قراءة في رواية “الروع” للكاتب العماني زهران القاسمي

الروع كما يسميه أهلنا في عمان هو الفزاعة التي يستخدمها المزارعون في أنحاء العالم لإخافة الطيور والحيوانات السائبة وحماية المحاصيل منها، ولم تكن الفكرة على هذا النحو في البداية من الأساس، لكن لكل خبرة بشرية تسلسلها، حتى تنموا وتصل لحدها النهائي، وتترسخ في نفوس أصحابها، وهذا بالضبط ما يكتب عنه الرائع زهران القاسمي؛ لأنه يتحدث عن فكرة ترسخت في نفوس المزارعين، يشرح طقوسها وآلية عملها وأساطيرها في مساحة سماها رواية، ومن حقه أن يطلق عليها هذه الصفة؛ لأن الروع أو الفزاعة هو البطل الحقيقي، هو الأسطورة ومن تدور حوله الفكرة والأسطورة، ورغم وجود شخصيات كثيرة في الرواية، إلا أنني كنت أبحث عن تطور الروع وكأنني أرتقب بعث الروح فيه ليعيش الحياة التي أرادها “محجان” صاحبه وخالقه.

شخصيات الرواية:

محجان: اسمه الحقيقي سعيد، لكنه طمس مع اشتهاره بلقبه حتى هو حين يخاطب نفسه يقول محجان متناسياً اسمه الحقيقي، غريب الأطوار كما هو لقبه، طويل القامة نحيل لكنه قوي البنية، صامت في أغلب الأحيان، عاش في أسرة فيها الأب أعمى والأم هادئة، ورث مزرعة والده، وأهتم بها بعد أن تنبه لأهميتها، تزوج ولم ينجب، الكاتب لم يذكر شيئاً عن ذلك.

عميرة: زوجة محجان وهي تمثل الشكل النمطي للزوجة في القرية العمانية التي تلازم بيتها وترعى زوجها وتهتم بكل شؤونه.

مسعودة: لها جانب صغير في الرواية، لكنه علامة فارقة في بعض اللحظات كتجسيد للشر أو لنقل لخبث العجائز.

الشيخ: وهو سيد المنطقة أو كبيرها، وما يمثله من وقار ومنزله وشيء من السيطرة، فهو يحتل الأرض الأفضل، ويعلو منزله على رابية، ولا يرغب في أن يصل أحد آخر لمنزلته.

المطوع: رجل الدين وأمام المسجد حامي حمى الشريعة في القرية وهو المتبصر في الأمور المترقب لأخطاء أهالي القرية التي تتجاوز حدود الشرع.

المحتوى:

محجان هو الذي يخلق الحدث ومعه “الروع” الذي يشكل محور الرواية فلا شيء يفوقه في الأهمية في الحكاية كلها إلا حماية الأرض التي يقف عليها، حيث أن محجان لا يريد أكثر من حماية أرضه من الحيوانات السائبة والطيور، لكن محجان صاحبنا يختلف عن البقية، فهو يحب أن يحكم عمله ويتقنه، وهذا ما قام به مع الشيء الجديد الذي كان يفكر في خلقه، ونصبه في وسط مزرعته ليحميها من كل شر، فكر في كل التفاصيل، ما يجعل الروع أقوى وما يجعله مخيف أو مرعب، ما يلبسه وكيف يشكل التفاصيل التي توحي لمن يراه أنه بشر يقف ليحمي المزرعة من كل دخيل، سواء كان ذلك الدخيل يمشي على الأرض، أو يطير في السماء.

يوطد محجان العلاقة مع الروع من أول يوم فيعامله باحترام، رغم أنه متأكد أنه من صنه ليحمي مزرعته، يلقنه ما يريد منه أن يفعل ولم يقم بذلك على نحو بسيط، بل كان حريصاً أن يكون أمام الروع في صورة السيد الذي يأمره وينتظر منه الطاعة، إلا أن العلاقة اختلفت بعد أن وجد محجان الروع يقوم بعمله على أكمل وجه، فلم يأتِ أي دخيل للمزرعة لا من الأرض ولا السماء، فزاد إيمانه بأن الروع ليس مجرد أخشاب منصوبة ترتدي أسمال بالية، بل هو كائن حقيقي يقوم بعمله وكأن به روحاً، ويزداد ذلك الشعور مع الأيام بعد أن تزدهر المزرعة، ويكثر محصولها وتتمدد.

النقطة الفاصلة في الرواية، حين وصلت علاقة محجان مع الروع لمرحلة الإيمان بأن الروع تكمن فيه روح، وأنه يستطيع الفعل، حتى أن محجان حين آذى الروع ظن أنه ينتقم منه، فعاد ليرضيه وتخلى عن إيمانه لمجرد أن يبقى مخلوقه الجبار ذو سطوة على الجميع، ثم انتقلت العلاقة إلى أبعد من ذلك حين أصبح إيمان محجان بالروع يفوق أيمانه الطبيعي، وانتقل إلى مرحلة الحب، لدرجة أنه ينتقم لأجله.

تحمل الرواية في طياتها أجواء القرية العمانية بأحاديثها ونميمتها وحسدها وترابطها، فلا حدث يمر دون أن تعرفه القرية كلها، ولا شيء يحدث حتى يشارك فيه الجميع، في الخير والشر، وتلك النفوس البسيطة التي تصدق أشياء ربما لا تكون موجودة في الواقع، لكن تلك الأشياء تحمل أساطير القرية وخيالاتها، ويتحكم في القرية المتحدثين وأصحاب النفوذ والدين.

الأسلوب:

اعتمد الكاتب أسلوب الراوي العليم، وأظنه أصاب في هذا الاختيار؛ لأنه أسلوب المتمكن من كل التفاصيل، وينقلها بشكل أوضح للقارئ دون شطط، كما إني متأكد أن أسلوب زهران القاسمي في الكتابة لا يختلف عليه اثنان، فهو يملك اللغة القوية والأسلوب الجميل المشوق، ويستطيع أن ينسج الخيال بحروفه لا في عقله ككاتب، بل في عقل القارئ.

الكاتب:

شاعر وروائي عماني ولد عام 1974، صدرت له العديد من دواوين الشعر ومجموعتين قصصية وخمس روايات أبرزها “تغريبة القافر” التي فازت بجائزة البوكر للرواية العربية.

تقييم العمل:

العمل رائع وممتع يقع في 154 صفحة من القطع المتوسط، جميل ويحمل قدر كبير من التشويق، أنصح بقراءته.

قراءة في كتاب “رواية تغريبة القافر” للكاتب العماني زهران القاسمي

هي عُمان بكل ما تحويه من عجائب وأساطير وغرائب مثلها الإنسان العماني الذي لا يختلف كثيراً عن شعوب المنطقة ورغم خصوصية عمان بواقعها الجغرافي إلا أنها تبقى مكوناً أساسياً في شبه الجزيرة العربية، ربما تختلف الأساطير من مكان لآخر وتتلون بألوان مختلفة.

في عمان ارتبطت الأسطورة بمعتقدات أكثر تعقيداً، بينما في الجوار كانت الأساطير تنمو حول الأشخاص ورجال الدين نمت في عمان في قوى ما وراء الطبيعة فتزخرفت وتطورت حتى رسخت في عقول الناس على أنها حقائق، وهذه المسألة حاول السيد زهران أن ينقضها في الرواية بأسلوب جميل حيث يضع الأسطورة أو المعتقد في حدث وينقضه بحدث حقيقي، ورغم ما فعل إلى أن صورة المجتمع في الواقع انعكست على الرواية فالبشر يعودون إلى الأسطورة رغم أنهم عرفوا أنها وهم.

الرواية باختصار هي قرية في عمان تحوي كل الأساطير والتاريخ، فيها القوي والضعيف، الغني والفقير، المنبوذ والمرعب، تبدأ بحالة موت امرأة تنبت منها حياة طفل يكون أسطورة بحد ذاته، وقد وظف السيد القاسمي بأسلوب جميل الأحداث لتحقق أسطورة القافر “سالم بن عبدالله” فتتحرك الأحداث بمرونة ويتحول سالم من شخص منبوذ لشخص مميز يملك قدرة لا يملكها الجميع لكن قدرته لا تتصل بعالم الأرواح والأشباح بل تتصل برهافة سمعه فأذنه التي كان يضعها على الأرض ويظن المحيطون به أنه يسمع أصوات ساكنيها كانت تسمع صوت المياه صوت الحياة، فالماء هو الحياة وهو الأيقونة المستمرة في الرواية من بدايتها لنهايتها ارتبط بالموت واتفق مع الحياة لتستمر في المسير.

توجد في الرواية الكثير من الأحداث والأساطير المحلية ويوجد بها أيضاً نظام القوى التي تحكم وتتحكم فيمن حولها وفي داخل الرواية أحاديث المجتمع ما يخافه الناس ويخشونه ومن يتجرؤون ويعتدون عليه دون رحمة، فللمجتمع في تصور الكاتب سلطة على الضعفاء لا يستخدمها أبداً ضد الأقوياء والأغنياء، الضعيف هو من يتحمل كل جنون المجتمع وضغوطه وجبروته.

أيضاً ارتباط الإنسان العماني بالأرض بمواشيها وزروعها وافلاجها التي شكلت العصب الأساسي للزراعة وأقوات الناس، وقد استخدم الكاتب هذا الارتباط ليوضح أهمية الحفاظ على قيمة الفلج ووضع الصور التي عاناها البشر حين جفت السماء وكيف أنقذتهم الأفلاج وإعادتهم للحياة من جديد.

قيمة الرواية لا تكمن في المتناقضات والمترادفات التي تحويها من حياة وموت وجفاف ومطر وشقاءٌ وسعادة، وخيال وأساطير، بل تكمن قوتها في نسيجها الذي سار بشكل جيد ليرسم عبر شخص واحد صورة مجتمع مصغر متمثل في قرية عمانية تتلخص فيها النظرة العامة وتتكون فيها أسطورة “القافر” الذي رحل للمجهول.

تقع الرواية في 228 صفحة من القطع المتوسط أنصح بقراءتها.