الكلمات متشابهة، فأنا أملك الحروف والمفردات التي تملكها، وهي هي الحروف نفسها، كلٌ منا يوظفها فيما يريد، ومنا من تخونه الكلمات في بعض المواقف، لذلك فلا فرق بيني وبينك سوى المهارة التي استعملها أو تستعملها أنت في تشكيل تلك الكلمات والجمل لنجعلها مقنعة، مؤثرة، حزينة أو مفرحة، يشاركنا فيها الخيال ونقرأ تعابير الوجه ونكتبها.
لنتفق على شيء، أن الكلمات موجودة لدى الجميع!! فما الذي يجعل الجملة التي تقولها أنت مؤثر أكثر من الجملة التي أقولها أنا، أظن أنه الذوق والأسلوب هما اللذان يحددان شكل ومعنى الجملة، الفقرة، القصة، المقال أو الموضوع، فهي مسألة ذوق وتَمكن، كما هي الأزياء أحدهم ذوقه راقٍ، والآخر جميل، وغيرهم لا يحسن اختيار ملابسه.
الذوق مهم، فهو الذي يعطي اللمسة الجذابة، لكننا لا نطلق كلمة ذوق على الجملة، بل نقول جملة متناسقة، أو فقرة محكمة، أو بيت شعر بديع، أو خطاب رائع، وكل هذه المواضيع استطاع أصحابها أن يشدوا انتباهنا بأسلوبهم الجميل في اختيار الكلمات المناسبة ليوصلوا ما يريدون دون أن ننفر منه، فهم أصحاب ذوق رفيع في اختيار الكلمات وترتيبها وتنسيقها وحبكها لذا فهم مبدعون ، أو ماهرون في الكتابة.
لا أريد أن أشبه الإبداع الأدبي بالأزياء أو أي نوع آخر من الفنون ذات الذوق الرفيع، أريد أن أرسخ فكرة بسيطة أنه يمكننا أن نوظف الكلمات بالشكل الذي يعجب الجمهور لكي نلفت انتباهه، والكثيرين يمكنهم فعل ذلك، والمعضلة لا تكمن في تبني تصورات الجماهير الأدبية، بل تكمن الصعوبة في أن أوصل الفكرة التي لا ترغب فيها أنت بشكل يجعلك تتقبلها أو يجعلك تفكر فيها من جديد بشكل مختلف عما كان عليه تفكيرك قبل أن أطرح تلك الفكرة بمنظوري الخاص.
الكثير من الوسائل يمكننا تعلمها في مجال الأدب، والكثير من المهارات أيضاً، كل شيء ممكن، الفرق أن المهارات التي تكون وليدة إبداع مترسخة بشكل أكبر وأعمق من المهارات التي تكتسب دون وجود سابقة لها في النفس، وكذلك التي نكتسبها دون تعلم حين نخضعها لوسائل التعلم تنتظم وتترسخ بشكل عميق يجعلنا نستخدمها بمهارة أكبر.
الأدب كالبحر، مهما أخرجنا من بطنه من كلمات وإبداع يستطيع غيرنا أن يستخرج منه كلمات أجمل وأروع مما أخرجنا، والمهم أن نتقبل ما يكتبه الآخرون، وننظر إلى جماله وما يحمل من إبداع، فالأدب لا يقف عند قلم واحد، ولا شخص واحد، ففي كل حفرة في الأدب ألم وجمال، نجاح وفشل، نتعلم ونعود لنكتب من جديد، ويعود الآخرون ليقيموا أعمالنا، ونقيم أعمالهم ونصفق جميعاً للعمل المبدع الجميل دون النظر إلى الأشخاص فقيمة العمل الأدبي تكمن فيه، وهي التي تميز صاحبه، أسماء الكُتاب لا تميز الأعمال الأدبية، بل الأعمال الأدبية هي التي تميز الكُتاب.