
أنا سقطت في حفرة وأنا اقرأ هذه الرواية، وأنت لا بد من أن تسقط في حفرة كما سقطت شخصيات الرواية في حفرها الخاصة، فكل إنسان له حفرة إما يسقط فيها بإرادته أو رغماً عنه، حفر تكمن في صدورنا تبلعنا بالكامل في لحظة ما، لا نستطيع أن نتحكم فيها بأنفسنا، تحفرها الحياة على مقاسنا.
“سقطت في الحفرة وغابت” سيدة في مدينة البحر الإسكندرية ابتلعتها الأرض يروي كل شخص حكاية مختلفة عنها فتمتزج الحكاية “الحقيقة” بالأسطورة والخيال والوهم، شادن تتوه بين الأطراف تبحث عن الحقيقة وتصدق الأسطورة وتطارد الوهم، وتستسلم لأقلامها حتى ينكسر آخرها على صفحة النهاية التي لم ولن تكشف حقيقة السيدة التي سقطة في الحفرة، لكنها تخلق حفرة بحجم كل شخص في صفحاتها وشخوصها، حفرة تجعلك تبحث عن حفرتك الخاصة التي تخاف أن تنظر إليها لكيلا يبلعك الظلام فتغيب كما غابت ميرفت.
بالنظرة المعكوسة للعالم التي رسمت في بداية الرواية، الفتاه التي تعلق قدماها على الجدار وتقف على يديها وتنظر للعالم بالمقلوب تستطيع أن تعرف أن الخيوط في تلك الرواية متشابكه مع تعقيد ناعم يشبه نسيج الصوف الذي تخلفه ابر “التريكو” فترسم دوائر ومربعات، تمائم وممرات مظلمة تختفي خلفها حقائق او أوهام ساذجة نرى منها جزء من المشهد، أوهام لا ترقى أن تكون حقائق لكننا نسعى ورائها لنبحث عن المجهول في سطور الرواية نتتبع الخطوات، ندخل البيوت، نقابل الأشخاص ونحاورهم مع تلك الفتاة الحائرة التي تبحث في حفرة عن سيدة عملاقة اختفت.
تغرق الرواية في التفاصيل الصغيرة والوصف الدقيق، في الأدراج المغلقة في النقاط السوداء التي تتسع ويختبئ تحتها كل ما نخافه، بالفعل كنت ابحث وأنا اقرأ الرواية عن الحفرة التي سقط فيها كل شخص مر ذكره، ثم بدأت ابحث عن حفرتي وحفر من حولي، وارفع القبعة للكاتبة أيناس التي خلقة فراغاً في الرواية لكي يسأل القارئ نفسه أين حفرتي.
ربما لا يحب البعض كثرة التفاصيل في الرواية وكثرة الأساطير، لكنها تُكون حقيقة الاعتقاد لدى البشر حين يعجزون عن تفسير حادث ما لا يجدون له مبرر أو لم يتمكنوا من معرفة حقيقته فيلجؤون لتبريرات تخرج عن الواقع ويستغل الموقف أصحاب الأهواء ليصلوا للشهرة ويتسلقون الحوادث.
رواية شيقة تقع في 311 صفحة انصح بقراءتها.