قراءة في كتاب رواية “هكذا كانت الوحدة” لـ خوان خوسيه ميّاس

قراءة في كتاب ( هكذا كانت الوحدة ) لـ خوان خوسيه ميّاس

الوحدة أو السيدة التي تمثل ال لا شيء ، لا يهمها شيء ، ولا هي تهم احد ، فهي لا شيء ، وال لا شيء أحب أن أطلقه دائماً عند الحديث عن اللامبالاة بشكل عام ، فحين لا أبالي بمن حولي ولا أريد أن يهتم أحدٌ بي كإنسان ، هنا يموت الشعور ويموت الإحساس بالأخر ويموت الاحساس بالعواطف البشرية التي كانت إليينا الشخصية الرئيسية في الرواية تحارب لتقتل كل اهتمام بمن حولها ، وتقتل اهتمامهم بها .

الرواية كنسق جميلة وككتلة جميلة لكن لا أضن ان المترجم أعطى الرواية حقها في الترجمة فهي مختزلة بشكل ملفت للانتباه ، وأضن انه قتل الكثير من الجوانب التي تتضمنها الرواية في التفاصيل ولا أعرف ما الاعتبارات التي دفعته لذلك ، لكن الاختصار واضح جداً في هذه النسخة من الترجمة العربية للرواية المتوفرة بكثرة في الانترنت .

 تدور الرواية حول سيدة متزوجة في الاربعينات من العمر تدمن الحشيش وتبدأ بمشهد موت بارد ، تتبعه أحداث أخرى يعتريها البرود وعلاقات جامدة ، الباقي منها خيوط رفيعة ، وتتسلسل الاحداث حتى تقطع البطلة أليينا كل تلك الخيوط وتعيش في عالم من الوحدة تصاحب أفكارها وتخيلاتها وتكتب مذكراتها ، تنعزل في النهاية عن كل أحد له صلة بها ، لكنها تبقى خيط رفيع لمشاعر الذكريات ، والحب ، فصورة التحري الذي استأجرته لكي يتابع تحركات زوجها الذي كانت متأكدة من خيانته ، تحولت لتكون متابعة لها هي وكأنها تقول انا محتاجة أن يراني أحد دون أن يلمسني أو يقترب مني ، أحد لا أراه ولا اعرفه يشملني بالرعاية عن بعد ، وهذا ما وصل إليه الامر مع مكتب التحري الذي كان يجهل من الذي طلب متابعة تلك السيدة .

علاقات أسرية ميته في الرواية كعلاقة البطلة إليينا بوالدتها التي بدأت الرواية بالحديث عن وفاتها ، وصورة البرود لدى البطلة التي تعود بعد فترة في الرواية لتجسد شخصية والدتها وتتجسد هي تلك الصورة في نواحي كثيرة من حياتها ، ورغم إيمانها بالكثير مما كتبته والدتها في مذكراتها إلى أنها ترى أنها تحولت لقرينة لوالدتها تعرفها لكن لا يجب أن تتواصل معها .

الحشيش ذلك العالم الوهم الذي بدأ يشكل عالم البطلة إليينا ويرسم صوره ، والذي تخلت عنه بعد أن ترسخت تلك الصور في شخصية البطلة وعلاقة الحشيش كعلاقتها بزوجها الذي انتهى فجأة مع اخر سيجارة حشيش دخنوها سوياً وأخر لقاء لهم في الفراش ، وقد رسم هذا المشهد صورة قاتمة لعلاقة الرجل بالمرأة وجرد المرأة من كل مشاعرها الانثوية ، التي كانت البطلة مؤمنة أن لا وجود لها فهي لم تتحدث كامرأة من بداية الرواية ولم تتحدث بعاطفة في أي ناحية من نواحي حياتها حتى بكائها كان لأمور لا تدخل فيها المشاعر بل الاعتبارات ، وكان المشهد الأخير حين ذكرت أنها نامت مع زوجها ، وفي اليوم التالي تركته ، دون أن تبدي أي سبب وكأنها ترفض ان يخترقها مخلوق آخر او أن هناك انسان يستطيع أن يحتويها ولو للحظات .

تتكرر في الرواية صورة المرأة في أكثر من شخصية فالأم مرسدس والابنة مرسدس والحفيدة مرسدس ، وألينا البطلة هي القرينة ، صور مكررة ترسمها الرواية ، وكأن كل النساء متشابها ، ويسيرون في النهاية للوحدة والانعزال ، وكأنه أمر طبيعي يجب أن يتم ، بينما تعاطت الرواية مع الرجال بشكل مختلف ، وشخصيات مختلفة ، لم يظهر هذا الامر بشكل كبير إلا في شخصية الزوج ، وبشكل اقل في شخصية والاخ والمحقق .

النزعة الفردية في الرواية قوية واللامبالاة أيضاً قوية ، وموت المشاعر والاحساس البشري ، ما عدى الخوف الخوف ، الذي يخرج من الخيال ، الخوف الذي يطارد الروح والروح المتجسدة في شخصية إليينا روح شبح ، لدرجة أنها كررت في اكثر من موقع في الرواية ، أنها نخاف الخروج ، لأنها تعتقد أنه لن يتعرف عليها أحد ، وفي أحد تلك المشاهد ، تمسح وجود الزوج وتمسح وجود الابنة .

هذه الرواية ترسخ مبدأ اللامبالاة والنزعة الفردية ، وهنا يجب ان نذكر مرحلة ما بعد الحداثة التي يطرحها المفكرون الغربيون ، والصورة التي ستؤول لها الأمور في نهاية المطاف لا محالة ، وهنا يجب أن نضع علامة استفهام كبيرة ؟ فتلك الصورة تعني موت الإنسانية وتحول البشر إلى آلات او مجموعة من المشردين ذهنيا لا صلة لهم ببعض ولا يحتاجون لبعض ولا ينتمون لبعض ، صورة تدمر الاسرة وتقتل كل شعور بالانتماء للمجتمع أو الهوية او الدين أو الاسرة .

لا يمكنني أن أحكم على الكاتب فهو كاتب عالمي كما يقولون ولم اقرأ له أي عمل آخر وما قرأت مترجم للعربية بشكل مختصر ، والذي أعرفه أن الرواية حازت على جوائز ، والحكم على الترجمة أنها تنقل الصورة كاملة للقارئ أضن انه صحيح ، فمن واقع قراءاتي أجد نسخ كاملة ونسخ مختصر في الكثير من الاعمال الروائية العالمية ، لكن لم أجد نسخة أخرى لترجمة هذه الرواية .

أنصح بقراءة الرواية فهي عمل أدبي به عناصر واضحة يمكن تصورها وتخيل شخصياتها ونقدها ، تقع الوراية في 180 صفة مع المقدمة والتعريفات .

2 تعليقات على “قراءة في كتاب رواية “هكذا كانت الوحدة” لـ خوان خوسيه ميّاس

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.