
لا أجد وصفاً أجمل من مسرح العرائس للشخصيات الوسطى في الرواية التي تنتقل أحياناً لدور البطولة ثم تخبوا، وتختفي دون أن يكون لها تأثير في مجرى الرواية، فيخلق الكاتب حبيبة للبطل أو حبيب للبطلة، عدواً، صديقاً أو معلماً أو أي شخصية تتناسب من أحداث روايته، وتدعمها في مراحل معينة، دون أن يقلق الكاتب من موجودها، فمثلاً لو كانت الشخصية شريرة، استمرارها في الرواية لفترة طويلة سيجعل الرواية تتحول لصدام، فيخلقها الكاتب كشخصية وسطى تؤدي دوراً مرحلياً، ثم يتخلص منها بالشكل المناسب الذي يدعم فكرته.
ببساطة الشخصيات الوسطى يخلقها الكاتب في وسط الرواية، أو في أولها، أو في نهايتها، ويرفع من أهميتها، أو يحط من شأنها، ويمكنه من خلال تلك الشخصيات إضافة بعض الجوانب التي يشعر أن روايته تحتاجها، ولا بد من معالجتها كالجوانب العاطفية أو النفسية، مثلاً يرى الكاتب أن النص تنقصه المشاعر، فيضخم دور العاطفة بوضع شخصية تلعب هذا الدور، وتأثر على البطل أو البطلة في الرواية.
الشخصيات الوسطى عكس الشخصية الرئيسية فالشخصيات الرئيسية هي التي تسير مع الكاتب من البداية إلى النهاية، أما الشخصية الوسطى فهي مرحلة، ربما تدخل في مراحل متقدمة في الرواية، وتحتل مركزاً في البطولة، لكنها لا تكون محور الحدث، بل تكون ملازمة لأحد الشخصيات الرئيسية، من الشخصيات الوسطى في الرواية شخصية الحكيم مثلاً أو المعلم، يضعها الكاتب كمرجع ليغير دفة الأحداث، فيكون التغيير مقنعاً، وهذه الشخصية لا تكون موجودة باستمرار، تظهر بين فترة وفترة، ثم تختفي من جديد، وتسير الأحداث دون وجودها.
لا نستطيع أن نصنف الشخصيات الوسطة في دور أعلى كالبطولة، ولا نستطيع أن نحط منها لنجعل دورها هامشياً، الإبداع أن يخلق الكاتب هذه الشخصيات، كما هي في الواقع، فكل إنسان لديه في حياته الطبيعية أشخاص في القمة وأشخاص في الوسط وأشخاص هامشيون، والإجادة في خلق الشخصيات الوسطى والتخلص منها بشكل مطابق أو قريب من الواقع يجعل الرواية تلامس شعور القارئ، وتوصل الرسائل التي يريد الكاتب أن يوصلها من خلالها.
كل شخصية توضع في الرواية تأثر فيها والكاتب هو الميزان ومهارته في السرد والتعبير هي التي تجعل لكل شخصية في الرواية رونقها الخاص، فحين يرفع الكاتب شخصية وسطى في الرواية عليه أن يجيد في رسمها بالشكل الذي يناسب روايته لكيلا يراها القارئ أو النقاد كنشاز.










