مسائي ..

أعود أنا.. للمساء.. فالمساء لا يتغير، كان يأتي من قبل أن أوجد، وسيأتي بعد أن أرحل، لا يتأخر، ومسائي .. أنا .. لا يأتي إلا متأخراً يصحبه الظلام، بين نور يموت ونفس تموت يأتي بالظلام ليحجب كل شيء، ويخرج كل شيء، يأتي متى يريد وكيف يريد .

مسائي أنا.. جميلٌ مظلم، تزينه الأفكار.. الغبية، مسائي أنا بين عقلي.. وقلبي والمسافة بينهما.. أنا.

علمتني الحياة ..

علمتني الحياة أن لا اندفع خلف شعوري المفاجئ، ولا استعجل في تصديق مشاعر كثيرة استشعارها ممن حولي فالمشاعر وليدة اللحظة، تولد ثم تموت، وربما أكون من القليلين الذين ماتت مشاعرهم بين يوم وليلة، فلم تعد تأثر فيهم الكلمات اللطيفة، والمشاعر المتدفقة ولا كلمة أحبك.

لا يملك الإنسان مشاعره، ولا يستطيع أحياناً التحكم فيها، لكن لا يحق لأي إنسان أن يفرض مشاعره على أحد، لكي يصل لشخص معين، أو لمن يحب، فالطرف الآخر ربما يملك شعورا مختلفا، نحو شخص مختلف، في زمن مختلف، فكيف يستسلم لم ن يفرض عليه أحاسيسه، وإني لأرى الكثير من الناس الذين فرض عليهم الحب وقبلوه، دون أن تكون لديهم مشاعر حقيقية، فأصبحوا مقيدين بحب فرض عليهم لم يولد في نفوسهم.

من المؤكد أن الحديث عن العواطف شيء حساس، وأن الصد مؤلم، لكن الخديعة أن نتماشى مع ذلك الشعور، ونستسلم دون تفكير، ففي كلتا الحالتين ستنتهي المسألة بفشل ذريع، وربما تكون نتائجه غير متوقعة.

خطوات وشوارع ..

كل الذين يمشون في الشوارع، أشكالهم وألوانهم وأحجامهم مختلفة، يحملون رغباتٍ وأهواء، سعادة، هموم، تعاسة، قصص، كل ذلك يمشي على الأرض مع البشر، كل شخص يسحب معه شيء لا يراه الآخرون، ربما لا يريدهم أن يروه.

كل شخص معه شيء لا يدري أين يضعه أمامه أم خلف ظهره أو فوق رأسه، عالم خفي داخلنا يدفعنا للحركة، لنلقي تلك الأحمال التي نعانيها، أو لنقتني أحمالاً أخف.

هناك حلم ..

كان هناك حلم

وكان هناك واقع

وكأنك بين الاثنين..

واقع..

أتعرف.. ما يحدث في.. الواقع..

زالت الأحلام.. وارتحلت..

وظل ذاك الشخص واقع ..

ضجيج ..

ضجيج، كل ما في رأسي ضجيج، لا يَنتج عنه سوى الإزعاج، لا أفكار جديدة، ولا أحلام، ولا خيال، مجرد ضوضاء، تجعلني أنغمس فيها حتى الغرق، ثم أفيق ليخرج كل ما في رأسي من صراخ، وتعود التروس لتعمل من جديد، وتنتج أصواتاً مزعجة، فأهوي إلى القاع وأغرق.

الصدى يتكرر والأصوات، البشر يتغيرون والفلك ثابت، يدور حوله من يدور ويخرج منه من يخرج فلا فرق بين الآتي والغادي وبين المولود والميت، إلا مسافة الحياة، ذلك الخط . ________ . بين نقطة ونقطة مثل الثقاب يشتعل بقوة، ثم يموت في صمت.

فضول ..

أنا كالماء أجري في مساري فلا تقف أمامي كحجر لكي أغيره، يجب أن يكون لك مسارك الخاص وتمضي فيه.

وقوفك يجعلك جماداً، ويعطل كل المسارات الجارية، لمجرد أن لديك فضولاً، وتريد أن تنظر في داخل البشر..

في النهاية ستنجرف.. من أحد التيارات القوية.. ثم سيلقيك في مكان لا يلتفت لك فيه أحد.

الـمـوت ..

إن للموت هيبة، فتجد الإنسان يقف عند الموت موقف العاجز فلا حركة بعده ولا قضاء يعلوا عليه، وإنه يضع الرعب في القلوب قبل وصوله، والاستسلام حين يحل، فلا شيء يقف في طريقه، والكل يجمع على ذلك، لذا فهو الأمر الأخير في شأن كل إنسان، موقن بحدوثه، ولا يستطيع أن يمنعه.

الموت شأنٌ عجيب، لا نعرف له سبب يقيني، يصيبنا المرض، أو نموت في حادث سيارة، وأحياناً ننتظر وفاة رجل كبير يعاني المرض، فيموت ابنه الصغير في فراشه دون مقدمات، نسير لا نتوقع الموت ولا يتوقعه لنا أحد، لكننا نسير لذلك القضاء المحتوم، تصدق توقعاتنا في الموت او تخطئ، جميع الاحتمالات واردة لا يستطيع أحد أن ينكر شيئاً منها.

الموت هو نهاية، وبدايته هي الحياة، فما وجد من عدم، يعود إلى العدم، وكل شيء يخلق ينتهي لا محالة، ولا يحمل الإنسان استثناء من ذلك، بل مهمته تنحصر في تحسين الحياة، التي ستصل إلى بالموت، ولو عرف الإنسان متى يموت، لما عمل لذلك ولا أجتهد، فحين يكون الموت غيباً، يترك مساحة الأمل قائمة، لا ينهيها، فيكون الأمل بالحياة هو الدافع للاستمرار.

الموت ربما مرحلة نهاية، ربما ، وربما ، وربما ، قالوا عنه كل شيء، ولم يقولوا عنه شيء، هو رحلة، هو نهاية الرحلة، وقالوا هو بداية لرحلة جديدة، و هو الذهاب للعدم، ولا حياة بعد الموت، والحياة الحقيقية بعد الموت ، وقالوا ، وقالوا ، وقالوا ، والناس في هذا مذاهب، وكل ديانة، تفسر الموت بطريقتها، لكنهم جميعاً متفقون على شيء واحد، أن الموت سيقع لا محالة، فالجميع يسلم بحقيقة الموت، مهما اختلفت المذاهب في الخلق أو النشوء والتطور، أو غيرها، يبقى الموت الحقيقة التي يسلم بها الجميع دون جدل، فيختلفون عما كان قبله، وما سيحدث بعده، ويتفقون أن الموت حقيقة واجبة الحدوث.

قال تعال: ((نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ))

الحب ..

أجمل ما في الحب أنه يلغي العقل ومنطقه، ويخرجنا من حواجز التفكير، فنجد لذة النظر ورحابة الحياة.

لا متعة في العقل، فالعقل منطقهُ آلي والقلب منطقهُ لذيذ رغم ألمه، نخاف منه ونريده، يؤلمنا ونشتاق إليه، يتعبنا ونسعى وراءه، تناقضات لا منطق فيها، لكن اللحظات التي نعيشها في العاطفة لا تساوي الزمن، فهي تغوص في السنين، وتسافر معنا، ترحل وتعود، كأنها مجدٌ يلازمنا.

ماذا أقول لا أدري، مضى الزمن، والذكريات تربطني بتلك العواطف، مضى الزمن وما زلت أتوق لأن أجد مساحة تخرجني من أسوار العقل لرحابة العاطفة.

وداعاً ..

نقول وداعا ..


وهو لم يغادرنا

فكلماته باقية معنا

مثلت احلامنا واشواقنا

وستظل كذلك رغم رحيله..
وداعا شاعر الجمال …
شاعر الخيال ..
شاعر الإحساس..
شملك الله بواسع رحمته ..
‎#بدر_بن_عبدالمحسن

متاهات ..

لا تعرف الحروف دروب المنافي، لكنها تصف التفاصيل بعناية لدرجة أنك تتوه فيها، ولا تستطيع الخروج، فالمنفى ليس طريقاً واحداً، تمشيه وتجتازه بعد فترة، هو تلك الغربة التي تحجبك عن الواقع والحياة، وعن أولئك الذين يدعون أنهم معك والموجودون حقا معك، ويرسلك بعيدا هناك عند الذي ربما نسوا أنهم تركوك في منفى لن تعود منه أبدا.

عليك أن تصف تلك الدروب جيدا فربما، ربما، تجد ذلك الطريق الذي تظن أنه يوصلك لهم، انثر حروفك على خارطة الورق، ومرر أصابعك لترسم مساراتها التي لا تنتهي، ثم أحرق كل أوراقك، واكتب الحروف من جديد، على جدران التيه، وارض المنفى، وعلى غبار الزمن، وتأكد أنها ستبقى في مخيلتك، أنت فقط.

تجلس بين الحاجز والوطن لا تستطيع أن تسكن الأرض، ولا أن تعبر الجدار، فتمشي دون توقف، وتكتب دون شعور، بين جدارٍ وآخر، لا ترى ما خلفه لا لأن الجدار يعزلك، بل لأن نفسك عشقت أن تبقى خلف خيال، خارج الحقيقة.

المنفى وطن الضياع، له من المجهول حظ، ومن الغياب جزء، ومن الرحيل نصيب، ومن التيه دروب، يجمع تلك المعاني التي تزرع الرغبة في البقاء خلف جدار رُسمت عليه الخرائط، ونُثرت فوقها الألغاز، وعليك أن تجمع شتات الحروف، وتتبع الطريق ليوصلك إلى طريق آخر وآخر، ومن جديد عليك أن تضيع في الجدران، وتنثر نفسك في الدروب، وأن تدوس الحروف، وتحرق كل أوراقك.

لا عزاء

لا عزاء ..
إن كان في القلب مساحاتٌ

للبكاء
للدموع
وأفكارٌ للرجوع


لا عزاء
لن ترفع الاقدار عن دربي البلاء


فأنا بين السطور .. حول نفسي ادور..

على خرائط الورق


وأشعل الأقلام
بين أرق وأرق

تنزل من عيني حروف
ومن قلبي حروف
لا تجد السطور
وتبقى تدور .. تدور

إلى .. ميّ

إلى معلمتي تلك السيدة الجليلة التي جعلتني أنزع ثوب الخوف من على وجه الرواية حين سألتني: ماذا تريد أن تفعل في المستقبل؟ حينها كانت الفكرة الأولى تدور في رأسي حول الرواية ولم أستطيع أن اكسر حواجز التردد والرهبة التي خالطت تلك الفكرة الصغيرة فأجبت: أفكر أن أكتب رواية، فقالت: ما الذي تنتظره؟ وكأنها أستشف خوفي من التجربة وهي تقول: مال الذي ستخسره لو فشلت؟ كان هذا السؤال الأخير الذي اخترق كل الحواجز وجعلني أقف أمام نفسي متجرداً وأكرره حتى بدأت.

تلك السيدة الماهرة في قياس كفاءة فريق العمل الذي تديره لم تكسر حواجز التجربة حين كنت اتعلم تحت يديها طرق التدريب وأساليبه، بل استطاعت أن تكشف الجوانب التي لم أجربها وساعدتني أن اتعلم الكثير من المهارات التي لا زلت احتفظ بها رغم المسافة الزمنية البعيدة التي تفصلني الآن عن تلك المرحلة، فأصبح حاجز الخوف من التجربة شيء لا أتطرق إليه فكل عمل جديد اتقبله برضا واجتهد بأن انجزه بالشكل الأفضل دون تردد.

لا اقصد أن اشكر الدكتورة ميّ عيسى علي، على تشجيعها لي في فترة العمل ولا على تواصلها معي كشقيقتي الكبرى، فهي تستحق أكثر من ذلك، بل اقصد أن أوصل معني جعلتني أقتنع به قناعة تامة، أن الأنسان يبني الكثير من الحواجز بينه وبين آماله التي يريد تحقيقها، وهو نفسه قد يكون العقبة الأكبر التي تمنعه من الوصول لتطلعاته التي يصبوا إليها ، تعلمت منها الدرس الذي أعطاني أكبر قيمة في الحياة.

لم أخطط لأكتب هذه السطور فقط كنت أفكر في البدايات وعندها تكرر السؤال الذي جعلني أقف أمام نفسي وأكرره “مال الذي ستخسره لو فشلت؟” والآن أنظر لتلك البداية في عالم الرواية من بعيد وكأنها رحلة غريبه لكنها ممتعة جعلتني الدكتورة ميّ اخطو فيه الخطوة الأولى فزرعت ثلاث روايات في مسيرتي التي أتوقع أن استمر فيها حتى النهاية.

قراءة في رواية “كتاب الأوهام” للكاتب بول أوستر.

سأتحدث أولاً عن أسلوب الكاتب الذي يستطيع أن يوهمك أن كل ما هو حشو في الرواية مهم ومهم للغاية، وستقتنع بلا شك؛ لأن أسلوبه جميل ومقنع فرغم أن الرواية تقع في 351 صفحة، إلا أنها محشوة لأخرها بالفقرات المطولة التي تتناول جوانب فنية في الأفلام وشخصيات الرواية، ولو أن الكاتب كان غير متمكن لما استطاع أن يقنع شخصاً مثلي لا يهتم بالمجال السينمائي كثير من إتمام هذا العمل الذي اعتبره معقداً ومتداخلاً لأبعد الحدود، ونظرتي هذه لم تولد من فراغ؛ حيث إن الشخصية الرئيسية “أستاذ جامعي” تتحدث عن شخصية ثانوية، وتتابعها باهتمام لدرجة أنك تظن أن تلك الشخصية استلمت زمام الأمور في الرواية، وأن النهاية ستقع حين تختفي هذه الشخصية الثانوية، ثم يعود بك الكاتب للشخصية الرئيسية باندفاع يجعلك تعاود التفكير بأسلوب وفكر الشخصية الرئيسية.

تتحدث الرواية عن أستاذ جامعي يبحث في حياة ممثل قديم عمل في زمن الأفلام الصامتة واختفى فجأة، وهذه هي العقدة التي بنى عليها الكاتب كل أفكاره، ونسج حولها الأوهام التي اصطبغت بها الرواية، وستظن في وقت من الأوقات أن كل ما يقوله حقيقي، ثم يكشف لك الوهم الذي جعلك تتماهى معه وتصدقه.

لقد استمتعت بالرواية، وحرصت أن أتمها وأنا في كامل تركيزي، وهذا لا يعني أني لم ألاحظ الجوانب الأخرى السلبية ولا الأبواب التي مط فيها الكاتب الفصول على نحو معقد، وهو يتكلم عن تفاصيل أفلام بشكل مطول لبطله المفقود “هكتور مان” فكان من المقنع أن يشرح الكاتب فلماً واحداً لكي يوصل للقارئ مدى مهارة الممثل، لكنه استرسل أكثر وأكثر، وشرح أفلاما كثيرة بتفاصيلها الدقيقة، وقد شعرت بالملل في الفصول الأولى؛ بسبب هذا الشرح المستفيض.

نقطة أخرى تعتبر ميزة وعيباً في ذات الوقت فبطل الرواية الحقيقي هو أستاذ جامعي يبحث في حياة ممثل اختفى من الساحة في العشرينات من القرن الماضي، ومن كثافة البحث تعتقد أن البطل هو ذلك الممثل، وتنسى الأستاذ الجامعي، وتعتقد أن الكاتب دمج الشخصية الرئيسية بشخصية المتحدث “الراوي العليم” ولهذا الوجه ميزة وعيب فالميزة أن الأدوار تتبدل في الرواية والعيب أن بعد موت الشخصية الفرعية تشعر ببرود في الرواية، رغم أن الكاتب وضع الكثير من الأحداث المعقدة بعد موت الممثل، إلا أنه في اعتقادي كان يحاول أن يقنع القارئ بأن كل شيء تحقق منه في روايته لا دليل عليه، خلق الوهم في نهاية الرواية بشكل فج عبر سلسلة من الموتى الذين أنهى حياتهم بقلمه.

تقع الرواية في 351 صفحة من القطع المتوسط، جيدة في العموم أنصح بقراءتها.

رداء المعصية ..

لدي رسائل لا أستطيع أن أرسلها لأحد فكلهم رحلوا، تلك الوجوه التي عشتها وعايشتها قد اختفت منذ زمنٍ بعيد، لكنها لم تتلاشَ من مخيلتي، ولم تهدأ الفوضى التي خلفها الرحيل في صدري، فتلك الوجوه لا زالت تدور بين أفكاري المبعثرة وأوراقي المطوية، تنقب في الذكريات، وتنبش الماضي وتنظر إليّ في كل وقت، تتهمني، نظراتها تتهمني، وتذكرني بأخطائي التي ارتكبتها، تلك الأخطاء التي لم أقصدها، وقعت، ودمرت المحيطين ودمرتني.

أنا، ذنبٌ نبت في شكل بشر، ألبسته الحياة رداء المعصية، فتزين به وتأنق، وتلك الوجوه الراحلة قد أغرتها الذنوب، فجاءت إليّ تبحث عن الخطيئة، وحين وقعت فيها، اكتشفت حقيقتها فرحلت لمجهولها، وبقيت أنا في ردائي المتشح بالذنوب.

كيف لي أن ألقيه من على كتفي! وقد ثقل بمن علقوا فيه وتعلقوا به، وعليّ أن أحملهم وذنوبي، وأسير حتى النهاية، فلولاي لم يخطئوا ولم يعرفوا المعصية، أنا الذنبُ المرير الذي لطخهم وشوههم وعراهم من بشريتهم الطاهرة النقية، وألقى بهم في متون الرذيلة، أنا ذنبُ من أخطأ ومن لم يخطئ، ذنبُ القادمين والراحلين.

دعوني مع ذنوبي فإني رغم بغضي لها أرافقها فما لكم لا تتركوني؟ أيتها الأطياف أيتها الوجوه أيتها الذكريات أيها الماضي، أيها الطاهرون، أقر لكم بذنوبي وطهركم فرحلوا عني، كيف تجلسون معي وأنا أمثل الخطيئة، اتركوني أغرق في وحلي وحيداً .

إن استطعتِ

أن تعودي إلي من جديد ليس معناه أن نعود كما كنا، فبين رحيلك وعودتك تقف فجوة المشاعر التي حفرها الغياب في نفسي، ربما أريد أن أقفز فوقها لكي أعود أنا ذلك اللطيف الذي تعرفين، لكني لم أتمكن حتى في خيالي أن أفعل ذلك دون أن أقف عند اللحظة التي دمرت فيها كلماتك المشهد الأخير، وتركتني أهوي في الفراغ الذي وجدته في كل المسافات، وأسأل نفسي عن الحقيقية كيف تحولت إلى وهم مر عبر الزمن لتلقيني في الهاوية التي أردتِ أن أكون فيها وحدي، وأنتِ توجهين تلك السهام المسمومة إلى أذني لتخترق كل ذكرياتك التي احتفظ بها وتحرقينها.

أنا أموت عندما أمنع نفسي، وعندما أشعر بالحنين، وحين أسمع صوتك، الشوق الذي يعصف بي يجعلني أقترب كثيراً حتى أشعر أن كل شيءٍ مؤلم قد اختفى، ثم ينبعث الخوف ليحرق الشوق، ويعيد كلماتك الأخيرة، وأسأل نفسي المجنونة، ماذا لو؟ عاودت الرحيل؟ وشوهت الذكريات؟ وألقتني في الهاوية؟.

كيف لي أن أتحمل صدمات الخوف المتتالية التي أنتجتها كلمات الرحيل؟ وألم الجحود؟ والفراغ الذي حل في قلبي بعد ذلك؟ فأنا لا شيء حين شعرت أن ماضينا أصبح تافهاً، وألبوم الصور التي تشغلينها في عقلي قد احترق، لم تحترق من تلقاء نفسها، بل أنتِ من أشعل فيها النار لكي تجعليني بلا هوية ولا وطن.

لا أنكر أنكِ أنتِ، الشهيةُ، البهيةُ، التي كنت معها، ولا أنكر مشاعري، وأيضاً لا أستطيع أن أنكر خوفي من تكرار المأساة، فما العمل؟ هل تملكين الحلول اللازمة لعلاجي منكِ، ومن سهامك التي جرحتني في لحظة ضعف.

لن أعود كما كنت، ولو أني أستطيع الاختيار لكنت مسحت الألم، ووضعتك في مكانك القديم قبل الرحيل، حين كنتِ أول الشوق، ومنتهاه وأعذب الحب ومبتغاه، حين كان لجام العواطف بين يديكِ تثيرينها كيفما شئتِ وأينما شئتِ، لا أعرف ما أقول، ليتني أستطيع، فجمال الماضي، أصبح ماضياً، وخوف اليوم أصبح مريباً، يمنعني من الاقتراب، فالحواجز لا تأتي من فراغ غاليتي، وأنتِ بنيتِ ذلك الحاجز المرعب في نفسي، لو أنكِ تقدرين، دمريه لأعود كما كنت.