الصدى ..

هل تسمعين ؟ ..

أناديكِ

أنا هنا

بين جفنين

أحدهما أنتِ

والثاني أنا

بين الجحيم والنار

تكمن جنة

فيها الورود تشتعل

بالأرواح وتضيع

فيها أسكن أنا

بين الجحيم والنار

واشتعل

أتعرفين معنى الأرق

وهل تعرفين معنى الورق

الأرق أن أفكر في النوم، ولا أفعل

والورق أن أفكر في البوح، ولا أفعل

فاسكن بين وسادتك وأوراقك

حتى أذبل

في الحيرة

معاني

وفي الصمت

معاني

وبينهما أنا

لا أستكين

فأعاني

ارحل

أبقى

لا فرق

سأبقى أعاني

بين الأرق والورق

أناديكِ

أنا هنا

لا أستكين

بين الحياة والموت

أنا ..

رحلة أمل

أنا ..

رحلة ألم

أناديك

هنا تسمعين؟

أنت في عالم صاخب…

جئت لأكتب، لكن خطرت لي فكرة أن فتح المتصفح، دخلت على اليوتيوب، بحثت عن بعض الفيديوهات، ووجدتها، ثم انتقلت إلى مواقع مختلفة أنشر تلك الفيديوهات التي رأيت أنها مميزة، وقد فعلت كل ذلك، وتركت صفحة مايكروسوفت وورد مفتوحة، ولم أكتب شيئاً، ثم عدت لأفتح الصفحة البيضاء، إلا أن الأفكار عادت إلي من جديد، ماذا حصل في موضوعك الذي طرحته للنقاش على الفيس بوك؟ وما مدى التفاعل الصورة التي وضعتها على الإنستغرام؟ ففتحت المتصفح من جديد، وتوجهت لصفحتي، لأرى حجم التفاعل، ثم توجهت للفيس بوك لأرى ما الذي جناه ذلك الموضوع من إعجابات وتعليقات، وبعد نصف ساعة، عدتُ إلى صفحتي البيضاء التي لم أكتب فيها شيئاً.

هكذا تسير الأمور في الغالب فالعقل المشغول بأمور صغيرة لا يمكنه أن يركز كثيراً، مثل ما حدث لي من جولة اليوتيوب والفيس بوك والإنستغرام ومدونتي وغيرهم من التطبيقات، شيء بسيط، كان بإمكاني أن أمر أيضاً على الواتس أب، وأرى تلك المجموعات وما يدور فيها وما هو الجديد، حينها ستمر الساعات، دون أن أفعل شيئاً مهماً، ودون أن أجلس أمام تلك الصفحة البيضاء لأسودها بتلك الفكرة التي جعلتني أغادر فراشي لأكتبها.

عندما تريد الكتابة على جهاز الكمبيوتر أو على النوتة في الهاتف المحمول، فأنت تكتب في عالم صاخب، يناديك فيه أشخاص كثر، من كل حدب وصوب، تلتف يميناً ويساراً، تكلم هذا وتلوح لهذا، وتشاكس هذا، وتترك ما تريد القيام به بالفعل، فكل الوسائل الحديثة التي سهلت لنا عالمنا أشغلتنا أيضاً عن أمور أخرى ربما تكون أهم وأرقى من تلك المسائل.

المهم أن نعرف كيف نستخدم وسائلنا، ومتى تكون مهمة ونافعة، ومتى تكون سلبية تشتت أفكارنا في أمور لا ترقى أن نجلس أمامها، أو نهتم بها لفترة طويلة، “الوقت” هو العامل الأكبر في حياة البشر، متى عرفوا كيف يستخدمونه، وفي ماذا يستخدمونه، يمكنهم أن ينالوا الفائدة، وطالما بقي الوقت دون أهمية لدى البشر تتناثر الدقائق والساعات هباءً دون عمل مفيد ونافع.

إن ما توفره وسائل التواصل الاجتماعي والتطبيقات الأخرى أضاف إلينا الكثير، لكنه سلب منا الكثير، أضاف لنا سهولة المعرفة، وسهولة التواصل وسهولة طرح الأفكار، وهنا عند الأفكار أريد أن أضع علامة استفهام؟ لأقف وأتجرد من كل شيء، حين أجد أن كل الأفكار أصبحت مشوشة، الأخبار أصبحت كاذبة، والجدل الذي يدور من حولي لم يوفر لي ما أريد، وأتمنى أن استبدل هاتفي بهاتف لا يحمل شاشة ملونة، ولا تعمل به التطبيقات الحديثة، وأتمنى أن اترك الكمبيوتر، وأعود إلى الورقة والقلم، ثم أفكر من جديد من يمسك الآن ورقة ليقرأها، وإذا كتبتها، هل سأنشرها كورقة أم سأنشرها كنص.

أعود وأطرد التجرد، ويزيد إيماني أن كل شيء مهم في حياتنا الورقة والقلم، الهاتف الذكي والكمبيوتر، كل التطبيقات وكل وسائل التواصل الاجتماعي، العالم الآن لا يعرف لغة غيرها، فإن تركت كل تلك الأمور ستكتشف أنك تعيش في عالم آخر لا ينتمي إليه أحد سواك.

بالفعل كل شيء في حياتنا أصبح مهماً، كل ما كنا نعتقد أنه كماليات أصبح من الأساسيات، وكل ما علينا هو أن نستخدم تلك الأمور الحديثة لنستفيد منها لا لكي نضيع فيها.

عجباً ..

ألا تخبريني لماذا أنظر إلى هاتفي كل دقيقة وأنتِ غائبة؟ وكيف ستخبرينِ وأنتِ غائبة؟ أحياناً ترد إلى ذهني أسئلة غبية، وأنا أفكر فيكِ، ولا أجد لها تبريرات ولا أسباب تدفعها للظهور، تنبثق في ذهني فجأة حين تمرين ببالي وأحياناً أخرى تحملك تلك الأسئلة إليّ لأقف أمام نفسي عارياً، واكتشف أني أضعف مما أظن.

نعم أنا ضعيف ولولا الألم الذي أحمله في نفسي تجاهك لما تأخرت أبداً، هناك شيء يقف حائلاً بين نفسي التي تريدك ورغبتي التي تدفعني إليكِ وبين تلك الخطوة الصغيرة التي تكسر كل المسافات بيننا، تجعلني احبس يدي عن كتابة رسالة وامنع مشاعري المزعجة واسجن نفسي لأمنعها أن تتهور وتهرول في اتجاهك، فأنتِ لا تعنين لي الحب وحده كما تظنين، فأصابعك مزقت أوتار اللهفة.

مسائي ..

أعود أنا.. للمساء.. فالمساء لا يتغير، كان يأتي من قبل أن أوجد، وسيأتي بعد أن أرحل، لا يتأخر، ومسائي .. أنا .. لا يأتي إلا متأخراً يصحبه الظلام، بين نور يموت ونفس تموت يأتي بالظلام ليحجب كل شيء، ويخرج كل شيء، يأتي متى يريد وكيف يريد .

مسائي أنا.. جميلٌ مظلم، تزينه الأفكار.. الغبية، مسائي أنا بين عقلي.. وقلبي والمسافة بينهما.. أنا.

علمتني الحياة ..

علمتني الحياة أن لا اندفع خلف شعوري المفاجئ، ولا استعجل في تصديق مشاعر كثيرة استشعارها ممن حولي فالمشاعر وليدة اللحظة، تولد ثم تموت، وربما أكون من القليلين الذين ماتت مشاعرهم بين يوم وليلة، فلم تعد تأثر فيهم الكلمات اللطيفة، والمشاعر المتدفقة ولا كلمة أحبك.

لا يملك الإنسان مشاعره، ولا يستطيع أحياناً التحكم فيها، لكن لا يحق لأي إنسان أن يفرض مشاعره على أحد، لكي يصل لشخص معين، أو لمن يحب، فالطرف الآخر ربما يملك شعورا مختلفا، نحو شخص مختلف، في زمن مختلف، فكيف يستسلم لم ن يفرض عليه أحاسيسه، وإني لأرى الكثير من الناس الذين فرض عليهم الحب وقبلوه، دون أن تكون لديهم مشاعر حقيقية، فأصبحوا مقيدين بحب فرض عليهم لم يولد في نفوسهم.

من المؤكد أن الحديث عن العواطف شيء حساس، وأن الصد مؤلم، لكن الخديعة أن نتماشى مع ذلك الشعور، ونستسلم دون تفكير، ففي كلتا الحالتين ستنتهي المسألة بفشل ذريع، وربما تكون نتائجه غير متوقعة.

خطوات وشوارع ..

كل الذين يمشون في الشوارع، أشكالهم وألوانهم وأحجامهم مختلفة، يحملون رغباتٍ وأهواء، سعادة، هموم، تعاسة، قصص، كل ذلك يمشي على الأرض مع البشر، كل شخص يسحب معه شيء لا يراه الآخرون، ربما لا يريدهم أن يروه.

كل شخص معه شيء لا يدري أين يضعه أمامه أم خلف ظهره أو فوق رأسه، عالم خفي داخلنا يدفعنا للحركة، لنلقي تلك الأحمال التي نعانيها، أو لنقتني أحمالاً أخف.

هناك حلم ..

كان هناك حلم

وكان هناك واقع

وكأنك بين الاثنين..

واقع..

أتعرف.. ما يحدث في.. الواقع..

زالت الأحلام.. وارتحلت..

وظل ذاك الشخص واقع ..

ضجيج ..

ضجيج، كل ما في رأسي ضجيج، لا يَنتج عنه سوى الإزعاج، لا أفكار جديدة، ولا أحلام، ولا خيال، مجرد ضوضاء، تجعلني أنغمس فيها حتى الغرق، ثم أفيق ليخرج كل ما في رأسي من صراخ، وتعود التروس لتعمل من جديد، وتنتج أصواتاً مزعجة، فأهوي إلى القاع وأغرق.

الصدى يتكرر والأصوات، البشر يتغيرون والفلك ثابت، يدور حوله من يدور ويخرج منه من يخرج فلا فرق بين الآتي والغادي وبين المولود والميت، إلا مسافة الحياة، ذلك الخط . ________ . بين نقطة ونقطة مثل الثقاب يشتعل بقوة، ثم يموت في صمت.

فضول ..

أنا كالماء أجري في مساري فلا تقف أمامي كحجر لكي أغيره، يجب أن يكون لك مسارك الخاص وتمضي فيه.

وقوفك يجعلك جماداً، ويعطل كل المسارات الجارية، لمجرد أن لديك فضولاً، وتريد أن تنظر في داخل البشر..

في النهاية ستنجرف.. من أحد التيارات القوية.. ثم سيلقيك في مكان لا يلتفت لك فيه أحد.

الـمـوت ..

إن للموت هيبة، فتجد الإنسان يقف عند الموت موقف العاجز فلا حركة بعده ولا قضاء يعلوا عليه، وإنه يضع الرعب في القلوب قبل وصوله، والاستسلام حين يحل، فلا شيء يقف في طريقه، والكل يجمع على ذلك، لذا فهو الأمر الأخير في شأن كل إنسان، موقن بحدوثه، ولا يستطيع أن يمنعه.

الموت شأنٌ عجيب، لا نعرف له سبب يقيني، يصيبنا المرض، أو نموت في حادث سيارة، وأحياناً ننتظر وفاة رجل كبير يعاني المرض، فيموت ابنه الصغير في فراشه دون مقدمات، نسير لا نتوقع الموت ولا يتوقعه لنا أحد، لكننا نسير لذلك القضاء المحتوم، تصدق توقعاتنا في الموت او تخطئ، جميع الاحتمالات واردة لا يستطيع أحد أن ينكر شيئاً منها.

الموت هو نهاية، وبدايته هي الحياة، فما وجد من عدم، يعود إلى العدم، وكل شيء يخلق ينتهي لا محالة، ولا يحمل الإنسان استثناء من ذلك، بل مهمته تنحصر في تحسين الحياة، التي ستصل إلى بالموت، ولو عرف الإنسان متى يموت، لما عمل لذلك ولا أجتهد، فحين يكون الموت غيباً، يترك مساحة الأمل قائمة، لا ينهيها، فيكون الأمل بالحياة هو الدافع للاستمرار.

الموت ربما مرحلة نهاية، ربما ، وربما ، وربما ، قالوا عنه كل شيء، ولم يقولوا عنه شيء، هو رحلة، هو نهاية الرحلة، وقالوا هو بداية لرحلة جديدة، و هو الذهاب للعدم، ولا حياة بعد الموت، والحياة الحقيقية بعد الموت ، وقالوا ، وقالوا ، وقالوا ، والناس في هذا مذاهب، وكل ديانة، تفسر الموت بطريقتها، لكنهم جميعاً متفقون على شيء واحد، أن الموت سيقع لا محالة، فالجميع يسلم بحقيقة الموت، مهما اختلفت المذاهب في الخلق أو النشوء والتطور، أو غيرها، يبقى الموت الحقيقة التي يسلم بها الجميع دون جدل، فيختلفون عما كان قبله، وما سيحدث بعده، ويتفقون أن الموت حقيقة واجبة الحدوث.

قال تعال: ((نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ))

الحب ..

أجمل ما في الحب أنه يلغي العقل ومنطقه، ويخرجنا من حواجز التفكير، فنجد لذة النظر ورحابة الحياة.

لا متعة في العقل، فالعقل منطقهُ آلي والقلب منطقهُ لذيذ رغم ألمه، نخاف منه ونريده، يؤلمنا ونشتاق إليه، يتعبنا ونسعى وراءه، تناقضات لا منطق فيها، لكن اللحظات التي نعيشها في العاطفة لا تساوي الزمن، فهي تغوص في السنين، وتسافر معنا، ترحل وتعود، كأنها مجدٌ يلازمنا.

ماذا أقول لا أدري، مضى الزمن، والذكريات تربطني بتلك العواطف، مضى الزمن وما زلت أتوق لأن أجد مساحة تخرجني من أسوار العقل لرحابة العاطفة.

متاهات ..

لا تعرف الحروف دروب المنافي، لكنها تصف التفاصيل بعناية لدرجة أنك تتوه فيها، ولا تستطيع الخروج، فالمنفى ليس طريقاً واحداً، تمشيه وتجتازه بعد فترة، هو تلك الغربة التي تحجبك عن الواقع والحياة، وعن أولئك الذين يدعون أنهم معك والموجودون حقا معك، ويرسلك بعيدا هناك عند الذي ربما نسوا أنهم تركوك في منفى لن تعود منه أبدا.

عليك أن تصف تلك الدروب جيدا فربما، ربما، تجد ذلك الطريق الذي تظن أنه يوصلك لهم، انثر حروفك على خارطة الورق، ومرر أصابعك لترسم مساراتها التي لا تنتهي، ثم أحرق كل أوراقك، واكتب الحروف من جديد، على جدران التيه، وارض المنفى، وعلى غبار الزمن، وتأكد أنها ستبقى في مخيلتك، أنت فقط.

تجلس بين الحاجز والوطن لا تستطيع أن تسكن الأرض، ولا أن تعبر الجدار، فتمشي دون توقف، وتكتب دون شعور، بين جدارٍ وآخر، لا ترى ما خلفه لا لأن الجدار يعزلك، بل لأن نفسك عشقت أن تبقى خلف خيال، خارج الحقيقة.

المنفى وطن الضياع، له من المجهول حظ، ومن الغياب جزء، ومن الرحيل نصيب، ومن التيه دروب، يجمع تلك المعاني التي تزرع الرغبة في البقاء خلف جدار رُسمت عليه الخرائط، ونُثرت فوقها الألغاز، وعليك أن تجمع شتات الحروف، وتتبع الطريق ليوصلك إلى طريق آخر وآخر، ومن جديد عليك أن تضيع في الجدران، وتنثر نفسك في الدروب، وأن تدوس الحروف، وتحرق كل أوراقك.

لا عزاء

لا عزاء ..
إن كان في القلب مساحاتٌ

للبكاء
للدموع
وأفكارٌ للرجوع


لا عزاء
لن ترفع الاقدار عن دربي البلاء


فأنا بين السطور .. حول نفسي ادور..

على خرائط الورق


وأشعل الأقلام
بين أرق وأرق

تنزل من عيني حروف
ومن قلبي حروف
لا تجد السطور
وتبقى تدور .. تدور

إلى .. ميّ

إلى معلمتي تلك السيدة الجليلة التي جعلتني أنزع ثوب الخوف من على وجه الرواية حين سألتني: ماذا تريد أن تفعل في المستقبل؟ حينها كانت الفكرة الأولى تدور في رأسي حول الرواية ولم أستطيع أن اكسر حواجز التردد والرهبة التي خالطت تلك الفكرة الصغيرة فأجبت: أفكر أن أكتب رواية، فقالت: ما الذي تنتظره؟ وكأنها أستشف خوفي من التجربة وهي تقول: مال الذي ستخسره لو فشلت؟ كان هذا السؤال الأخير الذي اخترق كل الحواجز وجعلني أقف أمام نفسي متجرداً وأكرره حتى بدأت.

تلك السيدة الماهرة في قياس كفاءة فريق العمل الذي تديره لم تكسر حواجز التجربة حين كنت اتعلم تحت يديها طرق التدريب وأساليبه، بل استطاعت أن تكشف الجوانب التي لم أجربها وساعدتني أن اتعلم الكثير من المهارات التي لا زلت احتفظ بها رغم المسافة الزمنية البعيدة التي تفصلني الآن عن تلك المرحلة، فأصبح حاجز الخوف من التجربة شيء لا أتطرق إليه فكل عمل جديد اتقبله برضا واجتهد بأن انجزه بالشكل الأفضل دون تردد.

لا اقصد أن اشكر الدكتورة ميّ عيسى علي، على تشجيعها لي في فترة العمل ولا على تواصلها معي كشقيقتي الكبرى، فهي تستحق أكثر من ذلك، بل اقصد أن أوصل معني جعلتني أقتنع به قناعة تامة، أن الأنسان يبني الكثير من الحواجز بينه وبين آماله التي يريد تحقيقها، وهو نفسه قد يكون العقبة الأكبر التي تمنعه من الوصول لتطلعاته التي يصبوا إليها ، تعلمت منها الدرس الذي أعطاني أكبر قيمة في الحياة.

لم أخطط لأكتب هذه السطور فقط كنت أفكر في البدايات وعندها تكرر السؤال الذي جعلني أقف أمام نفسي وأكرره “مال الذي ستخسره لو فشلت؟” والآن أنظر لتلك البداية في عالم الرواية من بعيد وكأنها رحلة غريبه لكنها ممتعة جعلتني الدكتورة ميّ اخطو فيه الخطوة الأولى فزرعت ثلاث روايات في مسيرتي التي أتوقع أن استمر فيها حتى النهاية.

قراءة في رواية “كتاب الأوهام” للكاتب بول أوستر.

سأتحدث أولاً عن أسلوب الكاتب الذي يستطيع أن يوهمك أن كل ما هو حشو في الرواية مهم ومهم للغاية، وستقتنع بلا شك؛ لأن أسلوبه جميل ومقنع فرغم أن الرواية تقع في 351 صفحة، إلا أنها محشوة لأخرها بالفقرات المطولة التي تتناول جوانب فنية في الأفلام وشخصيات الرواية، ولو أن الكاتب كان غير متمكن لما استطاع أن يقنع شخصاً مثلي لا يهتم بالمجال السينمائي كثير من إتمام هذا العمل الذي اعتبره معقداً ومتداخلاً لأبعد الحدود، ونظرتي هذه لم تولد من فراغ؛ حيث إن الشخصية الرئيسية “أستاذ جامعي” تتحدث عن شخصية ثانوية، وتتابعها باهتمام لدرجة أنك تظن أن تلك الشخصية استلمت زمام الأمور في الرواية، وأن النهاية ستقع حين تختفي هذه الشخصية الثانوية، ثم يعود بك الكاتب للشخصية الرئيسية باندفاع يجعلك تعاود التفكير بأسلوب وفكر الشخصية الرئيسية.

تتحدث الرواية عن أستاذ جامعي يبحث في حياة ممثل قديم عمل في زمن الأفلام الصامتة واختفى فجأة، وهذه هي العقدة التي بنى عليها الكاتب كل أفكاره، ونسج حولها الأوهام التي اصطبغت بها الرواية، وستظن في وقت من الأوقات أن كل ما يقوله حقيقي، ثم يكشف لك الوهم الذي جعلك تتماهى معه وتصدقه.

لقد استمتعت بالرواية، وحرصت أن أتمها وأنا في كامل تركيزي، وهذا لا يعني أني لم ألاحظ الجوانب الأخرى السلبية ولا الأبواب التي مط فيها الكاتب الفصول على نحو معقد، وهو يتكلم عن تفاصيل أفلام بشكل مطول لبطله المفقود “هكتور مان” فكان من المقنع أن يشرح الكاتب فلماً واحداً لكي يوصل للقارئ مدى مهارة الممثل، لكنه استرسل أكثر وأكثر، وشرح أفلاما كثيرة بتفاصيلها الدقيقة، وقد شعرت بالملل في الفصول الأولى؛ بسبب هذا الشرح المستفيض.

نقطة أخرى تعتبر ميزة وعيباً في ذات الوقت فبطل الرواية الحقيقي هو أستاذ جامعي يبحث في حياة ممثل اختفى من الساحة في العشرينات من القرن الماضي، ومن كثافة البحث تعتقد أن البطل هو ذلك الممثل، وتنسى الأستاذ الجامعي، وتعتقد أن الكاتب دمج الشخصية الرئيسية بشخصية المتحدث “الراوي العليم” ولهذا الوجه ميزة وعيب فالميزة أن الأدوار تتبدل في الرواية والعيب أن بعد موت الشخصية الفرعية تشعر ببرود في الرواية، رغم أن الكاتب وضع الكثير من الأحداث المعقدة بعد موت الممثل، إلا أنه في اعتقادي كان يحاول أن يقنع القارئ بأن كل شيء تحقق منه في روايته لا دليل عليه، خلق الوهم في نهاية الرواية بشكل فج عبر سلسلة من الموتى الذين أنهى حياتهم بقلمه.

تقع الرواية في 351 صفحة من القطع المتوسط، جيدة في العموم أنصح بقراءتها.