المقالات بالصحف اللبنانية والعربية (ويكبيديا)

قراءة في كتاب “الآراء والمعتقدات” لـ غوستاف لوبون

كتاب فلسفي اجتماعي ، يتناول قضية المعتقدات الدينية ويبحث في سبل نقضها بأسلوب متدرج حيث يتعاطى الكاتب مع المسألة من نقطة البداية بطرق البحث في علم النفس وعوامل الحركة والحس وحياة المجتمع ، يسير من البداية لكي يثبت أن المعتقدات كلها وليدة تفكير بشري .

لا يهمني كثيراً ما يصبو له الكاتب في أن المعتقدات الدينية وليدة عقول البشر بقد ما يهمني التحليل الفلسفي والنفسي للآراء والمعتقدات وهذا ما أجاده الكاتب إجادة فاقت تصوري فعقد الكثير من المقارنات وحلل الكثير من العوامل وتناول هذا الجانب المهم في السلوك البشري من كل الجوانب تقريباً فقد قارن وبين الفرق بين المبادئ النفسية والعاطفية والعقلية ، ما يؤثر في البشر فرادى ومجتمعين ، كيف تُبنى المعتقدات؟ ما العامل الأهم الذي يرسخ المعتقد الديني لدى الجموع؟ وفي هذه النقطة بالتحديد يحلل الكاتب الكثير من الأمور ويصل بنا لنتيجة أن العاطفة هي التي تقود الجموع وهي التي تبني المعتقدات .

يقول لوبون ((مقاصد هذا الكتاب إثبات كون المعتقد غير عقلي وغير إرادي)) ومن هنا يبدأ لوبون صراعه لإثبات ذلك فيطرح السؤال : كيف تستقر الآراء والمعتقدات الدينية والسياسية في نفوس البشر؟ ولماذا لا تستطيع الآراء العقلية نقض الآراء الدينية والعاطفية وإقناع الجماهير بالرأي الصحيح؟ يبدأ الكتاب من هذا الجاني فيبحث في علم النفس والمنطق ويقارن بين تأثير المنطق العاطفي والديني والمنطق العقلي وتأثير كل منها على الجموع ، وما يرجح كل منطق على الآخر .

يتعامل لوبون مع النفس البشرية بشكل راقٍ لكنه يفرق بين النفس المنفردة والنفس الجماعية ، وأن القناعة الفردية مهما عظمت تصغر حين تصطدم بالقناعات والآراء العامة وتستسلم أمامها فالرأي العام هو الأقوى والأكثر تأثيراً بحسب تفسير لوبون وهو وسيلة الضغط الأكثر فعالية والأقوى ، يحلل كيف يتكون الرأي العام وكيف ينتشر وكيف يثور ، وكيف تُبنى المعتقدات الدينية وكيف تتغير وكيف تموت .

يتدرج الكاتب بتسلسل جميل وأسلوب مقنع ويفكك الكثير من العلل حتى يصل للنهاية التي يريد إثباتها ، فيتوه في المسألة ، ويبدأ يخلط الدين بالسحر ، ربما يجانب بعض كلامه الصواب فالكثير من الديانات سابقاً كان للسحر دور مهم فيها كآلهة الإغريق وغيرها من الحضارات التي تبنت معتقداً يقوم على الخرافات ، لكنه لم يستطع إبطال الديانات الإبراهيمية ولم يفككها بالشكل الذي كان يتحدث عنه في بداية الكتاب .

الكتاب شيق وبه الكثير من المعلومات والتحليلات والتفسيرات المفيدة ، بالإضافة إلى سلاسة الطرح ، توزيع الأبواب والفصول منظم يجعل القارئ يتسلسل في تتبع وجهات نظر الكاتب .

قراءة في كتاب “رسائل القمر” لـ أحمد العلوي ..

رسائل القمر

مئة ليلة خلف ضياء امرأة

مئة يوم ، يختزلها الرائع أحمد العلوي في رسائله للقمر لتكون رسائل مئة ليلة في ضياء امرأة، يبحث فيها وعنها ، يخرج ليعود إليها كل يوم، هي على الطرف الآخر، موجودة، تقرأ، ترى، تلتقيه بين السطور وتدور مراحل التيه خلف امرأة قررت أن تجعل نفسها ملهمة لشخص يبحث عن ذاته فيها، عن قلبه معها، عن حياته في تفاصيلها .

تتجاوز تلك الرسائل مرحلة الزمن فتتخيله مئة عام فالتفاصيل كثيرة والذكريات، لكل رسالة نغمة يختارها في أغنية تعيد مشاهد الشوق، تلامس أوتار القلب، ويعزف رسالته لتلك الغائبة بين الثنايا التائهة في الكلمات، موجودة ولا تراها، بل لا يجب أن تراها، يكفي أن تشعر بها في الرسائل فكلها كتبت بشوق يجعل البحث مستمراً حتى تؤمن أن للغياب جمالاً يفوق الألم .

جميلة تلك الرسائل تنقلك لعالم من الخيال ، وتبحث في تفاصيل امرأة، التفاصيل التي نعشقها في النساء، قد أبدع العلوي في تعميق المعاني ، فكل فاصلة لها معنا، تفصل بين جملتين وعالمين، وعليك أن تتخيل كل شيء، وتغيب في التصورات والألوان .

ليست نصوصاً بل رسائل، فهي موجهة لشخص وإن كان غائباً أو متخيلاً، قريباً أو بعيداً، كلها بعثت لتبث الإحساس الذي أراد الكاتب أن ينقل من خلالها مشاعره إلينا وإليها، جميلة الرسائل بها شيء من الضياع تشتشعره بين الفقرات والجمل، كأنها مشفرة وكأن هناك شخصاً يعرف أنها له ويستطيع أن يفك رموزها .

ممتعة تقع في 240 صفحة أنصح بقراءتها .

قراءة في كتاب ( رائحة الكتب ) لـ حسن علي أنواري ..

رائحة الكتب لـ حسن علي أنواري ..

يجب أن نقف قبل أن نتحدث عن هذا الكتاب ، حيث إن خارطة الإنسان الزمانية تحثه على أن يسير في الدنيا ليكسب المعرفة والعلم ، يكتشف ، ينظر ، يتأمل ويتعلم ، حتى النهاية ، طبيعة المعرفة البشرية طبيعة تراكمية تنتقل فيها المعارف والعلوم من جيل إلى جيل وتتراكم لتصل لمستوى جديد في كل زمن .

ربما سيقول أي قارئ محب للكتب أن السيد حسن أنواري يمثله فما تطرق إليه في وصف طبيعة حبه للكتب والقراءة صورة تتكرر كثيراً عند محبي القارئة والمطالعة ، لكن ما يتطرق إليه الكتاب لا يعني كاتبه فقط فروح المعرفة التي تسيطر على الذات تدفع صاحبها للمزيد دون أن يشعر ، المزيد من العلم يتطلب المزيد من القراءة والاطلاع ، الثقافة أيضاً تتطلب التنوع المعرفي ، وحين تكون المطالعة للتعلم والمعرفة تكون القيمة مضاعفة .

سيرة قارئ هذا ما يمكنني أن أسميه ، فهو تحدث عن رحلته مع القراءة من نقطة الصفر وهي قراءة للكتاب الأول وحتى اليوم الأخير الذي كتب فيه آخر جملة في كتابه ، مروراً بكل المراحل الزمنية في حياته برفقة كتبه وقراءاته ، وهذه لمحة لا تعني الكاتب فقط بل يجب أن تنتقل هذه الرغبة للأجيال لكي يكون الكتاب هو وسيلة المعرفة الحقيقية والصديق الدائم ، الذي لا يجب الاستغناء عنه أبداً .

الكتاب جميل ومستفز يجعلك تضع نفسك في مجال المقارنة لتنظر إلى مكتبته وما تحويه وقراءاتك وما لفت انتباهك منها وما تعتز به من كتب .

فوضى بثينة العيسى ..

فوضى بثينة العيسى ..

فوضى السرد في رواية “كبرت ونسيت أن أنسى” للروائية بثينة العيسى ..

كبرت ونسيت أن أنسى ، يسهل علينا أن نعرف من العنوان أن الرواية تتحدث عن فوضى مشاعر ، وحين تضطرب المشاعر لا تكون الذكريات مرتبة بحسب أحداث الزمن ، ولا تحمل منطقة، بل هي لمحات تمر دون ترتيب في الذاكرة وقد وظفت بثينة العيسى هذا المعنى بشكل جميل في روايتها ، وجعلته يحاكي واقع المشاعر في الفوضى وواقع الأحداث الفوضوي ، فكان الانتقال من حدث متأخر لحدث متقدم دون النظر إلى الترتيب ثم العودة لحدث وسطي ، ورغم كل هذه الفوضى في السرد كانت الصورة ترسم عشوائيا بحسب الذكريات ورواسبها في النفس .

من وجهة نظري التي أراها صحيحة وأضعها في مقاييس جودة الكاتب حين يستطيع الكاتب أن يرسم فوضى المشاعر بالكلمات ، ويشكل الاضطراب الذي يحدث في النفس عبر تعابير متكررة ومكسورة أحياناً لكي نرى مدى تصدع شخصية ما في الرواية ، فالروائي لا يرسم صوراً زيتية بل هو يسرد جملاً تجعلنا ننظر لتلك النفوس والشخصيات في الرواية فنعرف أن بها خللاً نفسياً أو عاطفياً أو تعاني ألم ما ، وهو بذلك يوصل رسالته عبر الكلمات ولا يحتاج إلى التصريح بالأمر بل يترك للقارئ قراءة الشخصية بناءً على السرد ، فيعرف من خلاله ما تعانيه فيجد الاضطراب ويجد التردد ويجد الحيرة والضياع ، ضمن الكلمات .

ربما لا يعجب هذا الأسلوب الكثير من المحررين ، وأعتقد أن المحرر المختص في الرواية يمكنه قراءة الشخصيات المتشكلة في السرد بشكل سهل ، ويا للأسف أغلب محررينا هم محررون صحفيون ، يفرضون شروطهم على عالم الرواية فيطالبونا أن نسرد الأحداث بشكل آلي وننمقه بشكل يخرج شخصيات الرواية عن واقعها النفسي .

مشوقة الرواية ، مشوقة الفوضى التي كتبتها بثينة العيسى تلك الفوضى التي تتخلل كل شيء في شخصية اخترقتها الظروف ودمرتها ، فالفكر لا يخرج مرتباً حين يمتزج بالألم ولا يمكن أن يتذكر الإنسان آلامه بشكل منظم ، المشاكل والأحزان لا تأتي بشكل منتظم بل بها عشوائية فمنها العميق ومنها السطحي ومنها ما يجرح ومنها المستقيم والمعترض ومنها الخطير ، وتمر في ذاكرتنا بحسب المحرك الذي يذكرنا بها ، وأظن أن بثينة العيسى بَنت روايتها على هذا الأساس الفوضوي لكن في مساحة نفسية واحدة جعلنا نجمع مكعباتها حتى وصلنا للصورة النهائية .

لم أجد أي اعتراض للبناء الروائي إلا حين تحدثت عن الحب ، فغابت الفوضوية وبدأت الأحداث تترتب وأظن أن لو سارت الفوضى للنهاية لكانت فوضى خلاقة فنسيج الرواية المموج في البداية أصبح منتظماً في النهاية ، وما كنا نجمعه كأجزاء أصبحنا نرصه رصاً في النهاية ، وهذا لا يعني أننا ننكر جمالية السرد بل جماليات السرد سارت للنهاية لكن فوضى الحدث توقفت عند نقطة معينة وسارت بتناغم مختلف .

من النادر أن تشدني رواية لهذه الدرجة ، ربما تكرر صدى الأحداث في رأسي ، أو أني عايشت الشخصية لدرجة أني شعرت برغبة في مد يدي إليها وملامسة آلامها والتخفيف عنها ، وهذه الحالة جميلة حين يستطيع الكاتب أن يزرعها في نفس القارئ فهي تثبت تمكنه من إيصال المشاعر بشكل صحيح وعميق .

أنصح بقراءة الرواية .

قراءة في كتاب “رواية الكتيبة 17” للروائي هاشم محمود ..

قراءة في كتاب “رواية الكتيبة 17” للروائي هاشم محمود ..

في بعض الأحيان تكشف لنا الرواية واقعاً لم نكن نعرفه أو تطلعنا على حقبة زمنية معينة لنكتشف من خلالها تلك المرحلة بأحداثها وشخوصها ، وهذا بالفعل ما وجدته في هذا العمل الجميل حيث كشفت بعض الأمور التي أجهلها عن إرتيريا كأرض وشعب وتاريخ .

تتحدث الرواية عن حقبة زمنية محددة وهي السنوات الأخيرة من الاحتلال الإيطالي لإريتريا وبداية انكماش النفوذ الإيطالي وتمدد النفوذ البريطاني ويبين الكاتب من خلالها الكثير من الجوانب المهمة في تلك المرحلة كالمقارنة بين أساليب الاحتلالين ، والمقارنة بين التسامح الديني السائد في تلك الفترة بين أطياف المجتمع الأريتيري والنفور الحاصل حالياً في هذه المسألة . 

تعتمد الرواية الأسلوب التقريري في أغلب الأحيان ويصبح تتبع المعلومة هو الأهم لدى القارئ ولا نجد صدى للعاطفة أو العوامل النفسية إلى في موضعين ، الأسرة والحبيبة ، في مشهدين متباعدين في البداية والنهاية ، المسألة الدينية كان من الممكن أن يوظفها الكاتب بأسلوب نفسي وعاطفي أفضل .

العمل جميل يحمل الكثير من المعلومات المفيدة ، لأي قارئ لا يتجاوز الكتاب 167 صفحة أي أنه من الأعمال الصغيرة نسبيا  إلا أن المرحلة الزمنية التي يعالجها مرحلة مهمة وغائبة عن المجتمع العربي .

رواية الثقب الأعوج …. قراءه نقديه .

هذا رأي الأستاذ أحمد حمدان في رواية الثقب الأعوج ، كل التقدير للأستاذ احمد وستكون ملاحظاته التي دونها في الاعتبار في الإصدارات القادمة .. 

كنت قد قررت قراءة رواية الأستاذ جابر عتيق في عطلة نهاية الأسبوع ولكني وبمجرد أن بدأت بالصفحة الأولى لم أتمكن من ترك الرواية حتى أتممت قراءتها بالكامل

وهذا هو أسلوب أخونا جابر المتمكن في اصطياد القارئ وإدخاله في حالة إدمان وتشويق لمعرفة الأحداث واستقرائها

وقد تألق في ذلك (كعادته) وأنا من أزعم أنه من الصعب أن يتملكني كتاب لدرجة أن أغيب عن العالم (وأنا ممنون) وارتدى ثياب بطل القصة وأعيش معه أحداثها .. ومع أن البطل هنا فتاة في مطلع العشرينات

لكنك ومن شدة الوصف تعتقد أنك هي , بل وتتأكد أنها هي من تكتب وليس الأستاذ جابر

يخترق جابر كل الخطوط الحمراء, المعلن منها والمخفي, عن طريقة عيشنا في المجتمع المحافظ المتكلف, ويوصلك لنتيجة مفادها أننا منافقون , أمام المجتمع نحن ملائكة يعلو وجوهها الخجل والتقوى, وإذا خلونا إلى شياطيننا قلنا إنا معكم إنما نحن مستهزؤون, نعيش الحقيقة فقط في الخارج أو في جلساتنا السرية

يجعلك الكاتب تتضامن مع الفتاة مع أنها مثقلة بالذنوب والخطايا (من وجهة نظر مجتمعنا) إلا أنها أيضا ضحية لمجتمع لا يريد أن ينصف المرأة ولا يريد أصلا أن يبدأ بأي مشروع لإنصافها

أحداث متلاحقة وممتعة لا يمكن أن تمر عليها دون أن تقرأ الصفحة بإمعان حتى لا تفلت أي جملة منك

نجح الكاتب وبعفوية الصادق المقتنع بوجهة نظره من إيصال فكرة الرواية بل والولوج في المناطق المحرمة وبجرأة لم نعدها في المجتمع القطري,

لكنه وللأسف فشل في تجاوز حالة الفوقية الموجودة

ولو بأشكال متفاوتة في المواطن القطري .. فمثلا لا أرى أي مبرر أن يذكر الكاتب أن مريم كانت القطرية الوحيدة في جلسة تضم ثمانية من العشاق, الذكور قطريين والإناث عربيات؟

ولا أدري لماذا يقول فيصل لمريم أنه لو كان يعرف أنها قطرية لما تركها بعد مغادرته لندن ( كان يعتقد أنها كويتية)؟ مع أنهما تشاركا الفراش هناك عدة مرات وبدون أي رابط شرعي؟

لقد تعرضت مريم بطلة الرواية إلى أحداث جلل لا يتحملها أشد الرجال, فما بالكم بفتاة عشرينية ذات وجه طفولي بريء لا تعرف شيئا عن الحياة , ومع أن الكاتب ذكر أن والدها رفض خطبتها من شاب أحبته بعد زواجها الأول الفاشل

بسبب أن العريس كان قد تجنس الجنسية القطرية حديثا .

وأنا شخصيا أرى أن هذا كان أول وأهم أسباب سقوط مريم إلى الهاوية , فلماذا ليس مسموحا للفتاة القطرية أن تحب من تريد؟ لماذا يجب أن يكون زوجها ضمن كتالوج مفروض عليها سلفا بينما الشاب لا غبار عليه حتى إن تزوج هندوسية أو ملحدة؟ ولماذا يجب دائما أن يكون غير القطري طامعا في ثروة القطرية؟ لكن الحدث لم يعطيه الكاتب كثيرا من الاهتمام أو التأثير على حياة مريم

وكأنه يوافق ضمنيا على تصرف الوالد في رفض الغير قطري؟؟

حتى مريم عندما تذكر مآسيها المتكررة لا تذكر من بينها رفض والدها لزميلها في العمل التي أحبته.

أعتقد أنه آن الأوان أن نتحدث عن البشر على أنهم بشر وليس عن جنسياتهم , فمثلا كانت هناك شخصية لفتاة اسمها مريم لكنها عربية وليست قطرية وكانت البطلة تصفها بأنها إبليس

مع أن مريم القطرية فاقت بمراحل من فعلته مريم العربية بل وصلت لدرجة أن تمارس الحب مع فتاة أخرى (رغد) وهي ابنة أحد أزواجها السابقين.

الرواية رائعة وفيها خلطه لغوية متناسقة وأحداث مفعمة بتفاصيل لا يمكن أن يكتبها إلا من حصلت معه , لكني واثق من أن قدرة الكاتب على الوصف تؤكد مرة أخرى على مهارته العالية وتمكنه الممتاز في نسج

الأحداث وأعتقد أن الصورة الأعم لفكرة أخينا جابر هي أيضا أن المال لا ولن يشتري الأمان العاطفي والنفسي

الرواية إضافة جديدة للرصيد الغني عن التعريف للكاتب الفذ الأستاذ جابر عتيق الكعبي وإضافة للمكتبة القطرية ,وأمنية جديدة من أمنيات النخبة المثقفة في قطر والوطن العربي لإعطاء المرأة حقها

وإنصافها في كل شيء

أرجو من الجميع قراءة هذه التحفة الفنية الرائعة

وإلى الأمام أخونا جابر وفي انتظار المزيد من هذا المعين الذي لا ينضب

أخوك / أحمد صقر حمدان

قراءة في رواية العالم لـ خوان خوسيه مياس ..

قراءة في رواية العالم لـ خوان خوسيه مياس ..

أظن أن أي كاتب سوف يقرأ هذا العمل سيشعر بسهولة أن كاتب الرواية يتحدث عن نفسه ، ولا تعني هذه النقطة شيء في الواقع ، لكن صياغة نقاط الارتكاز التي تتضح كبؤرة في حياة الكاتب يعود إليها في أعماله دائماً وهو الأمر الذي يشير إليه الكاتب بانتظام في روايته العالم والتي أستطيع أن أسميها عالم مياس الذي جعله يكتب ، يجعلنا نركز في الأحداث لنكتشف الكاتب نفسه .

الرواية سلسة وأستطيع أن أجزم أنها كذل بلغته الأصلية التي كتبت بها ، لأن الكاتب يتحدث عن نفسه دون قيود بل يرحل عنها ويعود إليها دون قيود ، يكرسها في أعماله ويستوحي منها ويضيف إليها المزيد من الأحداث ، ثم يعود ويضع نقطة ارتكاز أخرى في الحدث نفسه كأنه كان يكتب من ذاكرته المجردة دون أن يكون هناك إعداد مسبق لما يريد أن يكتب .

الخيال الذي يتحدث عنه الكاتب والذي تشك أحيانناً أنه حقيقي في بعض القصص ثم تبدأ تشكك هل القصة كلها خيال أم أن القصة واقعية أم أن بعض أجزائها واقع والآخر خيال ، فمهارته حين يضع مشهد خيالياً في وسط مشهد حقيقي ينقلك لتصور آخر ثم يعيدك لنفس المشهد الحقيقي فتبدأ المقارنة بعد أن تنتهي من المشهد لتكتشف ما هو حقيقي وما هو مزيف إن استطعت التمييز .

أظن أن كل من سيقرأ الرواية سيقرأها بسلاسة ، لكن من يستطيع أن ينتزع منها الحقيقية ومن يستطيع أن يكتشف الخيال ومن سينقل الحدث على أرض الواقع ليعرف ما يعنيه الكاتب من أبعاد في قصص أثرت فيه لدرجة أنها أصبحت نقاطاً عميقة في نفسه يعود إليها لا شعورياً في أي زمان وأي مكان ، وهنا نجد أن الكاتب حبيس تلك المواقف التي تسكنه ، كل مشاهد الطفولة من بؤس ومن ألم ومن خيال وإغراء وأمل ، تسيطر عليه لدرجة أنه لا يستطيع أن يتخلص منها  وإن اجتهد وأن تعاطي الحشيش أو أي شيء آخر يساعده لكي ينفصل عن الواقع ، واقعه الذي يعيشه في داخله ونزعة إلا انتماء التي يعيش فيها .

ورغم أنه لا ينتمي إلى عالمه يكتشف أن العالم كله يعرف أنه مياس ، وقد كرس هذه المسألة في المشهد الأخير من الرواية حين ناداه الرجل “مياس أرجوك ساعدني” كأنه اكتشف أن مياس هذا ليس والده بل هو وهو في واقعة حقيقة وإن لم ينتمِ هو لعالمه فعالمه ينتمي إليه بالفعل .

الكثير من الإسقاطات في الرواية يمكننا أن نقف عندها فالكاتب ربط بين أمور كثيرة يمكننا أن نكتشف بسهول أنه لا يربطها شيء حقيقي لكنها ترتبط في عقله بين حالة عاش فيها وآلة كالمشرط مثلاً أو القيد الذي وضعه في حياته “فوبيا الأماكن المزدحمة” وعودته من النافذة للبدروم الذي كان يراقب من خلاله الشارع فلم يتخلص من هذه المسألة لأنه عاد من النافذة نفسها لمكانه ولم يغير وجهته ويعود من الباب الصحيح .

الدين في الرواية ، الكنيسة الألم جهنم الجنة لا تغيب عن واقع الكاتب الذي قال “فكرة الخلاص في ثقافتنا ترتبط بتفادي جهنم أكثر من الفوز بالجنة” وكأنه يخاطب الواقع سواء كان واقعه المسيحي أو واقع أي دين على وجه الأرض ، لكنه يبتعد عن الدين ثم يعود إليه يهرب منه ويجده أمامه في كل مكان ، يهرب من الأكاديمية التي تشرف عليها الكنيسة لما يعانيه فيها من تعذيب ليعود ويلتحق بمدارس اللاهوت ليصبح قسيساً ثم يخرج من كل هذا ويصبح كاتباً ، لكنه لا يستطيع أن ينسلخ من واقع الدين الذي يحاصره ، في الرماد الذي سيؤول إليه كما آل إليه الراحلون قبله .

الرواية جميلة وسلسة والعالم هو عالم خوسيه مياس الذي لا يريد أن يستغني عنه تقع الرواية فيما يقارب 240 صفحة ترجمتها جيدة جداً .

رأي في رواية ثمار القلب ..

رواية ثمار القلب 

للكاتب جابر عتيق 

قراءة نقدية للأستاذ أحمد صقر

يتحفنا الكاتب المتألق جابر عتيق بلغة بلورية مُقطرة, بيسر سردها من الصفحة الأولى تقريبا للرواية.

أربع حكايا لا تعتقد ولا في الأحلام أن أبطالها يمكن أن تتقاطع حياتهم بأي شكل من الأشكال.لكن تشدك الإثارة , من إبداع الكاتب في اختيار الكلمات المناسبة والبعد عن الحشو والتكرار يشدك هذا التمكن من الاستمرار وإشعال سيجارة وراء أخرى وأنت تغوص في خيال جابر.إيش جاب بلح الشام لعنب اليمن؟ 

الإثارة موجودة لأنك لا تعرف كيف سيجمع القدر كل هذه الشخصيات في حلقة واحدة من مسلسل الحياة يحدث ذلك تقريبا في النصف الثاني من الكتاب حيث تتلاقى الخيوط وتبدأ حياكة الحكاية بشكل لا يخطر ببال من شدة واقعية العمل الفني في كتاب جابر لم أستطع إلا أن اعتبر هذه الشخصيات جميعا حقيقية قد تكون أسماؤها مستعارة فقط ، ومن شدة هذه الواقعية أنها ذكرتنا بمستوى القهر والظلم التي تعيشه المرأة في مجتمعنا .

لا أستطيع إلا أن أشعر بالغثيان في قصة أحمد وهيا ! وفعلا كنت أتمنى أن ترفض هيا الزواج بخالد والذي كان هو السبب في طلاقها ممن أحبت وارتضت وكنت أتمنى أن تستمر حياتها مع أولادها وبدون زوج , على أن يظفر بها خالد في نهاية المطاف ولكن هذا ما حصل لأن القصة فعلا حقيقية وكثيرات هن على شاكلة هيا وطلاق نور المبني على كلمة من رجل قال لزوجها أنها أهدته قلما قبل زواجها منه!! وزوجها طلقها حتى بدون أن يسألها والجميع سانده واعتبره صاحب حق كالعادة حلال على الرجال وحرام على النساء ولكن أيضا هذا دليل على واقعية الخيال عند الأستاذ جابر (إن لم يكن حقيقة لا خيال)

ليس من الدين بشيء أن تفقد المرأة حضانة أطفالها إن تزوجت بل هي حمية الجاهلية الأولى المقيتة والذي جاء الإسلام ليغيرها لكنها مع الأسف متأصلة في مجتمعنا بل ونسميها القضاء الشرعي والعياذ بالله .

في المحصلة , كانت رسالة الكاتب أن المجتمعات مهما بلغ ثراؤها لا تُبنى سعادتها إلا على صدق المشاعر وحرية الاختبار.

لا أريد أن أطيل أكثر لكنني استمتعت بقراءة رواية أخي وصديقي جابر عتيق وأشعلت مشاعري كلماته البليغة وأتمنى أن يقرأها الجميع فهي إضافة قيمة لأدب الرواية العربية والخليجية القطرية .

كل الحب والتقدير والاحترام 

أحمد صقر

https://www.facebook.com/ahmr.hnyh

قراءة في كتاب “رسائل من المنفى” للكاتبة : بدرية حمد .

قراءة في كتاب .. رسائل من المنفى .. للكاتبة : بدرية حمد .

لا يجب أن أكتب الكثير عن هذه الرواية ، لأنها رواية من الصعب أن تتحدث عنها، بل يجب أن تعيش فيها لكي تستمتع، فما مر بي وأنا أقرأ فصولها كان شعوراً مختلفاً لأبعد الحدود ربما لأني أنتمي لتلك الحقبة الزمنية التي تعايشها الكاتبة في روايتها ووصفتها بأسلوب محترف يجعل القارئ ينتقل من صورة خيالية يتوقعها في أي رواية لمحاولة تخيل الأحداث ومعايشتها بشكل أعمق وأقوى .

رواية رسائل من المنفى ربما تكون صرخة نسوية، ربما تكون محادثة مع الزمن، ربما مرحلة ذكريات، كل تلك الأحداث تمر في الرواية من الحياة التي تعيشها بطلة الرواية الطفلة “منيرة” حتى تصبح فتاة ، ثم سيدة، ثم أم وجدة فيما بعد، والقيود والأسوار التي توجد في المجتمع والقيود التي يضعها الإنسان لنفسه .

البداية مرحلة مميزة في الرواية تستعيد الماضي بقوة، تصف فيها الكاتبة المكان والزمان والأشخاص بدقة، حتى تلك الأحداث الصغيرة التي ربما نسيناها مع تقدم العمر، أسلوب البشر في الحياة في تلك الحقبة، طريقة تعاملهم، أفكارهم، عاداتهم، كلها تتجسد في البدايات، وكأن الكاتبة أرادت أن تكرس الصورة التي تعيشها فتاة صغيرة تبني شخصيتها دون مساعدة، تنمي قدراتها في وسط مجتمع صغير داخل المنزل، ثم مجتمع أكبر في الحي، ثم المدرسة، فتاة تراقب كل ما حولها لتعرف كيف تتصرف وكأنها تبني عالمها لتخبأ فيه شخصية مميزة، تكافح نظرة المجتمع وتخطط للاستمرار في النجاح.

تكبر بطلة الرواية وتكبر معها الأحداث وتكبر معها المشاعر والأحلام والرغبات، والمسؤوليات، والمشاكل، وتنتقل في المراحل كلها وينتقل معها القارئ في تلك المراحل، يتعقب الذكريات التي تنقلها عبر دفاتر الذكريات الكثيرة التي كتبتها بطلة الرواية .

لهذه الرواية جاذبية، لا يمكن أن يتجاوزها أي شخص عاش في تلك الحقبة الزمنية دون أن يقف عند الكثير من أحداثها، لكن أتوقع أن تلفت نظر الكثير من الشباب من الجنسيين لأنها ترسم لهم حياة عايشها آباؤهم وأمهاتهن، وتساعدهم لرسم صورة عن الماضي، عن البدايات، بأسلوب سلس وممتع، بعيد كل البعد عن الحشو وعن زخارف الجمل المنمقة .

الجانب القوي في الرواية هو الإحساس الذي تبعثه لدى القارئ بصدق ما يقرأ، فيقع تحت التأثير المباشر للأحداث والشخصيات، ليكتشف أن ما تريده الكاتبة أعمق من مجرد قصة ترويها، بل يتجسد في صراعات متفرقة، بين النفس ذاتها وبين الأسرة والمجتمع، وبين رغبات وأهواء وأماني، صراعات تمر في الزمن دون أن تنتهي ويخرج الإنسان من تلك الصراعات ليعود إلى ذكرياته من جديد يعيش فيها حتى النهاية .

أنصح بقراءة الرواية فهي رواية ممتعة ترسم صورة من المجتمع القطري في السابق وترسم حياة المرأة وما يمر بها من تحديات عايشتها النساء في تلك المرحلة .

تقع الرواية في 270 صفحة من الحجم المتوسط .

قراءة في كتاب رواية “هكذا كانت الوحدة” لـ خوان خوسيه ميّاس

قراءة في كتاب ( هكذا كانت الوحدة ) لـ خوان خوسيه ميّاس

الوحدة أو السيدة التي تمثل اللا شيء ، لا يهمها شيء ، ولا هي تهم أحد ، فهي لا شيء ، وال لا شيء أحب أن أطلقه دائماً عند الحديث عن اللامبالاة بشكل عام ، فحين لا أبالي بمن حولي ولا أريد أن يهتم أحدٌ بي كإنسان ، هنا يموت الشعور ويموت الإحساس بالآخر ويموت الإحساس بالعواطف البشرية التي كانت إلينا الشخصية الرئيسية في الرواية تحارب لتقتل كل اهتمام بمن حولها ، وتقتل اهتمامهم بها .

الرواية كنسق جميلة وككتلة جميلة لكن لا أظن أن المترجم أعطى الرواية حقها في الترجمة فهي مختزلة بشكل لافت للانتباه ، وأظن أنه قتل الكثير من الجوانب التي تتضمنها الرواية في التفاصيل ولا أعرف ما الاعتبارات التي دفعته لذلك ، لكن الاختصار واضح جداً في هذه النسخة من الترجمة العربية للرواية المتوفرة بكثرة في الإنترنت .

 تدور الرواية حول سيدة متزوجة في الأربعينات من العمر تدمن الحشيش وتبدأ بمشهد موت بارد ، تتبعه أحداث أخرى يعتريها البرود وعلاقات جامدة ، الباقي منها خيوط رفيعة ، وتتسلسل الأحداث حتى تقطع البطلة إليينا كل تلك الخيوط وتعيش في عالم من الوحدة تصاحب أفكارها وتخيلاتها وتكتب مذكراتها ، تنعزل في النهاية عن كل أحد له صلة بها ، لكنها تبقى خيطاً رفيعاً لمشاعر الذكريات ، والحب ، فصورة التحري الذي استأجرته لكي يتابع تحركات زوجها الذي كانت متأكدة من خيانته ، تحولت لتكون متابعة لها هي وكأنها تقول أنا محتاجة أن يراني أحد دون أن يلمسني أو يقترب مني ، أحد لا أراه ولا أعرفه يشملني بالرعاية عن بعد ، وهذا ما وصل إليه الأمر مع مكتب التحري الذي كان يجهل من الذي طلب متابعة تلك السيدة .

علاقات أسرية ميتة في الرواية كعلاقة البطلة إليينا بوالدتها التي بدأت الرواية بالحديث عن وفاتها ، وصورة البرود لدى البطلة التي تعود بعد فترة في الرواية لتجسد شخصية والدتها وتتجسد هي تلك الصورة في نواحي كثيرة من حياتها ، ورغم إيمانها بالكثير مما كتبته والدتها في مذكراتها إلى أنها ترى أنها تحولت لقرينة لوالدتها تعرفها لكن لا يجب أن تتواصل معها .

الحشيش ذلك العالم الوهم الذي بدأ يشكل عالم البطلة إليينا ويرسم صورة ، والذي تخلت عنه بعد أن ترسخت تلك الصور في شخصية البطلة وعلاقة الحشيش كعلاقتها بزوجها الذي انتهى فجأة مع آخر سيجارة حشيش دخنوها سوياً وآخر لقاء لهم في الفراش ، وقد رسم هذا المشهد صورة قاتمة لعلاقة الرجل بالمرأة وجرد المرأة من كل مشاعرها الأنثوية ، التي كانت البطلة مؤمنة أن لا وجود لها فهي لم تتحدث كامرأة من بداية الرواية ولم تتحدث بعاطفة في أي ناحية من نواحي حياتها حتى بكائها كان لأمور لا تدخل فيها المشاعر بل الاعتبارات ، وكان المشهد الأخير حين ذكرت أنها نامت مع زوجها ، وفي اليوم التالي تركته ، دون أن تبدي أي سبب وكأنها ترفض أن يخترقها مخلوق آخر أو أن هناك إنساناً يستطيع أن يحتويها ولو للحظات .

تتكرر في الرواية صورة المرأة في أكثر من شخصية فالأم مرسدس والابنة مرسدس والحفيدة مرسدس ، وأليينا البطلة هي القرينة ، صور مكررة ترسمها الرواية ، وكأن كل النساء متشابه ، ويسيرون في النهاية للوحدة والانعزال ، وكأنه أمر طبيعي يجب أن يتم ، بينما تعاطت الرواية مع الرجال بشكل مختلف ، وشخصيات مختلفة ، لم يظهر هذا الأمر بشكل كبير إلا في شخصية الزوج ، وبشكل أقل في شخصية والأخ والمحقق .

النزعة الفردية في الرواية قوية واللامبالاة أيضاً قوية ، وموت المشاعر والإحساس البشري ، ما عدى الخوف ، الذي يخرج من الخيال ، الخوف الذي يطارد الروح والروح المتجسدة في شخصية إليينا روح شبح ، لدرجة أنها كررت في أكثر من موقع في الرواية ، أنها نخاف الخروج ، لأنها تعتقد أنه لن يتعرف عليها أحد ، وفي أحد تلك المشاهد ، تمسح وجود الزوج وتمسح وجود الابنة .

هذه الرواية ترسخ مبدأ اللامبالاة والنزعة الفردية ، وهنا يجب أن نذكر مرحلة ما بعد الحداثة التي يطرحها المفكرون الغربيون ، والصورة التي ستؤول لها الأمور في النهاية لا محالة ، وهنا يجب أن نضع علامة استفهام كبيرة ؟ فتلك الصورة تعني موت الإنسانية وتحول البشر إلى آلات أو مجموعة من المشردين ذهنيا لا صلة لهم ببعض ولا يحتاجون إلى بعض ولا ينتمون لبعض ، صورة تدمر الأسرة وتقتل كل شعور بالانتماء إلى المجتمع أو الهوية أو الدين أو الأسرة .

لا يمكنني أن أحكم على الكاتب فهو كاتب عالمي كما يقولون ولم أقرأ له أي عمل آخر وما قرأت مترجماً للعربية بشكل موجز ، والذي أعرفه أن الرواية حازت جوائز ، والحكم على الترجمة أنها تنقل الصورة كاملة للقارئ أظن أنه صحيح ، فمن واقع قراءاتي أجد نسخاً كاملة ونسخ مختصر في الكثير من الأعمال الروائية العالمية ، لكن لم أجد نسخة أخرى لترجمة هذه الرواية .

أنصح بقراءة الرواية فهي عمل أدبي به عناصر واضحة يمكن تصورها وتخيل شخصياتها ونقدها ، تقع الرواية في 180 صفة مع المقدمة والتعريفات .

قراءة في كتاب الواقع في قصص للكاتبة / بدرية حمد .. 

IMG_20200614_004842

الكاتب / بدرية حمد .

كاتبة قطرية .

اسم الكتاب / الواقع في قصص ( مجموعة قصصية قصيرة )

عدد الصفحات : 67 .

     مختلفة هذه المجموعة القصصية ، رغم صغرها ولا أعرف لماذا لم تكتب السيدة / بدرية المزيد من القصص ، فالقصص التي طرحتها قصص كانت من واقع الحياة ، وأظن أن لديها أفكاراً أخرى وقصصاً لم تكتبها ، وأنا شخصياً يحزنني أن أجد قلم مميزاً يملك من الإمكانات ما يؤهله لأن يصل إلى أعلى الهرم لكنه يقف عند نقطة محددة ولا يكمل المشوار .

     نعم السيدة / بدرية حمد تملك القدرة على رسم المشهد وتحديد إطار للقارئ ليقف على رسائل القصة دون أن يجد تعقيدات أو إيحاءات تخرجه عن السياق ، وكل هذا ضمن جمل سلسة يستوعبها القارئ بسهولة ويستمر ليصل لنهاية المشهد ، ويعيد النظر في المسائل التي مرت في الحياة دون أن يلقي لها بال ، ليعرف تأثير الموقف على الشخص الذي عايشه .

     كل قصة في هذا الكتاب تحكي واقعاً وتركز بؤرة ضوء على موضوع وليس بالضرورة أن يكون الموضوع مشكلة أو قضية ، بل ربما يكون تصحيح لوجهة نظر أو قراءة مغايرة للرأي السائد ، وهذا يعطي الكاتب نجمة إضافية على مقدرته الجيدة في تصوير حقبة زمنية ونقلها عبر القصص لتُصل للقارئ الذي عايش تلك المرحلة صور معين ، وترسم صورة ذلك الزمن للجيل الذي أتى بعده .

     الجميل في هذه المجموعة القصصية أنها تحكي واقع المرأة بمراحلها المختلفة الطفولة الشباب وما بعد الزواج ، وترسم تلك المشاكل التي يظنها الرجل أنها تافهة ، لتنقل تأثيرها في النساء ، وتصور مدى اتساع الفجوة بين نظرة الرجل ونظرة المرأة لتلك المشاكل ، وتلقي الضوء أيضاً على مشاعر المرأة ومخاوفها ومدى تأثير تلك المشاعر والمخاوف على واقعها .

    أعود وأكرر هذه الجملة في كل مقال أضعه لكاتب قطري ، لماذا هذا البخل ، لماذا لا تخرج الأفكار على شكل كتب ، وإن خرجت لماذا تكون قليلة ، فالساحة الأدبية تحتاج كل قلم مبدع أن يعطي أفضل ما عنده ، والساحة متسعة للجميع ، وأنا أناشد السيدة / بدرية حمد ، أن لا تتوقف ، فقد اطلعت لها على أكثر من مقال وهذه المجموعة القصصية ، وكل ما حصل أن قناعتي زادت أنها تملك إبداعاً لم نشاهده بعد .

     ما لفت انتباهي أن السيدة / بدرية لم تضع مقدمة لكتابها ، ومن وجهة نظري المقدمة مهمة فهي ترسم للقارئ الأفكار التي اتبعها الكاتب وتوضح له الهدف من الكتاب ، وتعرف القارئ بشخصية الكاتب ، ولا أريد التفصيل في القصص التي قرأتها ، لكني أنصح بشدة بقراءة هذه المجموعة القصصية الممتعة .

قراءة في كتاب ( العبودية المختارة ) لـ .. إبتان دو لا بويسي .

العبودية المختارة

قراءة في كتاب ( العبودية المختارة ) لـ .. إيتان دو لا بويسي . مرافعة ضد الطغيان .

سمعت عن هذا الكتاب أو بالأحرى المقال لكن لم أفكر في قراءته سابقاً ، قرأته اليوم ، وهو جميل ، لكنه في حقبة سابقة في عهد الملوك في فرنسا ، وذاك الزمن يشابه لحد كبير زمننا في المنطقة العربية والشرق الأوسط عموماً وسيجد من يقرأ هذا الكتاب الكثير من أوجه الشبه لدى الشعوب العربية المستعبدة ، والتي يفرض عليها حكم دكتاتوري ملكي أو عسكري ، يستعبد الشعوب ويسوقهم كالقطعان .

يتحدث الكاتب أن الشعوب هي من تصنع الظالم ، وهو محق فالظالم لا يأتي من الفضاء ، بل هو بشر مثلنا له نفس التكوين البشري، العقل ، والحواس إلى أنه يتسلط على البشر ويملكهم ، وهو ينساقون خلفه ، سواء إعجاباً به أو خوفاً منه ، لكن الكاتب يتهم الشعوب بأنه تنساق خلف الحاكم وتنظر إليه بإعجاب في الكثير من المواقف ، فهم كالقطيع الذي يسير خلف الراعي دون تفكير ، ودون أن يفكر أحدهم أن يسلك الطريق وحده ، ويتساءل الكاتب لما هذا الانسياق الغير المبرر ؟

ثم يعود ليأصل مبدأ الحرية فالحرية في منظورة تنشأ في فطرة الإنسان وهي أصيلة في نفسه ، أي أن الإنسان لا يستحب العبودية ولا يرغب فيها أن نشأ على أساس صحيح ، وتربية صحيحة ، فرفض العبودية ينبع من داخل بيني البشر ، ولا يتعلمونه ، بل الحرية هي الأساس والاستعباد وضع يفرض على البشر ، ويفرض بأساليب مختلفة .

يوزع الكاتب الحكام على ثلاثة أصناف ، حاكم أخذ الحكم بقوة السلاح وهو الحاكم المتجبر بطبعه ، وحاكم أخذ الحكم بالوراثة ، فهو نشأ في بيت سلطة تعلم أساليب الظلم من صغره ونشأ على مبدأ أن الملك للملك ، وحاكم يختاره الشعب ثم يتمكن منه ويسيطر عليه ، ويتحول إلى ظالم نتيجة ما يجد من تأييد مطلق ونفاق ، وأشخاص يريدون أن يرضى عنهم بأي وسيلة ، ورغم ذلك يرى الكاتب أن اسوء الشرور هو الحاكم الذي اختير من الشعب ، الحاكم المنتخب ، وعلينا أن لا نهمل هذه القراءة زمن كتابة المقال فهو في عام 1840م ، والديمقراطية لم تنل شكلها في الزمن الحالي .

يتحدث الكاتب عن أن استعباد شعب حر يحتاج صلابة حتى يروض ، لكن الجيل الجديد ينشأ تحت وطأة الذل والهوان والاستعباد بكافة أشكاله ، فيكون هو الوضع الطبيعي في الأجيال المتلاحقة التي تنشأ تحت نفس الظروف ، فيستسيغون العبودية ، وينظرون إلى الحكام على أنهم يفعلون الصواب ويعود ويؤكد أن الحرية هي الفطرة الصحيحة في بني البشر وأن العبودية والاستعباد قهر يعود الإنسان عليه.

حين يتحدث عن التغير يتطرف أن التغير له أكثر من صفة ، فتغير النظام الظالم هو الصحيح ، والخطأ هو تغير الوجوه الظالمة بوجوه جديدة ، فالوجوه الجديدة هذه وإن كانت حسنة نوعياً، إلا أنها تتبنى نفس آليات النظام الظالم وتطبق المعايير التي تخدم الحاكم الجديد ، فالحكم من وجهة نظره هرمي ، أي أن الحاكم يحيط به خمسة أشخاص يستفيدون منه وينفذون أوامره ، وهؤلاء الأشخاص يديرون 500 شخص أسفل منهم ، بنفس منظور الفساد الذي يدير به الحاكم الخمسة الأساسيين ، والخمسمئة يديرون خمسين ألفاً يتوزعون على أماكن مختلفة ومناصب مختلفة ، والخمسون ألفاً يديرون عدد أكبر في مناصب أصغر تحت نفس منظومة الفساد ، أي أن الفساد هرم يبنى من الأعلى إلى الأسفل ، يجمع الظلمة بطبقات مختلفة وأساليب مختلفة لخدمة نظام ظالم تحت حكم رجل واحد يسيطر على الجميع ، فأي تغيير لا يشمل النظام بأكمله ، يعتبر تغير وجوه لا أكثر ، وأن النظام الظالم باقِ على حاله .

حين يتحدث الكاتب عن فرنسا لم ينتقد الملك ، رغم أنه استرجع مواقف كثيرة من التاريخ خصوصاً في زمن الرومان واليونانيين ، بل وقال حين تحدث عن فرنسا (( وحتى لو لم يكن الأمر كذلك لما رغبت في خوض نقاش حول صحة أخبارنا ولا تفنيدها لكي لا أفسد جمال شعرنا الفرنسي الذي يتبارى فيه شعراؤنا )) بل إنه يقول إن الملك اختاره العلي القدير وهذا تناقض واضح في مقاله فحين ينتقد الظلم والاستعباد يمتدح ملك فرنسا ويرفض الخوض في مثالب المملكة ، وربما بنى موقفه هذا نتيجة قربه من الطبقات العليا وزواجه من نبيلة .

يتحدث عن تأثير الحاشية على الملك أو السلطان أو الحاكم ، لكنه يعود ليتحدث عن تلك الحاشية في الصفحات الأخيرة بأنهم رغم الفوائد والامتيازات التي يحصلون عليها إلا أنهم في خوف دائم ، وترقب ، وكأنه يشير أن لديهم يقين أن الملك لم يبقى راضياً عنهم للأبد ، بل إنهم مقتنعون أن الملك في أي وقت ربما يتخلص منهم وفي ذلك الوقت الشعب المستعبد لن يلعن الملك بل سيلعن حاشيته سواء كان الملك قريباً منها وراضياً عنها أو حين يستغني عنهم ويذلهم أو يتخلص منهم ، سيلعنهم الشعب لأنهم كانوا هم العطا التي يستخدمها الملك ، فالشعب لا يرى إلى العصا ولا يرى من يستخدمها .