ما هي الرواية ؟

يقولون إن الرواية قصة طويلة بها أحداث كثيرة وشخصيات متنوعة، تختلف أساليب كتابها بحسب نوعية الأحداث وهي بالفعل كذلك لكنها لا تعني أن تحكي قصة فالقصص كثيرة، أما الرواية هي مجموعة انفعالات تلازم الشخصيات التي تمر بأحداث معينة يتجسد من خلالها الحدث وما حوله من محيط مكاني وزماني ونفسي .

إذاً الرواية: شخصيات، حدث، زمان، مكان، عوامل نفسية وعاطفية، هذه العناصر تكون موجودة في كل رواية نقرأها سواء رفع الكاتب أفق أحد العناصر أو خففه تبقى موجود، حتى لو لم تكتب فالزمن أحياناً لا يذكر في الرواية ومع ذلك يستشعره القارئ أو يُسقط الأحداث على زمن معين .

إذاً الرواية تتكون من عدة عناصر نسيجها السرد، قالبها الحبكة، مكونها الأساسي الشخصية سواء تفرعت لشخصيات أو تكتلت في شخصية واحدة، الشخصية هي التي ترسم الحدث، تحلله وتفسره وتظهر جوانبه الغير مرئية من ألم وفرح وخوف وعاطفة ، كل المشاعر التي تلامس النفس البشرية.

الأدب القطري الرؤية المعاصرة “الرواية”

أن الرواية تتميز أكثر من أي نوع أدبي آخر بعملية التأثير والتأثر في المجتمع الذي تنشأ فيه، فهي انعكاس لبنية المجتمع وتحمل بين أحداثها الأنساق الثقافية المختلفة، لذلك فإن الرواية لم تنعزل عن المجتمع، والرواية الخليجية والقطرية بشكل خاص تستقي مادتها من الحياة الاجتماعية والعلاقات الأسرية، وتجارب الحياة الواقعية والموضوعية في حياة الكاتب والروائيين، أو ما يجري حولهم.

تعتبر شعاع خليفة ودلال خليفة رائدات الرواية القطرية، حيث أصدرت شعاع خليفة روايتها الأولى “العبور إلى الحقيقة” عام 1993 ثم أصدرت في العام نفسه روايتها الثانية “أحلام البحر القديمة”، في حين كتبت دلال خليفة روايتها الأولى “أسطورة الإنسان والبحيرة” عام 1994، ويعتبر د. أحمد عبدالملك هو أول من كتب رواية من الرجال عام 2005 “أحضان المنافي.

الإطلالة النسائية للرواية كانت متوجهة لهذا الفن السردي تحديداً، دون غيره، وبعد هذا السبق النسائي في مجال الرواية، توالت بعده إصدارها العديد من الأعمال الروائية، التي أنتجها روائيون من الجنسين، فيما أدى زخم التجارب الروائية القطرية، إلى ترسيخ حضور هذا الجنس الأدبي على المستوى الإبداعي، بعدما كان فنًا متواريًا لفترة من الزمن على حساب الشعر والقصة القصيرة، ما يعني أن هذا الجنس الأدبي كان هو الأكثر استقطابًا للمبدعين القطريين، لدرجة دفعته إلى الاستحواذ على المشهد الإبداعي، بشكل يفوق غيره من أشكال الإبداع المختلفة.

الرواية القطرية شأنها شأن الرواية العربية، لم تخرج عن الأنماط التي درجت عليها، إلا فيما يتعلق بدور البيئة والجوار الجغرافي، نعني بوصفها مكونات البيئة ودورها في تشكل فكر وسلوك الإنسان، شاطئ البحر كان موطناً للعب الأطفال، ومحل ذكرياتهم، وهو مكان وداع البحارة في رحلة الغوص الشاقة والمحفوفة بالمخاطر، وأيضا مكان استقبال البحارة بعد انتهاء موسم الغوص. كما كان عرض البحر مسرحا للقتال والحروب ومقاومة المستعمر.

تقول الباحثة عفيف الكعبي في بحثها المقدم لجامعة قطر.

يلاحظ اتكاء الروائيين القطريين على مرجعية ثقافية في أعمالهم الروائية، ولعل من أبرز المرجعيات التي اعتمدوها المرجعية الواقعية، وهي الأكثر حضوراً منذ بدايات الرواية وحتى الوقت الحالي، حيث كان الواقع ميداناً أرحب لمناقشة الأفكار والمضامين التي تقلق الروائي في زمانه وما يحيط به من أحداث، ولما كان المجتمع القطري مجتمعاً محافظاً انتقل بفعل اكتشاف البترول ليكون مجتمعاً استهلاكي أصبحت الموضوعات الاجتماعية الأكثر حضوراً في مناقشة الواقع، ومع هذا الحضور اللافت للمرجعية الواقعية لم يمنع ذلك من توظيف مرجعيات أخرى، مثل المرجعية الأسطورية، ثم دخلت المرجعية التاريخية، مع الألفية الثالثة بدأت مناقشة قضايا ثقافية مثل قضايا المثقف أو قضايا الآخر ونبش المسكوت عنه مثل “اختلاف المذاهب الإسلامية وتعامل ” المسلمين مع المسيحيين”

وهذا يشير إلى وجود بعض المرجعيات في الأعمال الروائية في قطر، ولكن لا يمنع هذا من غياب مرجعيات أخرى ذات أهمية مثل: المرجعية الفلسفية ومرجعية التراث الأدبي وغيرهما، مما يصلح أن يكون مرجعية للأعمال التخيلية كالرواية.

وقد قال د. أحمد عبدالملك في كتابه (الرواية في قطر: قراءة في الاتجاهات)

وضح نقاط ضعف وقوة الرواية القطرية، حيث ذكر أن من نقاط ضعف الرواية القطرية ظهور بعد الروايات على شكل حوارات بين شخصيات تغلب عليها النمطية أو التصوير الفوتوغرافي، ومن ثم خلت من بلاغة السرد الذي هو عماد الرواية، ولكن في المقابل هناك نقاط قوة عديدة في بعض الروايات القطرية.

وقد حدد الكاتب الاتجاهات في الرواية القطرية في خمس نقاط:

أولاً الحدث: أغلب الروايات تتحدث عن الملامح العامة لحياة الناس قديماً على الأغلب وحديثاً بشكل أقل أو يتعلق بالتاريخ بشكل مباشر، أو الشكل الأسطوري (الفانتازي) وأحياناً يحمل الحدث قيمة فلسفية فيما يتعلق بالآخر، ، فإن الحدث في رواية “زبد الطين” يبدو أكثر إنسانية حيث يرتبط بالعلاقة مع الآخر الغريب.

ثانياً الزمان: الزمان في الرواية القطرية تحكمه القرية والمدينة في أغلب الأحيان كما تحكمه نوعية الرواية نفسها، وأحياناً يتلاشى الزمان ويغيب عن الأحداث، أو يبتكر الكاتب زماناً متخيلاً.

ثالثاً المكان: اختلف المكان في الرواية القطرية كما اختلف الزمان، منها ما ارتبط بالفضاء الخارجي حيث الانتقال من مدينة إلى أخرى، وأحياناً تقل كثافة المكان أو تزيد وتقوى لتكون ضمن شخصيات الرواية، أيضاً استخدم الكتاب القطريون تعتيم المكان أو محوه من الرواية فلا يكون هناك “مكاناً محدداً” وأحياناً أخرى يجمع الكاتب بين الأماكن الواقعية والأماكن الأسطورية.

رابعاً الشخصيات: ذهب د. أحمد عبد الملك إلى أن الشخصيات في الرواية القطرية تنقسم إلى نوعين: نوع متحرك ينمو مع الحدث، ونوع جامد لا يتأثر بالحدث ولا يتطور.

خامساً جماليات السرد: الرواية القطرية لم تخلُ من جماليات السرد واللغة البلاغية الراقية والتصوير الفوتوغرافي الجميل. وبهذا تكون الرواية القطرية حافظت على جمالها اللغوي وإضافة صور من الواقع من دولة قطر ومشاهد أخرى متخيلة.

وقد أشار الأستاذ مرسل خلف الدواس في بحثه

إن حداثة التجربة في الرواية القطرية جعلتها تدخل مباشرة في أجواء العصر، مع الأخذ بعين الاعتبار خصوصية الثقافة، والمحاذير والملابسات التي قد ترافق المصطلح والمنهج والعادات والتقاليد والدين، سواء أكان حداثياً أو ما بعد الحداثي وذلك بسبب أن الروائيين القطريين من مخرجات التعليم المعاصر ولا بد أن يكونوا قد تأثروا بمناهج التعليم الحديثة، وثقافة معلميهم سواء في المدارس أو الكليات والجامعات، لا سيما أن أغلب المعلمين في دولة قطر من البلدان العربية التي كان لها السبق في عالم الرواية.

وقال إن الرواية القطرية استطاعت في بعض ملامحها تجاوز القواعد المألوفة والتحرر من القيود التقليدية للرواية في أنماطها وفي نماذجها، أي أنها نتاج عصرها شكلا ومضمونا، بعيداً عن تقييم مضامينها التي تتفاوت درجة قوتها أو ضعفها بين روائي وآخر والسبب أنها ليست رواية سكونية، بل رواية حية، متحركة ومتفاعلة، والدليل مرور السرد الروائي فيها بمراحل عدة من المرحلة الوصفية إلى التجريبية إلى الرمزية، “وبهذا المنظار يصبح العمل الروائي أداة إيديولوجية تسعى إلى أن يكون لها موقعها من صيرورة الواقع.

وأضاف من خلال تتبع الرواية القطرية، نلحظ حضور البعد الأيدلوجي بشكل يجعله أحد المظاهر اللافتة في النص السردي القطري، مظاهر تعكس العمق الذي بلغه الروائي القطري، والرواية القطرية؛ فمنحهما القدرة على المنافسة، وتجاوز الواقع المحلي نحو آفاق أرحب من الانتشار والتوسع، وهو أمر تأكد من خلال ترجمة بعض الروايات القطرية إلى لغات أخرى.

استطاعت الرواية القطرية أن تتجاوز الظاهر وتنفذ إلى العمق، ولم تقف على الحياد في قضايا ذات صلة بالبنية العقائدية والثقافية والاجتماعية للمجتمع.

رغم ذلك توجد إشكالية أخرى في الرواية القطرية تطرق لها الباحث د. رامي أبو شهاب، حيث إن أول رواية قطرية تأخرت في الظهور حتى 1993 أوضح الباحث:

أن السرد القطري في سعيه للحاق بركب الكتابة السردية الخليجية والعربية، يبدو في بعض الأحيان مضطراً لحرق المراحل، مع محاولة السعي إلى تجاوز الانشغال بكشف التكوين العميق وإشكاليات الأنا القطرية التي تبدو متنافرة، وشديد التباين والتخالف نتيجة المبدأ التجاوزي في الكتابة، أو نتيجة التعبير عنها، ومع ذلك، فإن ثمة نماذج تحيل إلى وعي عميق بوحدة القضايا ضمن جمال الصورة الكلية على الرغم من الفوارق.

 ففي بعض الأحيان نجد السعي نحو تكوين هوية خاصة بالأدب القطري، لتكوين معطى ما زال ملتبساً وغامضاً ، وهذا يبرز عبر أسئلة تتعلق بالمنظور القيمي وجدلية المعاصرة بوصفها رياحاً تحمل التغيير.

الرواية القطرية عامة تسعى للكشف عن عميق المكون النفسي للشخصية، وعدم القدرة على التأقلم، فالشخصيات في العديد من الروايات تبدو مرتبكة نتيجة ماضٍ منجز، ومستقبل طارئ حملته تحولات الحداثة الجديدة، وعصر النفط، وهذا ينسجم مع العديد من الروايات التي تتسم بالارتداد نحو الداخل، أو إلى معاني الماضي، والتوجس من العوامل الطارئة، والحرص على القيمي، والأخلاقي وهيمنة الذكورة.

بوجه عام نستطيع أن نقول إن الرواية القطرية تطورت وانتشرت بشكل سريع ونالت اهتمام فئة القراء في المجتمع ومع ذلك فإنها تعاني في بعض الجوانب من أهمها:

• صغر حجم البيئة الثقافية في قطر نظراً لعدد السكان.

• غياب بيئة نقدية جادة يمكنها أن تمييز الأعمال الروائية الجيدة.

• قلة عدد المنتديات الأدبية والثقافية التي تهتم بالرواية (وهنا نقول إن مواقع التواصل الاجتماعي في السنوات الأخيرة أوجدت بيئة جديدة ومتنفساً للكتاب القطريين ووفرت لهم الالتقاء ومناقشة كُتاب ومهتمين من ثقافات متعددة).

• غياب المجلات الأدبية المتخصصة في مجال الرواية والقصة.

• ندرة الدراسات والأبحاث التي تفكك وتحلل وتنقد الرواية القطرية.

ويقف كاتب الرواية في قطر عند خطوط حمراء ومحاذير، فالخطوط الحمراء تضعها أجهزة الرقابة على الأعمال الأدبية، والمحاذير يضعها المجتمع والدين، فيقف عاجزاً في أغلب الأحيان أمام مشاهد روايته حين يرغب في التحدث عن الجنس مثلاً أو الدين أو العادات والتقاليد ورغم أن هناك أعمالاً تجاوزت هذا التفكر بنسبة محدودة إلا أنها لم تتجرأ وتكسر الحاجز حيث أن كل المعطيات المضادة لنقاش الأمور الحساسة لا تزال قائمة في المجتمع ولم تتأثر رغم التطور العلمي والعمراني السريع الذي نقل المجتمع لحياة تختلف عن الماضي الذي أسس تلك الخطوط الحمراء وتلك المحاذير، مما يضطر الكاتب للترميز والاختزال لكي يجعل الأفق مفتوحاً أمام المتلقي.

ورغم ذلك الرواية القطرية تتطور وتنتشر بشكل جيد وسريع ومن أهم ميزاتها أن هناك جيلاً شاباً يكتب مما يتيح له فرصة اكتساب الخبرات والتطور التدريجي عبر مراحل الكتابة المختلفة.

كذلك تقوم المؤسسات الثقافية في الدولة سواء كانت وزارة الثقافة أو غيرها من الجهات بجهود حثيثة في دعم المشهد الروائي القطري والعربي من خلال الجوائز والورش والتدريبات والدعم المستمر للكتاب والمبدعين واستقطاب الشباب أصحاب المواهب المتميزة إلى حقل الإبداع الروائي والقصصي.

قراءة في كتاب رواية “ليلة الأمس” للكاتب أحمد العلوي

لم تكن ليلة عادية تلك التي مرت على أبطال هذه الرواية فبين أغلال تكبل الأيادي وأخرى تكبل النفوس ينتقل المشهد السوداوي بين السطور ليرسم لنا ليلة تحمل من التعاسة المفروضة على البشر في مكان محدد لتدمرهم جسدياً ومعنوياً ونفسياً، تجعلهم مسوخ لا يفكرون إلا في اتجاه واحد، ويمجدون شخصاً واحداً، ويجب أن يؤمنوا بنظام واحد. من تحميه السلطة يعيش مكبلاً في قيود الوضع الوظيفي، ومن لا تحميه السلطة يعيش مكبلاً بالخوف، ومن لا علاقة له بشيء فهو متهم دون تهمة.

تسير أحداث الرواية بشكل راقٍ يحمل من الفلسفة الكثير، مما يعقد المشهد ويجعلك تفكر كثيراً، لكن الصورة الحقيقية التي أراد الكاتب أن ينقلها لنا هي أنه مهما بلغت من فكر وثقافة وعلم لن تستطيع أن تقنع سجانك أنك بريء فالمحقق وإن حمل الثقافة والمعرفة فهو يحملها لكي يصيغ تهم الإعدام والسجن والتعذيب بشكل أنيق يقنع به الآخرين أنه أحسن العمل لا لكي يقيس الأمور بشكل صحيح.

توجد طبقية في الرواية تجعلك تفكر ما الذي يجعل أستاذاً جامعياً يخضع لرجل أمن، ويجعل صحفياً مرموق يخضع لشخصية مستغلة، تجد القيمة للقوة والمنصب والعلاقات، ولا تجد قيمة للإنسان مهما علا علمياً أو ثقافياً، فلا قيمة له ضمن مناصب الطبقية التي تحدد قيمتك بنسبك أو بعلاقاتك وسلطتك، فإن لم تملك تلك الأشياء الثلاث فأنت رهن مزاج سجانك ومستغلك.

تحمل الرواية الكثير من الحوارات ربما اختلف مع الكاتب في هذه النقطة رغم أني لم أعانِ وأنا أقرأها من شتات ولم ألحظ شذوذاً في النص بسببها لكنها كثيرة في الرواية، ربما لأن الحوارات الموجودة وضعت لترينا تصورات معينة وأفكار يريد الكاتب أن ينسبها لشخصياته لنميز بين شخصية المتكلم والمتلقي دون أن نعطي الأفكار المطروحة أكثر من الحجم الذي أراده الكاتب.

لفتت انتباهي شخصية سلطان بثقافته وسيطرته على أفكاره، لكن افتقدت شخصية عاصم الحاضر الغائب في كل الأحداث فهو محورها رغم حضوره، وبقي كذلك بعد غيابه، تمنيت لو أن الكاتب أعطى هذه الشخصية عمقاً أكبر ليرينا تفاصيل مشهد الغياب والحضور في الرواية ومدى تأثيره، ومدى إغراء الحياة حين تجري شخص رفض العودة طويلاً ويوافق على العودة لكي يستلم “كرسي” اقصد منصباً مهماً، نظرت إلى هذه الشخصية باهتمام لكني لم أجدها بالقوة التي توقعت في الرواية.

تحرير الرواية جيد وأسلوبها رائع وممتع تقع في 183 صفحة من القطع المتوسط أنصح بقراءتها بشدة.

قراءة في رواية (القَسم) للكاتب خلف ال خلف

رواية بوليسية لضابط تقع له أحداث غريبة تجعله يدور حول نفسه ليكتشف أنه كان ضحية عقول جبارة استطاعت أن تسيطر عليه وتتحكم في تصرفاته وتصوراته وتبعده عن القصد الحقيقي الذي يريد الوصول إليه، ينتقل مع الأحداث عبر خيوط متصلة يظن أنها تقربه من الحقيقة إلا أن الخيوط كانت تلتف حول عنقه لتجره لمصير مجهول.

تتميز هذه الرواية في ثلاثة جوانب مهمة للرواية القطرية:

أولاً: أنها رواية بوليسية وهذا النوع من الروايات غائب عن المشهد الثقافي في قطر حسب علمي ووجود عمل روائي في هذا الجانب مهم لكي نحقق التنوع ونخرج من نمط الرواية الكلاسيكية والتاريخية والبيئية التي تحاكي الماضي مما جعلها النمط السائد في المشهد الروائي القطري.

ثانياً: مساحة الخيال الواسعة في الرواية التي تجاوزت الحدث ولعبت فيه بشكل غير مسار الرواية من التصور الوهمي لقوى ما فوق الطبيعة إلى التحليل الحقيقي للأحداث عبر سلسلة أفكار تفند الوهم وتحقق للقارئ رؤية مدهشة في النهاية.

ثالثاً: كمية الأحداث الكبيرة في والتي تجعل القارئ يتتبع الحدث بشكل متواصل ليصل إلى حل اللغز المتشعب الذي وضعه الكاتب بشكل تسلسلي جيد جداً وربط الأحداث عبر، الشهد الآني، العودة إلى الماضي، الخيال، وهذه الأمور كفيلة أن تربط القارئ بالرواية بشكل جيد.

إلا أن هناك ملاحظات مهمة في هذه الرواية يجب أن نضعها في الاعتبار منها مثلاً:

  • تجاوز الكاتب لتفاصيل بعض الأحداث التي لا تتطابق مع الواقع لكنها تخدم الرواية في تسلسل أحداثها، ورغم أنه يجوز للروائي ما لا يجوز لغيره إلا أن من المهم في هذا النوع من الأعمال الأدبية أن يكون هناك واقعية أكبر للحدث لترسم مشهداً مقنعاً أكثر للقارئ.
  • تكرار بعض المشاهد في الرواية منها مثلاً كلام يعقوب الذي تتكرر على لسان أمه في أخر الرواية بشكل متطابق لحد كبير.
  • كثرة شخصيات الرواية المؤثرة على الحدث ورغم ذلك هناك وضوح في توزيع الأدوار لكن هذا لا يلغي أن عدد الشخصيات الكبير يشتت القارئ.

تمنيت وأنا أقرأ الرواية أن تكون أحداثها في قطر لكن الكاتب وضعها في مكان متخيل وهذا الشيء أفضل من أمنيتي فقد أتاح له مساحة أكبر لخدمة الأجزاء المتخيلة للزمان والمكان والشخصيات بحيث يستطيع القارئ أن يرى المشهد بشكل يفوق التصور المحلي للأحداث ويتماهى مع الفنتازيا والخيال.

تحرير الرواية ممتاز وإخراجها جيد وتويع فصولها وأبوابه سلس تقع الرواية في 289 صفحة من القطع المتوسط، أنصح بقراءتها.

قراءة في رواية “حوض الشهوات” للدكتور محمد اليحيائي.

لن أتحدث عن بداية الرواية، بل سأتحدث من الفصل السادس عن ليلى فهي التي يبدها كل الخيوط وهي التي تتحكم فيها ربما يختلف معي صاحب الرواية لكن ليلى هي التي تحكي تلك القصص وتلك الأحجيات الغرائبية عن عالم منسوخ من عقول الكثيرين الذي لم يعرفوا واقع عمان وما مر من تاريخها.

محمد اليحيائي الماضي البعيد والحاضر المأمول، والماضي القريب والحيرة، الداخل والخارج وصدام العقل العماني الذي لا ينتهي ولا ينسلخ عن ماضيه سوءً القريب أو البعيد وانتماؤه الضارب في أعماق عمان فمهما سافر وتنكر تبقى في أعماقه تستدعيه حين تشاء فيعود بكل ما يحمل من آمال ليرى أحلامه الميتة على واقع صنع بشكل لا يتصوره.

ينقلنا اليحيائي لعالم متشظِ من الداخل والخارج ليرينا كيف ننظر إلى عمان من الجهتين لنرسم صورة ثلاثية الأبعاد بوجود الإنسان العماني الذي رسم البعد الثالث في حكاية أرضه ليشاهد وجهه في مرآة الحياة ويحدثها يصدمها وتصدمه، يخدعها وتخدعه وكأن كل طرف يصدر للآخر صورة يريدها بين أن تكون فاعلاً في الحياة أو أن تنكفئ على نفسك في محيط ضيق.

الكثير من الشخصيات في الرواية والهدف واحد والتصورات كثيرة تتأرجح بين القناعة بالواقع وبين التمرد عليه، وفي أحسن الحالات الصمت وابتلاع الآراء وطمس الأفكار في رفوف الذاكرة لكيلا تنتحر في واقع لا يشارك فيه أحد، عقل واحد وفأسٌ واحدة وأحلام تنتحر على الطرقات.

لا تكتفي هذه الرواية من خلق الأفكار المتمرة والهادئة، وجهتا النظر التي يعيشها المجتمع كأي مجتمع خليجي يدعي أن الحياة تسير والأمور تتحسن والكل راضٍ، بينما في الضفة الأخرى تقف العقول المتمردة عاجزة أن تخرج أفكارها وتطلعاتها، بل حتى أحلامها، فخلف الأحلام تقف العساكر لتحبسها في قمقم التمرد والمعارضة.

ربما أجد مجالاً لأنتقد الرواية في تشظيها وكثرة شخصياتها لكني أجد مبرراً لتلك الشخصيات أما التشظي فعلاجه الوحيد إعادة قراءة الرواية مرة أخرى لكي تجتمع الصورة كاملة في عقل القارئ.

تقع الرواية في في 204 من الصفحات من القطع المتوسط أنصح بقراءتها بتمهل وتركيز فخلف كل شخصية تقف قضية وحياة.

جلسة أدبية

سأتشرف بتقديم رواية ” أن تعودي فلسطين” ضمن فعاليات الصالون الأدبي لبيت الراوي، الرواية من أدب المهجر للكاتبة لينا مرواني

قراءة في كتاب “رواية تغريبة القافر” للكاتب العماني زهران القاسمي

هي عُمان بكل ما تحويه من عجائب وأساطير وغرائب مثلها الإنسان العماني الذي لا يختلف كثيراً عن شعوب المنطقة ورغم خصوصية عمان بواقعها الجغرافي إلا أنها تبقى مكوناً أساسياً في شبه الجزيرة العربية، ربما تختلف الأساطير من مكان لآخر وتتلون بألوان مختلفة.

في عمان ارتبطت الأسطورة بمعتقدات أكثر تعقيداً، بينما في الجوار كانت الأساطير تنمو حول الأشخاص ورجال الدين نمت في عمان في قوى ما وراء الطبيعة فتزخرفت وتطورت حتى رسخت في عقول الناس على أنها حقائق، وهذه المسألة حاول السيد زهران أن ينقضها في الرواية بأسلوب جميل حيث يضع الأسطورة أو المعتقد في حدث وينقضه بحدث حقيقي، ورغم ما فعل إلى أن صورة المجتمع في الواقع انعكست على الرواية فالبشر يعودون إلى الأسطورة رغم أنهم عرفوا أنها وهم.

الرواية باختصار هي قرية في عمان تحوي كل الأساطير والتاريخ، فيها القوي والضعيف، الغني والفقير، المنبوذ والمرعب، تبدأ بحالة موت امرأة تنبت منها حياة طفل يكون أسطورة بحد ذاته، وقد وظف السيد القاسمي بأسلوب جميل الأحداث لتحقق أسطورة القافر “سالم بن عبدالله” فتتحرك الأحداث بمرونة ويتحول سالم من شخص منبوذ لشخص مميز يملك قدرة لا يملكها الجميع لكن قدرته لا تتصل بعالم الأرواح والأشباح بل تتصل برهافة سمعه فأذنه التي كان يضعها على الأرض ويظن المحيطون به أنه يسمع أصوات ساكنيها كانت تسمع صوت المياه صوت الحياة، فالماء هو الحياة وهو الأيقونة المستمرة في الرواية من بدايتها لنهايتها ارتبط بالموت واتفق مع الحياة لتستمر في المسير.

توجد في الرواية الكثير من الأحداث والأساطير المحلية ويوجد بها أيضاً نظام القوى التي تحكم وتتحكم فيمن حولها وفي داخل الرواية أحاديث المجتمع ما يخافه الناس ويخشونه ومن يتجرؤون ويعتدون عليه دون رحمة، فللمجتمع في تصور الكاتب سلطة على الضعفاء لا يستخدمها أبداً ضد الأقوياء والأغنياء، الضعيف هو من يتحمل كل جنون المجتمع وضغوطه وجبروته.

أيضاً ارتباط الإنسان العماني بالأرض بمواشيها وزروعها وافلاجها التي شكلت العصب الأساسي للزراعة وأقوات الناس، وقد استخدم الكاتب هذا الارتباط ليوضح أهمية الحفاظ على قيمة الفلج ووضع الصور التي عاناها البشر حين جفت السماء وكيف أنقذتهم الأفلاج وإعادتهم للحياة من جديد.

قيمة الرواية لا تكمن في المتناقضات والمترادفات التي تحويها من حياة وموت وجفاف ومطر وشقاءٌ وسعادة، وخيال وأساطير، بل تكمن قوتها في نسيجها الذي سار بشكل جيد ليرسم عبر شخص واحد صورة مجتمع مصغر متمثل في قرية عمانية تتلخص فيها النظرة العامة وتتكون فيها أسطورة “القافر” الذي رحل للمجهول.

تقع الرواية في 228 صفحة من القطع المتوسط أنصح بقراءتها.

جلسة توقيع رواية الحرب

لمتابعة البث المباشر على الانستحرام يرجى زيارة

https://instagram.com/eqraawirtaqi?igshid=MzRlODBiNWFlZA==

قراءة في رواية ” امرأة الضابط الفرنسي” للكاتب جون فاولز ..

لن أتحدث عن الأسلوب السردي في هذه الرواية ولن أتحدث عن الحبكة الروائية ولن أتحدث عن القصة التي تحتويها، فهذه الرواية نوع مختلف من الروايات التي قرأتها، نوع يقع بين التخمين والتوقع والمفاجأة والكاتب السيد جون فاولز، عرف كيف يضع القارئ في تصور مشهد ثم يقلب الطاولة رأساً على عقب فيعيد المشهد بشكل آخر تماماً.

توجد قصة في الرواية ويوجد زمن وتوجد شخصيات، والشخصيات هي العنصر الأهم في في الروايات لكن في هذه الرواية لهم أهمية خاصة حيث تشعر بتأثير الشخصيات على الكاتب بشكل قوي وحضور مؤثر في تصورات الكاتب لروايته التي يطرحها، فالشخصيات تلعب دوراً مختلفاً عن دورها في الروايات النمطية، فالكاتب كما يقول ويقول غيره من الكتاب أن الشخصيات يخلقها الكاتب لكنها حين توجد تظل في رأسه ويصبح تأثيرها فيه أقوى مما نتصور، لكن الكاتب لم يجعل ذلك التأثير خفياً بل صرح به في مشاهد كثيرة في الرواية وخصص الفصل(13) يتحدث فيه بالكامل عن هذه النقطة بالتحديد ورغم أنه أخرجني من صلب حكايته إلا أنه رسم لي صورة التأثير القوي للشخصيات فيها وأنه سيجعلها ترسم أدوارها دون تدخله، وإن تدخل ستمسح ما كتب لتكتب هي النهاية التي تراها مناسبة.

وهذا بالفعل الذي حدث فكثيراً ما يقف الكاتب ويقول إن هذا الحدث تصورته هكذا لكن الذي حدث مختلف تماماً وكأنه يرى مشاهد أمامه لشخصيات تتحرك وتخلق واقعها بمنأى عنه، ينهي الرواية في الفصل (44) بشكل كلاسيكي إلى أنه يتهكم علينا ليضع أحداثاً أخرى وتصورات أخرى ثم يعود ويضع المشهد الأخير في الفصل (60) لكنه يضع التصور الأكثر إيلاماً في الفصل الذي تلاه ليرسم المشهد الأخير بشكل مختلف.

لعب الروائي لعبة التصورات والتخمينات، فما فعله كان يجبرني على أن أخمن ما سيحدث، ويجعلني أيضاً لا أصدق ما يقوله حتى يقول لي أن هذا ما حدث، فتدخله بشخصه وسط السرد جعلني أنظر إليه كشخصية موجودة في الرواية لكنها غير مرئية.

تحاكي الرواية نهايات العصر الفيكتوري وتوضح الاختلاف المجتمعي المتباين بين الريف والمدينة وقدرة الريف على الحفاظ على النمط وتكريسه بشكل يجعله إلاه لا يجرؤ أحد على الاقتراب منه، وما يحدث في المدينة ومن محاولات تغيير متكررة، كما تصف الشخصيات الفيكتورية وصفاً دقيقاً وقوياً بحيث أن الكاتب يضع حدثاً ثم يقول لك إن نمط التفكير الفيكتوري لا يسير في هذا الاتجاه وهذا يدل على أن الكاتب حضر جيداً للرواية ودرس العصر والمجتمع بشكل جيد.

ربما يكون هذا التصرف من السيد جون، ناتجاً عن تركيبات وأحداث كثيرة، فحين يعشق الكاتب روايته ويتعمق فيها تصبح هناك تقاطعات في أفكاره فيكون لديه أكثر من تصور لكل فعل فيقارن بين التصور وواقع الرواية وهنا تكون مهارة الروائي بحيث يختار المشهد الذي يواكب نمط الشخصيات وظروف الزمن، ورغم أن الكاتب لجأ في أكثر من موضع لحدث ثم غيره بشكل مختلف فقد أقحمنا بشكل قوي لا في الرواية والشخصيات فقط بل في نوع تفكيره وتصوره لذا طرحت فكرة أنه موجود ضمن شخصيات الرواية لكنه شخصية مختفية تظهر حين تسير الأحداث بشكل مخالف لعصرها.

رواية ممتعة جداً بالنسبة لي لكنها ربما لا تستهوي البعض الذين يريدون أن يقرأوا رواية نمطية، تقع الرواية في 488 صفحة من القطع الكبير أنصح بقراءتها.

قراءة في رواية “الغابة النرويجية” للأديب الياباني هاروكي موراكامي

أتذكر جيداً متى اشتريت هذه الرواية، ورغم أني اشتريتها استغرقت الكثير من الوقت لكي أفتحها وابدأ في قراءتها، لكن كنت مدركاً أنها رواية جميلة ستعجبني حين اقرأها، وبالفعل ما إن بدأت في القراءة لم أتركها حتى انتهيت منها، ثم عدت وأخرت كتابة المقال الخاص بالرواية لأكثر من أسبوعين، ولا أدري لماذا فعلت ذلك؟ حتى هذه اللحظة التي فتحت الكمبيوتر وشرعت أكتب.

تستطيع أن ترسم شكل المجتمع الياباني من خلال شخصيات الرواية ضمن الزمن المحدد لها بشكل واضح فشخصيات الرواية من الوضوح بحيث ترى شخصية مجتمع مختلفة بشكل حقيقي عن واقعك وقيمك وأخلاقك، ولا أقول ذلك لكي أنتقد الرواية، بل لأنه ساءتني الألفاظ البذيئة التي تخللت السرد والتي طرحت على لسان الشخصيات النسائية في الرواية، مما خلق لدي انطباع بأن المرأة اليابانية وقحة بذيئة اللسان، ولا أظن أن هذا التصور صحيح على الإطلاق، فلكل مجتمع قيمه وأخلاقه، ربما تكون الشخصيات النسائية في القصة متطرفة جنسياً، أو أن الكاتب أراد أن يصف مرحلة معينة كان فيها التحرر سبيله الجرأة والوقاحة في مسألة الجنس.

دعونا من كل هذا فالرواية جميلة تصف رحلة طالب يعاني مشكلة نفسية تحصره في شخصية صديقه المتوفى، حتى إنه لا يستطيع أن ينتزع نفسه من ذلك الوهم فيحب حبيبة صديقه ويخلص لها عاطفياً لكنه لا يستطيع أن يخلص لها جسدياً فيقيم علاقات عابرة مع فتيات شتى دون الالتزام بعلاقة ثابتة إلا مع تلك الفتاة الرمز التي كانت عاملاً مشتركاً بينه وبين صديقه المنتحر، تستمر محاولاته أن يجد له مكاناً في قلب تلك الفتاة التي تعتبره هو أيضاً العامل المشترك في حياتها والعنصر الذي لا تريد أن تخسره بعد أن انتحر حبيبها، فتشكل الرواية صورة معكوسة من المشاعر بين شاب وفتاة يعيش كلٌ منهم الأوهام نفسها، لكن الفتاة في النهاية لا تستطيع أن تتغلب على الذكريات فتقيم في مصحة ثم تنتحر، ويبقى الشاب في حالة من فقدان التوازن.

هناك ثلاثية ذكرت كثيراً في الرواية، الحب والجنس والانتحار، المشاعر تدور حول تلك الأمور، كتبت بإتقان يجعلك تندمج بأحاسيس الأبطال وتستطيع أن تقييم حالتهم، بل وتخلق المبررات لكل شخصية إن أردت فالتفاصيل مهمة حين تكون مرتبطة بالعاطفة والمكان كذلك، الألم والحزن والعزلة أمور تستطيع أن تعيشها خلال قراءة الرواية التي كتبت بمهارة عالية.

تقع الرواية فيما يقارب الأربعمائة صفحة من القطع المتوسط أنصح بقراءتها لمن هم فوق الثامنة عشر.

قراءة في كتاب “رواية السيدة التي سقطت في الحفرة” للكاتبة إيناس حليم

أنا سقطت في حفرة وأنا أقرأ هذه الرواية، وأنت لا بد أن تسقط في حفرة كما سقطت شخصيات الرواية في حفرها الخاصة، فكل إنسان له حفرة إما يسقط فيها بإرادته أو رغماً عنه، حفر تكمن في صدورنا تبلعنا بالكامل في لحظة ما، لا نستطيع أن نتحكم فيها بأنفسنا، تحفرها الحياة على مقاسنا.

“سقطت في الحفرة وغابت” سيدة في مدينة البحر الإسكندرية ابتلعتها الأرض يروي كل شخص حكاية مختلفة عنها فتمتزج الحكاية “الحقيقة” بالأسطورة والخيال والوهم، شادن تتوه بين الأطراف تبحث عن الحقيقة وتصدق الأسطورة وتطارد الوهم، وتستسلم لأقلامها حتى ينكسر آخرها على صفحة النهاية التي لم ولن تكشف حقيقة السيدة التي سقطت في الحفرة، لكنها تخلق حفرة بحجم كل شخص في صفحاتها وشخوصها، حفرة تجعلك تبحث عن حفرتك الخاصة التي تخاف أن تنظر إليها لكيلا يبلعك الظلام فتغيب كما غابت ميرفت.

بالنظرة المعكوسة للعالم التي رسمت في بداية الرواية، الفتاة التي تعلق قدميها على الجدار وتقف على يديها وتنظر إلى العالم بالمقلوب تستطيع أن تعرف أن الخيوط في تلك الرواية متشابكة مع تعقيد ناعم يشبه نسيج الصوف الذي تخلفه أبر “التريكو” فترسم دوائر ومربعات، تمائم وممرات مظلمة تختفي خلفها حقائق أو أوهام ساذجة نرى منها جزءاً من المشهد، أوهام لا ترقى أن تكون حقائق لكننا نسعى ورائها لنبحث عن المجهول في سطور الرواية نتتبع الخطوات، ندخل البيوت، نقابل الأشخاص ونحاورهم مع تلك الفتاة الحائرة التي تبحث في حفرة عن سيدة عملاقة اختفت.

تغرق الرواية في التفاصيل الصغيرة والوصف الدقيق، في الأدراج المغلقة في النقاط السوداء التي تتسع ويختبئ تحتها كل ما نخافه، بالفعل كنت أبحث وأنا أقرأ الرواية عن الحفرة التي سقط فيها كل شخص مر ذكره، ثم بدأت أبحث عن حفرتي وحفر من حولي، وارفع القبعة للكاتبة إيناس التي خلقت فراغاً في الرواية لكي يسأل القارئ نفسه أين حفرتي.

ربما لا يحب البعض كثرة التفاصيل في الرواية وكثرة الأساطير، لكنها تُكون حقيقة الاعتقاد لدى البشر حين يعجزون عن تفسير حادث ما لا يجدون له مبرراً أو لم يتمكنوا من معرفة حقيقته فيلجؤون إلى تبريرات تخرج عن الواقع ويستغل الموقف أصحاب الأهواء ليصلوا للشهرة ويتسلقون الحوادث.

رواية شيقة تقع في 311 صفحة أنصح بقراءتها.

قراءة في كتاب رواية “قاربي سيعود” للروائي محمد السادة

قرأت تاريخ البحر وأنا على مركب يتصابى بفعل الأمواج فيميل تارة إلى اليمين وتارة إلى اليسار وأنا أقلب صفحات هذه الرواية وأبحر مع السيد علي شرقاً وغرباً، استخرج اللؤلؤ مع الغواص وأشد الحبل مع السيب، أتناول التمر واشرب القهوة وانتظر وجبة العشاء مع البحارة، لفحتني الشمس معهم وترك الملح آثاره على جلدي، شعرت بكل ذلك وأنا على مكتبي أقرأ رواية “قاربي سيعود” فيها تتجسد التفاصيل الصغيرة التي يمكنها أن تعود بك لماضٍ قديم تشم فيه رائحة التاريخ وترى عرق الرجال وهم يكابدون المصاعب من أجل لقمة العيش.

الرواية تناقش حقبة زمنية ما بعد الحرب العالمية الأولى مروراً بالغوص للؤلؤ وحتى موت هذه التجارة والتحولات التي طرأت على الكثيرين بسب دخول الآلة في الحياة، والتطور السريع الذي غير حياة البحارة، فأصبح أغلب تجار اللؤلؤ يعانون المصاعب وتدهورت حياتهم.

اتبع الروائي محمد السادة أكثر من أسلوب في السرد منها الراوي الذاتي والراوي العليم، وفي بعض المواضع كانت الحكاية في الحوار الدائر بين السيد علي وابن أخيه، ولم أجد أي غضاضة في الانتقال بأسلوب السرد من شكل لشكل آخر فأحداث الرواية لم تتأثر باختلاف الراوي، وبما أنها الرواية الأولى التي يصدرها السيد محمد السادة فأنا أرفع له القبعة لعدة أمور أهمها كمية المعلومات والأحداث التاريخية التي تطرق لها في الأحداث، فلن تخرج من الرواية دون أن تعرف الكثير من مصطلحات البحر وأساليبه التي كانت متبعة في ذلك الزمان وستتمكن من معرفة بعض التفاصيل التاريخية التي دخلت على عالم السفن الشراعية في الخليج.

مرحلة واحدة في الرواية يمكن أن أقف عندها وأضع عليها ملاحظة وهي مرحلة الحوار بين السيد علي وابن أخيه إبراهيم، حيث إن شخصية إبراهيم أُدمجت في الحوار دون مقدمات تهيئ القارئ لتحول السرد من الراوي العليم إلى الحوار حيث دخلت الشخصية بعد مرحلة الذكريات التي كانت تمر بالسيد علي وأصبحت الأحداث تدور عبر الحوار الذي نلمس فيه التبسيط الشديد للأسئلة، والواضح أن الروائي أراد أن يبين كل مجاهل السفن والغوص عبر شخصية تريد أن تعرف التفاصيل.

الرواية ممتعة غلبت عليها روح الشاعر التي يحملها السيد محمد السادة بين جنباته، فزينت بصمته الشعرية لغة السرد بكل ما هو جميل في اللغة وجعلتني التهم الصفحات دون أن أشعر .

الرواية صغيرة لحدٍ ما تقع في 160 صفحة من القطع المتوسط أنصح بقراءتها .

مقابلة للكاتب جابر عتيق في مجلة هي و هو

https://www.raya.com/magazine-category/%D9%87%D9%8A-%D9%88-%D9%87%D9%88/

رواية الثقب الأعوج

الشكر لمجلة “هي وهو” الصادرة عن جريدة الراية القطرية على متابعة الجديد في عالم الرواية، كذلك الشكر للأستاذة / حنان بديع لما تقوم به من مجهود رائع وملموس في هذا المجال .

جلسة نقاش لرواية الثقب الأعوج ..

تحت رعاية نادي اقرأ وأرتقِ الثقافي تمت مناقشة رواية الثقب الأعوج