قمة وقاع ..

هناك أبطالٌ في كلِّ زمان، وهناك أناسٌ مغمورون لا يلتفت إليهم أحد، لكن حين ننظر إلى الأبطال، علينا أن نعلم أننا ننظر إلى رأس الهرم فقط، دون أن نرى باقي كيانه؛ فالقاعُ الأكبر في الهرم هم أولئك المغمورون الذين تخرج منهم ثقافةُ المجتمعِ العامة.

عندهم الأساطيرُ والخرافات، وعندهم البساطةُ والفقر، ونجد بينهم الصنائعَ والورش. حياةُ الشعوب لا تكمن في الأبطال؛ فربما يكتب الأبطالُ العناوين، لكن العامةَ هم من يكتبون المتن، ويصنعون الصورةَ المنمنمة التي، لو دققت فيها، لرأيتَ آلافَ الوجوه.

لنلقِ نظرةً مثلًا على لصوصِ القمّةِ والقاع. لصُّ القاع ربما يأخذ ما في جيبك، أو يسرق جهاز الهاتف، أو يتجرأ قليلًا ويقفز إلى منزلك ليسرق مما تدخر. أما لصوصُ القمّة، فيختلف الحديث عنهم؛ فهم لا يسرقون شخصًا واحدًا، بل يسرقون الجماعةَ كلها: مقدراتِهم، وأقواتَهم، وحاضرَهم، ومستقبلَهم. فلا يتركون لهم شيئًا إلا الكفاف الذي يُبقيهم على قيد الحياة.

كلُّ إنسانٍ يعمل على قدر إمكانياته؛ فاللصُّ الفقير يسرق ما يعتقد أنه يكفي، واللصُّ الغني لا يكتفي مما يسرق.

هكذا تكون النظرةُ بين القمّةِ والقاع. لذا، علينا ألّا نحصر نظرتَنا في الأبطال وحدهم، بل أن نرى المجموعةَ التي في القمّة، بمزاياهم وعيوبهم، بحميدهم وخبيثهم؛ فالقمة، كما تحتوي على الأبطال، تحوي اللصوص أيضًا.

ربما نظنُّ أن القمّة مكانٌ لشخصٍ واحد، ولكن لو دققنا النظر، لوجدناها تجمع كلِّ الرؤوس: رأسِ البطولة، ورأسِ الشجاعة، ورأسِ العلم، وكذلك المجرمين واللصوص. القمّةُ مكانٌ لكلِّ الرؤوس.

صدمة العاطفة ..

لا توجد حدود للمشاعر، ولا قوانين، الشعور شيء غير ملموس لا يمكننا قياس مدى فاعليته من شخص لآخر ولا تأثيره في الأشخاص، فأحدنا تؤثر فيه دموع طفل بشكل بالغ وآخر تؤثر فيه تلك الدموع بشكل سطحي ولكل شخص تبريره الذي يستند إليه ولكل منا نظرته الخاصة للدموع، ممن تصدر ولما صدرت، أمور كثيرة تجعلنا نعطي لتلك الأحاسيس قيمة، أو نقلل من شأنها.

هي مشاعر تتفاعل في مساحة من أنفسنا لا يمكننا أن نصل إليها، كتلة كامنة لا ندري متى تنفجر، عاطفة الحب، لا نعرف متى تتملكنا، والحنين، وتأثير الذكريات، نقف أمامها عاجزين في أحيان كثيرة، ولا نجد تفسيراً منطقياً يبرر أو يفسر ردة الفعل على المشاعر المقابلة.

لو أخذنا عاطفة واحدة مثلاً: الحب لا نعرف متى نتخلص من تأثيره حين نقع فيه، أو متى نفيق من غيبوبته التي نتفاعل معها، دون أن نضع لها حدوداً ولا مدى وفي أحيان كثيرة تكون نتائجها كارثية، توصلنا لمرحلة الصدمة العاطفية أو الانهيار، نصاب بالصدمة في البداية والنهاية، في البدايات غيبوبة والنهايات ضياع، وفي كل منهما لا نتحكم في مشاعرنا سواء بالسرور أو الضيق.

يعترف العالم بأجمعه أن هناك مشاعر، لكنهم لا يعطوا تفسيراً واضحاً لتلك الأمور التي لا يمكننا التحكم فيها ربما يكتشفون إفرازات الغدد بعد حدوث ثورة الشعور، لكنهم لا يستطيعون أن يصنعوا شعوراً واحداً دون اكتمال عناصره.