قراءة في كتاب “رواية على الحافة” للكاتب هانس بلاتسغومر

تسير أحداث هذه الرواية الكثيرة بوتيرة باردة تصور المشاهد تحت غطاء من الـلا ندم واللا مبالاة، لكنها تنطلق من البدايات الأولى، قواعد القوة الكامنة في روح لاعب الكاراتيه الذي يطبق القواعد الخمسة بحذافيرها، فتكون كلمة “شتوتسه” هي الكلمة المحورية في الرواية بدايات الطفولة والشباب والحب، بدايات الموت والصمت والعزلة، وبدايات العجز والنهاية.

يتسلسل البطل في الحكاية، ويتدحرج خلال الزمن عبر كل المراحل بنفس الوتيرة الباردة، فتنعكس تلك البرودة على كل تصرفاته حتى في حالات العنف التي يرسمها تشعر أنه مشاهد ميتة وكأنه يقول لك: هذه المواقف لا تعني، إلا أنها ذكريات في سجل سيرمى في مكان ربما لا يطل على أحد فلا تهتم لها وواصل معرفة الحقيقة، دون أن تتألم لما حدث، فكل شيء يسير دون نظام ونحن وحدنا من يتصرف في هذه الحياة، نجلب السعادة والشقاء لأيامنا.

هذا الذي طرحته ربما يكون مجرد استنتاج، لكنه ترسخ لي وهو يروي كيف قتل جده، وكأنه إنسان يريد الجميع أن يتخلص منه، ولن يسأل أحد كيف مات؟ ومن قتله؟ مشهد موت بارد جداً، لا يشعر بعده البطل بأي تأنيب ضمير، وعلى العكس تماماً يشعر أنه أنجز شيئاً يجب إنجازه، يتكرر هذا المشهد في حالة موت صديقه الذي يطلب منه أ، ينهي حياته، فيقدم على قتله، لكن في مشهد موت صديقه كرس نضرة أن الإنسان الذي يعاني يريد الموت، وكأنه بذلك يبرر أن كل معتل صحياً لا يمانع أن يقتله أحدهم لينهي معاناته، وبذلك يكون هو في منزلة المتحكم والمسيطر على الضحية، ويقدم لها النهاية المرجوة.

في مشهد موت زوجته والطفلة التي سرقاها، كان المشهد أكثر احتداماً من سابقيه؛ حيث إنه شعر بالفراغ بعد رحيلهم وشيء من الندم، ربنا لأنهم ماتوا وهم بصحة جيدة، أو أنهم تركوا في حياته مساحة فارغة لم يستطع تجاوزها بعد رحيلهم الأبدي، ومن وجهة نظري أنه وضع القاعدة الأساسية لشخصية البطل في هذا المشد حيث أ، كل إنسان لا يعنيه لن يترك أثراً في ذاكرته، وإن كان يعنيه ستبقى ذكرياته موجودة، لكنها لن تؤثر في سير حياته، وسيتجاوزها في عبر مراحل.

أما المشهد الأخير مشهد الحافة والنهاية الهاوية للعدم، لم يخلقها الكاتب لكي نقف عندها ونتأمل، بل وضعها لنرى كيف تعيش شخصية البطل كل التناقضات والصراعات ببرود، حتى تكون نهايته بالوتيرة نفسها، والاعترافات التي كان من الواجب أن يقولها بصدق أمام محقق، تركها على الورق لتلقى مصيرها، دون أن يحدد ذلك المصير الغامض.

جميلة الرواية في ذكرى البدايات، وبليدة في ذكرى النهايات، وباردة في المشهد الأخير، لكنها رسمت شخصية البطل بتصورات صحيحة من وجهة نظري، فشخصية باهتة صامته قليلة التفاعل لا يمكنها أن تواجه العالم بأخطائها، فكانت النهاية على الحافة والحقيقة مدفونة في حقيبة تحت إحدى الصخور التي تجثم على صدرها.

جميلة الرواية ومشوقة أنصح بقراءتها تقع في 184 صفحة من القطع المتوسط.

معاناة حرف ..

تلك الآلام العميقة
بين معاناة الحروف وقذارات القلم
حين يصبغ لون البياض
ويسمم الورق
وحين تبكي الحروف
وهي تموت
بين شفرة قلم وحضن ورقة

أعزائي..

أعزائي..

المخمورين والمغمورين


لا تشربو الحب سكراً
فالهوا خمرٌ رديئ..


فيه آفاتٌ وجنون..
تسكن بين النون والنون

أن تعودي فلسطين للكاتبة: الفلسطينية التشيلية: لينا مرواني

قدمت ورقة العمل هذه في قراءة للرواية ضمن فعاليات الصالون الأدبي لبيت الراوي

تعريف بالكاتبة:

لينا مرواني (1970-)، كاتبة وروائية فلسطينية، ولدت في سانتياغو لأب فلسطيني من مدينة بيت جالا وأم إيطالية وتحمل الجنسية التشيلية. حاصلة على درجة الدكتوراه في الأدب الإسباني والأمريكي من جامعة نيويورك وتشغل منصب بروفسور أكاديمي وتقوم حالياً بتدريس الأدب والثقافات الأمريكية واللاتينية في ذات الجامعة، وحالياً معارة في جامعة مدريد بإسبانيا لتدريس أدب أمريكا اللاتينية.

وتعتبر من أهم كتاب التشيلي الذين تناولوا مسيرة الفلسطينيين في أميركا اللاتينية. وترجمت أعمالها من اللغة الإسبانية إلى اللغة الإنجليزية والإيطالية، والبرتغالية، والألمانية، والفرنسية.

المجالات التي كتبت فيها:

الشعر، الرواية، القصة القصيرة، المقال، ولها اهتمامات سياسية

الجوائز:

جائزة خوسيه دونوسو للأدب الأيبيري الأمريكي‏ (2023) وسام الثقافة والعلوم والفنون الفلسطيني (2022) زمالة غوغنهايم الهيئة الألمانية للتبادل الثقافي جائزة سور خوانا إينيس دي لا كروز‏ الصندوق الوطني للفنون، وجوائز أخرى.

الأعمال:

• أن تعودي فلسطين

• مقبرة قزحية للروح

الروايتان مترجمتان للعربية

وكتب أخرى باللغة اللاتينية

الرواية من أدب المهجر ..تروي فيها الكاتبة تجربتها خلال رحلتها إلى فلسطين المحتلة.

أن تعودي فلسطينرأي في الرواية..

غربة لم تكن في المهجر فقط، كانت قبل ذلك في الوطن الأم، حيث النظرة في العهد العثماني للمسيحي مختلفة وكأنه جاء من خارج الزمن رغم أنه فلسطيني الجذور، هذا ما تناولته الكاتبة في بداية روايتها، النظرة الناقصة للمواطن الذي يحمل ديانة مختلفة عن ديانة الدولة فيتهم في انتمائه وإخلاصه حتى يشعر بالخوف والغربة في وطنه، فيغادر ليفقد الوطن والهوية معاً ويجمع شتاته في الخارج البعيد هروباً من المصير المحتوم في التجنيد الإجباري الذي فرض على جميع مواطني الدولة العثمانية.

لا تنتهي مأساة الفلسطيني المسيحي عند هذه النقطة فالمهجر لم يكن بهذا الاتساع ليحتويهم أو يوفر لهم الرفاهية المطلوبة من الوهلة الأولى، ورغم ذلك ينجح الفلسطيني في خلق مجتمعه الخاص ويحيط أبنائه بذكرياته ويغذيهم بمشاهد الوطن الأم، ورغم هذا الارتباط لا يفكر في العودة للوطن من جديد لأنه يحمل كل المشاكل السابقة واللاحقة للاحتلال الصهيوني، يصل لأقرب نقطة لوطنه الأصلي لكنه لا يفكر في الدخول لا بسبب الحواجز العسكرية، بل بسبب الحواجز النفسية، فمجرد أنه يعرف أن الأرض لم تعد أرضه خلق لديه حاجز لا يمكن أن يجتازه.

يمسك بجذوره بقوة لكيلا تتفلت ورغم أن الأبناء انتموا للوطن الجديد إلا أنهم يحملون بذرة فلسطين والعائلة الفلسطينية في داخلهم وأقل تذكير لهم بأصولهم يعيد لهم الانتماء الأساسي الذي ينمو رغماً عنهم ومع ذلك هم لا يحملون في مخيلتهم مشاهد من الوطن الأم، بل مجرد ذكريات نقلت لهم عبر القصص والحكايات وبعض الصور.

علاقة فلسطينيو المهجر بالأرض ورغبتهم في معرفة تفاصيل الجذور التي تربطهم بالوطن الأم من مباني، أشخاص، أدوات، والمقارنات التي تثور بين الموقف وردة الفعل لتحلل الواقع وتشرحه.

التفاصيل التي تتطرق لها الكاتبة بشكل مكثف هي تفاصيل العلاقة بين الإنسان الفلسطيني والعسكر الإسرائيلي وبين الفلسطيني والإسرائيلي المدني، وبين الفلسطيني في الداخل 48 والمهجرين، وتميز بين الكلام والفعل، فبينما يكون الحديث متسامحاً من قِبل فلسطينيي الداخل 48 يكون الفعل من الإسرائيليين مخالفاً لهذا التسامح ويتشح بالعنصرية أو الاتهام متمثلاً في الحواجز الأمنية واحتلال المباني لأيام لمجرد الشك بوجود عنصر مقاومة، مع العرب المهجرين والعرب عموما..

تنقل الكاتبة الصورة كما يعيشها أي زائر لإسرائيل يخرج من مناطق النفوذ اليهودية ويجرب التحرك كفلسطيني والصعوبات التي يواجهه من حواجز أمنية ومضايقات وتنقل بعض المشاهد التي نراها غريبة رغم أنها موجودة على الأرض وتصف بشكل جلي طول صبر الإنسان الفلسطيني على الضغوط والمضايقات المتكررة، وتوضح بشكل جازم أن الفلسطيني يراهن على البقاء والصبر.

ترجع للتاريخ القديم قبل قيام إسرائيل وتتطرق السيدة مرواني إلى إشكالية عودة الفلسطينيين الذين فروا من الحكم العثماني وإصرار بريطانيا على عدم منحهم الجنسية الفلسطينية وقد اعتبرتهم أتراك لا ينتمون لفلسطين، ثم تغيرت الوجهة بعد ذلك وتمت قَولبت الفلسطينيين ليكونوا عرباً لا ينتمون لفلسطين والقصد في الحالتين واحد، إبعاد الفلسطينيين وتسهيل حصول اليهود المهاجرين القادمين من دول غريبة على الجنسية الفلسطينية بسهولة دون التدقيق في أصولهم.

من ضمن المآسي تنقل الكاتبة معاناة المهاجرين في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا وما يمرون به خلال تجديد إقاماتهم وما يقاسونه من تمييز بسبب الجنس أو العرق أو اللغة، وكأن الصورة في داخل إسرائيل وخارجها تتطابق في التفرقة والعنصرية والإذلال.

والأسئلة تتكرر ..

• أين موطن عائلتك الأصلي؟

• ما هو المنزل بالنسبة لك؟ أو ربما تقصد هل تعتبر الولايات المتحدة هي منزلك؟

• ما هي اللغة الأخرى التي تتكلمها غير الإنجليزية؟

كلها أسئلة محرجة لطلبة متعددي الجنسيات تتحدث عن الانتماء للوطن أيهما تقصد الوطن الأم أم المهجر، وهل المهجر هو الأمان أو الانسلاخ من الحقيقة لاعتبارات تختلف من شخص لآخر، متعددي الجنسيات يمثلون العالم الآخر العالم والصورة المؤلمة لعصرية الجنسية والأرض.

جدران العزل والفصل العنصري التي انتشرت في العالم في فترات سابقة كلها متشابهة تفصل القوي عن الضعف والغني عن الفقير وصاحب الحق عن الظالم ثم تنتقل إلى كاميرات الرقابة التي تلاحق الوجوه وتبيعها كمعلومات للأجهزة الأمنية والجيوش وهذه النقطة مستخدمة بكثافة في فلسطين لكن الكاتبة لم تذكر هذه النقطة عن فلسطين لكنها ذكرتها في وسط الرواية في ألمانيا، تشبه تلك الكاميرات بجاسوس صغير.

تتطرق الكاتبة لمشكلة اليهودي الأصلي وتذكر مسألة الوثائق التي تثبت أن الفرد “يهودي” وكيف أن الكثير من اليهود اضطروا لتغيير أسمائهم لأسماء مسيحية نتيجة الخوف من السلطات الشيوعية مثلاً، والإجراء الذي تبع ذلك مثل تحليل الدي أن أيه وما يثور حول صدقية هذا التحليل من عدمه طبعاً هذه في فترة الحرب العالمية الثانية وما تلاها.

من الصفحة 245 حتى نهاية الرواية لم تذكر فلسطين وتطرقت كما أشرنا إلى الأصول اليهودية في أوروبا وتحليل الدي أن أيه والرقابة بالكاميرات والهواتف وتصنيف المسافرين لإسرائيل وهذا الأمر يجعل القارئ ينسى الموضوع الأساسي للرواية بحيث أن أصبح اليهودي هو الغالب على المشهد دون أن تربطه بفلسطين أو إسرائيل.

تنتقل الكاتبة للقاهرة وكعادتها تبدأ بشرح الأحداث من البداية المطار ورجل الأمن والفندق والحسين والمقاهي والباعة ولباسها ومشاكلها التي تواجهها بسبب اللغة كذلك لكونها سيدة وما تفعله لكيلا تلفت الأنظار لها مبتعدة عن المجال الحيوي للرواية التي من الواجب أن تتحدث فيها عن فلسطين

الكثير من المشاهد تنقلها لنا الكاتبة في فقرات صغيرة أو في صفحة أو اثنتين لكن كثرة المشاهد لا تعني تحقيق هدف الرواية، بل تعني أن الكاتبة أرادت نقل الأحداث التي تشاهدها دون أن تفكر في نسق واحد وكأنها تكتب أدب رحلات لموطنها القديم مخلة بذلك في صناعة روايتها التي أصبحت أرشيف للرحلة أكثر من كونها رواية.

لا أعرف هل اشترطت الكاتبة أن تكون الجمل الإنجليزية في الرواية كثيرة، أو إن المترجم أبقاها كما هي ولم يترجمها مما يسبب إرباكاً للقارئ.

تختم الكاتبة الرواية بمشهد درامي “مستغرب” حين تعلق في الزحام ولا تجد من يرشدها لوجهتها متجاهلة بذلك كل وسائل المساعدة الإلكترونية من ترجمة وخدمة المواقع وغيره وكأنها تشير لبشاعة العيش في دولة عربية لدرجة أنها تختم الرواية بجملة تتنصل فيها من أصلها الفلسطيني بقولها: ((أكلم نفسي هي ليست بعودة، بل مجرد أرض تطأها قدماي لأول مرة أرض ليس لها أي وجود في ذاكرتي، ولو صورة واحدة منها، فلطالما كان كل ما هو فلسطيني، بالنسبة لي هو مهمة يُسمع صوتها في الخلفية، قصة نلجأ إليها لننقذ أصلنا المشترك من الاندثار، إنها عودة نعم لكنها ليست بعودتي أنا، هي عودة مستعارة، أي أن أعود بدل آخرين، بدل جدي، بدل والدي)) علماً بأنها لم تذكر في الرواية أن أحد طالبها بالعودة لفلسطين أو زيارتها، من بادر إلى ذلك لتبحث عن أصول عائلتها وضل هاجس الهوية شاغلها حتى في الفصول التي لم تذكر فيها فلسطين.

المسألة التي تكررت ليست فلسطين بثقلها الثقافي، بل قضية الهوية، لكل الأجناس اليهود المهاجرين الملونين العرب، ومدى قبولهم في المجتمعات التي يلجؤون إليها، واجتهادهم الدائم أن يُنظر إليهم كأشخاص عاديون ضمن المجتمع، فتكون الصورة أن المجتمع ينظر إليهم بغرابة وحذر وهو يبذلون أنفسن لكي يقبلوا في ذلك الوسط.

مشاهد منفصلة:

  • احتفال الفلسطينيين بسقوط أبراج التجارة مع الحدث وكأنهم هم من قاموا بفعله وتبنوه.
  • مشكلة عرب 48
  • سلطة المستوطنين في الضفة الغربية التي تفوق سلطة الفلسطينية الذين يشكلون الأكثرية بنسبة تفوق 500%
  • الأسلاك الشائكة والحواجز
  • رمزية المفتاح في القضية الفلسطينية الذي حملته الأسر وهي تغادر فلسطين على أمل العودة
  • حالة العداء بين الإسرائيليين وعرب الداخل متأصلة.
  • طريقة استقطاب الأشخاص للحضور لفلسطين تشمل البعث الدراسية
  • اليهود المعارضون لوجود إسرائيل ينظرون أنها خطأ ولا يجب أن يعودوا لفلسطين إلا حين يظهر المسيح.
  • مشكلة الملونين وتصنيفهم في العالم الغربي أوروبا والولايات المتحدة
  • اليهود خارج إسرائيل والوافدين لها والذين لا يحملون هوية دينية واضحة
  • تفصل الرواية أجزاء بعيدة عن المضمون مثل زيارة متحف اللوفر
  • ما يعانيه الكتاب في أوروبا حين يتم الحديث عن فلسطين وقضيتها حتى لو كان من عرب المهجر ولا يجيد اللغة العربية
  • الاعتبارات التي يفكر فيها النشطاء حين يفكرون في زيارة فلسطين وكيف يجتازون أسئلة رجال الأمن الإسرائيليين
  • كيف يعالج الفلسطينيون والنشطاء انتظارهم على الحواجز الأمنية
  • ازدواجية تعامل ألمانيا بيت الإسرائيليين والفلسطينيين
  • تقنيات المراقبة الإسرائيلية تمتد حتى تراقب الوجه عبر تقنيات متطورة
  • أثر المساعدات
  • المحاولات المتكررة للسيطرة على الأراضي الراعية وإجبار أصحابها للتخلي عنها بوسائل الضغط المستمر عبر وسائل غريبة أحياناً
  • دور النشطاء الفلسطينيين في نشر الأدب والثقافة دون قبول أي دعم موجه أو بشروط
  • محاولات دخول المسجد الأقصى الفاشلة لمن ليس بمسلم ولم توضح الكاتبة هل المنع من الأوقاف الفلسطينية أو من الأمن الإسرائيلي.
  • مغالطات الإسراء والمعراج نقلتها بشكل أسطوري وهي تتحدث عن دابة البراق.
  • الأحياء التي هجر منها الفلسطينيون في 48 ومن سكنها بعدهم وبعض مشاكل الإسرائيليين أنفسهم والتفرقة التي تتم بحسب الجنس والعرق .
  • تنقلات الفلسطينيين وإجبارهم على الحصول على جنسيات مختلفة.
  • غرفة وداع الأهل والأصدقاء التي كانت موجودة عند جدار برلين والرقابة الشديدة على الوثائق.
  • الازدحام في القاهرة.
  • عدم احترام المصريين للمواعيد

قراءة في كتاب “حكايات الجدة مشكاة” للكاتبة أزهار الأنصاري.

ما أحوجنا أن نتعلم مثل الأطفال، وأن يكون هناك حكيم يوجهنا لما نفعل، هذا الشعور لم يأتِ من فراغ، بل مر بي وأنا أقرأ “حكايات الجدة مشكاة” التي كتبتها المبدعة “أزهار الأنصاري”، فالتعليم لا يقتصر على الصغار فقط، بل يجب أن يشمل الجميع.

صوت الحكمة وميلنا إلى الحكماء يتجسد في صغرنا في الأجداد والجدات، تلك الأصوات التي نؤمن بأنها على صواب دائماً لذا نلجأ إليها، ونسمعها بتمعن يفوق ما نسمعه من الآخرين، اختيار شخصية الملقن في هذه القصص كان موفقاً فصوت الجدة مشكاة وهي التي تمثل صوت الحكمة لم يعتمد على القصة المحكية، أضاف لها الأفعال التي يمكن للطفل أن ينظر إليها بسلبية إن لم يكن هناك من يوجهه لفعل الصواب.

أعجبني في هذه المجموعة أن الجدة لا تحكي قصصاً فقط، هي تصحح أفعال حفيدها، أو تعلمه شيئاً جديداً في كل مرة يزورها فيها، ثم تزوده بقصة هادفة لا شك أنه سيواجه ما يشابهها في الواقع، وبعد ذلك تعطيه المبررات التي تؤيد الفعل الصحيح، وتنكر الخاطئ فتكتمل الصورة الذهنية لديه وتتضح، ويعرف أسباب الفعل والنتائج، وهذا هو الأسلوب الأكثر تأثيراً في التربية.

لفت انتباهي أن الأستاذة أزهار استخدمت الدين، لكنها لم تستخدمه في القصة التي تحكيها الجدة، استخدمته في التبرير والخلاصة بأسلوب سلس دون تعقيد، ويتجلى بذلك مشهد الحياة فالدين هو المرجعية التي تكمن في نفوس البشر ليحققوا التوازن الصحيح في الحياة، وبما أن الدين الإسلامي قام على ركيزة الأخلاق، فقد اقترن الخلق الحميد بالدين دائماً، قال صلى الله عليه وسلم: “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”

أظن أن للأستاذة أزهار معرفة نفسية بسلوك الأطفال، وهذا مجرد استنتاج ترسخ في ذهني وأنا أقرأ مجموعتها القصصية، فنقطة الارتكاز في كل قصة هي بالفعل موضع تساؤل عن الأطفال أو موقع اهتمام أو تصرف دارج، وقد أصابت في اختيار المواضيع وتوزيع الحكايا بين الموقع والقصة والتبرير.

ربما اختلف مع الكاتبة في الفئة العمرية التي يجب أن تشملها القصة، وأظن أنها تتسع لأعمار أكبر قليلاً لكني لا أجزم بذلك، واعتقد أن اختيار الفئة العمرية للقصة اختيرت بعد دراسة.

تقع المجموعة في 60 صفحة مع الرسومات والألوان، وأجد من المهم أن يخلق الآباء والأمهات لغة تواصل تعليمية مع أبنائهم من خلال القصص والمواقف بحكمة كما فعلت الجدة مشكاة، أنصح بها بشدة، وأتمنى على الكاتبة أن تستمر في هذه المسيرة النافعة.

مناقشة رواية أن تعودي فلسطين

مناقشة رواية أن تعودي فلسطين للكاتبة التشيلية لينا مرواني عبر فعاليات الصالون الأدبي لبيت الراوي

الجزء الأول

الجزء الثاني

ما هي الرواية ؟

يقولون إن الرواية قصة طويلة بها أحداث كثيرة وشخصيات متنوعة، تختلف أساليب كتابها بحسب نوعية الأحداث وهي بالفعل كذلك لكنها لا تعني أن تحكي قصة فالقصص كثيرة، أما الرواية هي مجموعة انفعالات تلازم الشخصيات التي تمر بأحداث معينة يتجسد من خلالها الحدث وما حوله من محيط مكاني وزماني ونفسي .

إذاً الرواية: شخصيات، حدث، زمان، مكان، عوامل نفسية وعاطفية، هذه العناصر تكون موجودة في كل رواية نقرأها سواء رفع الكاتب أفق أحد العناصر أو خففه تبقى موجود، حتى لو لم تكتب فالزمن أحياناً لا يذكر في الرواية ومع ذلك يستشعره القارئ أو يُسقط الأحداث على زمن معين .

إذاً الرواية تتكون من عدة عناصر نسيجها السرد، قالبها الحبكة، مكونها الأساسي الشخصية سواء تفرعت لشخصيات أو تكتلت في شخصية واحدة، الشخصية هي التي ترسم الحدث، تحلله وتفسره وتظهر جوانبه الغير مرئية من ألم وفرح وخوف وعاطفة ، كل المشاعر التي تلامس النفس البشرية.

الرجل الذي باضت النحلة في بطنه

في سالف الزمان يحكى أنه كان هناك رجل يحرث في أرضه وقد نال منه التعب ما نال فاستراح إلى جذع شجرة في بستانه، وما إن شعر بالنعاس أحس بشيء يبلل وجهه، فمسح ما أصاب وجهه ونظر إلى الأعلى فإذا هو خفاش قد حل على تلك الشجرة فوقه ، وألقى سلحه على ذلك المزارع، فستشاط المزارع غضباً وأخذ حجر وألقاه على الخفاش، وكان له من الرمية ما أرد فسقط الخفاش على الأرض فأخذه وسلخه، وطبخه ثم كان وجبته الشهية على مائدة الغداء .

قال أحد التلاميذ: هل يأكل الفرنجة الخفافيش يا أستاذ؟

فأجاب الأستاذ: لم يكن ذلك الرجل ممن الفرنجة يا أولاد، بل يقال إنه من قوم يأجوج ومأجوج.

قال تلميذ آخر: ومن هم يأجوج ومأجوج يا أستاذ؟

فرد الأستاذ: هم قوم أتوا من شرق الأرض، استباحوا البلاد وقتلوا العباد، ونشروا الفساد، ثم أصابهم الطاعون فماتوا دون البشر، ودعوني أكمل لكم حكاية ذلك الرجل.

بعد أن أكل ذلك المزارع النشيط الخفاش بثلاثة أيام قام من نومه في المساء فزعاً فقد رأى فيما يرى النائم أن في بطنه نحلة وأنها قد باضت، ولم يكن في بطنه نحلة لكنه المرض، الذي كان في بطنه مما أكل، ثم مرض  وشعر بتعب خفيف وألمٌ في جسده، وكان يسعل بين الفترة والأخرى، ولم يطل ذلك المرض، بل رحل سريعاً كما جاء، فتعافى المزارع وعاد ليحرث أرضه بنشاط، وجهز الغلال وذهب للسوق وباعها كلها بأفضل الأثمان.

كان زمانهم زماناً عجيباُ فقد كان الحديد في زمانهم ينطق ويطير وأن الرجل يخاطب الحديد، فيرد عليه صاحبه القول، بل ويجتمع أناس كثيرون على حديدة يستمعون لمن يتحدث من حديدة أخرى ، وقد سمع ذلك المزارع من حديدته أن الناس قد حلمت حلماً واحداً، وهو أن نحلة قد باضت في بطن كل من أكل من التفاح الأحمر، فنظر المزارع إلى بطنه، وتذكر حلمه، فقام وذهب لصاحب تلك الحديدة التي يملكها حاكم البلاد والتي يستمع الناس لما يقوله الجالس ورائها، وأخبره بحلمه، وأنه هو من باع التفاح الأحمر في البلاد .

فقال أحد التلاميذ: هل يوجد تفاح أحمر يا أستاذ؟

فقال الأستاذ: نعم يا أبنائي يقال إن التفاح كان بعضه أحمر، ولذا فقد أصابه المرض لأن به شيئاً من الدم ودعوني أكمل لكم الحكاية حين وصل الخبر لحاكم تلك البلاد ضحك وهو يسمع تلك الرواية وطلب التفاح الأحمر، وأكل منه ليتأكد بنفسه من النحلة، وأقسم بأنه سيسألها هل يبيض النحل في بطن كل من يأكل من التفاح الأحمر، عاد المزارع إلى أرضه وهو يضحك ويقول، جنت الناس، كيف يبيض النحل في بطون البشر، وفي اليوم التالي، عادت الأحلام يتردد صداها عبر الحديد، وكثر الكلام عن النحل، وفي اليوم التالي، تعب الكثيرون، فمنهم من مرض مرضاً شديداً ومنهم من شعر بتعب قليل ومنهم من مات .

استمر النحل يبيض في بطون البشر، وأصبح كل بيت فيه مريضٌ أو ميت، وقد حل موسم الشتاء، فركب الناس الحديد وطاروا على متنه للبلاد كلهم ينشدون الدفيء وانتشروا في الأصقاع .

قاطعه أحد التلاميذ: وهل يجنى التفاح في الشتاء يا أستاذ؟

فرد الأستاذ: الذي يجعل الحديد يتكلم ويطير، يجعل التفاح يُجنى في الشتاء، فسبحانه العلي القدير، ودعوني أكمل لكم الحكاية: حين انتشر أهل تلك البلاد في العالم، بدأت الأحلام تنتشر في، وبدأ النحل يبيض في بطون البشر كافة، ومرض الناس، وكان زمانهم عجيباً، ولهم من العلم ما لم يصل إلينا، وقالوا إن لهم من التنظيم ما لم نعرفه في القديم ولا الجديد من الزمان، ويقولون إن الأرض كلها قُطعة إلى خمس قطع كبيرة، وأن تلك القطع جزأت إلى قطع أصغر وتسمى كل قطعة دولة، وتسمى القطعة الكبيرة قارة، ولم تسلم قاراتهم الخمس ولا دولهم من الوباء .

انتشر الوباء وحبس جنود الحكام الناس في بيوتهم لكي لا يخرجوا وتنتشر العدوى بين العباد، ويقال إن الناس كانت تموت من الجوع ولا يؤذن لها بالخروج لأرزاقها خوفاً من الوباء، بقي الحال هكذا طويلاً، وظل النحل يبيض في بطون البشر ثم يعم الوباء ، فيموت أناسٌ كثر ، إلا أن الوباء لم يكن هو المتسبب في الكوارث التي حلت بعد ذلك .

فقال تلميذ: وما حل بعد ذلك يا أستاذ ؟

فأجاب الأستاذ: بعد أن حبس الناس في بيوتهم، حبس الحكام الطعام لأنفسهم وجنودهم، ومن لديه فائض من الطعام خزنه وحفظه لكي لا يتلف، والكل ينتظر أن يزول الوباء، لكن بعض تلك الشعوب أصابهم الجوع، فثاروا ضد حكامهم، وبعض البلدان غزت بلداناً أخرى لتستولي على الطعام، وبعض البلدان لم يبقَ منهم إلى القليل بعد أن أصابهم الجوع والوباء، كل هذا حدث بسبب رجل أكل خفاشاً فباضت النحلة في بطنه ومرض ونشر المرض في الأصقاع، انهارت البلدان وانتشر القتل وفني الكثير من العباد .

ويقال إن التفاح الأحمر أصبح محرماً فلم يأكله أحد بعد ذلك ولم يزرعه أحد وأن الناس قتلت النحل والخفافيش فهربت إلى الجبال، وأن الحديد بعد ما جرى في تلك الفترة لم يطر، فقد أصبح ثقيلاً بعد أن أصابه المرض، والصمم والبكم فلم يسمع ولم ينطق بعدها أبداً، وأن الفرنجة هم أكثر من أصابهم الحزن فقد مات منهم الكثيرون، أما أهل الشرق فقد عادوا أقوياء، والعرب أيضاً لم يسلموا من النحل فقد مات الكثيرون إلا أن رحمة الله قد أنقذتهم فثاروا ضد حكامهم، ووزعوا المؤن على العباد، وساد العدل بعد ذلك .

قال أحد التلاميذ: ما اسم ذلك الرجل يا أستاذ؟

فرد الأستاذ : قالوا أن اسمه كورون، وأطلق على ذلك الوباء اسم كورونا نسبة لذلك الرجل ويقال: إن ذلك الخفاش الذي أكله ذلك الرجل أُرسل له من السماء، فحل على رأسه لكي ينشر الوباء، فيموت الظلمة ويبقى الصالحين.

فقال تلميذ: هل الفرنجة صالحون يا أستاذ؟

يقال يا أبنائي أنهم بعد ذلك الوباء وبعد أن ثارت الشعوب، وبعد أن غزت البلاد بعضها بعضا واستحر القتل ساد السلام وعم الصلح الأرض، لكن البشر عادوا إلى فسادهم فيما بعد، فالشيطان لم يمت في ذلك الوباء، جنبنا الله الوباء .

شجن ..

إن للنغم شجناً يهز الروح ويحرك ذكرياتها كشجرة يهزها الريح فتئن ألماً لكنها تتمايل، رغم ذلك لتجعل العصف روحاً تنبعث فتحرك النفس الميتة، تُحي آلامها وتعيد أصداء الماضي وتجسد مواقفه، لحظاته، سكناته، آلامه، أحزانه، مآسيه، لنعيش الشعور الذي تجسد في تلك اللحظات العتيقة.

لا نستطيع أن نضع للشجن ملامح فهو يرتبط بالقلب وهذا المجنون حمال أوجه، فشجنه يُطرب ويضرب، يُفرح ويُحزن، شعورٌ عميق يغوص في النفس فيُخرج تلك الملفات الصغيرة التي نخبأها في صدورنا، يقرأها بصوت عالٍ لكي نسمع صدى تلك الكلمات التي تهز كياننا وتوقظه.

الأدب القطري الرؤية المعاصرة “الرواية”

أن الرواية تتميز أكثر من أي نوع أدبي آخر بعملية التأثير والتأثر في المجتمع الذي تنشأ فيه، فهي انعكاس لبنية المجتمع وتحمل بين أحداثها الأنساق الثقافية المختلفة، لذلك فإن الرواية لم تنعزل عن المجتمع، والرواية الخليجية والقطرية بشكل خاص تستقي مادتها من الحياة الاجتماعية والعلاقات الأسرية، وتجارب الحياة الواقعية والموضوعية في حياة الكاتب والروائيين، أو ما يجري حولهم.

تعتبر شعاع خليفة ودلال خليفة رائدات الرواية القطرية، حيث أصدرت شعاع خليفة روايتها الأولى “العبور إلى الحقيقة” عام 1993 ثم أصدرت في العام نفسه روايتها الثانية “أحلام البحر القديمة”، في حين كتبت دلال خليفة روايتها الأولى “أسطورة الإنسان والبحيرة” عام 1994، ويعتبر د. أحمد عبدالملك هو أول من كتب رواية من الرجال عام 2005 “أحضان المنافي.

الإطلالة النسائية للرواية كانت متوجهة لهذا الفن السردي تحديداً، دون غيره، وبعد هذا السبق النسائي في مجال الرواية، توالت بعده إصدارها العديد من الأعمال الروائية، التي أنتجها روائيون من الجنسين، فيما أدى زخم التجارب الروائية القطرية، إلى ترسيخ حضور هذا الجنس الأدبي على المستوى الإبداعي، بعدما كان فنًا متواريًا لفترة من الزمن على حساب الشعر والقصة القصيرة، ما يعني أن هذا الجنس الأدبي كان هو الأكثر استقطابًا للمبدعين القطريين، لدرجة دفعته إلى الاستحواذ على المشهد الإبداعي، بشكل يفوق غيره من أشكال الإبداع المختلفة.

الرواية القطرية شأنها شأن الرواية العربية، لم تخرج عن الأنماط التي درجت عليها، إلا فيما يتعلق بدور البيئة والجوار الجغرافي، نعني بوصفها مكونات البيئة ودورها في تشكل فكر وسلوك الإنسان، شاطئ البحر كان موطناً للعب الأطفال، ومحل ذكرياتهم، وهو مكان وداع البحارة في رحلة الغوص الشاقة والمحفوفة بالمخاطر، وأيضا مكان استقبال البحارة بعد انتهاء موسم الغوص. كما كان عرض البحر مسرحا للقتال والحروب ومقاومة المستعمر.

تقول الباحثة عفيف الكعبي في بحثها المقدم لجامعة قطر.

يلاحظ اتكاء الروائيين القطريين على مرجعية ثقافية في أعمالهم الروائية، ولعل من أبرز المرجعيات التي اعتمدوها المرجعية الواقعية، وهي الأكثر حضوراً منذ بدايات الرواية وحتى الوقت الحالي، حيث كان الواقع ميداناً أرحب لمناقشة الأفكار والمضامين التي تقلق الروائي في زمانه وما يحيط به من أحداث، ولما كان المجتمع القطري مجتمعاً محافظاً انتقل بفعل اكتشاف البترول ليكون مجتمعاً استهلاكي أصبحت الموضوعات الاجتماعية الأكثر حضوراً في مناقشة الواقع، ومع هذا الحضور اللافت للمرجعية الواقعية لم يمنع ذلك من توظيف مرجعيات أخرى، مثل المرجعية الأسطورية، ثم دخلت المرجعية التاريخية، مع الألفية الثالثة بدأت مناقشة قضايا ثقافية مثل قضايا المثقف أو قضايا الآخر ونبش المسكوت عنه مثل “اختلاف المذاهب الإسلامية وتعامل ” المسلمين مع المسيحيين”

وهذا يشير إلى وجود بعض المرجعيات في الأعمال الروائية في قطر، ولكن لا يمنع هذا من غياب مرجعيات أخرى ذات أهمية مثل: المرجعية الفلسفية ومرجعية التراث الأدبي وغيرهما، مما يصلح أن يكون مرجعية للأعمال التخيلية كالرواية.

وقد قال د. أحمد عبدالملك في كتابه (الرواية في قطر: قراءة في الاتجاهات)

وضح نقاط ضعف وقوة الرواية القطرية، حيث ذكر أن من نقاط ضعف الرواية القطرية ظهور بعد الروايات على شكل حوارات بين شخصيات تغلب عليها النمطية أو التصوير الفوتوغرافي، ومن ثم خلت من بلاغة السرد الذي هو عماد الرواية، ولكن في المقابل هناك نقاط قوة عديدة في بعض الروايات القطرية.

وقد حدد الكاتب الاتجاهات في الرواية القطرية في خمس نقاط:

أولاً الحدث: أغلب الروايات تتحدث عن الملامح العامة لحياة الناس قديماً على الأغلب وحديثاً بشكل أقل أو يتعلق بالتاريخ بشكل مباشر، أو الشكل الأسطوري (الفانتازي) وأحياناً يحمل الحدث قيمة فلسفية فيما يتعلق بالآخر، ، فإن الحدث في رواية “زبد الطين” يبدو أكثر إنسانية حيث يرتبط بالعلاقة مع الآخر الغريب.

ثانياً الزمان: الزمان في الرواية القطرية تحكمه القرية والمدينة في أغلب الأحيان كما تحكمه نوعية الرواية نفسها، وأحياناً يتلاشى الزمان ويغيب عن الأحداث، أو يبتكر الكاتب زماناً متخيلاً.

ثالثاً المكان: اختلف المكان في الرواية القطرية كما اختلف الزمان، منها ما ارتبط بالفضاء الخارجي حيث الانتقال من مدينة إلى أخرى، وأحياناً تقل كثافة المكان أو تزيد وتقوى لتكون ضمن شخصيات الرواية، أيضاً استخدم الكتاب القطريون تعتيم المكان أو محوه من الرواية فلا يكون هناك “مكاناً محدداً” وأحياناً أخرى يجمع الكاتب بين الأماكن الواقعية والأماكن الأسطورية.

رابعاً الشخصيات: ذهب د. أحمد عبد الملك إلى أن الشخصيات في الرواية القطرية تنقسم إلى نوعين: نوع متحرك ينمو مع الحدث، ونوع جامد لا يتأثر بالحدث ولا يتطور.

خامساً جماليات السرد: الرواية القطرية لم تخلُ من جماليات السرد واللغة البلاغية الراقية والتصوير الفوتوغرافي الجميل. وبهذا تكون الرواية القطرية حافظت على جمالها اللغوي وإضافة صور من الواقع من دولة قطر ومشاهد أخرى متخيلة.

وقد أشار الأستاذ مرسل خلف الدواس في بحثه

إن حداثة التجربة في الرواية القطرية جعلتها تدخل مباشرة في أجواء العصر، مع الأخذ بعين الاعتبار خصوصية الثقافة، والمحاذير والملابسات التي قد ترافق المصطلح والمنهج والعادات والتقاليد والدين، سواء أكان حداثياً أو ما بعد الحداثي وذلك بسبب أن الروائيين القطريين من مخرجات التعليم المعاصر ولا بد أن يكونوا قد تأثروا بمناهج التعليم الحديثة، وثقافة معلميهم سواء في المدارس أو الكليات والجامعات، لا سيما أن أغلب المعلمين في دولة قطر من البلدان العربية التي كان لها السبق في عالم الرواية.

وقال إن الرواية القطرية استطاعت في بعض ملامحها تجاوز القواعد المألوفة والتحرر من القيود التقليدية للرواية في أنماطها وفي نماذجها، أي أنها نتاج عصرها شكلا ومضمونا، بعيداً عن تقييم مضامينها التي تتفاوت درجة قوتها أو ضعفها بين روائي وآخر والسبب أنها ليست رواية سكونية، بل رواية حية، متحركة ومتفاعلة، والدليل مرور السرد الروائي فيها بمراحل عدة من المرحلة الوصفية إلى التجريبية إلى الرمزية، “وبهذا المنظار يصبح العمل الروائي أداة إيديولوجية تسعى إلى أن يكون لها موقعها من صيرورة الواقع.

وأضاف من خلال تتبع الرواية القطرية، نلحظ حضور البعد الأيدلوجي بشكل يجعله أحد المظاهر اللافتة في النص السردي القطري، مظاهر تعكس العمق الذي بلغه الروائي القطري، والرواية القطرية؛ فمنحهما القدرة على المنافسة، وتجاوز الواقع المحلي نحو آفاق أرحب من الانتشار والتوسع، وهو أمر تأكد من خلال ترجمة بعض الروايات القطرية إلى لغات أخرى.

استطاعت الرواية القطرية أن تتجاوز الظاهر وتنفذ إلى العمق، ولم تقف على الحياد في قضايا ذات صلة بالبنية العقائدية والثقافية والاجتماعية للمجتمع.

رغم ذلك توجد إشكالية أخرى في الرواية القطرية تطرق لها الباحث د. رامي أبو شهاب، حيث إن أول رواية قطرية تأخرت في الظهور حتى 1993 أوضح الباحث:

أن السرد القطري في سعيه للحاق بركب الكتابة السردية الخليجية والعربية، يبدو في بعض الأحيان مضطراً لحرق المراحل، مع محاولة السعي إلى تجاوز الانشغال بكشف التكوين العميق وإشكاليات الأنا القطرية التي تبدو متنافرة، وشديد التباين والتخالف نتيجة المبدأ التجاوزي في الكتابة، أو نتيجة التعبير عنها، ومع ذلك، فإن ثمة نماذج تحيل إلى وعي عميق بوحدة القضايا ضمن جمال الصورة الكلية على الرغم من الفوارق.

 ففي بعض الأحيان نجد السعي نحو تكوين هوية خاصة بالأدب القطري، لتكوين معطى ما زال ملتبساً وغامضاً ، وهذا يبرز عبر أسئلة تتعلق بالمنظور القيمي وجدلية المعاصرة بوصفها رياحاً تحمل التغيير.

الرواية القطرية عامة تسعى للكشف عن عميق المكون النفسي للشخصية، وعدم القدرة على التأقلم، فالشخصيات في العديد من الروايات تبدو مرتبكة نتيجة ماضٍ منجز، ومستقبل طارئ حملته تحولات الحداثة الجديدة، وعصر النفط، وهذا ينسجم مع العديد من الروايات التي تتسم بالارتداد نحو الداخل، أو إلى معاني الماضي، والتوجس من العوامل الطارئة، والحرص على القيمي، والأخلاقي وهيمنة الذكورة.

بوجه عام نستطيع أن نقول إن الرواية القطرية تطورت وانتشرت بشكل سريع ونالت اهتمام فئة القراء في المجتمع ومع ذلك فإنها تعاني في بعض الجوانب من أهمها:

• صغر حجم البيئة الثقافية في قطر نظراً لعدد السكان.

• غياب بيئة نقدية جادة يمكنها أن تمييز الأعمال الروائية الجيدة.

• قلة عدد المنتديات الأدبية والثقافية التي تهتم بالرواية (وهنا نقول إن مواقع التواصل الاجتماعي في السنوات الأخيرة أوجدت بيئة جديدة ومتنفساً للكتاب القطريين ووفرت لهم الالتقاء ومناقشة كُتاب ومهتمين من ثقافات متعددة).

• غياب المجلات الأدبية المتخصصة في مجال الرواية والقصة.

• ندرة الدراسات والأبحاث التي تفكك وتحلل وتنقد الرواية القطرية.

ويقف كاتب الرواية في قطر عند خطوط حمراء ومحاذير، فالخطوط الحمراء تضعها أجهزة الرقابة على الأعمال الأدبية، والمحاذير يضعها المجتمع والدين، فيقف عاجزاً في أغلب الأحيان أمام مشاهد روايته حين يرغب في التحدث عن الجنس مثلاً أو الدين أو العادات والتقاليد ورغم أن هناك أعمالاً تجاوزت هذا التفكر بنسبة محدودة إلا أنها لم تتجرأ وتكسر الحاجز حيث أن كل المعطيات المضادة لنقاش الأمور الحساسة لا تزال قائمة في المجتمع ولم تتأثر رغم التطور العلمي والعمراني السريع الذي نقل المجتمع لحياة تختلف عن الماضي الذي أسس تلك الخطوط الحمراء وتلك المحاذير، مما يضطر الكاتب للترميز والاختزال لكي يجعل الأفق مفتوحاً أمام المتلقي.

ورغم ذلك الرواية القطرية تتطور وتنتشر بشكل جيد وسريع ومن أهم ميزاتها أن هناك جيلاً شاباً يكتب مما يتيح له فرصة اكتساب الخبرات والتطور التدريجي عبر مراحل الكتابة المختلفة.

كذلك تقوم المؤسسات الثقافية في الدولة سواء كانت وزارة الثقافة أو غيرها من الجهات بجهود حثيثة في دعم المشهد الروائي القطري والعربي من خلال الجوائز والورش والتدريبات والدعم المستمر للكتاب والمبدعين واستقطاب الشباب أصحاب المواهب المتميزة إلى حقل الإبداع الروائي والقصصي.

قراءة في كتاب رواية “ليلة الأمس” للكاتب أحمد العلوي

لم تكن ليلة عادية تلك التي مرت على أبطال هذه الرواية فبين أغلال تكبل الأيادي وأخرى تكبل النفوس ينتقل المشهد السوداوي بين السطور ليرسم لنا ليلة تحمل من التعاسة المفروضة على البشر في مكان محدد لتدمرهم جسدياً ومعنوياً ونفسياً، تجعلهم مسوخ لا يفكرون إلا في اتجاه واحد، ويمجدون شخصاً واحداً، ويجب أن يؤمنوا بنظام واحد. من تحميه السلطة يعيش مكبلاً في قيود الوضع الوظيفي، ومن لا تحميه السلطة يعيش مكبلاً بالخوف، ومن لا علاقة له بشيء فهو متهم دون تهمة.

تسير أحداث الرواية بشكل راقٍ يحمل من الفلسفة الكثير، مما يعقد المشهد ويجعلك تفكر كثيراً، لكن الصورة الحقيقية التي أراد الكاتب أن ينقلها لنا هي أنه مهما بلغت من فكر وثقافة وعلم لن تستطيع أن تقنع سجانك أنك بريء فالمحقق وإن حمل الثقافة والمعرفة فهو يحملها لكي يصيغ تهم الإعدام والسجن والتعذيب بشكل أنيق يقنع به الآخرين أنه أحسن العمل لا لكي يقيس الأمور بشكل صحيح.

توجد طبقية في الرواية تجعلك تفكر ما الذي يجعل أستاذاً جامعياً يخضع لرجل أمن، ويجعل صحفياً مرموق يخضع لشخصية مستغلة، تجد القيمة للقوة والمنصب والعلاقات، ولا تجد قيمة للإنسان مهما علا علمياً أو ثقافياً، فلا قيمة له ضمن مناصب الطبقية التي تحدد قيمتك بنسبك أو بعلاقاتك وسلطتك، فإن لم تملك تلك الأشياء الثلاث فأنت رهن مزاج سجانك ومستغلك.

تحمل الرواية الكثير من الحوارات ربما اختلف مع الكاتب في هذه النقطة رغم أني لم أعانِ وأنا أقرأها من شتات ولم ألحظ شذوذاً في النص بسببها لكنها كثيرة في الرواية، ربما لأن الحوارات الموجودة وضعت لترينا تصورات معينة وأفكار يريد الكاتب أن ينسبها لشخصياته لنميز بين شخصية المتكلم والمتلقي دون أن نعطي الأفكار المطروحة أكثر من الحجم الذي أراده الكاتب.

لفتت انتباهي شخصية سلطان بثقافته وسيطرته على أفكاره، لكن افتقدت شخصية عاصم الحاضر الغائب في كل الأحداث فهو محورها رغم حضوره، وبقي كذلك بعد غيابه، تمنيت لو أن الكاتب أعطى هذه الشخصية عمقاً أكبر ليرينا تفاصيل مشهد الغياب والحضور في الرواية ومدى تأثيره، ومدى إغراء الحياة حين تجري شخص رفض العودة طويلاً ويوافق على العودة لكي يستلم “كرسي” اقصد منصباً مهماً، نظرت إلى هذه الشخصية باهتمام لكني لم أجدها بالقوة التي توقعت في الرواية.

تحرير الرواية جيد وأسلوبها رائع وممتع تقع في 183 صفحة من القطع المتوسط أنصح بقراءتها بشدة.

قراءة في رواية (القَسم) للكاتب خلف ال خلف

رواية بوليسية لضابط تقع له أحداث غريبة تجعله يدور حول نفسه ليكتشف أنه كان ضحية عقول جبارة استطاعت أن تسيطر عليه وتتحكم في تصرفاته وتصوراته وتبعده عن القصد الحقيقي الذي يريد الوصول إليه، ينتقل مع الأحداث عبر خيوط متصلة يظن أنها تقربه من الحقيقة إلا أن الخيوط كانت تلتف حول عنقه لتجره لمصير مجهول.

تتميز هذه الرواية في ثلاثة جوانب مهمة للرواية القطرية:

أولاً: أنها رواية بوليسية وهذا النوع من الروايات غائب عن المشهد الثقافي في قطر حسب علمي ووجود عمل روائي في هذا الجانب مهم لكي نحقق التنوع ونخرج من نمط الرواية الكلاسيكية والتاريخية والبيئية التي تحاكي الماضي مما جعلها النمط السائد في المشهد الروائي القطري.

ثانياً: مساحة الخيال الواسعة في الرواية التي تجاوزت الحدث ولعبت فيه بشكل غير مسار الرواية من التصور الوهمي لقوى ما فوق الطبيعة إلى التحليل الحقيقي للأحداث عبر سلسلة أفكار تفند الوهم وتحقق للقارئ رؤية مدهشة في النهاية.

ثالثاً: كمية الأحداث الكبيرة في والتي تجعل القارئ يتتبع الحدث بشكل متواصل ليصل إلى حل اللغز المتشعب الذي وضعه الكاتب بشكل تسلسلي جيد جداً وربط الأحداث عبر، الشهد الآني، العودة إلى الماضي، الخيال، وهذه الأمور كفيلة أن تربط القارئ بالرواية بشكل جيد.

إلا أن هناك ملاحظات مهمة في هذه الرواية يجب أن نضعها في الاعتبار منها مثلاً:

  • تجاوز الكاتب لتفاصيل بعض الأحداث التي لا تتطابق مع الواقع لكنها تخدم الرواية في تسلسل أحداثها، ورغم أنه يجوز للروائي ما لا يجوز لغيره إلا أن من المهم في هذا النوع من الأعمال الأدبية أن يكون هناك واقعية أكبر للحدث لترسم مشهداً مقنعاً أكثر للقارئ.
  • تكرار بعض المشاهد في الرواية منها مثلاً كلام يعقوب الذي تتكرر على لسان أمه في أخر الرواية بشكل متطابق لحد كبير.
  • كثرة شخصيات الرواية المؤثرة على الحدث ورغم ذلك هناك وضوح في توزيع الأدوار لكن هذا لا يلغي أن عدد الشخصيات الكبير يشتت القارئ.

تمنيت وأنا أقرأ الرواية أن تكون أحداثها في قطر لكن الكاتب وضعها في مكان متخيل وهذا الشيء أفضل من أمنيتي فقد أتاح له مساحة أكبر لخدمة الأجزاء المتخيلة للزمان والمكان والشخصيات بحيث يستطيع القارئ أن يرى المشهد بشكل يفوق التصور المحلي للأحداث ويتماهى مع الفنتازيا والخيال.

تحرير الرواية ممتاز وإخراجها جيد وتويع فصولها وأبوابه سلس تقع الرواية في 289 صفحة من القطع المتوسط، أنصح بقراءتها.

قراءة في رواية “حوض الشهوات” للدكتور محمد اليحيائي.

لن أتحدث عن بداية الرواية، بل سأتحدث من الفصل السادس عن ليلى فهي التي يبدها كل الخيوط وهي التي تتحكم فيها ربما يختلف معي صاحب الرواية لكن ليلى هي التي تحكي تلك القصص وتلك الأحجيات الغرائبية عن عالم منسوخ من عقول الكثيرين الذي لم يعرفوا واقع عمان وما مر من تاريخها.

محمد اليحيائي الماضي البعيد والحاضر المأمول، والماضي القريب والحيرة، الداخل والخارج وصدام العقل العماني الذي لا ينتهي ولا ينسلخ عن ماضيه سوءً القريب أو البعيد وانتماؤه الضارب في أعماق عمان فمهما سافر وتنكر تبقى في أعماقه تستدعيه حين تشاء فيعود بكل ما يحمل من آمال ليرى أحلامه الميتة على واقع صنع بشكل لا يتصوره.

ينقلنا اليحيائي لعالم متشظِ من الداخل والخارج ليرينا كيف ننظر إلى عمان من الجهتين لنرسم صورة ثلاثية الأبعاد بوجود الإنسان العماني الذي رسم البعد الثالث في حكاية أرضه ليشاهد وجهه في مرآة الحياة ويحدثها يصدمها وتصدمه، يخدعها وتخدعه وكأن كل طرف يصدر للآخر صورة يريدها بين أن تكون فاعلاً في الحياة أو أن تنكفئ على نفسك في محيط ضيق.

الكثير من الشخصيات في الرواية والهدف واحد والتصورات كثيرة تتأرجح بين القناعة بالواقع وبين التمرد عليه، وفي أحسن الحالات الصمت وابتلاع الآراء وطمس الأفكار في رفوف الذاكرة لكيلا تنتحر في واقع لا يشارك فيه أحد، عقل واحد وفأسٌ واحدة وأحلام تنتحر على الطرقات.

لا تكتفي هذه الرواية من خلق الأفكار المتمرة والهادئة، وجهتا النظر التي يعيشها المجتمع كأي مجتمع خليجي يدعي أن الحياة تسير والأمور تتحسن والكل راضٍ، بينما في الضفة الأخرى تقف العقول المتمردة عاجزة أن تخرج أفكارها وتطلعاتها، بل حتى أحلامها، فخلف الأحلام تقف العساكر لتحبسها في قمقم التمرد والمعارضة.

ربما أجد مجالاً لأنتقد الرواية في تشظيها وكثرة شخصياتها لكني أجد مبرراً لتلك الشخصيات أما التشظي فعلاجه الوحيد إعادة قراءة الرواية مرة أخرى لكي تجتمع الصورة كاملة في عقل القارئ.

تقع الرواية في في 204 من الصفحات من القطع المتوسط أنصح بقراءتها بتمهل وتركيز فخلف كل شخصية تقف قضية وحياة.

ماذا تملكين.. من حلول .
وماذا املك من .. القدر .

ففي البعد تتعبنا .. الفصول .
وفي القرب .. ترهقنا الفكر .

جلسة أدبية

سأتشرف بتقديم رواية ” أن تعودي فلسطين” ضمن فعاليات الصالون الأدبي لبيت الراوي، الرواية من أدب المهجر للكاتبة لينا مرواني