قراءة في كتاب رواية “قاربي سيعود” للروائي محمد السادة

قرأت تاريخ البحر وأنا على مركب يتصابى بفعل الأمواج فيميل تارة إلى اليمين وتارة إلى اليسار وأنا اقلب صفحات هذه الرواية وأبحر مع السيد علي شرقاً وغرباً، استخرج اللؤلؤ مع الغواص واشد الحبل مع السيب، أتناول التمر واشرب القهوة وأنتظر وجبة العشاء مع البحارة، لفحتني الشمس معهم وترك الملح اثاره على جلدي، شعرت بكل ذلك وأنا على مكتبي اقرأ رواية “قاربي سيعود” فيها تتجسد التفاصيل الصغيرة التي يمكنها أن تعود بك لماضٍ قديم تشم فيه رائحة التاريخ وترى عرق الرجال وهم يكابدون المصاعب من أجل لقمة العيش.

الرواية تناقش حقبة زمنية ما بعد الحرب العالية الأولى مروراً بالغوص للؤلؤ وحتى موت هذه التجارة والتحولات التي طرأت على الكثيرين بسب دخول الآلة في الحياة، والتطور السريع الذي غير حياة البحارة، فأصبح اغلب تجار اللؤلؤ يعانون من المصاعب وتدهورت حياتهم.

اتبع الروائي محمد السادة اكثر من أسلوب في السرد منها الراوي الذاتي والراوي العليم، وفي بعض المواضع كانت الحكاية في الحوار الدائر بين السيد علي وأبن أخيه، ولم أجد أي غضاضة في الانتقال بأسلوب السرد من شكل لشكل آخر فأحداث الرواية لم تتأثر باختلاف الراوي، وبما أنها الرواية الأولى التي يصدرها السيد محمد السادة فأنا ارفع له القبعة لعدة أمور أهمها كمية المعلومات والأحداث التاريخية التي تطرق لها في الأحداث، فلن تخرج من الرواية دون أن تعرف الكثير من مصطلحات البحر وأساليبه التي كانت متبعة في ذلك الزمان وستتمكن من معرفة بعض التفاصيل التاريخية التي دخلت على عالم السفن الشراعية في الخليج.

مرحلة واحدة في الرواية يمكن أن أقف عندها وأضع عليها ملاحظة وهي مرحلة الحوار بين السيد علي وأبن أخيه إبراهيم، حيث إن شخصية إبراهيم ادمجت في الحوار دون مقدمات تهيئ القارئ لتحول السرد من الراوي العليم إلى الحوار حيث دخلت الشخصية بعد مرحلة الذكريات التي كانت تمر بالسيد علي وأصبحت الأحداث تدور عبر الحوار الذي نلمس فيه التبسيط الشديد للأسئلة، والواضح أن الروائي أراد أن يبين كل مجاهل السفن والغوص عبر شخصية تريد أن تعرف التفاصيل.

الرواية ممتعة غلبت عليها روح الشاعر التي يحملها السيد محمد السادة بين جنباته، فزينت بصمته الشعرية لغة السرد بكل ما هو جميل في اللغة وجعلتني التهم الصفحات دون أن اشعر .

الرواية صغيرة لحدٍ ما تقع في 160 صفحة من القطع المتوسط أنصح بقراءتها .

قراءة في كتاب “الربيع الآتي” للدكتور محمد اليحيائي

يعتبر هذا الكتاب الأول الذي أقرأه لـ د. محمد اليحيائي، لكني أجزم انه لن يكون الأخير فمدى اعجابي بطرحه وأسلوبه السلس وطريقة تعاطيه مع الأمور السياسية المعقدة في عمان والخليج والوطن العربي فاقت تصوري واعتقدت أني أقرأ لفيلسوف غربي تجرد من كل العقد النفسية والأمنية والسياسية والفكرية والثقافية المنتشرة في الشرق الأوسط، فككها وحللها وربط بين الواقع والأفكار وأصل القواعد التي يجب أن توضع لتبنى الأفكار بشكل صحيح لتصبح واقع يعيشه الناس.

الكتاب خليط بين أوراق بحثية قدمت في مؤتمرات دولة وبين مقالات تتعاطى مع حقيقة الثورات العربية أسبابها وتطلعاتها والنظر لمستقبل الديمقراطية في المنطقة، لكنه خص عمان بالجانب الأكبر فقد حلل القوانين ودوافعها وتبريراتها، ونقض التسلط والاحتكار السياسي ليكشف أن كل القوانين توضع في الوطن العربي لتكريس الحكم في شخص يكون هو القائد والملهم والأب، بل هو الدولة.

“عن صخرة الاستبداد وكائناتها” في نظري هو المقال الأبرز رغم قصره فقد وضع الأستاذ تصور صحيح للوضع القائم في الوطن العربي مشبهاً إياه بصخرة كبيرة تجثم على الأرض تعيش تحتها كائنات لا تعرف ما يدور حولها ولا تجد الهواء، وحين ترتفع الصخرة وتشم الكائنات الهواء تحدث الفوضى والتصادم لنيل أكبر قدر من النفوذ، في هذا المقال الصخرة هي نظام الحكم المستبد، والكائنات التي اسفلها الشعب، حين ترتفع الصخرة ويشم الشعب رياح الحرية لا يعرف التصرف، فقد غيبت حقوقه، ومسح صوته، وكتمت أنفاسه السياسية والفكرية والاجتماعية على مدى أجيال، في المقال تفسير صحيح ومنطقي لحالة الفوضى التي حدثت بعد الربيع العربي، وما حدث لا يعني أن الديمقراطية شيء سيء، بل يعني أن النظم الحاكمة دمرت كل قواعد الفكر الصحيح لدى الشعوب، فكانت الفوضى هي الواقع.

فوضى في كل شيء، في السياسة، في القانون، فوضى الفكر والثقافة، كل تلك الأمور موجودة في الكتاب حتى فوضى العادات والتقاليد، القبيلة وما تشكله من انتماء يفوق الانتماء الوطني، النظرة للمواطن والوطن، من يسبق الآخر، الحاكم الإله الأب الملهم الزعيم القائد المبجل، أفكار كثيرة طرحت في الكتاب تستحق النظر، وحلول واقعية يجدر أن ننظر إليها بعين الصدق والرغبة في التغيير، تغير نظرتنا للأمور، وطريقة تعاملنا مع الواقع المر الذي يقبع فوق رؤوسنا.

تحية لـ د. محمد اليحيائي على هذا الإصدار، وتحية أكبر وأجل لما يقدمه من فكر يستحق الإشادة والتقدير ويستحق أن نأخذ به ونعمل على تطويره.

قراءة في كتاب رواية “ناريا” للكاتب حسن علي أنواري

عندما تقرأ رواية ناريا للكاتب حسن علي انواري، تتصور للوهلة الأولى أنك تقرأ رواية خيالية، على عكس الحقيقة التي تكتشفها بعد بضع صفحات أنها تحاكي الواقع بمنطق الخيال، واحداثها التي تجري تسقط بسرعة في مخيلتك على احداث جرت منذ فترة قريبة، عايشها الكثيرون، تكتشف أن ظل الله في الأرض موجود بيننا وقادة جيشه ومخابراته يمثلون الحقيقة التي نحاول أن نتجنبها في الواقع.

النهر الفاصل، الهزائم والانتصارات، يستطيع القارئ أن يضع لها تواريخ ويسميها، لكنه يجد في النهاية الدرامية التي نسجها الكاتب تصورات أخرى، تنبت في عقله مع مشهد قتل “نحسو” بطل الرواية، أن الدكتاتور يمكنه أن يضع يده بيد عدوه لكنه لا يستطيع أن يضع يده بيد شعبه، وأن الكلمة التي يقولها العقلاء من الشعب هي مصدر القلق الأكبر لدي أي دكتاتور، وأن الدين اصبح لعبة يستخدمها الساسة للسيطرة على الشعوب، ورغم هذا التصور المتشائم، ستجد مبدأ مهم،  أن الأفكار الصحيحة لابد أن تصل للشعوب وتحقق أهدافها لا محالة، طال الزمان أو قصر.

الرواية سلسة بشكل كبير، لدرجة أنك تعتقد في بعض المراحل من القراءة أنها رواية للناشئة، لكنها تتعدى هذا التصور، حيث أن اسقاطات الأحداث على الواقع أعمق من أن توضع في نص يخاطب الناشئة وحدهم، بل يخاطب شرائح مستسلمة ومغيبة.

الفرق بين بين كتابة التاريخ والرواية الخيالية التاريخية، أن بها منطق ادبي يستطيع أن يتسلل لنفس القارئ بسلاسة تجعله ينظر للحدث من ناحين أدبية أو درامية وتفتح له مجال الخيال ليعيش الأحداث أو ينقلها لواقعه، أو يسقطها على احداث وقعت بالقرب منه منذ قترة، وهي أسلوب فعال يستخدمه الكتاب العرب للهرب من مقص الرقيب والأجهزة الأمنية.

صدرت عن دار أبجد

http://www.ebjed.com/single.php?view=1091

قراءة كتاب “في مهب الرواية” للكاتب سلمان زين الدين

قراءة كتاب “في مهب الرواية” للكاتب سلمان زين الدين

كتاب قيم للناقد اللبناني سلمان زين الدين يتناول فيه الكاتب عدد من الروايات العربية لكتاب من شتى الدول وفي شتى المجالات، منها السياسي، التاريخي، العاطفي.

الكتاب جميل ومفيد حيث أنه يعطينا فكرة عن الإصدارات الجيدة في مجال الرواية العربية، ويناقشها بشكل محترف يفكك عناصرها ويحلل الأساليب، ويبين جوانب القوة والضعف.

سلمان زين الدين هو شاعر، وكاتب، وروائي، وناقد لبناني، ويعمل أيضًا مفتشًا تربويًا صدرت له العديد من المؤلفات في الشعر والنثر والنقد الأدبي، وخاصة في مجال النقد الروائي حيث بلغ عدد الروايات التي تناولها في دراساته النقدية ما يزيد عن 260 رواية عربية حتى الآن، كما نشرت له العديد من المقالات بالصحف اللبنانية والعربية (ويكبيديا)

قراءة في كتاب “الآراء والمعتقدات” لـ غوستاف لوبون

كتاب فلسفي اجتماعي ، يتناول قضية المعتقدات الدينية ويبحث في سبل نقضها بأسلوب متدرج حيث يتعاطى الكاتب مع المسألة من نقطة البداية بطرق البحث في علم النفس وعوامل الحركة والحس وحياة المجتمع ، يسير من البداية لكي يثبت أن كل المعتقدات وليدة تفكير بشري .

لا يهمني كثيراً ما يصبو له الكاتب في أن المعتقدات الدينية وليدة عقول البشر بقد ما يهمني التحليل الفلسفي والنفسي للآراء والمعتقدات وهذا ما أجاده الكاتب إجادة فاقت تصوري فعقد الكثير من المقارنات وحلل الكثير من العوامل وتناول هذا الجانب المهم في السلوك البشري من كل الجواب تقريباً فقد قارن وبين الفرق بين المبادئ النفسية والعاطفية والعقلية ، ما يؤثر في البشر فرادا ومجتمعين ، كيف تُبنى المعتقدات؟ ما العامل الأهم الذي يرسخ المعتقد الديني لدى الجموع؟ وفي هذه النقطة بالتحديد يحلل الكاتب الكثير من الأمور ويصل بنا لنتيجة أن العاطفة هي التي تقود الجموع وهي التي تبني المعتقدات .

يقول لوبون ((مقاصد هذا الكتاب إثبات كون المعتقد غير عقلي وغير إرادي)) ومن هنا يبدأ لوبون صراعه لإثبات ذلك فيطرح السؤال : كيف تستقر الآراء والمعتقدات الدينية والسياسية في نفوس البشر؟ ولماذا لا تستطيع الآراء العقلية نقض الآراء الدينية والعاطفية وأقناع الجماهير بالرأي الصحيح؟ يبدأ الكتاب من هذا الجاني فيبحث في علم النفس والمنطق ويقارن بين تأثير المنطق العاطفي والديني والمنطق العقلي وتأثير كل منها على الجموع ، وما يرجح كل منطق على الآخر .

يتعامل لوبون مع النفس البشرية بشكل راقي لكنه يفرق بين النفس المنفردة والنفس الجماعية ، وأن القناعة الفردية مهما عظمت تصغر حين تصطدم بالقناعات والآراء العامة وتستسلم أمامها فالرأي العام هو الأقوى والأكثر تأثيراً بحسب تفسير لوبون وهو وسيلة الضغط الأكثر فعالية والأقوى ، يحلل كيف يتكون الرأي العام وكيف ينتشر وكيف يثور ، وكيف تُبنى المعتقدات الدينية وكيف تتغير وكيف تموت .

يتدرج الكاتب بتسلسل جميل وأسلوب مقنع ويفكك الكثير من العلل حتى يصل للنهاية التي يريد اثباتها ، فيتوه في المسألة ، ويبدأ يخلط الدين بالسحر ، ربما يجانب بعض كلامه الصواب فالكثير من الديانات سابقاً كان للسحر دور مهم فيها كآلهة الإغريق وغيرها من الحضارات التي تبنت معتقد يقوم على الخرافات ، لكنه لم يستطيع إبطال الديانات الإبراهيمية ولم يفككها بالشكل الذي كان يتحدث عنه في بداية الكتاب .

الكتاب شيق وبه الكثير من المعلومات والتحليلات والتفسيرات المفيدة ، بالإضافة إلى سلاسة الطرح ، توزيع الأبواب والفصول منظم يجعل القارئ يتسلسل في تتبع وجهات نظر الكاتب .

قراءة في كتاب ( رائحة الكتب ) لـ حسن علي أنواري ..

رائحة الكتب لـ حسن علي أنواري ..

يجب أن نقف قبل أن نتحدث عن هذا الكتاب ، حيث أن خارطة الأنسان الزمانية تحثه على أن يسير في الدنيا ليكسب المعرفة والعلم ، يكتشف ، ينظر ، يتأمل ويتعلم ، حتى النهاية ، طبيعة المعرفة البشرية طبيعة تراكمية تنتقل فيها المعارف والعلوم من جيل إلى جيل وتتراكم لتصل لمستوى جديد في كل زمن .

ربما سيقول أي قارئ محب للكتب أن السيد حسن انواري يمثله فما تطرق إليه في وصف طبيعة حبه للكتب والقراءة صورة تتكرر كثيراً عند محبي القارئة والمطالعة ، لكن ما يتطرق إليه الكتاب لا يعني كاتبه فقط فروح المعرفة التي تسيطر على الذات تدفع صاحبها للمزيد دون أن يشعر ، المزيد من العلم يتطلب المزيد من القراءة والاطلاع ، الثقافة أيضاً تتطلب التنوع المعرفي ، وحين تكون المطالعة للتعلم والمعرفة تكون القيمة مضاعفة .

سيرة قارئ هذا ما يمكنني أن اسميه ، فهو تحدث عن رحلته مع القراءة من نقطة الصفر وهي قرائه للكتاب الأول وحتى اليوم الأخير الذي كتب فيه أخر جملة في كتابه ، مروراً بكل المراحل الزمنية في حياته برفقة كتبه وقراءاته ، وهذه لمحة لا تعني الكاتب فقط بل يجب أن تنتقل هذه الرغبة للأجيال لكي يكون الكتاب هو وسيلة المعرفة الحقيقية والصديق الدائم ، الذي لا يجب الاستغناء عنه أبداً .

الكتاب جميل ومستفز يجعلك تضع نفسك في مجال المقارنة لتنظر لمكتبته وما تحويه وقراءاتك وما لفت أنتباهك منها وما تعتز به من كتب .

فوضى بثينة العيسى ..

فوضى بثينة العيسى ..

فوضى السرد في رواية “كبرت ونسيت أن أنسى” للروائية بثينة العيسى ..

كبرت ونسيت أن أنسي ، يسهل علينا أن نعرف من العنوان أن الرواية تتحدث عن فوضى مشاعر ، وحين تضطرب المشاعر لا تكون الذكريات مرتبة بحسب أحداث الزمن ، ولا تحمل منطقة، بل هي لمحات تمر دون ترتيب في الذاكرة وقد وظفت بثينة العيسى هذا المعنى بشكل جميل في روايتها ، وجعلته يحاكي واقع المشاعر في الفوضى وواقع الأحداث الفوضوي ، فكان الانتقال من حدث متأخر لحدث متقدم دون النظر للترتيب ثم العودة لحدث وسطي ، ورغم كل هذه الفوضى في السرد كانت الصورة ترسم بشكل عشوائي بحسب الذكريات ورواسبها في النفس .

من وجهة نظري التي أراها صحيحة وأضعها في مقاييس جودة الكاتب حين يستطيع الكاتب أن يرسم فوضى المشاعر بالكلمات ، ويشكل الاضطراب الذي يحدث في النفس عبر تعابير متكررة ومكسورة أحياناً لكي نرى مدى تصدع شخصية ما في الرواية ، فالروائي لا يرسم صور زيتية بل هو يسرد جمل تجعلنا ننظر لتلك النفوس والشخصيات في الرواية فنعرف أن بها خلل نفسي أو عاطفي أو تعاني من ألم ما ، وهو بذلك يوصل رسالته عبر الكلمات ولا يحتاج لللتصريح بالأمر بل يترك للقارئ قراءة الشخصية بناءً على السرد ، فيعرف من خلاله ما تعانيه فيجد الاضطراب ويجد التردد ويجد الحيرة والضياع ، ضمن الكلمات .

ربما لا يعجب هذا الأسلوب الكثير من المحررين ، وأعتقد أن المحرر المختص في الرواية يمكنه قراءة الشخصيات المتشكلة في السرد بشكل سهل ، ويا للأسف أغلب محررينا هم محررين صحفيين ، يفرضون شروطهم على عالم الرواية فيطالبونا أن نسرد الأحداث بشكل آلي وننمقه بشكل يخرج شخصيات الرواية عن واقعها النفسي .

مشوقة الرواية ، مشوقة الفوضى التي كتبتها بثينة العيسى تلك الفوضى التي تتخلل كل شيء في شخصية اخترقتها الظروف ودمرتها ، فالفكر لا يخرج مرتباً حين يمتزج بالألم ولا يمكن أن يتذكر الإنسان آلامه بشكل منظم ، المشاكل والأحزان لا تأتي بشكل منتظم بل بها عشوائية فمنها العميق ومنها السطحي ومنها ما يجرح ومنها المستقيم والمعترض ومنها الخطير ، وتمر في ذاكرتنا بحسب المحرك الذي يذكرنا بها ، وأظن أن بثينة العيسى بَنت روايتها على هذا الأساس الفوضوي لكن في مساحة نفسية واحدة جعلنا نجمع مكعباتها حتى وصلنا للصورة النهائية .

لم أجد أي اعتراض للبناء الروائي إلا حين تحدثت عن الحب ، فغابت الفوضوية وبدأت الأحداث تترتب وأظن أن لو سارت الفوضى للنهاية لكانت فوضى خلاقة فنسيج الرواية المموج في البداية اصبح منتظماً في النهاية ، وما كنا نجمعه كأجزاء أصبحنا نرصه رصاً في النهاية ، وهذا لا يعني أننا ننكر جمالية السرد بل جماليات السرد سارت للنهاية لكن فوضى الحدث توقفت عند نقطة معينة وسارت بتناغم مختلف .

من النادر أن تشدني رواية لهذه الدرجة ، ربما تكرر صدى الأحداث في رأسي ، أو أني عايشت الشخصية لدرجة أني شعرت برغبة في مد يدي إليها وملامسة آلامها والتخفيف عنها ، وهذه الحالة جميلة حين يستطيع الكاتب أن يزرعها في نفس القارئ فهي تثبت تمكنه من إيصال المشاعر بشكل صحيح وعميق .

انصح بقراءة الرواية .

قراءة في كتاب “رواية الكتيبة 17” للروائي هاشم محمود ..

قراءة في كتاب “رواية الكتيبة 17” للروائي هاشم محمود ..

في بعض الأحيان تكشف لنا الرواية واقع لم نكن نعرفه أو تطلعنا على حقبة زمنية معينه لنكتشف من خلالها تلك المرحلة بأحداثها وشخوصها ، وهذا بالفعل ما وجدته في هذا العمل الجميل حيث اكشفت بعض الأمور التي أجهلها عن ارتيريا كأرض وشعب وتاريخ .

تتحدث الرواية عن حقبة زمنية محددة وهي السنوات الأخيرة من الاحتلال الإيطالي لأريتريا وبداية انكماش النفوذ الإيطالي وتمدد النفوذ البريطاني ويبين الكاتب من خلالها الكثير من الجوانب المهمة في تلك المرحلة كالمقارنة بين أساليب الاحتلالين ، والمقارنة بين التسامح الديني السائد في تلك الفترة بين أطياف المجتمع الاريتيري والنفور الحاصل حالياً في هذه المسألة .

تعتمد الرواية الأسلوب التقريري في اغلب الأحيان ويصبح تتبع المعلومة هو الأهم لدى القارئ ولا نجد صدى للعاطفة أو العوامل النفسية إلى في موضعين ، الأسرة والحبيبة ، في مشهدين متباعدين في البداية والنهاية ، المسألة الدينية كان من الممكن أن يوظفها الكاتب بأسلوب نفسي وعاطفي أفضل .

العمل جميل يحمل الكثير من المعلومات المفيدة ، لأي قارئ لا يتجاوز الكتاب 167 صفحة أي انه من الأعمال الصغيرة نسبيا  إلا أن المرحلة الزمنية التي يعالجها مرحلة مهمة وغائبة عن المجتمع العربي .

قراءة في رواية العالم لـ خوان خوسيه مياس ..

قراءة في رواية العالم لـ خوان خوسيه مياس ..

أظن أن أي كاتب سوف يقرأ هذا العمل سيشعر بسهولة أن كاتب الرواية يتحدث عن نفسه ، ولا تعني هذه النقطة شيء في الواقع ، لكن صياغة نقاط الارتكاز التي تتضح كبؤر في حياة الكاتب يعود إليها في اعماله دائماً وهو الأمر الذي يشير له الكاتب بانتظام في روايته العالم والتي أستطيع أن اسميها عالم مياس الذي جعله يكتب ، يجعلنا نركز في كل الاحداث لنكتشف الكاتب نفسه .

الرواية سلسه وأستطيع أن اجزم أنها كذل بلغته الأصلية التي كتبت بها ، لأن الكاتب يتحدث عن نفسه دون قيود بل يرحل عنها ويعود لها دون قيود ، يكرسها في اعماله ويستوحي منها ويضيف إليها المزيد من الأحداث ، ثم يعود ويضع نقطة ارتكاز أخرى في نفس الحدث كأنه كان يكتب من ذاكرته المجردة دون أن يكون هناك إعداد مسبق لما يريد أن يكتب .

الخيال الذي يتحدث عنه الكاتب والذي تشك أحيانناً أنه حقيقي في بعض القصص ثم تبدأ تشكك هل القصة كلها خيال أم أن القصة واقعية أم أن بعض اجزائها واقع والآخر خيال ، فمهارته حين يضع مشهد خيالي في وسط مشهد حقيقي ينقلك لتصور آخر ثم يعيدك لنفس المشهد الحقيقي فتبدأ المقارنة بعد أن تنتهي من المشهد لتكتشف ما هو حقيقي وما هو مزيف إن استطعت التمييز .

أظن أن كل من سيقرأ الرواية سيقرأها بسلاسة ، لكن من يستطيع أن ينتزع منها الحقيقية ومن يستطيع أن يكتشف الخيال ومن سينقل الحدث على أرض الواقع ليعرف ما يعنيه الكاتب من ابعاد في قصص اثرت فيه لدرجة أنها اصبحت نقاط عميقة في نفسه يعود إليها لا شعورياً في أي زمان وأي مكان ، وهنا نجد أن الكاتب حبيس تلك المواقف التي تسكنه ، كل مشاهد الطفولة من بؤس ومن ألم ومن خيال واغراء وامل ، تسيطر عليه لدرجة أنه لا يستطيع أن يتخلص منها  وإن اجتهد وأن تعاطى الحشيش أو أي شيء آخر يساعده لكي ينفصل عن الواقع ، واقعه الذي يعيشه في داخله ونزعة الا انتماء التي يعيش فيها .

ورغم أنه لا ينتمي لعالمه يكتشف أن العالم كله يعرف أنه مياس ، وقد كرس هذه المسألة في المشهد الأخير من الرواية حين ناداه الرجل “مياس أرجوك ساعدني” كأنه أكتشف أن مياس هذا ليس والده بل هو وهو في واقعه حقيقة وإن لم ينتمي هو لعالمه فعالمه ينتمي له بالفعل .

الكثير من الاسقاطات في الرواية يمكننا أن نقف عندها فالكاتب ربط بين أمور كثيرة يمكننا أن نكتشف بسهول أنه لا يربطها شيء حقيقي لكنها ترتبط في عقله بين حالة عاش فيها وآلة كالمشرط مثلاً أو القيد الذي وضعه في حياته “فوبيا الأماكن المزدحمة” وعودته من نفس النافذة للبدروم الذي كان يراقب من خلاله الشارع فلم يتخلص من هذه المسألة لأنه عاد من نفس النافذة لمكانه ولم يغير وجهته ويعود من الباب الصحيح .

الدين في الرواية ، الكنيسة الألم جهنم الجنة لا تغيب عن واقع الكاتب الذي قال “فكرة الخلاص في ثقافتنا ترتبط بتفادي جهنم أكثر من الفوز بالجنة” وكأنه يخاطب الواقع سواء كان واقعه المسيحي أو واقع أي دين على وجه الأرض ، لكنه يبتعد عن الدين ثم يعود إليه يهرب منه ويجده أمامه في كل مكان ، يهرب من الأكاديمية التي تشرف عليها الكنيسة لما يعانيه فيها من تعذيب ليعود ويلتحق بمدارس اللاهوت ليصبح قسيساً ثم يخرج من كل هذا ويصبح كاتباً ، لكنه لا يستطيع أن ينسلخ من واقع الدين الذي يحاصره ، في الرماد الذي سيؤول إليه كما آل إليه كل الراحلين قبله .

الرواية جميلة وسلسة والعالم هو عالم خوسيه مياس الذي لا يريد أن يستغني عنه تقع الرواية فيما يقارب 240 صفحة ترجمتها جيدة جداً .

قراءة في كتاب الواقع في قصص للكاتبة / بدرية حمد .. 

IMG_20200614_004842

الكاتب / بدرية حمد .

كاتبة قطرية .

اسم الكتاب / الواقع في قصص ( مجموعة قصصية قصيرة )

عدد الصفحات : 67 .

     مختلفة هذه المجموعة القصصية ، رغم صغرها ولا اعرف لماذا لم تكتب السيدة / بدرية المزيد من القصص ، فالقصص التي طرحتها قصص كانت من واقع الحياة ، وأضن أن لديها أفكار أخرى وقصص لم تكتبها ، وانا شخصياً يحزنني أن اجد قلم مميز يملك من الإمكانات ما يؤهله لأن يصل إلى اعلى الهرم لكنه يقف عند نقطة محددة ولا يكمل المشوار .

     نعم السيدة / بدرية حمد تملك القدرة على رسم المشهد وتحديد اطار للقارئ ليقف على رسائل القصة دون أن يجد تعقيدات أو إيحاءات تخرجه عن السياق ، وكل هذا ضمن جمل سلسة يستوعيها القارئ بسهولة ويستمر ليصل لنهاية المشهد ، ويعيد النظر في المسائل التي مرت في الحياة دون أن يلقي لها بال ، ليعرف تأثير الموقف على الشخص الذي عايشه .

     كل قصة في هذا الكتاب تحكي واقع وتركز بؤرة ضوء على موضوع وليس بالضرورة أن يكون الموضوع مشكلة أو قضية ، بل ربما يكون تصحيح لوجهة نظر أو قراءة مغايرة للرأي السائد ، وهذا يعطي الكاتب نجمة إضافية على مقدرته الجيدة في تصوير حقبة زمنية ونقلها عبر القصص لتُصل للقارئ الذي عايش تلك المرحلة صور معين ، وترسم صورة ذلك الزمن للجيل الذي أتي بعده .

     الجميل في هذه المجموعة القصصية انها تحكي واقع المرأة بمراحلها المختلفة الطفولة الشباب وما بعد الزواج ، وترسم تلك المشاكل التي يضنها الرجل انها تافهة ، لتنقل تأثيرها على النساء ، وتصور مدى اتساع الفجوة بين نظرة الرجل ونظرة المرأة لتلك المشاكل ، وتلقي الضوء أيضاً على مشاعر المرأة ومخاوفها ومدى تأثير تلك المشاعر والمخاوف على واقعها .

    اعود وأكرر هذه الجملة في كل مقال أضعه لكاتب قطري ، لماذا هذا البخل ، لماذا لا تخرج الأفكار على شكل كتب ، وإن خرجت لماذا تكون قليلة ، فالساحة الأدبية تحتاج كل قلم مبدع أن يعطي أفضل ما عنده ، والساحة متسعة للجميع ، وانا أناشد السيدة / بدرية حمد ، ان لا تتوقف ، فقد اطلعت لها على أكثر من مقال وهذه المجموعة القصصية ، وكل ما حصل أن قناعتي زادت انها تملك ابداع لم نشاهده بعد .

     ما لفت انتباهي أن السيدة / بدرية لم تضع مقدمة لكتابها ، ومن وجهة نظري المقدمة مهمة فهي ترسم للقارئ الأفكار التي اتبعها الكاتب وتوضح له الهدف من الكتاب ، وتعرف القارئ بشخصية الكاتب ، ولا اريد التفصيل في القصص التي قرأتها ، لكني انصح بشدة بقراءة هذه المجموعة القصصية الممتعة .