الرجل الذي باضت النحلة في بطنه

في سالف الزمان يحكى أنه كان هناك رجل يحرث في أرضه وقد نال منه التعب ما نال فاستراح إلى جذع شجرة في بستانه، وما إن شعر بالنعاس أحس بشيء يبلل وجهه، فمسح ما أصاب وجهه ونظر إلى الأعلى فإذا هو خفاش قد حل على تلك الشجرة فوقه ، وألقى سلحه على ذلك المزارع، فستشاط المزارع غضباً وأخذ حجر وألقاه على الخفاش، وكان له من الرمية ما أرد فسقط الخفاش على الأرض فأخذه وسلخه، وطبخه ثم كان وجبته الشهية على مائدة الغداء .

قال أحد التلاميذ: هل يأكل الفرنجة الخفافيش يا أستاذ؟

فأجاب الأستاذ: لم يكن ذلك الرجل ممن الفرنجة يا أولاد، بل يقال إنه من قوم يأجوج ومأجوج.

قال تلميذ آخر: ومن هم يأجوج ومأجوج يا أستاذ؟

فرد الأستاذ: هم قوم أتوا من شرق الأرض، استباحوا البلاد وقتلوا العباد، ونشروا الفساد، ثم أصابهم الطاعون فماتوا دون البشر، ودعوني أكمل لكم حكاية ذلك الرجل.

بعد أن أكل ذلك المزارع النشيط الخفاش بثلاثة أيام قام من نومه في المساء فزعاً فقد رأى فيما يرى النائم أن في بطنه نحلة وأنها قد باضت، ولم يكن في بطنه نحلة لكنه المرض، الذي كان في بطنه مما أكل، ثم مرض  وشعر بتعب خفيف وألمٌ في جسده، وكان يسعل بين الفترة والأخرى، ولم يطل ذلك المرض، بل رحل سريعاً كما جاء، فتعافى المزارع وعاد ليحرث أرضه بنشاط، وجهز الغلال وذهب للسوق وباعها كلها بأفضل الأثمان.

كان زمانهم زماناً عجيباُ فقد كان الحديد في زمانهم ينطق ويطير وأن الرجل يخاطب الحديد، فيرد عليه صاحبه القول، بل ويجتمع أناس كثيرون على حديدة يستمعون لمن يتحدث من حديدة أخرى ، وقد سمع ذلك المزارع من حديدته أن الناس قد حلمت حلماً واحداً، وهو أن نحلة قد باضت في بطن كل من أكل من التفاح الأحمر، فنظر المزارع إلى بطنه، وتذكر حلمه، فقام وذهب لصاحب تلك الحديدة التي يملكها حاكم البلاد والتي يستمع الناس لما يقوله الجالس ورائها، وأخبره بحلمه، وأنه هو من باع التفاح الأحمر في البلاد .

فقال أحد التلاميذ: هل يوجد تفاح أحمر يا أستاذ؟

فقال الأستاذ: نعم يا أبنائي يقال إن التفاح كان بعضه أحمر، ولذا فقد أصابه المرض لأن به شيئاً من الدم ودعوني أكمل لكم الحكاية حين وصل الخبر لحاكم تلك البلاد ضحك وهو يسمع تلك الرواية وطلب التفاح الأحمر، وأكل منه ليتأكد بنفسه من النحلة، وأقسم بأنه سيسألها هل يبيض النحل في بطن كل من يأكل من التفاح الأحمر، عاد المزارع إلى أرضه وهو يضحك ويقول، جنت الناس، كيف يبيض النحل في بطون البشر، وفي اليوم التالي، عادت الأحلام يتردد صداها عبر الحديد، وكثر الكلام عن النحل، وفي اليوم التالي، تعب الكثيرون، فمنهم من مرض مرضاً شديداً ومنهم من شعر بتعب قليل ومنهم من مات .

استمر النحل يبيض في بطون البشر، وأصبح كل بيت فيه مريضٌ أو ميت، وقد حل موسم الشتاء، فركب الناس الحديد وطاروا على متنه للبلاد كلهم ينشدون الدفيء وانتشروا في الأصقاع .

قاطعه أحد التلاميذ: وهل يجنى التفاح في الشتاء يا أستاذ؟

فرد الأستاذ: الذي يجعل الحديد يتكلم ويطير، يجعل التفاح يُجنى في الشتاء، فسبحانه العلي القدير، ودعوني أكمل لكم الحكاية: حين انتشر أهل تلك البلاد في العالم، بدأت الأحلام تنتشر في، وبدأ النحل يبيض في بطون البشر كافة، ومرض الناس، وكان زمانهم عجيباً، ولهم من العلم ما لم يصل إلينا، وقالوا إن لهم من التنظيم ما لم نعرفه في القديم ولا الجديد من الزمان، ويقولون إن الأرض كلها قُطعة إلى خمس قطع كبيرة، وأن تلك القطع جزأت إلى قطع أصغر وتسمى كل قطعة دولة، وتسمى القطعة الكبيرة قارة، ولم تسلم قاراتهم الخمس ولا دولهم من الوباء .

انتشر الوباء وحبس جنود الحكام الناس في بيوتهم لكي لا يخرجوا وتنتشر العدوى بين العباد، ويقال إن الناس كانت تموت من الجوع ولا يؤذن لها بالخروج لأرزاقها خوفاً من الوباء، بقي الحال هكذا طويلاً، وظل النحل يبيض في بطون البشر ثم يعم الوباء ، فيموت أناسٌ كثر ، إلا أن الوباء لم يكن هو المتسبب في الكوارث التي حلت بعد ذلك .

فقال تلميذ: وما حل بعد ذلك يا أستاذ ؟

فأجاب الأستاذ: بعد أن حبس الناس في بيوتهم، حبس الحكام الطعام لأنفسهم وجنودهم، ومن لديه فائض من الطعام خزنه وحفظه لكي لا يتلف، والكل ينتظر أن يزول الوباء، لكن بعض تلك الشعوب أصابهم الجوع، فثاروا ضد حكامهم، وبعض البلدان غزت بلداناً أخرى لتستولي على الطعام، وبعض البلدان لم يبقَ منهم إلى القليل بعد أن أصابهم الجوع والوباء، كل هذا حدث بسبب رجل أكل خفاشاً فباضت النحلة في بطنه ومرض ونشر المرض في الأصقاع، انهارت البلدان وانتشر القتل وفني الكثير من العباد .

ويقال إن التفاح الأحمر أصبح محرماً فلم يأكله أحد بعد ذلك ولم يزرعه أحد وأن الناس قتلت النحل والخفافيش فهربت إلى الجبال، وأن الحديد بعد ما جرى في تلك الفترة لم يطر، فقد أصبح ثقيلاً بعد أن أصابه المرض، والصمم والبكم فلم يسمع ولم ينطق بعدها أبداً، وأن الفرنجة هم أكثر من أصابهم الحزن فقد مات منهم الكثيرون، أما أهل الشرق فقد عادوا أقوياء، والعرب أيضاً لم يسلموا من النحل فقد مات الكثيرون إلا أن رحمة الله قد أنقذتهم فثاروا ضد حكامهم، ووزعوا المؤن على العباد، وساد العدل بعد ذلك .

قال أحد التلاميذ: ما اسم ذلك الرجل يا أستاذ؟

فرد الأستاذ : قالوا أن اسمه كورون، وأطلق على ذلك الوباء اسم كورونا نسبة لذلك الرجل ويقال: إن ذلك الخفاش الذي أكله ذلك الرجل أُرسل له من السماء، فحل على رأسه لكي ينشر الوباء، فيموت الظلمة ويبقى الصالحين.

فقال تلميذ: هل الفرنجة صالحون يا أستاذ؟

يقال يا أبنائي أنهم بعد ذلك الوباء وبعد أن ثارت الشعوب، وبعد أن غزت البلاد بعضها بعضا واستحر القتل ساد السلام وعم الصلح الأرض، لكن البشر عادوا إلى فسادهم فيما بعد، فالشيطان لم يمت في ذلك الوباء، جنبنا الله الوباء .