منحرف ..

ما نراه خطوط مستقيمة هو جزء من عالم منحنِ لا يسير بشكل منتظم، ولو وسعنا دائرة النظر سنكتشف أن كل شيء حولنا، رغم أنه يملك نقطة بداية وخط نهاية، إلا أن الصلة بينهما ليست بخطوط مستقيمة، بل منحنية أو دائرية، وهذا هو نظام الكون حولنا وحين نقول إن هذا هو النظام السائد، فنحن البشر لسنا استثناءً من القانون بحيث أن نقاط البداية والنهاية لدينا لا تكون مستقيمة فحياتنا التي تغلب عليها الانحرافات والانحناءات، عندما نرى أي خط مستقيم يكون عبارة عن جزئية مستوية في خط مائل كبير لا يمكننا مشاهدته. 

تلطف ..

ألا تعرف أن من سواك قد أتاحت للنظر، فعين العالمين تراك إن كنت لا تدري، فتلطف فما النظر إلى لحظات نغيب فيها عما يشغلنا أو نبحث فيما يشغلنا، وإنك أحد اللقطات الواقفة في طريق طويل، ربما تتكرر في طريقي كثيراً، أو لا تعود صورتك لي مجدداً.

أنا وأنت صور 📷 التقطتها أعينٌ كثيرة بعضها رانا بدهشة أو احتقار وغيره بإعجاب وحب، يجعلون الصورة ملونة أو عادية، فمن يحدد لون الصورة ليس نحن، بل الآخر بحسب ما يراه فينا.

الدنيا صور، نصور ونتصور، يصورونا ونصورهم، نجمعهم في الذكريات ويجمعونا، ربما، أقول ربما نحذف بعضهم وأيضا يحذفنا بعضهم، فالآخرون يملكون نفس إمكانياتنا، لذا تلطف فصورتك غزاها القدم وصورتي عتيقة، وأنا أحبها تلك العتيقة، أحبها بمن أحبها ومن كرهها فهي أنا وصورتك هي أنت، عليك أن تحبها.

قراءة في رواية قلعة التفاح للكاتبة العراقية كُليزار أنور

عندما تجد الإنسانية طريقها للمجتمع تنتشر الرحمات، وأظن أن هذا ما تصبو إليه كاتبتنا كُليزار فالعمل الإنساني رسالة سامية يحملها أشخاص صادقون يرغبون أن تتحسن صفات المجتمع، وأن يكون له مبادئ وقيم، ويتحمل مسؤولياته الاجتماعية والإنسانية دون إهمال أو تقصير.

لفت انتباهي اسم قلعة التفاح، وحين قرأت الرواية عرفت أنها قلعة لأناس هشة في المجتمع خرجت ذكرياتك بلا عودة، وفقدوا الصلة بالعالم، فهم يعيشون في عالمهم من الخيال الخاص والأحلام البعيدة عن الواقع،

كما تتحدث الرواية عن نساء لهن هدف في الحياة استطعن توظيف إمكانياتهن لخدمة فئة معينة في المجتمع، والنجاح الذي تحقق من مجرد حلم، وضع على ورق؛ ومن ثم أصبح حقيقة كمشرع يقدم خدمات لمرضى الزهايمر.

تحمل الرواية رمزيات كثيرة فهي لا تنفي الواقع العراقي الصعب وما مر به من حروب وأزمات دمرت المؤسسات الطبية والاجتماعية، كما أن الإنسان العراقي نفسه عاش هذه المعاناة بكل تفاصيلها وهنا تقدم الرواية رمزيتها الجميلة المتمثلة في كتالينا التي صبرت وانتظرت حتى تحل تلك المشاكل لتحقق هدفها السامي وتبني قلعة التفاح وما كتالينا إلا تجسيد للإنسان العراق المخلص المقتنع بأن العراق للعراقيين جميعهم دون تمييز، أما الرمزية الثانية، فتتمثل بقيمة الوفاء والصدق اللذين من خلالهما تتحقق مصداقية المجتمع، ويبني عبرهما أخلاقه ومبادئه، والرمزية الثالثة ترسمها الكاتبة في الإخلاص، سواء كان للهدف أو الصديق كأنها تقول إننا عراقيون أهدافنا عراقية مخلصون لكل شيء، والرمزية الأخيرة الحلم بعراق أفضل بمجتمع يحترم المبادئ والقيم.

تقييم العمل:

 العمل جميل ممتع في قراءته والنقطة الوحيدة التي أحب أن ألفت نظر الكاتبة هي مرحلة الانتقال من حكاية لحكاية أخرى في الرواية باستخدام الأبواب والفصول لكيلا تتشابك الحكايا. 

تستحق الأستاذة كُليزار الشكر والتقدير على هذا العمل الإنساني الجميل الذي نحتاج إلى مثيله في كل مجالات الحياة لنرفع قيمة العمل المجتمعي والإنساني، تقع الرواية في 136 صفحة من القطع المتوسط انصح بقراءتها.

قراءة في رواية “آنا كرنينا” للأديب الروسي ليو تولستوي:

وأنت تقرأ الرواية ستسمع صوت تولستوي يقول لك: هنا روسيا بكل تناقضاتها ومشاكلها وأحلامها وتصوراتها، وهذه هي الطبقة الراقية التي تحكمها وتسوس أمرها، سترى طبقة راقية في روسيا لا ترتقي للمستوى الأعلى فتصل للإمبراطور، ولا تنزل للشعب، لكنها ليست الطبقة الوسطى، فهي طبقة تجمع الأرستقراطيين وكبار الموظفين والكونتات وبعض الأمراء، في مرحلة زمنية ارتفعت فيها تكلفة الزراعة بعد أن تحرر الأقنان ، وقلة الأيدي العاملة، وأصبحت الأراضي عبئ على ملاكها، وكانت روسيا تخوض حرباً مع الدولة العثمانية، المرحلة الزمنية التي اختارها الكاتب مناسبة جداً لطرحها في رواية اجتماعية تكشف التحولات والصراعات في المجتمع الروسي.

زمن الرواية مهم جداً؛ لأنها فترة تحول في الفكر العالمي، ونرى انعكاسه على المجتمع والفكر الروسي، وحرص البعض مثل تولستوي على خلق شخصية للفكر الروسي وعدم الانسياق خلف الأفكار الواردة من الخارج وكما قرأت سابقاً أن شخصية “ليفين” تجسد تولستوي، فقد وجد ذلك صحيح لحد مقنع، وتوصلت لذلك في تتبع فكر تولستوي الديني الذي ينظر إلى الدين أنه رسالة سامية، وأن الله ينظر إلى الجميع ما داموا يحسنون ويخلصون ويؤمنون، بغض النظر عن الدين الذي ينتمون إليه.

الشخصيات الرئيسية في الرواية:

آنا أركاديفنا كارِنينا آنا كارنينا: الشخصية الرئيسية امرأة فائقة الجمال جاءت من طبقة متوسطة متزوجة من رجل يعمل في منصب مرموق في بطرسبرج تقع في حب فرونسكي، وتتمثل معاناتها في النظرة الاجتماعية والأبناء والحب، ليتكون الثالوث الذي يهدم كل شيء في حياتها.

ألكساندروفيتش كارِنين ألكسي: زوج آنا كارنينا، يحتل منصب مرموقاً في بطرسبرغ يكبر آنا بأكثر من عشرين سنة، عنيد، يلجأ إلى التدين في النهاية للهروب من صدمته النفسية.

ألكسي كيريللوفيتش فرونسكي: كونت وأحد ملاك الأراضي الكبار عشيق آنا كارنينا، فارس في الجيش الروسي، لكنه يترك كل شيء ليبقى مع آنا ويحظى بثقتها.

كونستانتين ديميترييفيتش ليفين: كونت ومالك أرض زوج كيتي، لا يرتقي لمستوى فرونسكي، لكنه من النبلاء، ويعتقد أغلب المحللين أن تولستوي جسد نفسه في هذه الشخصية، وأميل إلى صحة ذلك.

كاترين ألكسندروفنا شيرباتسكايا كيتي: أميرة زوجة ليفين وشقيقة دوللي شخصية طفولية مرحة، تحب فرونسكي في البداية، لكنها تصدم نفسياً بسببه.

استيبان أركاديفيتش أوبلونسكي ستيبا: جاء من طبقة وسطى شقيق آنا كرنينا له منصب في الدولة بسبب زواجه بأميرة، متهور مسرف يخسر كل شيء، وتنهار علاقته بزوجته.

داريا ألكسندروفنا أوبلونسكايا دوللي: أميرة وهي زوجة ستيبا شقيق آنا كرنينا، ربة بيت ملتزمة بشكل حازم تجاه أسرتها، تتسم علاقتها بزوجها بعدم الثقة، وتستمر هكذا من البداية حتى تنهار العلاقة وتنتهي.

تعريفات مهمة:

  الأمير: أرستقراطية أصيلة، تميل إلى التقاليد، تتوارث اللقب.

  الكونت: أرستقراطية مكتسبة، تميل إلى الحداثة والانفتاح، تعتمد على المكانة لا الأصل.

المحتوى:

الرواية تعالج الفترة الزمنية ما بين من 1855 إلى 1881، أي النصف الثاني من القرن التاسع عشر في عهد القيصر ألكسندر الثاني، وتوضح التحولات الاجتماعية والاقتصادية والصدامات السياسية بين الجيل القديم والجيل الجديد عبر طبقة راقية من المجتمع الروسي ليست في القمة العليا، لكنها طبقة اجتماعية تجمع الكونتات والأمراء والنبلاء، ونشهد فيها زواج أميرة بكونت أو أحد النبلاء والعكس، لكن الرواية تطرح أمراً مهماً يتمثل في شخصية آنا كرنينا، حقوق المرأة والنظرة الاجتماعية لها، حين تنفصل عن زوجها، وتصور المعاناة النفسية الصعبة التي تمر بها النساء في مجتمع ينظر إلى الأسرة نظرة مقدسة، حتى لو كانت تلك الأسرة منهارة من الداخل، ويخون كلا الزوجين بعضهما، المهم أن يبقى شكل الأسرة حتى تستمر العلاقات الاجتماعية.

توجد ملامح كثيرة للشخصية الروسية في الرواية، وتختلف الشخصيات بحسب طبقتها الاجتماعية ومكان سكنها فشخصية النبيل أو الأمير أو الكونت في الريف تختلف عنها في المدينة والعكس، وكل لقب يحمل صفات تخصه تتمثل الترف أو التدين أو الالتزام بالقيم، ترسم الرواية التحول بين جيلين مختلفين من حيث الثقافة، وتبين مستوى الصراع الناشئ بينهما في المجال السياسي، كما أن الرواية تبين أن الفكر احتل مساحة كبيرة وخف تأثير الدين لدى الطبقات العليا.

وزع تولستوي شخصيات الرواية بحيث تشمل جميع الطبقات النبيلة، أمير، كونت، نبيل، عالم، موظف مرموق، وبذلك لمس جميع مستويات تلك الطبقة التي أراد الحديث عنها، لكنه لم يتكلم عن عامة الشعب إلا من منظور تلك الطبقة، بمعنى أنه تحدث عنهم من الأعلى كيف يراهم النبيل أو الأمير أو الكونت، ورغم ذلك نرى في شخصية ليفين التي تمثل تولستوي في الرواية رسم ملامح تقارب بين النبلاء والعمال، لكنها لا ترتقي لتصف حياة العمال أو معاناتها أو وجهة نظرهم في ملاك الأراضي، وأنا أؤيد نظرة تولستوي، فلو أنه تطرق للعمال ومعاناتهم ومشاكلهم المالية والاجتماعية لما استطاع أن يصف الطبقة العليا بإسهاب، وتداخلت الأفكار واختلت.

شخصية ليفين في الرواية قال عنها المحللون أنها تمثل تولستوي، وأنا أؤيد هذه الفكرة، وأتفق معها فأفكار تولستوي واضحة في هذه الشخصية، وأظنه أراد أن يضع فلسفته من خلالها خاصة حين تكلم عن الإلحاد ثم النظرة إلى الدين والوصول لفكرة مقنعة في نهاية الرواية، لكني أعتقد أنه أخطأ في أن يجعل النهاية مرتبطة بهذه الشخصية التي وضع من خلالها صورة النهائية وأهمل شخصيات في الرواية لم يعطنا التصور النهائي لها مثل ستيبا الذي أشار إليه أنه انهار مالياً.

ربما اختلف مع تولستوي في النهاية المأساوية لآنا كرنينا لكني مقتنع أن هذه النهاية جسدت المعاناة أكثر من أي نهاية أخرى، بل وجعلت لها رسالة متعدية لزمانها، رسم من خلالها ضعف المرأة وصراعها النفسي الكبير بين الزوج والحبيب والأبناء، وبين لنا قلة الحلول التي يمكن اللجوء إليها لذا كانت النهاية الصادمة هي أبلغ رسالة لتجسيد الوضع السيء.

الأسلوب:

محتار وأنا أكتب عن أسلوب تولستوي فالرواية مجموعة حوارات مطولة ترسم الأحداث وهو أسلوب لا أحبه لكني وجدته ممتعاً في الرواية، خصوصاً في الجزء الأول فالشخصيات تتحدث عن نفسها لتقول: أنا موجودة وأتحدث، الأنا في الرواية قوية جداً تجدها في أنانية المرأة والأمير والكونت والنبيل، يظهر صوت الراوي العليم في بعض السطور ليوضح أمراً، أو ينتقل إلى شخصية أخرى، وأقول في النهاية: الرواية ممتعة سواء كانت عبر حوارات مطولة أو سرد مسترسل، فأحداثها تجعلك تقرأها بنهم.

الكاتب:

ليو تولستوي من طبقة النبلاء الروس، وكانت أسرته من أعرق العائلات في روسيا عاش في الفترة ما بين 1828 إلى 1910 عاصر الكثير من الأحداث من أعظم الروائيين الروس، تعتبر روايتاه الحرب والسلم وآنا كارنينا من أعمدة الأدب العالمي جمع في أعماله بين الفلسفة والأخلاق والدين اتجه إلى الزهد في آخر حياته.

تقييم العمل:

لا أستطيع أن أحكم على رواية بهذا القدر من الأهمية، فقط أستطيع أن أقول إنه رواية جميلة ممتعة تثير الشغف، تطلعنا على حقبة زمنية مهمة في تاريخ روسيا، ونعيش من خلالها عالم من المتعة، أنصح بقراءتها، الرواية موزعة إلى جزءين تقريباً 900 صفحة من القطع المتوسط.

قراءة في كتاب رسالة في اللاهوت والسياسة للفيلسوف الفرنسي سبينوزا

كل ما يأتي في هذه المقال مستند لشرط سبينوزا في البحث “تفسير الكتاب المقدس بالكتاب المقدس” ولم يلجأ إلى كتاب غيره لذا وجب التنبيه أن كل ما يرد لا يعني أي شيء آخر غير ذلك.

قراءة في كتاب “رسالة في اللاهوت والسياسة” لـ سبينوزا

من الجميل أن يضع الكاتب منهجه في الكتاب بشكل واضح، وهذا ما فعله سبينوزا، فاستخدم في هذا الكتاب مبدأ عام تستخدمه جميع الأديان السماوية وهو “تفسير الكتاب بالكتاب” أي أنه سيستخلص المعاني والتفاسير للكلمات من التوراة فقط، وقد استخدم ذلك بوضوح من الفصل الأول، وهذا نهج جيد بحيث يعرف القارئ للكتاب لمَ توقف المؤلف عند نقطة معينة، ولم يتجاوزها أو لماذا لم يأخذ معنى آخر مستخدماً لدى العامة، أو في ديانة أخرى.

الفصل الأول النبوءة:

“النبوة أو الوحي هي المعرفة اليقينية التي يوحي بها الله للبشر والنبي هو مفسر ما يوحي الله”، لكن سبينوزا ينظر إلى الأمر بشكل مختلف، ويقسم المعرفة إلى جزأين: *معرفة فطرية *ومعرفة إلاهية، وأن المعرفة الفطرية والإلهية مشتركتان؛ لأن الفطرة البشرية وضعها الإله فينا لذا تكون للمعرفة الإلهية التي يوحي بها الله للأنبياء ميزة واحدة عن المعرفة الفطرية وهي اليقين، فما نصل إليه بتفكيرنا أو خيالنا يخلو من اليقين أحياناً تكون المعرفة الإلهية يقينية، وهو يؤكد أن المعرفة الفطرية إلاهية، لكن أصحاب الفطر والمبشرين بها ليسوا أنبياء بعكس المعرفة الإلهية؛ حيث إن من يبشر بها فهو نبي، يشير سبينوزا أن أي وحي يرجع إلى طبيعة الذهن الإنساني؛ لأنه قادر على المعرفة الفطرية.

يبدأ سبينوزا في تفسير الظواهر الدينية، ويشرحها بشكل بسيط حين تلغي الشعوب المتدينة العلل والأسباب المتوسطة أو الجزئية بدافع التدين، فيرجعون كل شيء في حياتهم لله، إن من أعطاهم المال هو الله، وهو من هيئ لهم أمورهم الأخرى، حتى في مسألة الشعور يقولون أوحى لي الله بذلك، وهذه مقدمة فقط ليطرح سبينوزا أساليب الوحي الإلهي ويحددها: بالكلام المباشر أو بالظواهر الحسية، منها الخيالات والرؤى وما إلى ذلك، ويبدأ في استجلاب نصوص من التوراة والنظر فيها وتوضيح المتناقض في التفسير، مثلاً أن موسى وحده هو الذي سمع صوت الله الحقيقي وغير ذلك كان إيحاءً مع باقي الأنبياء.

يشرح سبينوزا معنى روح الله، وعنى بكلمة “روح” بناءً على ما ورد في الكتاب اليهودي المقدس، وقد أحصى وأورد لها 7 معانِ، ثم يعرج على معنى “كل ما يتعلق بالله” فكل ما يتعلق بالله يسمى إلاهياً” ويورد فيها 5 معانِ مثل: بيت الله، مال الله وكيف ينظر اليهود لهذا المعنى مثلاً فمعنى غضب الله تجاوز معناه، وحل في أي شيء قاسٍ لا يمكن تفسيره فالعاصفة تصير غضب الله، وكما أن المعجزة هي أفعال الله، والرجال الطوال الأشداء أبناء الله، حتى لو كانوا مجرمين.

يقول سبينوزا بما أن روح الله حلت في البشر، ومنهم الأنبياء فإن ميزة الأنبياء الخاصة أنهم مثابرون على التقوى بالإضافة أنهم يستطيعون إدراك فكر الله وحكمته، ويشير هنا لمعنى “روح” في التوراة التي تأتي بمعنى الذهن أو حكم الذهن، وبهذا يكون سبينوزا مقتنعاً أن الأنبياء لم يتلقوا وحياً إلهياً إلا بالاستعانة بالخيال.

الفصل الثاني الأنبياء:

من وجهة نظر سبينوزا الأنبياء لا يتميزون بفكر، بل يتمتعون بقدرة أعظم على الخيال الحي لم يأتِ بهذه الفكرة من رأسه جاء بها من الكتاب المقدس الذي يقول إن سليمان كان حكيماً، ولم يكن نبياً لذا فسبينوزا يقارن هذا في كل أنبياء بني إسرائيل، واستخلص النتيجة أن الأنبياء لا يصلون لقدرة كبيرة في الفكر والحكمة بقدر ما يتميزون في الخيال والقاعدة لدى سبينوزا “كلما زاد الخيال قل الاستعداد لمعرفة الأشياء بالذهن الخالص”.

الخيال النبوي له معايير لدى سبينوزا فالخيال ليس يقيناً، ويحتاج شيء يدعمه لكي يتحول إلى يقين بمعنى لو حلم النبي، واستيقظ ثم رأى ما يشير إلى حلمه يقع اليقين في نفسه، ويعرف أنها مسألة تتجاوز الحلم وهي أمر إلهي، ويستدل سبينوزا من الكتاب المقدر على هذا الأمر بالكلمات المكررة على لسان أكثر من نبي “اجعل لي آية” والكلمات المكررة على لسان الخالق “ليكن هذا لك آية على أني أرسلتك” وبذلك أن الأنبياء تقع لهم آية تجعل لهم يقيناً بالأشياء التي يتخيلونها، ولا يعتبر سبينوزا هذا الأمر تشكيكاً في النبي، بل يقيناً لأن الله لا يخدع الأنقياء والأتقياء.

وبناءً عليه نكتشف أن سبينوزا وضع مقياس لليقين النبوي من ثلاث بنود:

  1. تخيل الأشياء الموحى بها كأنها ماثلة أمامهم أي بشكل واضح.
  2. الآية الدالة على الأمر المتخيل.
  3. ميل قلوبهم للعدل والخير ويعتبر سبينوزا هذه النقطة هي الأهم.

يقول سبينوزا أن في اختلاف المعجزات من نبي إلى آخر أن الآيات والمعجزات تبعاً لآراء الأنبياء ومعتقداتهم بحيث لا يمكن للآية التي تقنع نبياً أن تقنع آخر فكره مشبعاً بآراء مختلفة، وذهب أبعد من ذلك، فقال إن الوحي أيضاً يختلف بحسب وضع النبي وإمكانياته، ويضرب الكثير من الأمثال منها، إذا كان النبي ذا مزاج مرح يأتيه اليقين من الحوادث التي تشير إلى الفرح والانتصارات، وإذا كان ذا مزاج شرير يأتيه اليقين مثلاً من حوادث الحرب والعذاب، وأيضاً الوحي فحين يكون النبي فلاحاً يكون الوحي بالصورة المحلية، ولو كان في بلاط السلطان يأتيه الوحي بما يتناسب مع ذلك.

يشير سبينوزا أن القدرة البلاغية للأنبياء، ويضع أمثلة وتصورات مثلاً: كتبت نبوات أشعيا ونحوم بأسلوب رشيق بعكس نبوات حزقيا وعاموس التي كتبت بأسلوب أكثر خشونة، وبهذا يقول إن الله في خطابه لم يكن له أسلوب يتميز به، وأن المسألة تعود إلى بلاغة النبي وأسلوبه وقدراته البلاغية.

ينكر سبينوزا ما قاله بعض المفسرين أن الأنبياء يعرفون كل ما يستطيع الذهن الإنساني أن يحيط به ويستدل من التوراة على أن هناك أموراً لا يعرفها الأنبياء، ويتهم المفسرون بأنهم تعسفوا في تفسير النصوص ليقولوا ما لم يقله النص بصراحة، ولا يدعي سبينوزا أن الجهل في جزئية معينة ينقص من تقوى الأنبياء، وأن ما ناله الأنبياء لا يرجع إلى مزايا روحية عالية، بل بسبب تقواهم ورسوخ إيمانهم.

ينتقل سبينوزا لنقطة أخرى، ويشرح معنى كلمة “يهوه” وهي تدل على الأبعاد الثلاثة أصول الزمان الثلاثة الماضي والحاضر والمستقبل، وأنه يختلف عن كل الموجودات، ولا يمكن التعبير عنه بأي صورة أو شيء حسي بعيداً عن الأبصار، وأن له قدرة لا مثيل لها، وأنه فرد واحد، لكنه يستقي من التوراة بأن هناك موجودات تحل محل الله، ويحدث ذلك بأمر وتفويض من الله، وبناءً على ذلك بحسب التوراة يكون الله “يهوه” هو إله الآلهة، ويستدل على كلام موسى في التوراة “الآن علمت أن الرب عظيم فوق جميع الآلهة” وهنا يضع سبينوزا ثلاث علامات استفهام:

  1. هل الله خلق هذه الموجودات “الآلهة” التي تقوم مكانه.
  2. خلق ونشأة الآلهة الأخرى.
  3. الموجود الأعظم الله “يهوه” أخرج العالم من العماء وأقام فيه النظام.

وأن الله “يهوه” اصطفا الأمة العبرانية من دون الأمم، وترك الأمم الأخرى في رعاية الآلهة الأخرى، لذا سمي يهوه” إله الآلهة بإله إسرائيل وإله أورشليم.

معتقدات موسى في الله “يهوه”:

  • انه إله الآلهة.
  • وأن “يهوه” أخرج العالم من العماء وأقام فيه النظام.
  • اصطفى الأمة العبرانية لنفسه من دون باقي الأمم.
  • وأن “يهوه” يسكن السماء.

ينتقل سبينوزا للتعارض بين أقوال أنبياء بني إسرائيل ويستشهد بأقوال النبي حزقيا التي تناقض أفكار موسى لدرجة أن الأحبار كانوا على استعداد أن يقروا استبعاد سفر حزقيا من الكتاب المقدس لولا أن “حنينا” فسر سفر حزقيا بشكل مقنع، وكذلك التناقض بين أقوال النبي صموئيل والنبي أرميا.

يستخلص سبينوزا بعد ذلك:

  • بأن الوحي الذي أرسله الله يتغير وفقاً لفهم الأنبياء وآرائهم، استناداً للكتاب المقدس.
  • وأن الأنبياء يمكن أن يجهلوا وقد جهلوا بالفعل استناداً للكتاب المقدس.
  • إن آراء الأنبياء متعارضة فيما بينها، استناداً للكتاب المقدس.

النتيجة التي وصل إليها سبينوزا أننا لسنا ملزمين بالإيمان بالأنبياء إلا فيما يتعلق بغاية الوحي وجوهره وما دون ذلك متروك للبشر ليختاروا منه بحرية.

الفصل الثالث رسالة العبرانيين وهل كانت هبة؟ وقفاً عليهم؟:

على لسان سبينوزا “عندما قال الكتاب لحث العبرانيين على طاعة الشريعة ((أن الله اصطفاهم من بين سائر الأمم، وأنه قريب منهم بعيد عن الآخرين، وأنه وضع لهم شرائع عادلة لهم وحدهم، وأنه أعطاهم وحدهم شرف معرفته))  فإنه إنما يتحدث على مستوى فهم العبرانيين الذين لم يكونوا يعرفون السعادة الحقيقية” في هذا المقطع يوضح سبينوزا أن الله لم يختص بني إسرائيل وحدهم بالرعاية، بل أنهم أولوا تأويلاً تعسفي، ففي نظر سبينوزا أن بني إسرائيل لن يحصلوا على رعاية أقل لو أن الله رعى الأمم الأخرى، أو أعطاها كما أعطاهم، فالمسألة تتوقف على التأويل والأمنيات والخيال الذي دعاهم لتصور هذا الأمر، وأن موسى استخدم هذه اللغة والأسلوب لكي يعلم العبرانيون عبادة الله، وأن يربطهم به بطريقة تناسب أرواحهم الساذجة.

يتطرق سبينوزا في هذا الباب لمصطلحات في التوراة: حكم الله، عون الله الداخلي والخارجي، اختيار الله، وأخيراً الحظ ويشرحها على النحو الآتي:

حكم الله: الحكم الإلهي الثابت نظام الطبيعة الثابت الذي لا يتغير التي تقع ضمن تسلسل قوانين الطبيعة، وهذه هي أوامر الله الأزلية التي تحفظ التوازن العام.

عون الله الداخلي والخارجي: كل ما يستعين به الإنسان وهو نفسه جزء من الطبيعة للحفاظ على وجوده من حيث إنها فاعلة بطبيعة الإنسان نفسها، أو أشياء خارجة عن طبيعة الإنسان.

اختيار الله: في تلخيص بسيط يقصد سبينوزا القدر فهو يقول: من المحال أن يسلك أحد سلوكاً إلا لنظام الطبيعة المحدد من قبل، يترتب على ذلك أن لا أحد أن يختار أسلوب حياته إلى برسالة خاصة من الله الذي اختار هذا الفرد وميزة ليقوم بهذا العمل. وتشعر بأن سبينوزا يقول في هذه الجزئية أن الإنسان مسير لا مخير دون التصريح بذلك.

الحظ: حكم الله من حيث سيطرته على البشر عن طريق العلل الخارجية التي لا يمكن توقعها.

لماذا سُميت أمة العبرانيين أمة مختارة:

  • معرفة الأشياء بعللها الأولى
  • السيطرة على انفعالاتنا حتى نصل للفضيلة
  • العيش في سلام مع جسم سليم

وهذه هي العلل الأساسية الأولى التي يقول سبينوزا أن النقطة الأولى والثانية هبتان لا تخصان أمة دون أمة، أما العيش في سلام مع جسم سليم فله شروطه فحكم الحياة البشرية واليقظة يفيدان الإنسان فائدة جمة كالقانون والمنطقة الجغرافية التي يعيش فيها ذلك المجتمع وأتحاد جميع القوى في المجتمع، وبوجود القوانين والناس الحكماء واليقظة يكون المجتمع أقل حاجة للحظ، والعكس يكون أن المجتمع المتخلف أو غير المنظم ترتفع حاجته للحظ أكثر.

إذاً الأمم تمتاز بالنظام الاجتماعي والقوانين التي تحكمها وقد أختار الله العبرانيين وفضل أمتهم على سائر الأمم لا لحكمتهم وطمأنينة نفوسهم بل لنظامهم الاجتماعي والحظ، الله أوجد لهم دولة ونعموا بالأمان وازدهار أحوالهم وأن هذا كله حصل بعون الله الخارجي وفيما عدا ذلك لا يتميزون على باقي الأمم، وأن الوعد الإلهي يقتصر على الازدهار الدنيوي لدولتهم والمزايا المادية، وبذلك يجزم سبينوزا أن الشريعة لم تعد العبرانيين بشيء أخر مقابل طاعتهم إلا باستمرار دولتهم التي يسعدون بها وبنعم الدنيا، إن التزموا بالشروط وفي حال مخالفتهم للميثاق تسقط عليهم أفدح المصائب.

يعرج سبينوزا على نقطة أخرى مهمة أن الله لم يختص العبرانيين وحدهم وأن شروطه وضعت للجميع ويستدل من التوراة على ذلك في المزمور 144 ((الله قريب من جميع دعاته الذين يدعونه بالحق)) والمزمور 9 (( الله صالح للجميع ومراحمه على كل صنائعه)) وآيات أخرى يستدل بها سبينوزا على ما يريد إثباته ويستشهد بأن “أيوم” وهو غير يهودي كان أحب الجميع إلى الله لأنه فاقهم في الورع والتدين، وفي سفر يونس ((أن الله يرعى الجميع ويرحمهم ويسامحهم، وأن رحمته تسعهم جميعاً)) .

أما بخصوص أن الله لم يرسل للعبرانيين أي نبي غير يهودي فيقول سبينوزا أن هذا الأمر ليس مهماً لأن العبرانيين لم يهتموا إلا برواية شئونهم الخاصة لا برواية شئون الأمم الأخرى، وأن ارميا لم يسمى بنبي الأمة العبرية وحدها، بل نبي الأمم كلها بلا تميز.

الشريعة أوحيت للجميع على حد سواء بمعنى شريعة الفضيلة الحقة ويستدل بكلام بولس أن الله هو إله جميع الأمم وأنه يرعى الجميع ما دام الجميع يخضعون للشريعة والخطيئة، ويقول بولس “لقد أؤتمن اليهود وحدهم على كلمات الله، ويشرحها سبينوزا أن اليهود وحدهم من اودعت لديهم الشريعة مكتوبة في حين حصلت باقي الأمم على الوحي والأمانة في الروح فقط.

سبينوزا يعتبر تميّز اليهود زمنيًا وسياسيًا فقط، لا أبديًا أو روحانيًا، وبكذا تكون أوضح، ويستشهد على ذلك بالشتات الذي يعانونه في وقته ويتمنى أن تعود لهم دولة وأنهم يكونون مرعيين من الله في ذلك الوقت.

الفصل الرابع القانون الإلهي:

لفظ القانون مأخوذ بمعنى المطلق، على كل حالة يخضع لها الأفراد منظوراً إليهم كل على حدى، والقانون إما ضرورة طبيعية أو قرار إنساني، وهنا يسمى قاعدة تشريعية وهو أن يفرض البشر على أنفسهم أمراً يلتزم به الجميع ليجعلوا الحياة أكثر أمناً وسهولة.

  • لأن الإنسان جزء من الطبيعة فهو جزء أيضاً من القدرة الطبيعية والقانون يتوقف على قرار يتخذه البشر، وهو يعتمد على قدرة الذهن الإنساني، ويمكننا بوضوح تصور أن الذهن الإنساني قادر على الصواب والخطأ.
  • القانون يعتمد على قرار إنساني؛ لأن علينا أن نعرف الأشياء، ونفسرها بعللها القريبة؛ لأننا نجهل الأشياء وتسلسلها في الواقع.

عادة ما نقصد بالقانون أمراً من الأوامر يستطيع الناس تنفيذه أو إهماله على أن يكون مفهوماً أنه يحصر قدرة الإنسان في حدود معينة، لذا ابتدع المشرعون مبدأ العقاب ليسيطروا على العامة، فمن يطيع القانون يعيش تحت سلطة القانون، ويلتزم غير المطيعين للقانون خوفاً من العقوبة، لكن في القانون شرطاً أساسي وهو العدالة فهي إرادة ثابتة ودائمة لإعطاء كل ذي حقٍ حقه.

القانون الإنسان ينظم الحياة، ويحافظ على الإنسان والدولة، والقانون الإلهي قاعدة لا تهدف إلى للخير الأقصى بمعنى أنه يهدف إلى المعرفة الحقة وحب الله، ففي معرفة الله وحبه خيرنا الأقصى وسعادتنا، ويضع سبينوزا نقطة هنا ليشرح ما يقصد أن جميع الأفعال الإنسانية التي تؤدي إلى المعرفة الحقة وحب الله موجودة فينا كفكرة يمكن أن تسمى أوامر الله، لأن الله مصدرها بقد ما هو موجود في أنفسنا.

حب الله عندما يكون غاية أخيرة لجميع الأفعال يكون الإنسان متبعاً للقانون حباً لله لا خوفاً من عذابه؛ ولذلك يتلخص القانون الإلهي في حب الله باعتباره الخير الأقصى، ويعتبر سبينوزا أن شريعة موسى قانون إلهي؛ لأنها صدرت من نور النبوة.

القانون الإلهي:

  1. شامل يعم الناس جميعاً مستنبط من الطبيعة الإنسانية في طابعها الكلي الشامل.
  2. يعرف عن طريق تأملات الطبيعة البشرية وحدها فمعرفة الله يجب أن تنشأ من أفكار مشتركة يقينية معروفة بذاتها، يقول سبينوزا في هذه النقطة ((من المحال إذاً أن يكون تصديقنا بالروايات التاريخية شرطاً لا نستطيع بدونه أن نصل إلى الخير الأقصى)) لكنه يقر بفائدة الروايات التاريخية في الحياة الاجتماعية.
  3. القانون الإلهي لا يقتضي إقامة الشعائر والطقوس إلى إذا كانت ترمز لخير ضروري للخلاص.
  4. القانون الإلهي يعطينا معرفة القانون نفسه أي معرفة الله وحبه باعتبارنا موجودات حرة حقاً ذات نفس صافية وثابتة.                                                                    

نقاط البحث في القانون الإلهي:

1-هل نستطيع بالنور الإلهي تصور الله كمشروع أو كأمير يسن القوانين للبشر: إرادة الله مجازية وليست قطعية ويستشهد سبينوزا بقصة آدم حين نهي عن الأكل من شجرة علم الخير والشر، فلو أن أمر الله له بعدم الأكل من الشجرة قطعي لما استطاع آدم أن يأكل من الشجر، وبما أنه أكل فإن إرادة الله مجازية، أي ان الله كشف لآدم الخير والشر الناتج عن الأكل من الشجرة، وأن آدم استنتج من هذا القانون أن خيراً أو شراً ما سيقع في حال قام بالفعل المنهي عنه، ويربط سبينوزا هذا بالعبرانيين فنقص فهمهم للوصايا العشر أصبحت الوصايا قانوناً لهم وحدهم لأنهم لم يعرفوا وجود الله كحقيقة أزلية، وأن موسى ادرك بالوحي أو استنتج بأن أفضل طريقة توحد شعب إسرائيل أن يتوحد في بقعة من بقاع الأرض ويخضعوا لأوامر ونظم مفروضة وشرعها كقوانين أرادها الله ومن هنا ولد تصورهم لله بوصفه قائداً ومشرعاً وملكاً، وينفي سبينوزا هذه النقطة ويستشهد بأن المسيح ارسل للبشرية.

2-ماذا يقول الكتاب المقدس بشأن هذا النور وهذا القانون الطبيعي: ويعود سبينوزا للإنسان الأول والأمر الأول النهي عن الأكل من شجرة معرفة الخير والشر ويقول((يعني أن الله أمر آدم بأن يفعل الخير ويسعى إليه من حيث هو خير لا لأنه ضد الشر، أي أن يبحث عن الخير حباً في الخير لا خوفاً من الشر، ومن يفعل الخير حباً في الخير يفعله بحرية وعزيمة راسخة، في الإصحاح 13:3 ((طوبى للإنسان الذي وجد الحكمة وللرجل الذي نال الفطنة)).

  • الحكمة أو الذهن هو وحده يعلمنا خشية الله بطريقة سليمة.
  • أن الله هو منبع الحكمة والعلم وأن الله هو واهبها.

بناءً على ما تقدم يقول سبينوزا ((سعادة من ينمي ذهنه الطبيعي وهدوء نفسه لا يتوقفان فيما يقول الحكيم سليمان على قوة الحظ “أي على عون الله الخارجي” بل يتوقفان أساساً على قدرته الداخلية أي “على عون الله الداخلي” لأنه يستطيع أن يحفظ حياته على أفضل نحو إذا كان يقضاً نشطاً على قدر كبير من الدراية.

3-ما هي الغاية التي استهدفت فيما مضى الشعائر الدينية:

يناقشه سبينوزا في فصل الخامس

4-ما الفائدة من معرفة الروايات المقدسة والتصديق بها :

يناقشه سبينوزا في فصل الخامس

الفصل الخامس في وضع الشعائر والإيمان بالقصص، لأي سبب ولأي نوع من الناس كان ضرورياً؟:

3-ما هي الغاية التي استهدفت فيما مضى الشعائر الدينية:

يقول سبينوزا: “إن طقوس العهد القديم للعبرانيين وحدهم، وتكيفت حسب دولتهم، وأنه لا يمكن إقامة معظم هذه الشعائر إلا بوساطة المجموعة بأسرها، وأن لا علاقة لها بالقانون الإلهي، وأنها لا تعم في السعادة والفضيلة، وأنها تتعلق فحسب بالنعيم الدنيوي وسلامة الدولة” يستند سبينوزا فيما يقول لدعوة النبي أشعيا الذي حاول أن يجمع بين القانون الإلهي والقانون الشامل، وأنه استبعد الشعائر مما قال: تطهير النفس، ممارسة الفضائل بصفة مستمرة (الأفعال الحسنة)، الإحسان للفقراء.

إذا يقر سبينوزا بأن الشعائر لا تؤدي إلى السعادة مطلقاً، وتتعلق بالمنفعة الدنيوية للدولة، وتقتصر السعادة الروحية على من يحافظ على القانون الإلهي الشامل؛ لأن الأسفار الخمسة لا تبشر إلى بالنعيم الدنيوي وسلامة البدن، وأن موسى لم يعلم اليهود تحريم القتل والسرقة، بل أمرهم بها بصفة المُشرع، هذا بحسب العهد القديم، أما بما يتعلق بالعهد الجديد، فإن المسيح بشر بجزاء روحي لا بمكافأة مادية؛ لأنه لم يبعث لتشريع القوانين، بل لتعليم القانون الإلهي الشامل.

يشير سبينوزا إلى أن الله لم يطلب من اليهود بعد تخريب المدينة شيئاً معيناً، إلا مراعاة القانون الطبيعي الذي يخضع له جميع البشر، وأن الشعائر انقطعت بعد كل انهيار للدولة، وأنهم اتبعوا قوانين من خضعوا إليه، وأن الشعائر التي أقامها اليهود في منافيهم بعد ذلك كانت نكاية بالمسيحين.

تنظيم سياسي طبيعي:

أولا: على المجتمع أن يقيم سلطة تنبثق من الجماعة بحيث يكونون ملزمين بطاعة أنفسهم لا أمثالهم.

ثانياً: أن توضع القوانين في كل دولة بحيث أن يكون الباعث على ضبط الناس هو الأمل في تحقيق خير معين.

ثالثاً: السلطة منتمية إلى جميع الأفراد وتوضع القوانين برضاء الجميع، وإن زادت القوانين يبقى الشعب حراً لأنه يفعل برضائه الخاص.

التنظيم السياسي للعبرانيين:

وضعت قواعد التشريع بالسلطة الإلهية على أن يقوم الأفراد بذلك لا عن كراهية، بل عن طيب خاطر لسببين:

  1. العصيان الطبيعي للشعب يخضع لسلطة القوة وحدها.
  2. الحرب وما يتطلبه النصر من خروج الجند عن اقتناع لا بالتهديد والعقاب.

ويقول سبينوزا أن موسى:

  1. ادخل الدين في الدولة بسلطته الإلهية حتى يقوم الشعب بواجباته بإخلاص لا عن رهبة وخوف.
  2. وربطها لهم بالمنافع وأعطاهم وعوداً كثيرة باسم الله.
  3. ورفض أن يقوم الشعب بأي فعل بإرادته حتى يضل الشعب مقيداً بكلمة الرئيس الآمر

4-ما الفائدة من معرفة الروايات المقدسة والتصديق بها :

لأي نوع من الناس يكون التصديق بالروايات التاريخية في الكتاب المقدس ضرورياً؟ ولأي سبب؟

إذا أردنا أن نعلم أمة ما أو البشرية عقيدة، ونجعل الناس يفهمونها بكل تفاصيلها، يجب أن نثبتها بالتجربة، وأن نجعل تعريفاتها ملائمة لمستوى فهم العامة أي الأغلبية، دون اللجوء إلى التعقيدات التي تخاطب النخب.

الكتاب المقدس أُوحي لكي تفيد منه أمة كاملة أو البشرية لذا تحتم أن يتلاءم محتواه مع أفهام العامة، والأساس في الكتاب المقدس أن هناك إلهاً موجوداً صنع كل شيء، ويحفظه بحكمة عليا، وهو يرعى البشر المؤمنين السائرين على التقوى والأمانة أعظم رعاية، ويعاقب سواهم بالعذاب. يثبت الكتاب المقدس هذه الأمور بالتجربة أي عن طريق القصص التي يرويها على مستوى وعي العامة.

معرفة هذه القصص ومعرفتها ضروري إلى أقصى حد للعامة الذين لا نقوى أذهانهم على إدراك الأشياء بوضوح وتميز، ومن ناحية أخرى من ينكرها ولا يعتقد بوجود إله يمكن أن يعد كافراً.

يقول سبينوزا: إن العامة يعجبون بالقصص ونهاياتها العجائبية أكثر مما يعجبون بالعقيدة لذا كانوا بحاجة إلى كاهن لكي يعطيهم العبر التي تتضمنها هذه القصص بأسلوب يتناسب مع تكوينهم الذهني، ويعود سبينوزا لموضوعه الرئيسي، ويضع ثلاث نقاط في النهاية:

  1. التصديق بالروايات أياً كانت لا صلة له بالقانون الإلهي.
  2. لا تعطي السعادة الروحية للناس.
  3. ولا فائدة من القصص إلا بقدر ما تساعد على إقامة عقيدة.

الفصل السادس المعجزات:

كل ما يأتي في هذه المقال مستند لشرط سبينوزا في البحث “تفسير الكتاب المقدس بالكتاب المقدس” ولم يلجأ إلى كتاب غيره لذا وجب التنبيه أن كل ما يرد لا يعني أي شيء آخر غير ذلك.

العامة يظنون أن قدرة الله تظهر إذا حدث في الطبيعة أمر خارق للعادة مناقض لما اعتادوا عليه، ويعتقدون أن أكبر برهان على وجود الله هو الخروج الظاهر على نظام الطبيعة، وعلى ذلك فهم يتخيلون قدرتين متميزتين: قدرة الله، وقدرة الأشياء الطبيعية التي تخضع لقانون الله، ويسمي العامة حوادث الطبيعة الخارقة للعادة معجزات أو أعمال الله، وهم يفضلون أن يجهلوا العلل الطبيعية للأشياء، ويعتقد سبينوزا أن هذا الرأي يرجع إلى اليهود القدماء، فقد قصوا معجزاتهم محاولين أن يبينوا أن الطبيعة مسيرة لمصلحتهم وحدهم بأمر الإله الذي يعبدونه.

الإنسان يتخيل أن الطبيعة محدودة، وأنه هو الجزء الرئيسي فيها حسب أفكار العامة وأحكامهم المشتقة عن الطبيعة والمعجزات، ويبين سبينوزا هنا أربع نقاط مهمة:

أولاً: لا يحدث شيء في الطبيعة فالطبيعة نظام أزلي لا يتغير:

المبدأ الإلهي يقول: إن ما يشاؤه الله، أو يحدده يتضمن ضرورة أو حقيقة أزلية، وهذا استنتاج من عدم تمييز ذهن الله عن إرادته بمعنى: أن الله وفقاً لطبيعته وكماله يتصور الشيء على ما هو عليه وما يريد على ما هو عليه، ومن هذا نتبين أن الأوامر الإلهية تصدر من الطبيعة الإلهية وكمالها، فلو حدث شيء في الطبيعة يناقض قوانينها العامة يكون هذا الأمر مناقضاً لأمر الله، فلو قلنا إن المعجزة الإلهية تخرق قانون الطبيعة، فإننا نقول إن الله خرق القوانين التي سنها في الكون، ويكون هذا حينها اعترافاً منا بأن الله خلق طبيعة تعمل بقوانين وقواعد عقيمة.

سيقول سبينوزا في هذه النقطة بالتحديد: أن، المعجزة حادثة لا نستطيع أن نتبين علتها على مبدأ الأشياء الطبيعية كما ندرك بالنور الفطري، وأجريت على مستوى فهم العامة، وأن الكتب المقدسة روت الوقائع التي يقال عنها معجزات، ويمكن تعيين علتها بالمبادئ المعروفة للأشياء الطبيعية.

ثانياً: لا نستطيع أن نعرف بالمعجزات ماهية الله أو وجوده، ويمكننا الوصول لذلك عن طريق قانون الطبيعة الثابت:

لا يمكن معرفة ماهية الله أو وجوده أو عنايته عن طريق المعجزات، وعلى العكس من ذلك نستطيع أن ندرك تلك الأمور بطريقة أوضح عن طريق نظام الطبيعة الثابت الذي لا يتغير، وبما أن وجود الله غير معروف بذاته، فمن الواجب استنتاجه من أفكار تبلغ من الرسوخ والثبات حداً لا يمكن معه وجود أو تصور قوة قادرة على تغيرها، ولو وجدت قدرة قادرة على التغير، فمن حقنا أن نشك في استنتاجنا أي في وجود الله، وبذلك لو عرفنا المعجزات على أنها أعمال مناقضة للطبيعة يستحيل أن تكون وسيلة لإثبات وجود الله، وعلى العكس إيماننا بأن الطبيعة تملك نظاماً ثابتاً لا يتغير يجعلنا أكثر يقيناً.

المعجزات سواء أكانت لها علل طبيعية، أم لم تكن، فهي عمل يتجاوز حدود الفهم الإنساني، والحق أن كل ما نعرفه بوضوح وتمييز يجب أن نعرفه بذاته أو بشيء آخر يعرف بذاته، ويفسر سبينوزا المعجزة في الكتاب المقدس بوصفها عملاً في الطبيعة يتجاوز الفهم الإنساني.

ثالثاً: أن الكتاب المقدس لا يعني بأمر الله ومشيئته ولا بالعناية الإلهية، بل يعني نظام الطبيعة ذاته بوصفه نتيجة ضرورية للقوانين الأزلية:

يبين سبينوزا معتمداً على الكتاب المقدس أن أوامر الله ووصاياه ليست في الواقع إلا نظام الطبيعة، فعندما يقول الكتاب المقدس أن هذا الشيء، أو ذاك حدث بالفعل طبقاً لقوانين الطبيعة ونظامها لا لأن الطبيعة قد توقفت قد توقفت عن الفعل بعض الوقت، أو أنها خرجت عن نظامها كما يعتقد العامة، والكتاب لا يخبرنا بذلك بشكل مباشر؛ لأن هدفه ليس تعريفنا بالعلوم والعلل، بل بالإيمان وبث الخشوع في نفوس العامة.

يتحدث الكتاب المقدس عن الله وعن الأشياء بأسلوب غير دقيق؛ لأنه لا يريد إقناع العقل بقدر ما يريد إثارة الخيال وشحذ قدرته على التصور فمثلاً: لو روى الكتاب المقدس سقوط دولة بنفس أسلوب المؤرخين لما حرك ساكناً لدى العامة، على حين أن الأثر يعظم عندما يصف ما حدث بأسلوب شاعري وينسبه إلى الله.

رابعاً: الطريقة التي ينبغي بها تفسير المعجزات وما يجب ملاحظته أساساً على الرواية الخاصة بالمعجزات:

كان العبرانيون في زمن يشوع يعتقدون أن الشمس تتحرك حركة تسمى يومية، في حين تظل الأرض ثابتة، ثم كيفوا تلك الفكرة لمعجزة حدثت في أثناء معركتها ضد الملوك الخمسة، فلم يروا فقط أن النهار قد طال أكثر من المعتاد، بل روى أن الشمس والقمر قد توقفا، أي أن حركتهما قد انقطعت، وبدافع من العقيدة تصوروا الأمر، ورووه على نحو مخالف للحقيقة.

من الضروري أن نعرف الراوي الأول وأول من دون الرواية، ثم نميز بين الأفكار والتصور الحسي الذي كان يمكن أن يَتْكون في الواقع، وإلا فإننا سنخلط بين المعجزة نفسها كما حدثت بالفعل وبين أفكار رواتها وأحكامهم.

المعجزات لا تبدو شيئاً جديداً إلا لجهل الناس بأن الكتاب يعلمنا ذلك صراحة، لكنه لا يقول في أي من نصوصه أن شيئاً ما يحدث في الطبيعة مناقضاً لقوانينها، أو يستحيل استنباطه منها.

الفصل السابع تفسير الكتاب: كل ما يأتي في هذا المقال مستند لشرط سبينوزا في البحث “تفسير الكتاب المقدس بالكتاب المقدس” ولم يلجأ إلى كتاب غيره لذا وجب التنبيه أن كل ما يرد لا يعني أي شيء آخر غير ذلك.

يعترف الجميع بأن الكتاب المقدس كلام الله وأنه يعلم الناس طريق السعادة الروحية والخلاص وفي الواقع لا يحرصون أن يعيشوا وفقاً لتعاليم الكتاب المقدس، واستبدلوا بكلام الله بدعهم الخاصة ويحاولون باسم الدين أن يرغموا الآخرين على أن يفكروا مثلهم، ويقول سبينوزا: اللاهوتيون انشغلوا بالبحث عن وسيلة لاستخلاص بدعهم الخاصة وأحكامهم التعسفية من الكتب المقدسة بتفسيرها قسراً وتبرير تلك البدع والأحكام بالسلطة الإلهية.

إن الطموح الإجرامي هو الذي جعل الدين يدافع عن بدع إنسانية أكثر من طاعة تعاليم الروح القدس، وأن الطموح الإجرامي نشر أقسى أنواع الشقاق والكراهية بين الناس تحت قناع الحماس للدين، بالإضافة إلى احتقار الطبيعة والعقل.

يطالب سبينوزا أن يكون هناك منهج صحيح يتبع في تفسير الكتاب المقدس:

لا يخالف منهج وأحكام الطبيعة، ويتفق معها في جميع جوانبه.

الحصول على معرفة تاريخية مضبوطة، نستخلص منها معطيات مبادئ يقينية.

الكتاب المقدس يتناول موضوعات لا يمكن استنباطها من المبادئ التي نعرفها بالنور الطبيعي، قصص وموضوعات للوحي، معجزات وروايات تقص وقائع غير مألوفة في الطبيعة وكانت تلائم أفهام الرواية الذين قاموا بتدوينها في ذلك الزمن، لذلك يجب أن نستمد المعرفة من الكتاب نفسه أي تفسير الكتاب المقدس بالكتاب المقدس، كما نعرف الطبيعة من الطبيعة نفسها.

شروط الفحص التاريخي للكتاب المقدس:

  1. يجب أن تفهم طبيعة وخلاصة اللغة التي دونت بها أسفار الكتاب المقدس والتي اعتاد مؤلفوها التحدث بها، وبهذه الطريقة يمكننا فحص المعاني بحسب الاستعمال الشائع في زمانها، لا وجب علينا معرفة اللغة العبرية معرفة جيدة.
  2. تجميع آيات كل سفر وتصنيفها تحت موضوعات معينة، كما يجب أن نجمع الآيات والجمل التي تعارض بعضها بعضا.
  3. يجب أن يربط الفحص التاريخي كتب الأنبياء بجميع الملابسات الخاصة التي حفظتها لنا الذاكرة، بمعنى يجب أن نعرف سيرة المؤلف وأخلاقه وأهدافه والمناسبة التي كتب عنها وفي أي وقت ولمن كتبها وبأي لغة، كما يجب أن يقدم هذا الفحص الظروف الخاصة بكل كتاب، كيف جمع؟ ومن جمعه؟ وكم نسخة مختلفة معروفة عن النص؟ ومن الذين قرروا أدراجه في الكتاب المقدس؟

حتى ألا نخلط بين التعاليم الأزلية وتعاليم أخرى لا تصلح إلا لزمان معين ولمجموعة معينة من الناس يجب أن نعرف في أي مناسبة وفي أي زمن ولأي أمة وفي أي عصر كتبت التعاليم،

وبعد الانتهاء من الفحص التاريخي يجب علينا دراسة فكر الأنبياء والروح القدس، ويجب أن نبدأ بالبحث عن أكثر الأشياء شمولاً وعن الأسس والأصول التي يرتكز عليها الكتاب المقدس وعما أوصى به جميع الأنبياء على أنه عقيدة أزلية لها أعظم المنفعة، كوجوب أن الله واحد قادر قدرة مطلقة ويجب عبادته وحده.

الصعوبات التي تواجه المنهج المتبع:

هناك صعوبة كبيرة تنشأ من أن هذا المنهج يتطلب معرفة تامة باللغة العبرية فأين لنا هذا؟ ولم يترك علماء اللغة العبرية القدماء لخلفهم أي شيء بشأن الأسس والمبادئ التي تقوم عليها هذه اللغة.

  1. ينشأ اشتباه النص وغموضه في التوراة عن استبدال الحروف التي ينطق بها نفس العضو ببعضها البعض، حيث يقسم العبرانيون الحروف لخمس مجموعات طبقاً لأعضاء الفم: الشفتين، اللسان، الأسنان، الحلق، والحنجرة، مثلاً: تستعمل (ال) التي تعني (إلى) بدلاً من (عل) التي تعني (على) وبذلك يحث في الكثير من الأحيان أن تصبح جميع أجزاء النص متشابهة او أصواتاً بلا معنى.
  2. تعدد المعاني لحروف العطف والظروف، مثلاً: تستعمل (الواو) على السواء في الربط والتمييز فتعني (و) (لكن) (لأن) (مع أن) (إذا) (عندما).
  3. المتشابهات، وهو أ، الأفعال ليس لها من الطبيعة الإخبارية مضارع أو ماضي مستمر أو ماضي أتم أو مستقبل ماضي سابق وأزمنة أخرى تستعمل بكثرة في اللغات الأخرى.

أسباب أخرى:

  1. العبرانيون ليس لديهم حروف تعادل الحروف المتحركة.
  2. العبرانيون لم يتعودوا أن يقسموا كلمهم المكتوب أو أن يبرزوا المعنى بصورة، أي تأكيد بعلامات.

يقول سبينوزا: هناك صعوبة أخرى في هذا المنهج تأتي من أنه يتطلب المعرفة التاريخية لكل أسفار الكتاب وهي معرفة لا تتوافر لدينا في معظم الأحيان والواقع أننا نجهل تماماً مؤلفي كثير من الأسفار أو نجهل من كتبها، ومن ناحية أخرى لا ندري في أي مناسبة ولا في أي زمن كتبت، ولا نعلم في أيدي من وقعت ومن جاء بالمخطوطات الأصلية التي وجد لها عدد من النسخ المتباينة ولا نعلم إن كانت هناك نسخ أخرى من مخطوطات من مصادر أخرى لم نطلع عليها.

هناك صعوبة أخيرة وهي أننا لا نملك هذه الأسفار في لغتها الأصلية أي لغة كاتبها، مثلاً: هناك تساؤل عن اللغة التي كتب بها سفر أيوب، ابن عزرا يؤكد أنه قد ترجم إلى العبرية من لغة أخرى وأن هذا هو سبب غموض السفر، يقول سبينوزا: أنا أعد هذه الصعوبات من الخطورة بحيث لا أتردد في القول بأننا لا نعرف معاني كثيرة من الكتاب أو نجملها دون يقين.

نقض أفكار ابن ميمون في التفسير:

  1. يفترض ابن ميمون أن الأنبياء متفقون فيما بينهم على جميع الموضوعات، وأنهم جميعاً فلاسفة كبار ولاهوتيين عظام، وأنهم عرفوا الحقيقة، ويبن سبينوزا خطأ فرضية ابن ميمون في هذا الجانب باختلاف آراء وتصورات الأنبياء كما بين في الفصل الثاني من هذا الكتاب.
  2. يفترض ابن ميمون بأنه لا يمكن البرهنة على معنى الكتاب بالكتاب نفسه، وقد بين سبينوزا في هذا الفصل خطأ فرضية ابن ميمون في هذا الجانب.
  3. يفترض ابن ميمون أنه يحق لنا تفسير الكتاب وتأويله بطريقة متعسفة لآرائنا المسبقة ورفض المعنى الحرفي عمداً واستبداله بمعاني أخرى، حتى لو كان المعنى الحرفي أوضح المعاني أو أقربها إلى الذهن، يقول سبينوزا: نحن لا يمكننا أن نعرف بالعقل ما لا يمكننا البرهنة عليه وهو النور الأعظم من الكتاب كما لا نستطيع شرحه بالطريقة التعسفية لابن ميمون، لكننا نستطيع شرحه بمنهجنا بالاستدلالات والأمثلة.

الفصل الثامن: وفيه تتم البرهنة على أن الأسفار الخمسة وأسفار يشوع والقضاة وراعوث وصموائيل والملوك ليست صحيحة، ثم نبحث إن كان لهذه الأسفار مؤلفون كثيرون أم مؤلف واحد.

الدليل أن موسى لم يكتب الأسفار الخمسة وأنها كتبت بعده بزمن طويل:

  1. إن موسى لم يكتب مقدمة سفر التثنية لأنه لم يعبر نهر الأردن.
  2. نُقش سفر موسى بوضوح تام على حافة مذبح واحد وهذا مخالف لما قاله يشوع أن سفر موسى يتكون من اثني عشر حجراً بعدد الأحبار مما يعني أن سفر موسى أقل بكثير من الأسفار الخمسة.
  3. يذكر في التوراة (وقد كتب موسى هذه التوراة) ويستحيل أن يكون موسى قال ذلك، بل لا بد أن يكون كاتبها آخر يروي أقوال موسى وأفعاله.
  4. يذكر هذا النص من التكوين وفيه يقص الراوي رحلة إبراهيم في بلاد الكنعانيين ويضيف والكنعانيون والكنعاني وقتئذ في الأرض) فلا بد أن هذه الكلمات كتبت بعد موت موسى وبعد أن طرد الكنعانيون.
  5. يذكر في التكوين أن جبل موريا سمي جبل الله ولم يحمل هذا الاسم إلا بعد الشروع في بناء المعبد وهذا الوقت متأخر عن موسى في الزمن.

ملاحظات على فكر ابن عزار:

  1. لا يتحدث الكتاب المقدس عن موسى بضمير الغائب فحسب وإنما يعطي عنه شهادات عديدة.
  2. إن الرواية لا تقص فقط موت موسى ودفنه وحزن الأيام الثلاثين للعبرانيين بل تروي أيضاً أنه فاق جميع الأنبياء.
  3. بعض الأماكن لم تطلق عليها الأسماء التي عرفت بها في زمن موسى، بل أطلقت عليها أسماء عرفت بعد موته بزمن طويل.

الفصل التاسع: أبحاث أخرى حول الأسفار نفسها، هل عزرا هو آخر من صاغها؟ وهل التعليقات الهامشية الموجودة في المخطوطات العبرية قراءات مختلفة؟

يقول سبينوزا أن عزرا هو المؤلف الحقيقي للأسفار إذا لم يثبت له أحد ببرهان أكثر يقيناً مما وجده أن هناك مؤلفاً آخر، وأنه جمع روايات موجودة عند كتاب متعددين وفي بعض الأحيان يقتصر على نسخها دون فحصها وترتيبها.

إن سليمان بنى المعبد بعد الخروج من مصر بأربعمائة وثمانين عاماً، وبعد مطابقة الروايات بالمراحل الزمنية نجد عدداً أكبر بكثير من السنين يصل إلى خمسمائة وثمانين عاماً.

يقر المفسرون بأن الله حفظ التوراة من أي نوع من التحريف أما اختلاف القراءات فهو في نظرهم علامة على أسرار في غاية العمق ويناقشون بشأن النجوم الثمانية والعشرين الموجودة وسط أحد الفقرات في الكتاب المقدس وتبدوا لهم أشكال الحروف ذاتها وكأنها تحوي أسرار كبيرة، ويقول سبينوزا: لست أدري إن كان ذلك ناجم عن اختلال في العقل وعن نوع من تقوى العجائز المخرفين أم أنهم قالوا ذلك بدافع الغرور والخبث حتى نعتقد أنهم وحدهم الأمناء على أسرار الله، أني لم أجد أي شيء عليه سيماء السر في كتبهم، وقد قرأت بعض القبالين وعرفت ترهاتهم.

لم يوجد ابداً أكثر من صياغتين للنص الواحد وذلك لسببين:

  1. لا يسمح مصدر تغيير النص بوجود أكثر من صياغتين لأنهما ينشآن في الغالب من تشابه الحروف، وإذا فقد كان الشك ينصب دائماً على أي الحرفين المستعملين دائماً يجب أن يكتب كحرف الباء أم الكاف.
  2. يعتقد سبينوزا أن النساخ لم يكن لديهم إلى عدد قليل من الأصول وربما لم يوجد لديهم إلا أصلان أو ثلاثة.

الفصل العاشر: فحص باقي أسفار العهد القديم بالطريقة نفسها.

في البداية لا يقول سبينوزا شيئاً عن سفري الأخبار إلا أنها كتبت بعد عزرا بمدة طويلة أو أنها كتبت بعد أن أعاد يهوداس المكابي بناء المعبد، ولا يعرف لها مؤلفون ولا السلطة التي يجب الاعتراف بها لها، ولا عن فائدتها أو العقيدة التي تعرضها، بل إنه يتعجب من أنها دخلت ضمن الكتاب المقدس في حين أخرج سفر الحكمة من الكتب المنتقاة.

جمعت المزامير وقسمت لخمسة أسفار بعد إعادة بناء المعبد ويقول فيلون اليهودي: أن المزمور 88 كتب وما زال الملك يواكين في السجن في بابل، وكتب المزمور 89 بعد إطلاق سراحه، ويقول سبينوزا: من المؤسف أن الأشياء المقدسة والأفضل من بينها، كانت متوقفة على اختيار أناس كهؤلاء، بهذا يشكك سبينوزا في نزاهة الرواة الناقلين والكتاب ورغم تشككه يشكرهم على أنهم نقلوا الأسفار لكنه يعود ويتساءل عما إذا كانوا نقلوها بالأمانة والنزاهة اللازمين.

يقول سبينوزا: عندما أفحص أسفار الأنبياء أجد أن النبوات التي جمعت فيها قد أُخذت من كتب أخرى ورتبت ترتيباً معيناً لم يكن دائماً هو الترتيب الذي سار عليه الأنبياء في أقوالهم أو في كتاباتهم، كما أن هذه الأسفار لا تتضمن جميع النبوات، بل ما أمكن العثور عليه من هنا وهناك، وإذاً فليست هذه الأسفار إلا شذرات من الأنبياء.

ملاحظات سبينوزا:

  1. يظهر بوضوح أنه لم تكن هناك مجموعة مقننة من الكتب المقدسة قبل عصر المكابين.
  2. الكتب المقننة الموجودة الآن أختارها فريسيو المعبد الثاني من بين كثير غيرها وذلك بقرار منهم وحسب.
  3. الفريسيون هم أيضاً واضعوا صيغة الصلاة.
  4. يشترط سبينوزا أنه يجب إثبات المصدر الإلهي لكل الأسفار ولا يجوز أن نثبت إلهية سفر واحد ونستنتج المصدر الإلهي للأسفار كلها.

أسباب أن سبينوزا نسب الكتب المقننة الموجودة للفريسين:

  1. نبوءة سفر دانيال الإصحاح الأخير الآية 2 ببعث الموتى، وهو البعث الذي أنكره الصدوقيون.
  2. ما أشار إليه الفريسيون أنفسهم في التلمود في رسالة السبت (قال الحبر: يهوذا ربي، أراد الأذكياء إخفاء سفر الجامعة لأن أقوالهم مناقضة لأقوال الشريعة “أي سفر شريعة موسى” ولكن لماذا لم يخفوه؟ لأنه يبدأ طبقاً للشريعة وينتهي طبقاً للشريعة) ويقول بعد ذلك بقليل: (وأرادوا أيضاً إخفاء سفر الأمثال).
  3. في رسالة السبت (كان هذا الرجل نيخونيا بن حزقيا مشهوراً بحرصه وعنايته، إذ لولاه لاختفى سفر حزقيا لأن أقواله تناقض أقوال الشريعة.

الفصل الحادي عشر: مبحث فيما إذا كان الحواريون قد كتبوا رسائلهم بوصفهم حواريين وأنبياء أم بوصفهم معلمين، ثم في دور الحواريين.

  1. الطريقة التي نقل بها الحواريون عقيدة الإنجيل تختلف اختلافاً كبيراً عن طريقة الأنبياء، فالحواريون يستعملون الاستدلال في كل الأحيان، حتى لا يبدوا أنهم يتنبؤون، بل يجادلون، وعلى العكس، لا تحتوي النبوات إلا على عقائد وأوامر، لأن الله نفسه الذي يتحدث.
  2. سلطة النبي لا تتلاءم مع الاستدلال فمن يريد إثبات العقائد التي يعتنقها بالاستدلال، يخضعها بذلك لحكم كل فرد، ويبدوا أن هذا ما يفعله بولس لأنه يستدل.
  3. الرسل يبلغوننا في الأمور الموحى بها، لا الأمور التي يمكننا إدراكها بالنور الطبيعي، أي بالاستدلال.

هكذا فإن طرق حديث الحوارين وأسلوبهم في المناقشة يدل وبوضوح تام أن الكتابات لم تصدر عن وحي وتفويض إلهي، بل هي أحكام شخصية وطبيعة لمؤلفيها، ولا تتضمن غير نصائح أخوية مقترنة بتعبيرات مجاملة مهذبة، كما تشير بعض النصوص على أن الحوارين اختاروا بأنفسهم ومحض إرادتهم الأماكن التي يبشرون فيها، وبهذا يستنتج سبينوزا: أن الحواريين قد قاموا بالتبشير بوصفهم معلمين لا بوصفهم أنبياء.

الفصل الثاني عشر: في الميثاق الحقيقي للشريعة الإلهية وفي سبب تسمية الكتاب مقدساً ووصفه بأنه كلام الله، وفي أن الكتاب بقدر ما يتضمن كلام الله، قد وصل إلينا دون تحريف.

يقول سبينوزا: أن نصوص الأنبياء والحوريين تشهد بأن كلام الله الأبدي وعهده والدين الحق مسطور على نحو إلهي في قلب الإنسان أي في الفكر الإنساني، وهذا هو العهد الحقيقي الذي طبعه الله بخاتمه في فكر الإنسان، ويتوقع أن ينتقد لقوله إن كلام الله محرف ومزيف ومنقوص من قبل الذي يجزمون بأن التوراة كما هي لم تتغير ولم تحرف.

يطلق اسم (مقدس وإلهي) على كل ما يؤدي إلى التقوى والدين ولا يضل الشيء مقدساً إلا إذا استمر الناس في استخدامه بشكل ديني فإذا لم يعد البشر أتقياء ضاعت قدسية ما كان مقدساً من قبل، ولا يكون الكتاب مقدساً ولا تكون نصوصه إلهية إلا بقد ما يحض الناس على التقوى، فإن تخلوا كلياً عن التقوى، كما تخلى عنها اليهود من قبل أصبح حبراً على ورق أو ضاعت قدسيته وأصبح معرضاً للضياع والتحريف.

يستشهد سبينوزا بقصة موسى: (عندما حطم الألواح الأولى للتوراة لم يقذف كلام الله مطلقاً ولم يحطمه بيده غضباً، بل إن ما قذفه لم يكن إلا حجراً، أعني أحجاراً كانت مقدسة من قبل، لأن العهد الذي قطعه اليهود على أنفسهم، كان مكتوباً عليها، ولكن بعد أن عبد اليهود العجل ومن ثم نقضوا عهد الله، أصبحت هذه الأحجار خلوا من كل قدسية، ولنفس السبب ضاعت الأحجار الثانية من التابوت، ولنفس السبب ضاعت مخطوطات موسى الأصلية).

أسباب تسمية الكتاب كلام الله:

  1. لأنه يعلم الدين الصحيح الذي وضعه الله أزلياً.
  2. لأنه يتنبأ في صورة روايات بالمستقبل بقد ما قضى به الأمر الإلهي.
  3. لأن مؤلفيه الحقيقيين يدعون إلى ما وصلوا إليه بنور خاص بهم لا بالنور الفطري وجعلوا الله نفسه هو الذي يتحدث.

أسباب ضياع الأسفار وتحريفها:

  1. لم تُدون أسفار العهد القديم والجديد بتفويض خاص في عصر واحد، يسري على كل الأزمان.
  2. تختلف معرفة الكتاب وفكر الأنبياء عن فهم فكر الله أي الحقيقة.
  3. تم اختيار أسفار العهد القديم من بين أسفار كثيرة أخرى ثم جمعت وأقرها مجلس الفريسين، وكذلك قبلت أسفار العهد الجديد ضمن المجموعة المقننة بقرار بعض المجالس الكنسية التي رفضت أسفاراً أخرى بوصفها منعدمة القيمة.
  4. لم يكتب الحواريون بوصفهم أنبياء، بل بوصفهم فقهاء لذا اختاروا أسهل الطرق وتحدثوا لتلاميذهم في أمور كثيرة يمكن الاستغناء عنها.
  5. هناك أربعة أناجيل في العهد القديم ومن منا يستطيع أن يعتقد أن الله أراد أن يقص سيرة المسيح وأن يبلغه للبشر أربع مرات.

الفصل الثالث عشر: وفيه نبين أن الكتاب لا يحتوي إلا على تعاليم يسيرة للغاية ولا يحث إلا على الطاعة، وتقتصر عقيدته في الطبيعة الإلهية على ما يمكن اتخاذه قاعدة عملية في حياة الناس اليومية.

الحواريون عرضوا عقيدة الإنجيل في الكنائس جعل الكتاب مجموعة من الحقائق اليسيرة للغاية تدركها أكثر الذهان خمولاً، ولم يكن ما عرضوه مجموعة من التأملات والنظريات الفلسفية، ويعرب سبينوزا عن دهشته من الذين يرون في الكتاب أسرار بلغت في العمق حداً لا يمكن معه شرحها بأي لغة، والذين أقحموا في الدين من التأملات الفلسفية ما جعل الكنيسة تتحول إلى أكاديمية.

  • المعرفة العقلية أي المعرفة الصحيحة لله ليست كالطاعة هبة لكل المؤمنين.
  • المعرفة الوحيدة التي طلبها الله من كل الناس بلا استثناء على لسان الأنبياء والتي لا يمك إعفاء أحد منها هي معرفة العدالة الإلهية والإحسان الإلهي.
  • العبرانيون القدماء لم يعرفوا أية صفة لله تدل على ماهيته المطلقة، ولم يعرفوا إلا آثاره ووعوده، أي أنهم عرفوا مظاهر القدرة الإلهية من خلال الأشياء الحسية.
  • لا يمكن لأي أمر أن يجبر الناس على معرفة صفات الله وأن هذه المعرفة هبة خاصة لعدد قليل من المؤمنين.
  • إن النساء والرجال والأطفال لديهم نفس القدرة على إطاعة الأمر، ولكن ليس على ممارسة الحكمة.

الفصل الرابع عشر: ما هو الإيمان؟ وأي الناس هم المؤمنون؟ تحديد أركان الإيمان، وأخيراً الفصل بين الإيمان والفلسفة.

يعرف سبينوزا الإيمان بأنه: الإيمان هو أن ننسب إلى الله بالفكر خصائص يؤدي الجهل بها إلى ضياع الطاعة، على حين أن وجود الطاعة يستتبع وجود هذه الخصائص بالضرورة:

  1. يجلب الإيمان الخلاص لا بنفسه، بل لأنه يتضمن الخضوع.
  2. إذا وجدت الطاعة وجد الإيمان، الإنسان المطيع حقاً ه صاحب الإيمان الحق، الإيمان الذي يكون الخلاص ثمرة له.
  3. لا يكون الحكم على أحد أنه مؤمن أو غير مؤمن إلا بأعماله.

أركان الإيمان بحسب الكتاب المقدس كما يراها سبينوزا:

  1. يوجد إله، أي موجود أسمى، خير ورحيم على نحو مطلق.
  2. الله واحد لا شريك له، وهو أمر لا يشك أحد أنه ضروري ضرورة مطلقة، لكي يكون موضوعاً أسمى للخشوع والإجلال والمحبة.
  3. الله حاضر في كل مكان ويرى كل شيء.
  4. لله الحق والقدرة المطلقة على كل شيء، وهو لا يجبر على أفعاله، بل يفعل ما يشاء بمشيئة مطلقة وبفضل يتفرد به.
  5. عبادة الله وطاعته لا تكون إلا في العدل والإحسان، أي في حب الجار.
  6. لا يتم الخلاص إلا لمن يبقون هذه القاعدة في الحياة، أي لمن يطيعون الله.
  7. يغفر الله للتائبين خطاياهم، وكل بني آدم خطاؤون، وهذا سبب للرحمة الإلهية.

الفرق بين الإيمان والفلسفة:

لا توجد أي صلة أو قرابة بين الإيمان والفلسفة، وهما متعارضان أشد التعارض، فغاية الفلسفة هي الحق وحده، وغاية الإيمان هي الطاعة والتقوى، الأسس التي تقوم عليها الفلسفة هي الأفكار المشتركة وهذا يجب أن نستخلصه من الطبيعة وحدها، أسس الإيمان هي التاريخ وفقه اللغة، وهي أسس يجب أن تستمد من الكتاب والوحي وحدهما.

فصل الخامس عشر: وفيه نبين أن اللاهوت ليس خادماً للعقل وأن العقل ليس خادماً للاهوت، السبب الذي يدفعنا إلى التسليم بسلطة الكتاب المقدس.

هل يجب إخضاع الكتاب للعقل؟ أم إخضاع العقل للكتاب؟ الموقف الأخير موقف الشكاك الذين ينكرون دور العقل، والأول موقف القطعيين، وفي نظر سبينوزا أن النظريتين مخطئة أشد الخطأ، ففي كلتا الحالتين يصبح الكتاب فاسداً، وقد بين سبينوزا أن الكتاب المقدس لا يُعلم الفلسفة، بل يدعو إلى التقوى وحدها.

يقول سبينوزا: بما أن الأنبياء قد أوصلوا الحقيقة بالإحسان والعدل وفضلوها على كل شيء آخر، يحق لنا أن نؤمن بأنهم لم يريدوا خداعنا عمداً، بل كانوا يتحدثون بإخلاص عندما دعوا إلى أن السعاة الروحية للبشر إنما تكون في الطاعة والإيمان، ولما كانوا قد أيدوا دعواتهم هذه بالآيات، فإن هذا كفيل بإقناعنا أنهم كانوا جادين في حديثهم وأنهم لم يكونوا يهذون وهم يتنبؤون، ويزيدنا قناعة أن تعاليمهم الخلقية متفقة مع العقل، إذ إن الاتفاق التام بين كلام الله الذي أعطاه للأنبياء وكلامه الذي يوجد في أعماق سرائرنا، أمر له أهميته القصوى، وبذلك تكون المعتقدات التي نستخلصها الآن من الكتاب مماثلة ليقيننا لتلك التي استخلصها اليهود من قبل من الكلام الذي سمعوه من النبي بالفعل.

الفصل السادس عشر: وفيه نبين أن اللاهوت ليس خادماً للعقل وأن العقل ليس خادماً للاهوت، السبب الذي يدفعنا إلى التسليم بسلطة الكتاب المقدس.

معالجة الأسس التي تقوم عليها الدولة، ونتساءل ما الحق الطبيعي لكل إنسان؟ بغض النظر عن الدين والدولة، الحق الطبيعي، والتنظيم الطبيعي، القواعد التي تتميز بها طبيعة كل فرد، وهي القواعد التي ندرك بها أن كل موجود يتحدد وجوده وسلوكه حتمياً على نحو معين.

الحق الطبيعي: لكل موجود حق طبيعي، حق مطلق على ما يقع تحت قدرته، وبناءً على ذلك يكون لكل موجود حق مطلق في البقاء على وضعه.

 التنظيم الطبيعي: نلحظ أن الناس يعيشون في شقاء عظيم إن لم يتعاونوا يظلون عبيداً لضروريات الحياة إن لم ينموا عقولهم، ولكي يعيش الناس في أمان وعلى أفضل نحو ممكن، كان لزاماً عليهم أن يسعوا للتوحد في نظام واحد، وأن يتفقوا عن طرق تنظيم حاسم، على إخضاع كل شيء لتوجيهات العقل وحده، وعلى كبح جماح الشهوة بقدر ما تسبب أضراراً للآخرين، وعلى معاملة الناس على مثل ما يحبون أن يعاملوا به، والمحافظة على حق الآخرين كما لو كانوا يحافظون على حقوقهم.

يضع سبينوزا شرطاً لتكوين مجتمع إنساني: هو أنه يجب على كل فرد أن يفوض للمجتمع ما له من قدرة بحيث يكون للمجتمع الحق الطبيعي المطلق على كل شيء، أي السلطة المطلقة في إعطاء الأوامر التي يتعين على كل فرد أن يطيعها إما بمحض اختياره وإما خوفاً من العقاب.

تعريف الديمقراطية عند سبينوزا: هي اتحاد الناس في جماعة لها حق مطلق على كل ما في قدرتها ويترتب على ذلك: أن الحاكم لا يلتزم بأي قانون وعلى الجميع طاعته لأنهم فوضوا له بموجب عقد صريح أو ضمني كل قدرة كانت لديهم على المحافظة على أنفسهم، وللناس حق تفويض غيره في حال تجاوز سلطته.

الفرق بين العبد والابن والمواطن:

  1. العبد هو من يضطر للخضوع للأوامر التي تحقق مصلحة سيده.
  2. الابن هو من ينفذ بناءً على أوامر والديه أفعالاً تحقق مصلحته الخاصة.
  3. المواطن هو من ينفذ بناءً على أوامر الحاكم أفعال تحقق المصلحة العامة وبالتالي مصلحته الشخصية.

أما العدل: هو استعداد دائم للفرد أن يعطي كل ذي حق ما يستحقه طبقاً للقانون المدنيين الظلم: أن يسلب شخص متذرعاً بالقانون ما يستحقه شخص آخر طبقاً للتفسير الصحيح للقانون.

أما الحلفاء: فهما شعبا أمتان، مختلفتان تتفقان تعاقدياً فيما بينهما على ألا يضر أحدهما الآخر تجنباً لأخطار الحرب أو لأي سبب آخر، وأن يعين أحدهما الآخر وقت الحاجة، وتظل كل أمة منهما أمة مستقلة، ويسري التعاقد طالما وجد السبب (احتمال الخطر أو المصلحة المرجوة)، إذ إن لا أحد يعقد اتفاقاً أو يلتزم بالوفاء بتعهد إلى طمعاً في مغنم أو خوفاً من ضرر.

أما العدو: هو الذي يعيش خارج أمة معينة ولا يعترف بسلطتها بوصفه حليفاً لها، أو أحد رعاياها، ولا تنشأ العداوة من الشعور بالكراهية، بل من وضع قانون الدولة ضده.

أما جريمة الطعن في السيادة: لا يقترفها إلى الرعاية أو المواطنين الذين فوضوا كل حقوقهم إلى الدولة بناءً على عقد ضمني أو صريح، وتقع هذه الجريمة حينما يحاول أحد أفراد الرعية سلب السلطة العليا حقها أو نقلها لشخص آخر، أياً كان سبب محاولة ارتكاب الجريمة فهناك طعن في السيادة، ويقع المذنب تحت طائلة القانون.

الفصل السابع عشر: وفيه نبين أن أحداً لا يستطيع تفويض كل ما يملك إلى السلطة العليا، وأن هذا التفويض ليس ضرورياً، دولة العبرانيين وكيف كانت في حياة موسى وبعد موته، مزايا هذه الدولة وأسباب انهيار الدولة الإلهية بعد أن شاعت فيها الفتن.

لا يستطيع أي فرد أن يتخلى عن قدرته وحقه لفرد آخر، إلى الحد الذي يلغي فيه وجوده كإنسان، ولا تملك أي سلطة عليا أن تملك من القوة ما يسمح لها بفعل كل ما تريد فمثلاً لن تطاع إذا أمرت أحد أفراد الرعية أن يكره من يحب أو يحب من يسيء إليه، أو ألا يحاول التحرر من الخوف التي تتبع قوانين الطبيعة البشرية.

الفرد يحتفظ لنفسه بقد كبير من حقه، وبالتالي لا يعود رهينة بمشيئة الآخر، بل بمشيئته، فإذا أردنا أن ندرك إلى أي حد تمتد سلطة الدولة العليا، يجب أن نلحظ أن سلطتها لا تقتصر على استعمال القهر المرتكز على التخويف وحسب، بل تشمل كافة الوسائل التي تحمل الناس على طاعة أوامرها، فليس ما يميز الرعية هو الباعث على الطاعة، بل هو الطاعة ذاتها.

يعتمد قيام الدولة على:

  1. على ولاء الرعية وفضيلتهم ومثابرتهم على تنفيذ الأوامر، كما يشهد العقل والتجربة بوضوح تام.
  2. تعمل الدولة على ما من شأنه تجنب الشرور البشرية.
  3. إقامة سلطة تكفل القضاء على الخداع.
  4. وأن تقيم في كل مجال من الأنظمة ما يجعل الجميع يضعون المصلحة العامة فوق مصالحهم الخاصة.

دولة العبرانيين كيف كانت:

اتباعاً لنصائح موسى الذي كان لديهم أعظم قدرة من الثقة فيه، قرر العبرانيون الخروج من الحالة الطبيعية التي وجدوا أنفسهم فيها، وتفويض كل حقوقهم لله وحده، وهكذا وعدوا الله أن ينفذوا أوامره، وألا يترفوا بأي قانون لم يقرره الله نفسه بوحي نبوي، لذا يعتقد العبرانيون بأنهم يحتاجون دائماً في بقائهم إلى عناية القدرة الإلهية، ومنذ ذلك الحين أصبحت سلطة الحاكم عند العبرانيين لله وحده، وأصبحت الدولة بفضل هذا العهد تستحق اسم مملكة الله، وكما أصبه الله يسمى بحق بملك العبرانيين، وبالتالي كان أعداء هذه الدولة أعداء الله، ومن أراد اغتصاب السلطة أصبح مداناً بجريمة الطعن في سلطة الله العلية، وفي هذه الدولة يتلخص القانون المدني والدين في طاعة الله.

القواعد التي اتبعت في إدارة الدولة:

  1. إن العبرانيين لم يخولوا حقهم لشخص آخر، تخلوا عنه طواعية كما هو الحال في النظام الديمقراطي، وصاحوا بصوت واحد: سنفعل كل ما يطلبه الله منا، وبناءً على هذا العهد ظل الجميع متساويين تماماً.
  2. فوض العبرانيون إلى موسى كلية حقوقهم في التشاور مع الله وتفسير أوامره، وكان هو وحده القاضي الأعظم الذي لا يحكم عليه أحد.

منهجية إدارة شؤون الدول:

أمر موسى الشعب ببناء مسكن كان بمثابة بلاط الله، وهو السلطة العليا لهذه الدولة، ويتحمل الشعب كله التكاليف المالية للبناء حتى يكون المسكن الذي يتم فيه التماس المشورة ملكاً للجميع، وقد اختير اللاويين لخدمة البلاط الإلهي، واختير هارون أخو موسى ليكن رئيساً لهم.

أمر موسى بالخدمة العسكرية من سن العشرين إلى سن الستين، على أن يتكون الجيش من المواطنين فقط، ثم يقسم الجيش يمين الولاء للدين (أي الله) وبذلك سمي جيش الله، وكتائبه كتائب الله، كما سم الله عند العبرانيين إله الجيش، ولهذا السبب كان تابوت العهد ينصر وسط الجند في المعارك.

تكون جيش من الأسباط الإثني عشر الآخرين، وصدر لهم الأمر بغزو بلاد الكنعانيين، وقسمت الأرض التي تم الاستيلاء عليها إلى اثني عشر قسماً بالتساوي.

عين موسى نقباء للأسباط حتى يتفرغ كل واحد منهم بعد التقسيم لتنظيم شؤون نصيبه، أي ليضطلع بمهمة استشارة الله في شؤون سبطه على لسان كعب الأحبار، وقيادة جيشه، وتأسيس المدن وتحصينها، وتعين القضاة فيها، ومحاربة عدو دولته الخاصة، وتنظيم شؤون الحرب والسلم بوجه عام، إذا لم يقوم سبط بواجباته نحو الله كان على باقي الأسباط ألا تعامله على أنه من ضمن الرعايا، بل عليهم محاربته وكأنه عدو نقض عهداً ألتزم به.

في عهد يوشع بن نون كان لا بد له من الاستعانة بوساطة كعب الأحبار الذي يسمع وحده ردود الله، ثم يصدر يشوع الأوامر المبلغة إليه من الحبر، ويدفع الناس إلى تنفيذها.

الحكم للسلطة الإلهية للأسباب التالية:

  1. كان المعبد هو المقر الملكي للدولة، كان جميع أفراد الأسباط مواطنين في دولة واحدة.
  2. كان على جميع المواطنين أن يقسموا يمين الولاء لله حاكمهم الأعظم الذي وعدوه وحده بالطاعة.
  3. الله وحده هو الذي يختار عند الحاجة قائداً أعلى.

الدوافع القوية لعدد من الجرائم التي يرتكبها الأمراء لم يكن قائماً عند العبرانيين للأسباب التالية:

  1. لأن حق تفسير الشريعة متروكاً بأسره للاويين وحدهم، وهم لا يحق لهم أن يشاركوا في أي تنظيم سياسي، ولم يكن لهم حق الملكية.
  2. كان على الشعب كله، تطبيقاً لأوامر الله، أن يجتمع مرة كل سبع سنوات في مكان محدد لكي يتلقى من الحبر معلومات عن الشريعة.
  3. تكليف جميع المواطنين بالخدمة العسكرية وحظر استقدام النقباء للمرتزقة من الخارج.
  4. لم يكن نقيب السبط يفضل مواطنيه في النبل والعظمة أو أي حق موروث، بل كان يُعد بحكم الدولة نظراً لفضيلة الشخص وسنه وحدهما.
  5. النقباء والجند لم يكونوا يفضلوا الحرب على السلم، فالجيش مكون من المواطنين وحدهم، وهو الذين يتولون أمور الحرب والسلم، فمن كان جندياً وقت الحرب كان مواطناً عادياً وقت السلم.

الكيفية التي تم بها ضبط انفعالات الشعب:

  1. بعد أن فوضوا حقهم إلى الله اعتقدوا أن مملكتهم مملكة الله وأنهم أبناء الله والشعوب الأخرى أعداء الله، ولهذا السب كانوا يكنون لهذه الشعوب كراهية شديدة.
  2. لم يكن هناك أشنع أو أبغض من خيانة الوطن.
  3. الإقامة في أرض أجنبية يعتبر عاراً، بحيث لا يسمح لهم بإقامة شعائرهم الدينية.
  4. أرض الوطن مقدسة وأي أرض غيرها دنسة لا قدسية لها.

سبب انهيار دولة العبرانيين:

  1. عصيانهم لله بعبادتهم للعجل.
  2. أصبحت القوانين تبدو أقرب إلى العقاب والتعذيب منها إلى القوانين الفعلية.
  3. تمييز اللاويين على غيرهم بأن من حقهم وحدهم دخول المعبد، وكانوا ينتهزون كل فرصة ليشعروا العبرانيين بعارهم.
  4. أدت التغيرات الكبيرة والإباحية المطلقة والترف والإهمال إلى انهيار عام في الدولة.
  5. طلبوا تعين ملكاً عليهم بحيث لا تكون للمعبد السلطة العليا.
  6. الملوك الأوائل كانوا راضين بما وصلوا عليه لكن الأبناء الذين حصلوا على السلطة بالوراثة عمدوا إلى إحداث تغيرات حتى يضعوا سلطة الدولة كاملة تحت أيديهم.

الفصل الثامن عشر: استنتاج بعض النظريات السياسية من دولة العبرانيين وتاريخها.

لو أراد بعض الناس تفويض حقهم للهن وجب عليهم عقد ميثاق صريح مع الله كما فعل العبرانيون من قبل، لا تكفي إرادة التفويض الجماعي للحق، بل لا بد من إرادة الله الذي يفوض له هذا الحق، على أن الله قد أوحى للحوارين أن حلفه لن يكون بالمداد أو على الحجر ، بل بروح الله في القلوب.

لا يلائم نظام الحكم الثيوقراطي الديني إلا شعباً معزولاً يريد أن يعيش دون علاقات مع الخارج مغلقاً على نفسه داخل حدوده، ومنفصلاً تماماً عن باقي العالم، لذلك لا ينطبق هذا النظام إلى على نطاق محدود للغاية ومع ذلك فإنه لا يصلح أنموذجاً في عصرنا الحالي، ولكنه يقدم بعض السمات التي يجدر ذكرها:

  1. لم تنشأ الفرق الدينية إلا في عصر متأخر عندما أصبح للأحبار في الدولة الثانية سلطة إصدار القرارات وتصريف شؤون الدولة، اغتصبوا لأنفسهم حق النقيب وأرادوا أن ينصبوا أنفسهم ملوكاً.
  2. الأنبياء وهم مجرد رعايا عاديين دفعوا الناس إلى التطرف أكثر مما دفعوهم للإصلاح نتيجة الحرية التي استباحوها لأنفسهم في التعرض للناس وفي سبهم ولومهم، على حين استخدم الملوك السلطة العادية على أن يحملوا الناس للتسليم دون مقاومة.
  3. طوال فترة حكم الشعب لم تنشب إلى حرب أهلية واحدة، وانتهت دون أحقاد، لكن عندما تغير النظام إلى ملكي توالت الحروب الأهلية دون توقف.

الدين والدولة:

  1. من الخطورة على الدين وعلى الدولة إعطاء من يقومون بشؤون الدين الحق في إصدار القرارات، أو التدخل في الشؤون العامة للدولة، ويجب أن تقتصر سلطة رجل الدين في الإجابة على الاستفسارات الدينية.
  2. من الصعوبة أن نجعل القانون الإلهي معتمداً على المذاهب التي تقوم على النظر البحت، وأن نضع القوانين على أساس من الآراء التي هي على الأقل موضع خلاف دائم بين الناس.
  3. من الضروري الاعتراف للسلطة العليا بالحق في تقرير ما هو شرعي وما هو غير شرعي، وذلك تحقيقاً لمصلحة الدين والدولة على السواء.
  4. شعباً لم يتعود أن يعيش في ظل حكم ملكي، يسوء حاله لو نصب عليه ملكاً، فمن ناحية لا يستطيع الشعب تحمل سلطة ملكية قوية، ومن ناحية أخرى لن تسمح السلطة الملكية بأن يكون هناك تشريع آخر، وشرعته سلطة أقل منها شأناً.

الفصل التاسع عشر: وفيه نبين أن السلطة الحاكمة هي وحدها صاحبة الحق في تنظيم الشئون الدينية، وأن الطاعة الحقيقية لله تحض على الاتفاق بين ممارسة العبادات الدينية وبين سلامة الدولة.

إن العدل والإحسان لا يأخذان قوة القانون والأمر إلا بحق الدولة، وأن الدين لا يكتسب قوة القانون إلا بإرادة من لهم الحق في الحكم، وأن الله لا يمارس حكماً خاصاً على البشر إلا بواسطة أصحاب السلطة السياسية، بهذا المعنى يتضح لنا أن السلطة العليا الحاكمة يجب أن تكون هي المفسرة للدين بالنسبة لشعوبها، وأنه لا يمكن لأحد أن يطيع الله حقاً إلا إذا اتفق سلوكه الديني مع المصلحة العامة، وأطاع قرارات السلطة العليا.

لا يمكن لأحد أن يعرف المصلحة العامة إلا بناءً على قرارات السلطة الحاكمة المسؤولة عن تصريف الشؤون العامة، وإذا لا يستطيع أحد أن يمارس الإيمان الصادق أو أن يطيع الله إلا إذا أطاع قرارات السلطة الحاكمة.

يضرب سبينوزا:

  1. الأنبياء أنفسهم بالرغم مما كان لديهم من قوة إلاهية، لم يستطيعوا لكونهم أفراداً عاديين لا يملكون سلطة أن يصلحوا الناس عن طريق الوعيد واللوم والتحذير، على حين لم يجد الملوك أي عناء في التأثير في رعاياهم بالوعيد والعقاب.
  2. الملوك أنفسهم بما أنهم لا يملكون حق التشريع الديني، كانوا في أكثر الأحيان ينحرفون عن طريق الدين، ويجرون ورائهم الشعب كله، وهذا ما حدث في الدول المسيحية.

الفصل العشرون: وفيه نبين أن حرية التفكير والتعبير مكفولة لكل فرد في الدولة الحرة.

الغاية القصوى من تأسيس الدولة ليست السيادة، أو إرهاب الناس، بل هي تحرير الفرد من الخوف بحيث يعيش كل فرد بأمان قدر الإمكان، وأن يتمتع بحقه الطبيعي في الحياة والعمل دون إلحاق الضرر بالآخرين، وأن تتيح الفرصة للأفراد بدنياً وعقلياً كي يقوموا بوظائفهم في أمان تام، بحيث يتسنى لهم استخدام عقولهم استخداماً حراً دون إشهار لأسلحة الحق أو الغضب أو الخداع، وبحيث يتعاملون معاً بدون ظلم أو إجحاف، فالحرية إذاً هي الغاية الحقيقية لقيام الدولة.

الشروط التي يستطيع الفرد بموجبها أن يعبر عما يفكر فيه دون تهديد للسلام، أن يترك للسلطة العليا اتخاذ القرارات العملية، وألا يقوم بشيء ضد هذه القرارات، حتى لو اضطر أن يسلك على نحو مخالف لرأيه الذي يجاهر بصوابه، وقتئذ لا يمثل سلوكه أي خطورة على العدالة أو التقوى.

الشروط التي يستعمل بها الفرد حريته في الرأي دون أن ينال من حق السلطة العليا، وهو تجنب الآراء التي تعارض العهد المتفق عليه مجتمعياً وسياسياً تعارضاً مباشراً، ومن أهمها: الآراء التي تؤدي إلى الفتن، أو التي تؤدي إلى نقض العهد الذي تخلى به الفرد في حقه أن يفعل ما يشاء، الرأي الذي ينكر استقلال السلطة العليا من المبدأ.

قراءة في كتاب “رسالة في اللاهوت والسياسة” لـ سبينوزا الفصل الثامن عشر والتاسع عشر والعشرون

كل ما يأتي في هذه المقال مستند لشرط سبينوزا في البحث “تفسير الكتاب المقدس بالكتاب المقدس” ولم يلجأ إلى كتاب غيره لذا وجب التنبيه أن كل ما يرد لا يعني أي شيء آخر غير ذلك.

الفصل الثامن عشر

استنتاج بعض النظريات السياسية من دولة العبرانيين وتاريخها

لو أراد بعض الناس تفويض حقهم للهن وجب عليهم عقد ميثاق صريح مع الله كما فعل العبرانيون من قبل، لا تكفي إرادة التفويض الجماعي للحق، بل لا بد من إرادة الله الذي يفوض له هذا الحق، على أن الله قد أوحى للحوارين أن حلفه لن يكون بالمداد أو على الحجر ، بل بروح الله في القلوب.

لا يلائم نظام الحكم الثيوقراطي الديني إلا شعباً معزولاً يريد أن يعيش دون علاقات مع الخارج مغلقاً على نفسه داخل حدوده، ومنفصلاً تماماً عن باقي العالم، لذلك لا ينطبق هذا النظام إلى على نطاق محدود للغاية ومع ذلك فإنه لا يصلح أنموذجاً في عصرنا الحالي، ولكنه يقدم بعض السمات التي يجدر ذكرها:

  1. لم تنشأ الفرق الدينية إلا في عصر متأخر عندما أصبح للأحبار في الدولة الثانية سلطة إصدار القرارات وتصريف شؤون الدولة، اغتصبوا لأنفسهم حق النقيب وأرادوا أن ينصبوا أنفسهم ملوكاً.
  2. الأنبياء وهم مجرد رعايا عاديين دفعوا الناس إلى التطرف أكثر مما دفعوهم للإصلاح نتيجة الحرية التي استباحوها لأنفسهم في التعرض للناس وفي سبهم ولومهم، على حين استخدم الملوك السلطة العادية على أن يحملوا الناس للتسليم دون مقاومة.
  3. طوال فترة حكم الشعب لم تنشب إلى حرب أهلية واحدة، وانتهت دون أحقاد، لكن عندما تغير النظام إلى ملكي توالت الحروب الأهلية دون توقف.

الدين والدولة:

  1. من الخطورة على الدين وعلى الدولة إعطاء من يقومون بشؤون الدين الحق في إصدار القرارات، أو التدخل في الشؤون العامة للدولة، ويجب أن تقتصر سلطة رجل الدين في الإجابة على الاستفسارات الدينية.
  2. من الصعوبة أن نجعل القانون الإلهي معتمداً على المذاهب التي تقوم على النظر البحت، وأن نضع القوانين على أساس من الآراء التي هي على الأقل موضع خلاف دائم بين الناس.
  3. من الضروري الاعتراف للسلطة العليا بالحق في تقرير ما هو شرعي وما هو غير شرعي، وذلك تحقيقاً لمصلحة الدين والدولة على السواء.
  4. شعباً لم يتعود أن يعيش في ظل حكم ملكي، يسوء حاله لو نصب عليه ملكاً، فمن ناحية لا يستطيع الشعب تحمل سلطة ملكية قوية، ومن ناحية أخرى لن تسمح السلطة الملكية بأن يكون هناك تشريع آخر، وشرعته سلطة أقل منها شأناً.

الفصل التاسع عشر:

وفيه نبين أن السلطة الحاكمة هي وحدها صاحبة الحق في تنظيم الشئون الدينية، وأن الطاعة الحقيقية لله تحض على الاتفاق بين ممارسة العبادات الدينية وبين سلامة الدولة.

إن العدل والإحسان لا يأخذان قوة القانون والأمر إلا بحق الدولة، وأن الدين لا يكتسب قوة القانون إلا بإرادة من لهم الحق في الحكم، وأن الله لا يمارس حكماً خاصاً على البشر إلا بواسطة أصحاب السلطة السياسية، بهذا المعنى يتضح لنا أن السلطة العليا الحاكمة يجب أن تكون هي المفسرة للدين بالنسبة لشعوبها، وأنه لا يمكن لأحد أن يطيع الله حقاً إلا إذا اتفق سلوكه الديني مع المصلحة العامة، وأطاع قرارات السلطة العليا.

لا يمكن لأحد أن يعرف المصلحة العامة إلا بناءً على قرارات السلطة الحاكمة المسؤولة عن تصريف الشؤون العامة، وإذا لا يستطيع أحد أن يمارس الإيمان الصادق أو أن يطيع الله إلا إذا أطاع قرارات السلطة الحاكمة.

يضرب سبينوزا:

  1. الأنبياء أنفسهم بالرغم مما كان لديهم من قوة إلاهية، لم يستطيعوا لكونهم أفراداً عاديين لا يملكون سلطة أن يصلحوا الناس عن طريق الوعيد واللوم والتحذير، على حين لم يجد الملوك أي عناء في التأثير في رعاياهم بالوعيد والعقاب.
  2. الملوك أنفسهم بما أنهم لا يملكون حق التشريع الديني، كانوا في أكثر الأحيان ينحرفون عن طريق الدين، ويجرون ورائهم الشعب كله، وهذا ما حدث في الدول المسيحية.

الفصل العشرون:

وفيه نبين أن حرية التفكير والتعبير مكفولة لكل فرد في الدولة الحرة.

الغاية القصوى من تأسيس الدولة ليست السيادة، أو إرهاب الناس، بل هي تحرير الفرد من الخوف بحيث يعيش كل فرد بأمان قدر الإمكان، وأن يتمتع بحقه الطبيعي في الحياة والعمل دون إلحاق الضرر بالآخرين، وأن تتيح الفرصة للأفراد بدنياً وعقلياً كي يقوموا بوظائفهم في أمان تام، بحيث يتسنى لهم استخدام عقولهم استخداماً حراً دون إشهار لأسلحة الحق أو الغضب أو الخداع، وبحيث يتعاملون معاً بدون ظلم أو إجحاف، فالحرية إذاً هي الغاية الحقيقية لقيام الدولة.

الشروط التي يستطيع الفرد بموجبها أن يعبر عما يفكر فيه دون تهديد للسلام، أن يترك للسلطة العليا اتخاذ القرارات العملية، وألا يقوم بشيء ضد هذه القرارات، حتى لو اضطر أن يسلك على نحو مخالف لرأيه الذي يجاهر بصوابه، وقتئذ لا يمثل سلوكه أي خطورة على العدالة أو التقوى.

الشروط التي يستعمل بها الفرد حريته في الرأي دون أن ينال من حق السلطة العليا، وهو تجنب الآراء التي تعارض العهد المتفق عليه مجتمعياً وسياسياً تعارضاً مباشراً، ومن أهمها: الآراء التي تؤدي إلى الفتن، أو التي تؤدي إلى نقض العهد الذي تخلى به الفرد في حقه أن يفعل ما يشاء، الرأي الذي ينكر استقلال السلطة العليا من المبدأ.

قراءة في كتاب “رسالة في اللاهوت والسياسة” لـ سبينوزا الفصل السابع عشر

كل ما يأتي في هذه المقال مستند لشرط سبينوزا في البحث “تفسير الكتاب المقدس بالكتاب المقدس” ولم يلجأ إلى كتاب غيره لذا وجب التنبيه أن كل ما يرد لا يعني أي شيء آخر غير ذلك.

الفصل السابع عشر

وفيه نبين أن أحداً لا يستطيع تفويض كل ما يملك إلى السلطة العليا، وأن هذا التفويض ليس ضرورياً، دولة العبرانيين وكيف كانت في حياة موسى وبعد موته، مزايا هذه الدولة وأسباب انهيار الدولة الإلهية بعد أن شاعت فيها الفتن

لا يستطيع أي فرد أن يتخلى عن قدرته وحقه لفرد آخر، إلى الحد الذي يلغي فيه وجوده كإنسان، ولا تملك أي سلطة عليا أن تملك من القوة ما يسمح لها بفعل كل ما تريد فمثلاً لن تطاع إذا أمرت أحد أفراد الرعية أن يكره من يحب أو يحب من يسيء إليه، أو ألا يحاول التحرر من الخوف التي تتبع قوانين الطبيعة البشرية.

الفرد يحتفظ لنفسه بقد كبير من حقه، وبالتالي لا يعود رهينة بمشيئة الآخر، بل بمشيئته، فإذا أردنا أن ندرك إلى أي حد تمتد سلطة الدولة العليا، يجب أن نلحظ أن سلطتها لا تقتصر على استعمال القهر المرتكز على التخويف وحسب، بل تشمل كافة الوسائل التي تحمل الناس على طاعة أوامرها، فليس ما يميز الرعية هو الباعث على الطاعة، بل هو الطاعة ذاتها.

يعتمد قيام الدولة على:

  1. على ولاء الرعية وفضيلتهم ومثابرتهم على تنفيذ الأوامر، كما يشهد العقل والتجربة بوضوح تام.
  2. تعمل الدولة على ما من شأنه تجنب الشرور البشرية.
  3. إقامة سلطة تكفل القضاء على الخداع.
  4. وأن تقيم في كل مجال من الأنظمة ما يجعل الجميع يضعون المصلحة العامة فوق مصالحهم الخاصة.

دولة العبرانيين كيف كانت:

اتباعاً لنصائح موسى الذي كان لديهم أعظم قدرة من الثقة فيه، قرر العبرانيون الخروج من الحالة الطبيعية التي وجدوا أنفسهم فيها، وتفويض كل حقوقهم لله وحده، وهكذا وعدوا الله أن ينفذوا أوامره، وألا يترفوا بأي قانون لم يقرره الله نفسه بوحي نبوي، لذا يعتقد العبرانيون بأنهم يحتاجون دائماً في بقائهم إلى عناية القدرة الإلهية، ومنذ ذلك الحين أصبحت سلطة الحاكم عند العبرانيين لله وحده، وأصبحت الدولة بفضل هذا العهد تستحق اسم مملكة الله، وكما أصبه الله يسمى بحق بملك العبرانيين، وبالتالي كان أعداء هذه الدولة أعداء الله، ومن أراد اغتصاب السلطة أصبح مداناً بجريمة الطعن في سلطة الله العلية، وفي هذه الدولة يتلخص القانون المدني والدين في طاعة الله.

القواعد التي اتبعت في إدارة الدولة:

  1. إن العبرانيين لم يخولوا حقهم لشخص آخر، تخلوا عنه طواعية كما هو الحال في النظام الديمقراطي، وصاحوا بصوت واحد: سنفعل كل ما يطلبه الله منا، وبناءً على هذا العهد ظل الجميع متساويين تماماً.
  2. فوض العبرانيون إلى موسى كلية حقوقهم في التشاور مع الله وتفسير أوامره، وكان هو وحده القاضي الأعظم الذي لا يحكم عليه أحد.

منهجية إدارة شؤون الدول:

أمر موسى الشعب ببناء مسكن كان بمثابة بلاط الله، وهو السلطة العليا لهذه الدولة، ويتحمل الشعب كله التكاليف المالية للبناء حتى يكون المسكن الذي يتم فيه التماس المشورة ملكاً للجميع، وقد اختير اللاويين لخدمة البلاط الإلهي، واختير هارون أخو موسى ليكن رئيساً لهم.

أمر موسى بالخدمة العسكرية من سن العشرين إلى سن الستين، على أن يتكون الجيش من المواطنين فقط، ثم يقسم الجيش يمين الولاء للدين (أي الله) وبذلك سمي جيش الله، وكتائبه كتائب الله، كما سم الله عند العبرانيين إله الجيش، ولهذا السبب كان تابوت العهد ينصر وسط الجند في المعارك.

تكون جيش من الأسباط الإثني عشر الآخرين، وصدر لهم الأمر بغزو بلاد الكنعانيين، وقسمت الأرض التي تم الاستيلاء عليها إلى اثني عشر قسماً بالتساوي.

عين موسى نقباء للأسباط حتى يتفرغ كل واحد منهم بعد التقسيم لتنظيم شؤون نصيبه، أي ليضطلع بمهمة استشارة الله في شؤون سبطه على لسان كعب الأحبار، وقيادة جيشه، وتأسيس المدن وتحصينها، وتعين القضاة فيها، ومحاربة عدو دولته الخاصة، وتنظيم شؤون الحرب والسلم بوجه عام، إذا لم يقوم سبط بواجباته نحو الله كان على باقي الأسباط ألا تعامله على أنه من ضمن الرعايا، بل عليهم محاربته وكأنه عدو نقض عهداً ألتزم به.

في عهد يوشع بن نون كان لا بد له من الاستعانة بوساطة كعب الأحبار الذي يسمع وحده ردود الله، ثم يصدر يشوع الأوامر المبلغة إليه من الحبر، ويدفع الناس إلى تنفيذها.

الحكم للسلطة الإلهية للأسباب التالية:

  1. كان المعبد هو المقر الملكي للدولة، كان جميع أفراد الأسباط مواطنين في دولة واحدة.
  2. كان على جميع المواطنين أن يقسموا يمين الولاء لله حاكمهم الأعظم الذي وعدوه وحده بالطاعة.
  3. الله وحده هو الذي يختار عند الحاجة قائداً أعلى.

الدوافع القوية لعدد من الجرائم التي يرتكبها الأمراء لم يكن قائماً عند العبرانيين للأسباب التالية:

  1. لأن حق تفسير الشريعة متروكاً بأسره للاويين وحدهم، وهم لا يحق لهم أن يشاركوا في أي تنظيم سياسي، ولم يكن لهم حق الملكية.
  2. كان على الشعب كله، تطبيقاً لأوامر الله، أن يجتمع مرة كل سبع سنوات في مكان محدد لكي يتلقى من الحبر معلومات عن الشريعة.
  3. تكليف جميع المواطنين بالخدمة العسكرية وحظر استقدام النقباء للمرتزقة من الخارج.
  4. لم يكن نقيب السبط يفضل مواطنيه في النبل والعظمة أو أي حق موروث، بل كان يُعد بحكم الدولة نظراً لفضيلة الشخص وسنه وحدهما.
  5. النقباء والجند لم يكونوا يفضلوا الحرب على السلم، فالجيش مكون من المواطنين وحدهم، وهو الذين يتولون أمور الحرب والسلم، فمن كان جندياً وقت الحرب كان مواطناً عادياً وقت السلم.

الكيفية التي تم بها ضبط انفعالات الشعب:

  1. بعد أن فوضوا حقهم إلى الله اعتقدوا أن مملكتهم مملكة الله وأنهم أبناء الله والشعوب الأخرى أعداء الله، ولهذا السب كانوا يكنون لهذه الشعوب كراهية شديدة.
  2. لم يكن هناك أشنع أو أبغض من خيانة الوطن.
  3. الإقامة في أرض أجنبية يعتبر عاراً، بحيث لا يسمح لهم بإقامة شعائرهم الدينية.
  4. أرض الوطن مقدسة وأي أرض غيرها دنسة لا قدسية لها.

سبب انهيار دولة العبرانيين:

  1. عصيانهم لله بعبادتهم للعجل.
  2. أصبحت القوانين تبدو أقرب إلى العقاب والتعذيب منها إلى القوانين الفعلية.
  3. تمييز اللاويين على غيرهم بأن من حقهم وحدهم دخول المعبد، وكانوا ينتهزون كل فرصة ليشعروا العبرانيين بعارهم.
  4. أدت التغيرات الكبيرة والإباحية المطلقة والترف والإهمال إلى انهيار عام في الدولة.
  5. طلبوا تعين ملكاً عليهم بحيث لا تكون للمعبد السلطة العليا.
  6. الملوك الأوائل كانوا راضين بما وصلوا عليه لكن الأبناء الذين حصلوا على السلطة بالوراثة عمدوا إلى إحداث تغيرات حتى يضعوا سلطة الدولة كاملة تحت أيديهم.

قراءة في كتاب “رسالة في اللاهوت والسياسة” لـ سبينوزا الفصل السادس عشر

كل ما يأتي في هذه المقال مستند لشرط سبينوزا في البحث “تفسير الكتاب المقدس بالكتاب المقدس” ولم يلجأ لكتاب غيره لذا وجب التنبيه أن كل ما يرد لا يعني أي شيء آخر غير ذلك.

الفصل السادس عشر

وفيه نبين أن اللاهوت ليس خادماً للعقل وأن العقل ليس خادماً للاهوت، السبب الذي يدفعنا إلى التسليم بسلطة الكتاب المقدس

معالجة الأسس التي تقوم عليها الدولة، ونتساءل ما الحق الطبيعي لكل إنسان؟ بغض النظر عن الدين والدولة، الحق الطبيعي، والتنظيم الطبيعي، القواعد التي تتميز بها طبيعة كل فرد، وهي القواعد التي ندرك بها أن كل موجود يتحدد وجوده وسلوكه حتمياً على نحو معين.

الحق الطبيعي: لكل موجود حق طبيعي، حق مطلق على ما يقع تحت قدرته، وبناءً على ذلك يكون لكل موجود حق مطلق في البقاء على وضعه.

 التنظيم الطبيعي: نلحظ أن الناس يعيشون في شقاء عظيم إن لم يتعاونوا يظلون عبيداً لضروريات الحياة إن لم ينموا عقولهم، ولكي يعيش الناس في أمان وعلى أفضل نحو ممكن، كان لزاماً عليهم أن يسعوا للتوحد في نظام واحد، وأن يتفقوا عن طرق تنظيم حاسم، على إخضاع كل شيء لتوجيهات العقل وحده، وعلى كبح جماح الشهوة بقدر ما تسبب أضراراً للآخرين، وعلى معاملة الناس على مثل ما يحبون أن يعاملوا به، والمحافظة على حق الآخرين كما لو كانوا يحافظون على حقوقهم.

يضع سبينوزا شرطاً لتكوين مجتمع إنساني: هو أنه يجب على كل فرد أن يفوض للمجتمع ما له من قدرة بحيث يكون للمجتمع الحق الطبيعي المطلق على كل شيء، أي السلطة المطلقة في إعطاء الأوامر التي يتعين على كل فرد أن يطيعها إما بمحض اختياره وإما خوفاً من العقاب.

تعريف الديمقراطية عند سبينوزا: هي اتحاد الناس في جماعة لها حق مطلق على كل ما في قدرتها ويترتب على ذلك: أن الحاكم لا يلتزم بأي قانون وعلى الجميع طاعته لأنهم فوضوا له بموجب عقد صريح أو ضمني كل قدرة كانت لديهم على المحافظة على أنفسهم، وللناس حق تفويض غيره في حال تجاوز سلطته.

الفرق بين العبد والابن والمواطن:

  1. العبد هو من يضطر للخضوع للأوامر التي تحقق مصلحة سيده.
  2. الابن هو من ينفذ بناءً على أوامر والديه أفعالاً تحقق مصلحته الخاصة.
  3. المواطن هو من ينفذ بناءً على أوامر الحاكم أفعال تحقق المصلحة العامة والبتالي مصلحته الشخصية.

أما العدل: هو استعداد دائم للفرد أن يعطي كل ذي حق ما يستحقه طبقاً للقانون المدنيين الظلم: أن يسلب شخص متذرعاً بالقانون ما يستحقه شخص آخر طبقاً للتفسير الصحيح للقانون.

أما الحلفاء: فهما شعبا أمتان، مختلفتان تتفقان تعاقدياً فيما بينهما على ألا يضر أحدهما الآخر تجنباً لأخطار الحرب أو لأي سبب آخر، وأن يعين أحدهما الآخر وقت الحاجة، وتظل كل أمة منهما أمة مستقلة، ويسري التعاقد طالما وجد السبب (احتمال الخطر أو المصلحة المرجوة)، إذ إن لا أحد يعقد اتفاقاً أو يلتزم بالوفاء بتعهد إلى طمعاً في مغنم أو خوفاً من ضرر.

أما لعدو: هو الذي يعيش خارج أمة معينة ولا يعترف بسلطتها بوصفه حليفاً لها، أو أحد رعاياها، ولا تنشأ العداوة من الشعور بالكراهية، بل من وضع قانون الدولة ضده.

أما جريمة الطعن في السيادة: لا يقترفها إلى الرعاية أو المواطنين الذين فوضوا كل حقوقهم إلى الدولة بناءً على عقد ضمني أو صريح، وتقع هذه الجريمة حينما يحاول أحد أفراد الرعية سلب السلطة العليا حقها أو نقلها لشخص آخر، أياً كان سبب محاولة ارتكاب الجريمة فهناك طعن في السيادة، ويقع المذنب تحت طائلة القانون.

قراءة في كتاب “رسالة في اللاهوت والسياسة” لـ سبينوزا الفصل الرابع عشر والخامس عشر

كل ما يأتي في هذه المقال مستند لشرط سبينوزا في البحث “تفسير الكتاب المقدس بالكتاب المقدس” ولم يلجأ إلى كتاب غيره لذا وجب التنبيه أن كل ما يرد لا يعني أي شيء آخر غير ذلك.

الفصل الرابع عشر

ما هو الإيمان؟ وأي الناس هم المؤمنون؟ تحديد أركان الإيمان، وأخيراً الفصل بين الإيمان والفلسفة

يعرف سبينوزا الإيمان بأنه: الإيمان هو أن ننسب إلى الله بالفكر خصائص يؤدي الجهل بها إلى ضياع الطاعة، على حين أن وجود الطاعة يستتبع وجود هذه الخصائص بالضرورة:

  1. يجلب الإيمان الخلاص لا بنفسه، بل لأنه يتضمن الخضوع.
  2. إذا وجدت الطاعة وجد الإيمان، الإنسان المطيع حقاً ه صاحب الإيمان الحق، الإيمان الذي يكون الخلاص ثمرة له.
  3. لا يكون الحكم على أحد أنه مؤمن أو غير مؤمن إلا بأعماله.

أركان الإيمان بحسب الكتاب المقدس كما يراها سبينوزا:

  1. يوجد إله، أي موجود أسمى، خير ورحيم على نحو مطلق.
  2. الله واحد لا شريك له، وهو أمر لا يشك أحد أنه ضروري ضرورة مطلقة، لكي يكون موضوعاً أسمى للخشوع والإجلال والمحبة.
  3. الله حاضر في كل مكان ويرى كل شيء.
  4. لله الحق والقدرة المطلقة على كل شيء، وهو لا يجبر على أفعاله، بل يفعل ما يشاء بمشيئة مطلقة وبفضل يتفرد به.
  5. عبادة الله وطاعته لا تكون إلا في العدل والإحسان، أي في حب الجار.
  6. لا يتم الخلاص إلا لمن يبقون هذه القاعدة في الحياة، أي لمن يطيعون الله.
  7. يغفر الله للتائبين خطاياهم، وكل بني آدم خطاؤون، وهذا سبب للرحمة الإلهية.

الفرق بين الإيمان والفلسفة:

لا توجد أي صلة أو قرابة بين الإيمان والفلسفة، وهما متعارضان أشد التعارض، فغاية الفلسفة هي الحق وحده، وغاية الإيمان هي الطاعة والتقوى، الأسس التي تقوم عليها الفلسفة هي الأفكار المشتركة وهذا يجب أن نستخلصه من الطبيعة وحدها، أسس الإيمان هي التاريخ وفقه اللغة، وهي أسس يجب أن تستمد من الكتاب والوحي وحدهما.

الفصل الخامس عشر:

وفيه نبين أن اللاهوت ليس خادماً للعقل وأن العقل ليس خادماً للاهوت، السبب الذي يدفعنا إلى التسليم بسلطة الكتاب المقدس.

هل يجب إخضاع الكتاب للعقل؟ أم إخضاع العقل للكتاب؟ الموقف الأخير موقف الشكاك الذين ينكرون دور العقل، والأول موقف القطعيين، وفي نظر سبينوزا أن النظريتين مخطئة أشد الخطأ، ففي كلتا الحالتين يصبح الكتاب فاسداً، وقد بين سبينوزا أن الكتاب المقدس لا يُعلم الفلسفة، بل يدعو إلى التقوى وحدها.

يقول سبينوزا: بما أن الأنبياء قد أوصلوا الحقيقة بالإحسان والعدل وفضلوها على كل شيء آخر، يحق لنا أن نؤمن بأنهم لم يريدوا خداعنا عمداً، بل كانوا يتحدثون بإخلاص عندما دعوا إلى أن السعاة الروحية للبشر إنما تكون في الطاعة والإيمان، ولما كانوا قد أيدوا دعواتهم هذه بالآيات، فإن هذا كفيل بإقناعنا أنهم كانوا جادين في حديثهم وأنهم لم يكونوا يهذون وهم يتنبؤون، ويزيدنا قناعة أن تعاليمهم الخلقية متفقة مع العقل، إذ إن الاتفاق التام بين كلام الله الذي أعطاه للأنبياء وكلامه الذي يوجد في أعماق سرائرنا، أمر له أهميته القصوى، وبذلك تكون المعتقدات التي نستخلصها الآن من الكتاب مماثلة ليقيننا لتلك التي استخلصها اليهود من قبل من الكلام الذي سمعوه من النبي بالفعل.

قراءة في كتاب “رسالة في اللاهوت والسياسة” لـ سبينوزا الفصل الثاني عشر والثالث عشر

كل ما يأتي في هذه المقال مستند لشرط سبينوزا في البحث “تفسير الكتاب المقدس بالكتاب المقدس” ولم يلجأ إلى كتاب غيره لذا وجب التنبيه أن كل ما يرد لا يعني أي شيء آخر غير ذلك.

الفصل الثاني عشر

في الميثاق الحقيقي للشريعة الإلهية وفي سبب تسمية الكتاب مقدساً ووصفه بأنه كلام الله، وفي أن الكتاب بقدر ما يتضمن كلام الله، قد وصل إلينا دون تحريف

يقول سبينوزا: أن نصوص الأنبياء والحوريين تشهد بأن كلام الله الأبدي وعهده والدين الحق مسطور على نحو إلهي في قلب الإنسان أي في الفكر الإنساني، وهذا هو العهد الحقيقي الذي طبعه الله بخاتمه في فكر الإنسان، ويتوقع أن ينتقد لقوله إن كلام الله محرف ومزيف ومنقوص من قبل الذي يجزمون بأن التوراة كما هي لم تتغير ولم تحرف.

يطلق اسم (مقدس وإلهي) على كل ما يؤدي إلى التقوى والدين ولا يضل الشيء مقدساً إلا إذا استمر الناس في استخدامه بشكل ديني فإذا لم يعد البشر أتقياء ضاعت قدسية ما كان مقدساً من قبل، ولا يكون الكتاب مقدساً ولا تكون نصوصه إلهية إلا بقد ما يحض الناس على التقوى، فإن تخلوا كلياً عن التقوى، كما تخلى عنها اليهود من قبل أصبح حبراً على ورق أو ضاعت قدسيته وأصبح معرضاً للضياع والتحريف.

يستشهد سبينوزا بقصة موسى: (عندما حطم الألواح الأولى للتوراة لم يقذف كلام الله مطلقاً ولم يحطمه بيده غضباً، بل إن ما قذفه لم يكن إلا حجراً، أعني أحجاراً كانت مقدسة من قبل، لأن العهد الذي قطعه اليهود على أنفسهم، كان مكتوباً عليها، ولكن بعد أن عبد اليهود العجل ومن ثم نقضوا عهد الله، أصبحت هذه الأحجار خلوا من كل قدسية، ولنفس السبب ضاعت الأحجار الثانية من التابوت، ولنفس السبب ضاعت مخطوطات موسى الأصلية).

أسباب تسمية الكتاب كلام الله:

  1. لأنه يعلم الدين الصحيح الذي وضعه الله أزلياً.
  2. لأنه يتنبأ في صورة روايات بالمستقبل بقد ما قضى به الأمر الإلهي.
  3. لأن مؤلفيه الحقيقيين يدعون إلى ما وصلوا إليه بنور خاص بهم لا بالنور الفطري وجعلوا الله نفسه هو الذي يتحدث.

أسباب ضياع الأسفار وتحريفها:

  1. لم تُدون أسفار العهد القديم والجديد بتفويض خاص في عصر واحد، يسري على كل الأزمان.
  2. تختلف معرفة الكتاب وفكر الأنبياء عن فهم فكر الله أي الحقيقة.
  3. تم اختيار أسفار العهد القديم من بين أسفار كثيرة أخرى ثم جمعت وأقرها مجلس الفريسين، وكذلك قبلت أسفار العهد الجديد ضمن المجموعة المقننة بقرار بعض المجالس الكنسية التي رفضت أسفاراً أخرى بوصفها منعدمة القيمة.
  4. لم يكتب الحواريون بوصفهم أنبياء، بل بوصفهم فقهاء لذا اختاروا أسهل الطرق وتحدثوا لتلاميذهم في أمور كثيرة يمكن الاستغناء عنها.
  5. هناك أربعة أناجيل في العهد القديم ومن منا يستطيع أن يعتقد أن الله أراد أن يقص سيرة المسيح وأن يبلغه للبشر أربع مرات.

الفصل الثالث عشر:

وفيه نبين أن الكتاب لا يحتوي إلا على تعاليم يسيرة للغاية ولا يحث إلا على الطاعة، وتقتصر عقيدته في الطبيعة الإلهية على ما يمكن اتخاذه قاعدة عملية في حياة الناس اليومية.

الحواريون عرضوا عقيدة الإنجيل في الكنائس جعل الكتاب مجموعة من الحقائق اليسيرة للغاية تدركها أكثر الذهان خمولاً، ولم يكن ما عرضوه مجموعة من التأملات والنظريات الفلسفية، ويعرب سبينوزا عن دهشته من الذين يرون في الكتاب أسرار بلغت في العمق حداً لا يمكن معه شرحها بأي لغة، والذين أقحموا في الدين من التأملات الفلسفية ما جعل الكنيسة تتحول إلى أكاديمية.

  • المعرفة العقلية أي المعرفة الصحيحة لله ليست كالطاعة هبة لكل المؤمنين.
  • المعرفة الوحيدة التي طلبها الله من كل الناس بلا استثناء على لسان الأنبياء والتي لا يمك إعفاء أحد منها هي معرفة العدالة الإلهية والإحسان الإلهي.
  • العبرانيون القدماء لم يعرفوا أية صفة لله تدل على ماهيته المطلقة، ولم يعرفوا إلا آثاره ووعوده، أي أنهم عرفوا مظاهر القدرة الإلهية من خلال الأشياء الحسية.
  • لا يمكن لأي أمر أن يجبر الناس على معرفة صفات الله وأن هذه المعرفة هبة خاصة لعدد قليل من المؤمنين.
  • إن النساء والرجال والأطفال لديهم نفس القدرة على إطاعة الأمر، ولكن ليس على ممارسة الحكمة.

قراءة في كتاب “رسالة في اللاهوت والسياسة” لـ سبينوزا الفصل العاشر والحادي عشر

كل ما يأتي في هذه المقال مستند لشرط سبينوزا في البحث “تفسير الكتاب المقدس بالكتاب المقدس” ولم يلجأ إلى كتاب غيره لذا وجب التنبيه أن كل ما يرد لا يعني أي شيء آخر غير ذلك.

الفصل العاشر

فحص باقي أسفار العهد القديم بالطريقة نفسها

في البداية لا يقول سبينوزا شيئاً عن سفري الأخبار إلا أنها كتبت بعد عزرا بمدة طويلة أو أنها كتبت بعد أن أعاد يهوداس المكابي بناء المعبد، ولا يعرف لها مؤلفون ولا السلطة التي يجب الاعتراف بها لها، ولا عن فائدتها أو العقيدة التي تعرضها، بل إنه يتعجب من أنها دخلت ضمن الكتاب المقدس في حين أخرج سفر الحكمة من الكتب المنتقاة.

جمعت المزامير وقسمت لخمسة أسفار بعد إعادة بناء المعبد ويقول فيلون اليهودي: أن المزمور 88 كتب وما زال الملك يواكين في السجن في بابل، وكتب المزمور 89 بعد إطلاق سراحه، ويقول سبينوزا: من المؤسف أن الأشياء المقدسة والأفضل من بينها، كانت متوقفة على اختيار أناس كهؤلاء، بهذا يشكك سبينوزا في نزاهة الرواة الناقلين والكتاب ورغم تشككه يشكرهم على أنهم نقلوا الأسفار لكنه يعود ويتساءل عما إذا كانوا نقلوها بالأمانة والنزاهة اللازمين.

يقول سبينوزا: عندما أفحص أسفار الأنبياء أجد أن النبوات التي جمعت فيها قد أُخذت من كتب أخرى ورتبت ترتيباً معيناً لم يكن دائماً هو الترتيب الذي سار عليه الأنبياء في أقوالهم أو في كتاباتهم، كما أن هذه الأسفار لا تتضمن جميع النبوات، بل ما أمكن العثور عليه من هنا وهناك، وإذاً فليست هذه الأسفار إلا شذرات من الأنبياء.

ملاحظات سبينوزا:

  1. يظهر بوضوح أنه لم تكن هناك مجموعة مقننة من الكتب المقدسة قبل عصر المكابين.
  2. الكتب المقننة الموجودة الآن أختارها فريسيو المعبد الثاني من بين كثير غيرها وذلك بقرار منهم وحسب.
  3. الفريسيون هم أيضاً واضعوا صيغة الصلاة.
  4. يشترط سبينوزا أنه يجب إثبات المصدر الإلهي لكل الأسفار ولا يجوز أن نثبت إلهية سفر واحد ونستنتج المصدر الإلهي للأسفار كلها.

أسباب أن سبينوزا نسب الكتب المقننة الموجودة للفريسين:

  1. نبوءة سفر دانيال الإصحاح الأخير الآية 2 ببعث الموتى، وهو البعث الذي أنكره الصدوقيون.
  2. ما أشار إليه الفريسيون أنفسهم في التلمود في رسالة السبت (قال الحبر: يهوذا ربي، أراد الأذكياء إخفاء سفر الجامعة لأن أقوالهم مناقضة لأقوال الشريعة “أي سفر شريعة موسى” ولكن لماذا لم يخفوه؟ لأنه يبدأ طبقاً للشريعة وينتهي طبقاً للشريعة) ويقول بعد ذلك بقليل: (وأرادوا أيضاً إخفاء سفر الأمثال).
  3. في رسالة السبت (كان هذا الرجل نيخونيا بن حزقيا مشهوراً بحرصه وعنايته، إذ لولاه لاختفى سفر حزقيا لأن أقواله تناقض أقوال الشريعة.

الفصل الحادي عشر:

مبحث فيما إذا كان الحواريون قد كتبوا رسائلهم بوصفهم حواريين وأنبياء أم بوصفهم معلمين، ثم في دور الحواريين.

  1. الطريقة التي نقل بها الحواريون عقيدة الإنجيل تختلف اختلافاً كبيراً عن طريقة الأنبياء، فالحواريون يستعملون الاستدلال في كل الأحيان، حتى لا يبدوا أنهم يتنبؤون، بل يجادلون، وعلى العكس، لا تحتوي النبوات إلا على عقائد وأوامر، لأن الله نفسه الذي يتحدث.
  2. سلطة النبي لا تتلاءم مع الاستدلال فمن يريد إثبات العقائد التي يعتنقها بالاستدلال، يخضعها بذلك لحكم كل فرد، ويبدوا أن هذا ما يفعله بولس لأنه يستدل.
  3. الرسل يبلغوننا في الأمور الموحى بها، لا الأمور التي يمكننا إدراكها بالنور الطبيعي، أي بالاستدلال.

هكذا فإن طرق حديث الحوارين وأسلوبهم في المناقشة يدل وبوضوح تام أن الكتابات لم تصدر عن وحي وتفويض إلهي، بل هي أحكام شخصية وطبيعة لمؤلفيها، ولا تتضمن غير نصائح أخوية مقترنة بتعبيرات مجاملة مهذبة، كما تشير بعض النصوص على أن الحوارين اختاروا بأنفسهم ومحض إرادتهم الأماكن التي يبشرون فيها، وبهذا يستنتج سبينوزا: أن الحواريين قد قاموا بالتبشير بوصفهم معلمين لا بوصفهم أنبياء.

قراءة في كتاب “رسالة في اللاهوت والسياسة” لــ سبينوزا الفصل الثامن والتاسع

كل ما يأتي في هذه المقال مستند لشرط سبينوزا في البحث “تفسير الكتاب المقدس بالكتاب المقدس” ولم يلجأ إلى كتاب غيره لذا وجب التنبيه أن كل ما يرد لا يعني أي شيء آخر غير ذلك.

الفصل الثامن

وفيه تتم البرهنة على أن الأسفار الخمسة وأسفار يشوع والقضاة وراعوث وصموائيل والملوك ليست صحيحة، ثم نبحث إن كان لهذه الأسفار مؤلفون كثيرون أم مؤلف واحد

الدليل أن موسى لم يكتب الأسفار الخمسة وأنها كتبت بعده بزمن طويل:

  1. إن موسى لم يكتب مقدمة سفر التثنية لأنه لم يعبر نهر الأردن.
  2. نُقش سفر موسى بوضوح تام على حافة مذبح واحد وهذا مخالف لما قاله يشوع أن سفر موسى يتكون من اثني عشر حجراً بعدد الأحبار مما يعني أن سفر موسى أقل بكثير من الأسفار الخمسة.
  3. يذكر في التوراة (وقد كتب موسى هذه التوراة) ويستحيل أن يكون موسى قال ذلك، بل لا بد أن يكون كاتبها آخر يروي أقوال موسى وأفعاله.
  4. يذكر هذا النص من التكوين وفيه يقص الراوي رحلة إبراهيم في بلاد الكنعانيين ويضيف والكنعانيون والكنعاني وقتئذ في الأرض) فلا بد أن هذه الكلمات كتبت بعد موت موسى وبعد أن طرد الكنعانيون.
  5. يذكر في التكوين أن جبل موريا سمي جبل الله ولم يحمل هذا الاسم إلا بعد الشروع في بناء المعبد وهذا الوقت متأخر عن موسى في الزمن.

ملاحظات على فكر ابن عزار:

  1. لا يتحدث الكتاب المقدس عن موسى بضمير الغائب فحسب وإنما يعطي عنه شهادات عديدة.
  2. إن الرواية لا تقص فقط موت موسى ودفنه وحزن الأيام الثلاثين للعبرانيين بل تروي أيضاً أنه فاق جميع الأنبياء.
  3. بعض الأماكن لم تطلق عليها الأسماء التي عرفت بها في زمن موسى، بل أطلقت عليها أسماء عرفت بعد موته بزمن طويل.

الفصل التاسع:

أبحاث أخرى حول الأسفار نفسها، هل عزرا هو آخر من صاغها؟ وهل التعليقات الهامشية الموجودة في المخطوطات العبرية قراءات مختلفة؟

يقول سبينوزا أن عزرا هو المؤلف الحقيقي للأسفار إذا لم يثبت له أحد ببرهان أكثر يقيناً مما وجده أن هناك مؤلفاً آخر، وأنه جمع روايات موجودة عند كتاب متعددين وفي بعض الأحيان يقتصر على نسخها دون فحصها وترتيبها.

إن سليمان بنى المعبد بعد الخروج من مصر بأربعمائة وثمانين عاماً، وبعد مطابقة الروايات بالمراحل الزمنية نجد عدداً أكبر بكثير من السنين يصل إلى خمسمائة وثمانين عاماً.

يقر المفسرون بأن الله حفظ التوراة من أي نوع من التحريف أما اختلاف القراءات فهو في نظرهم علامة على أسرار في غاية العمق ويناقشون بشأن النجوم الثمانية والعشرين الموجودة وسط أحد الفقرات في الكتاب المقدس وتبدوا لهم أشكال الحروف ذاتها وكأنها تحوي أسرار كبيرة، ويقول سبينوزا: لست أدري إن كان ذلك ناجم عن اختلال في العقل وعن نوع من تقوى العجائز المخرفين أم أنهم قالوا ذلك بدافع الغرور والخبث حتى نعتقد أنهم وحدهم الأمناء على أسرار الله، أني لم أجد أي شيء عليه سيماء السر في كتبهم، وقد قرأت بعض القبالين وعرفت ترهاتهم.

لم يوجد ابداً أكثر من صياغتين للنص الواحد وذلك لسببين:

  1. لا يسمح مصدر تغيير النص بوجود أكثر من صياغتين لأنهما ينشآن في الغالب من تشابه الحروف، وإذا فقد كان الشك ينصب دائماً على أي الحرفين المستعملين دائماً يجب أن يكتب كحرف الباء أم الكاف.
  2. يعتقد سبينوزا أن النساخ لم يكن لديهم إلى عدد قليل من الأصول وربما لم يوجد لديهم إلا أصلان أو ثلاثة.

قراءة في كتاب رسالة في اللاهوت والسياسة للفيلسوف الفرنسي سبينوزا الفصل السابع

كل ما يأتي في هذا المقال مستند لشرط سبينوزا في البحث “تفسير الكتاب المقدس بالكتاب المقدس” ولم يلجأ إلى كتاب غيره لذا وجب التنبيه أن كل ما يرد لا يعني أي شيء آخر غير ذلك.

الفصل السابع

تفسير الكتاب:

يعترف الجميع بأن الكتاب المقدس كلام الله وأنه يعلم الناس طريق السعادة الروحية والخلاص وفي الواقع لا يحرصون أن يعيشوا وفقاً لتعاليم الكتاب المقدس، واستبدلوا بكلام الله بدعهم الخاصة ويحاولون باسم الدين أن يرغموا الآخرين على أن يفكروا مثلهم، ويقول سبينوزا: اللاهوتيون انشغلوا بالبحث عن وسيلة لاستخلاص بدعهم الخاصة وأحكامهم التعسفية من الكتب المقدسة بتفسيرها قسراً وتبرير تلك البدع والأحكام بالسلطة الإلهية.

إن الطموح الإجرامي هو الذي جعل الدين يدافع عن بدع إنسانية أكثر من طاعة تعاليم الروح القدس، وأن الطموح الإجرامي نشر أقسى أنواع الشقاق والكراهية بين الناس تحت قناع الحماس للدين، بالإضافة إلى احتقار الطبيعة والعقل.

يطالب سبينوزا أن يكون هناك منهج صحيح يتبع في تفسير الكتاب المقدس:

لا يخالف منهج وأحكام الطبيعة، ويتفق معها في جميع جوانبه.

الحصول على معرفة تاريخية مضبوطة، نستخلص منها معطيات مبادئ يقينية.

الكتاب المقدس يتناول موضوعات لا يمكن استنباطها من المبادئ التي نعرفها بالنور الطبيعي، قصص وموضوعات للوحي، معجزات وروايات تقص وقائع غير مألوفة في الطبيعة وكانت تلائم أفهام الرواية الذين قاموا بتدوينها في ذلك الزمن، لذلك يجب أن نستمد المعرفة من الكتاب نفسه أي تفسير الكتاب المقدس بالكتاب المقدس، كما نعرف الطبيعة من الطبيعة نفسها.

شروط الفحص التاريخي للكتاب المقدس:

  1. يجب أن تفهم طبيعة وخلاصة اللغة التي دونت بها أسفار الكتاب المقدس والتي اعتاد مؤلفوها التحدث بها، وبهذه الطريقة يمكننا فحص المعاني بحسب الاستعمال الشائع في زمانها، لا وجب علينا معرفة اللغة العبرية معرفة جيدة.
  2. تجميع آيات كل سفر وتصنيفها تحت موضوعات معينة، كما يجب أن نجمع الآيات والجمل التي تعارض بعضها بعضا.
  3. يجب أن يربط الفحص التاريخي كتب الأنبياء بجميع الملابسات الخاصة التي حفظتها لنا الذاكرة، بمعنى يجب أن نعرف سيرة المؤلف وأخلاقه وأهدافه والمناسبة التي كتب عنها وفي أي وقت ولمن كتبها وبأي لغة، كما يجب أن يقدم هذا الفحص الظروف الخاصة بكل كتاب، كيف جمع؟ ومن جمعه؟ وكم نسخة مختلفة معروفة عن النص؟ ومن الذين قرروا أدراجه في الكتاب المقدس؟

حتى ألا نخلط بين التعاليم الأزلية وتعاليم أخرى لا تصلح إلا لزمان معين ولمجموعة معينة من الناس يجب أن نعرف في أي مناسبة وفي أي زمن ولأي أمة وفي أي عصر كتبت التعاليم،

وبعد الانتهاء من الفحص التاريخي يجب علينا دراسة فكر الأنبياء والروح القدس، ويجب أن نبدأ بالبحث عن أكثر الأشياء شمولاً وعن الأسس والأصول التي يرتكز عليها الكتاب المقدس وعما أوصى به جميع الأنبياء على أنه عقيدة أزلية لها أعظم المنفعة، كوجوب أن الله واحد قادر قدرة مطلقة ويجب عبادته وحده.

الصعوبات التي تواجه المنهج المتبع:

هناك صعوبة كبيرة تنشأ من أن هذا المنهج يتطلب معرفة تامة باللغة العبرية فأين لنا هذا؟ ولم يترك علماء اللغة العبرية القدماء لخلفهم أي شيء بشأن الأسس والمبادئ التي تقوم عليها هذه اللغة.

  1. ينشأ اشتباه النص وغموضه في التوراة عن استبدال الحروف التي ينطق بها نفس العضو ببعضها البعض، حيث يقسم العبرانيون الحروف لخمس مجموعات طبقاً لأعضاء الفم: الشفتين، اللسان، الأسنان، الحلق، والحنجرة، مثلاً: تستعمل (ال) التي تعني (إلى) بدلاً من (عل) التي تعني (على) وبذلك يحث في الكثير من الأحيان أن تصبح جميع أجزاء النص متشابهة او أصواتاً بلا معنى.
  2. تعدد المعاني لحروف العطف والظروف، مثلاً: تستعمل (الواو) على السواء في الربط والتمييز فتعني (و) (لكن) (لأن) (مع أن) (إذا) (عندما).
  3. المتشابهات، وهو أ، الأفعال ليس لها من الطبيعة الإخبارية مضارع أو ماضي مستمر أو ماضي أتم أو مستقبل ماضي سابق وأزمنة أخرى تستعمل بكثرة في اللغات الأخرى.

أسباب أخرى:

  1. العبرانيون ليس لديهم حروف تعادل الحروف المتحركة.
  2. العبرانيون لم يتعودوا أن يقسموا كلمهم المكتوب أو أن يبرزوا المعنى بصورة، أي تأكيد بعلامات.

يقول سبينوزا: هناك صعوبة أخرى في هذا المنهج تأتي من أنه يتطلب المعرفة التاريخية لكل أسفار الكتاب وهي معرفة لا تتوافر لدينا في معظم الأحيان والواقع أننا نجهل تماماً مؤلفي كثير من الأسفار أو نجهل من كتبها، ومن ناحية أخرى لا ندري في أي مناسبة ولا في أي زمن كتبت، ولا نعلم في أيدي من وقعت ومن جاء بالمخطوطات الأصلية التي وجد لها عدد من النسخ المتباينة ولا نعلم إن كانت هناك نسخ أخرى من مخطوطات من مصادر أخرى لم نطلع عليها.

هناك صعوبة أخيرة وهي أننا لا نملك هذه الأسفار في لغتها الأصلية أي لغة كاتبها، مثلاً: هناك تساؤل عن اللغة التي كتب بها سفر أيوب، ابن عزرا يؤكد أنه قد ترجم إلى العبرية من لغة أخرى وأن هذا هو سبب غموض السفر، يقول سبينوزا: أنا أعد هذه الصعوبات من الخطورة بحيث لا أتردد في القول بأننا لا نعرف معاني كثيرة من الكتاب أو نجملها دون يقين.

نقض أفكار ابن ميمون في التفسير:

  1. يفترض ابن ميمون أن الأنبياء متفقون فيما بينهم على جميع الموضوعات، وأنهم جميعاً فلاسفة كبار ولاهوتيين عظام، وأنهم عرفوا الحقيقة، ويبن سبينوزا خطأ فرضية ابن ميمون في هذا الجانب باختلاف آراء وتصورات الأنبياء كما بين في الفصل الثاني من هذا الكتاب.
  2. يفترض ابن ميمون بأنه لا يمكن البرهنة على معنى الكتاب بالكتاب نفسه، وقد بين سبينوزا في هذا الفصل خطأ فرضية ابن ميمون في هذا الجانب.
  3. يفترض ابن ميمون أنه يحق لنا تفسير الكتاب وتأويله بطريقة متعسفة لآرائنا المسبقة ورفض المعنى الحرفي عمداً واستبداله بمعاني أخرى، حتى لو كان المعنى الحرفي أوضح المعاني أو أقربها إلى الذهن، يقول سبينوزا: نحن لا يمكننا أن نعرف بالعقل ما لا يمكننا البرهنة عليه وهو النور الأعظم من الكتاب كما لا نستطيع شرحه بالطريقة التعسفية لابن ميمون، لكننا نستطيع شرحه بمنهجنا بالاستدلالات والأمثلة.

قراءة في كتاب رسالة في اللاهوت والسياسة للفيلسوف الفرنسي سبينوزا الفصل السادس

كل ما يأتي في هذه المقال مستند لشرط سبينوزا في البحث “تفسير الكتاب المقدس بالكتاب المقدس” ولم يلجأ إلى كتاب غيره لذا وجب التنبيه أن كل ما يرد لا يعني أي شيء آخر غير ذلك.

الفصل السادس

المعجزات:

العامة يظنون أن قدرة الله تظهر إذا حدث في الطبيعة أمر خارق للعادة مناقض لما اعتادوا عليه، ويعتقدون أن أكبر برهان على وجود الله هو الخروج الظاهر على نظام الطبيعة، وعلى ذلك فهم يتخيلون قدرتين متميزتين: قدرة الله، وقدرة الأشياء الطبيعية التي تخضع لقانون الله، ويسمي العامة حوادث الطبيعة الخارقة للعادة معجزات أو أعمال الله، وهم يفضلون أن يجهلوا العلل الطبيعية للأشياء، ويعتقد سبينوزا أن هذا الرأي يرجع إلى اليهود القدماء، فقد قصوا معجزاتهم محاولين أن يبينوا أن الطبيعة مسيرة لمصلحتهم وحدهم بأمر الإله الذي يعبدونه.

الإنسان يتخيل أن الطبيعة محدودة، وأنه هو الجزء الرئيسي فيها حسب أفكار العامة وأحكامهم المشتقة عن الطبيعة والمعجزات، ويبين سبينوزا هنا أربع نقاط مهمة:

أولاً: لا يحدث شيء في الطبيعة فالطبيعة نظام أزلي لا يتغير:

المبدأ الإلهي يقول: إن ما يشاؤه الله، أو يحدده يتضمن ضرورة أو حقيقة أزلية، وهذا استنتاج من عدم تمييز ذهن الله عن إرادته بمعنى: أن الله وفقاً لطبيعته وكماله يتصور الشيء على ما هو عليه وما يريد على ما هو عليه، ومن هذا نتبين أن الأوامر الإلهية تصدر من الطبيعة الإلهية وكمالها، فلو حدث شيء في الطبيعة يناقض قوانينها العامة يكون هذا الأمر مناقضاً لأمر الله، فلو قلنا إن المعجزة الإلهية تخرق قانون الطبيعة، فإننا نقول إن الله خرق القوانين التي سنها في الكون، ويكون هذا حينها اعترافاً منا بأن الله خلق طبيعة تعمل بقوانين وقواعد عقيمة.

سيقول سبينوزا في هذه النقطة بالتحديد: أن، المعجزة حادثة لا نستطيع أن نتبين علتها على مبدأ الأشياء الطبيعية كما ندرك بالنور الفطري، وأجريت على مستوى فهم العامة، وأن الكتب المقدسة روت الوقائع التي يقال عنها معجزات، ويمكن تعيين علتها بالمبادئ المعروفة للأشياء الطبيعية.

ثانياً: لا نستطيع أن نعرف بالمعجزات ماهية الله أو وجوده، ويمكننا الوصول لذلك عن طريق قانون الطبيعة الثابت:

لا يمكن معرفة ماهية الله أو وجوده أو عنايته عن طريق المعجزات، وعلى العكس من ذلك نستطيع أن ندرك تلك الأمور بطريقة أوضح عن طريق نظام الطبيعة الثابت الذي لا يتغير، وبما أن وجود الله غير معروف بذاته، فمن الواجب استنتاجه من أفكار تبلغ من الرسوخ والثبات حداً لا يمكن معه وجود أو تصور قوة قادرة على تغيرها، ولو وجدت قدرة قادرة على التغير، فمن حقنا أن نشك في استنتاجنا أي في وجود الله، وبذلك لو عرفنا المعجزات على أنها أعمال مناقضة للطبيعة يستحيل أن تكون وسيلة لإثبات وجود الله، وعلى العكس إيماننا بأن الطبيعة تملك نظاماً ثابتاً لا يتغير يجعلنا أكثر يقيناً.

المعجزات سواء أكانت لها علل طبيعية، أم لم تكن، فهي عمل يتجاوز حدود الفهم الإنساني، والحق أن كل ما نعرفه بوضوح وتمييز يجب أن نعرفه بذاته أو بشيء آخر يعرف بذاته، ويفسر سبينوزا المعجزة في الكتاب المقدس بوصفها عملاً في الطبيعة يتجاوز الفهم الإنساني.

ثالثاً: أن الكتاب المقدس لا يعني بأمر الله ومشيئته ولا بالعناية الإلهية، بل يعني نظام الطبيعة ذاته بوصفه نتيجة ضرورية للقوانين الأزلية:

يبين سبينوزا معتمداً على الكتاب المقدس أن أوامر الله ووصاياه ليست في الواقع إلا نظام الطبيعة، فعندما يقول الكتاب المقدس أن هذا الشيء، أو ذاك حدث بالفعل طبقاً لقوانين الطبيعة ونظامها لا لأن الطبيعة قد توقفت قد توقفت عن الفعل بعض الوقت، أو أنها خرجت عن نظامها كما يعتقد العامة، والكتاب لا يخبرنا بذلك بشكل مباشر؛ لأن هدفه ليس تعريفنا بالعلوم والعلل، بل بالإيمان وبث الخشوع في نفوس العامة.

يتحدث الكتاب المقدس عن الله وعن الأشياء بأسلوب غير دقيق؛ لأنه لا يريد إقناع العقل بقدر ما يريد إثارة الخيال وشحذ قدرته على التصور فمثلاً: لو روى الكتاب المقدس سقوط دولة بنفس أسلوب المؤرخين لما حرك ساكناً لدى العامة، على حين أن الأثر يعظم عندما يصف ما حدث بأسلوب شاعري وينسبه إلى الله.

رابعاً: الطريقة التي ينبغي بها تفسير المعجزات وما يجب ملاحظته أساساً على الرواية الخاصة بالمعجزات:

كان العبرانيون في زمن يشوع يعتقدون أن الشمس تتحرك حركة تسمى يومية، في حين تظل الأرض ثابتة، ثم كيفوا تلك الفكرة لمعجزة حدثت في أثناء معركتها ضد الملوك الخمسة، فلم يروا فقط أن النهار قد طال أكثر من المعتاد، بل روى أن الشمس والقمر قد توقفا، أي أن حركتهما قد انقطعت، وبدافع من العقيدة تصوروا الأمر، ورووه على نحو مخالف للحقيقة.

من الضروري أن نعرف الراوي الأول وأول من دون الرواية، ثم نميز بين الأفكار والتصور الحسي الذي كان يمكن أن يَتْكون في الواقع، وإلا فإننا سنخلط بين المعجزة نفسها كما حدثت بالفعل وبين أفكار رواتها وأحكامهم.

المعجزات لا تبدو شيئاً جديداً إلا لجهل الناس بأن الكتاب يعلمنا ذلك صراحة، لكنه لا يقول في أي من نصوصه أن شيئاً ما يحدث في الطبيعة مناقضاً لقوانينها، أو يستحيل استنباطه منها.

قراءة في كتاب رسالة في اللاهوت والسياسة لــ سبينوزا الفصل الخامس

كل ما يأتي في هذه المقال مستند لشرط سبينوزا في البحث “تفسير الكتاب المقدس بالكتاب المقدس” ولم يلجأ إلى كتاب غيره لذا وجب التنبيه أن كل ما يرد لا يعني أي شيء آخر غير ذلك.

الفصل الخامس

السبب في وضع الشعائر والإيمان بالقصص، لأي سبب ولأي نوع من الناس كان ضرورياً؟

3-ما هي الغاية التي استهدفت فيما مضى الشعائر الدينية:

يقول سبينوزا: “إن طقوس العهد القديم للعبرانيين وحدهم، وتكيفت حسب دولتهم، وأنه لا يمكن إقامة معظم هذه الشعائر إلا بوساطة المجموعة بأسرها، وأن لا علاقة لها بالقانون الإلهي، وأنها لا تعم في السعادة والفضيلة، وأنها تتعلق فحسب بالنعيم الدنيوي وسلامة الدولة” يستند سبينوزا فيما يقول لدعوة النبي أشعيا الذي حاول أن يجمع بين القانون الإلهي والقانون الشامل، وأنه استبعد الشعائر مما قال: تطهير النفس، ممارسة الفضائل بصفة مستمرة (الأفعال الحسنة)، الإحسان للفقراء.

إذا يقر سبينوزا بأن الشعائر لا تؤدي إلى السعادة مطلقاً، وتتعلق بالمنفعة الدنيوية للدولة، وتقتصر السعادة الروحية على من يحافظ على القانون الإلهي الشامل؛ لأن الأسفار الخمسة لا تبشر إلى بالنعيم الدنيوي وسلامة البدن، وأن موسى لم يعلم اليهود تحريم القتل والسرقة، بل أمرهم بها بصفة المُشرع، هذا بحسب العهد القديم، أما بما يتعلق بالعهد الجديد، فإن المسيح بشر بجزاء روحي لا بمكافأة مادية؛ لأنه لم يبعث لتشريع القوانين، بل لتعليم القانون الإلهي الشامل.

يشير سبينوزا إلى أن الله لم يطلب من اليهود بعد تخريب المدينة شيئاً معيناً، إلا مراعاة القانون الطبيعي الذي يخضع له جميع البشر، وأن الشعائر انقطعت بعد كل انهيار للدولة، وأنهم اتبعوا قوانين من خضعوا إليه، وأن الشعائر التي أقامها اليهود في منافيهم بعد ذلك كانت نكاية بالمسيحين.

تنظيم سياسي طبيعي:

أولا: على المجتمع أن يقيم سلطة تنبثق من الجماعة بحيث يكونون ملزمين بطاعة أنفسهم لا أمثالهم.

ثانياً: أن توضع القوانين في كل دولة بحيث أن يكون الباعث على ضبط الناس هو الأمل في تحقيق خير معين.

ثالثاً: السلطة منتمية إلى جميع الأفراد وتوضع القوانين برضاء الجميع، وإن زادت القوانين يبقى الشعب حراً لأنه يفعل برضائه الخاص.

التنظيم السياسي للعبرانيين:

وضعت قواعد التشريع بالسلطة الإلهية على أن يقوم الأفراد بذلك لا عن كراهية، بل عن طيب خاطر لسببين:

  1. العصيان الطبيعي للشعب يخضع لسلطة القوة وحدها.
  2. الحرب وما يتطلبه النصر من خروج الجند عن اقتناع لا بالتهديد والعقاب.

ويقول سبينوزا أن موسى:

  1. ادخل الدين في الدولة بسلطته الإلهية حتى يقوم الشعب بواجباته بإخلاص لا عن رهبة وخوف.
  2. وربطها لهم بالمنافع وأعطاهم وعوداً كثيرة باسم الله.
  3. ورفض أن يقوم الشعب بأي فعل بإرادته حتى يضل الشعب مقيداً بكلمة الرئيس الآمر

4-ما الفائدة من معرفة الروايات المقدسة والتصديق بها :

لأي نوع من الناس يكون التصديق بالروايات التاريخية في الكتاب المقدس ضرورياً؟ ولأي سبب؟

إذا أردنا أن نعلم أمة ما أو البشرية عقيدة، ونجعل الناس يفهمونها بكل تفاصيلها، يجب أن نثبتها بالتجربة، وأن نجعل تعريفاتها ملائمة لمستوى فهم العامة أي الأغلبية، دون اللجوء إلى التعقيدات التي تخاطب النخب.

الكتاب المقدس أُوحي لكي تفيد منه أمة كاملة أو البشرية لذا تحتم أن يتلاءم محتواه مع أفهام العامة، والأساس في الكتاب المقدس أن هناك إلهاً موجوداً صنع كل شيء، ويحفظه بحكمة عليا، وهو يرعى البشر المؤمنين السائرين على التقوى والأمانة أعظم رعاية، ويعاقب سواهم بالعذاب. يثبت الكتاب المقدس هذه الأمور بالتجربة أي عن طريق القصص التي يرويها على مستوى وعي العامة.

معرفة هذه القصص ومعرفتها ضروري إلى أقصى حد للعامة الذين لا نقوى أذهانهم على إدراك الأشياء بوضوح وتميز، ومن ناحية أخرى من ينكرها ولا يعتقد بوجود إله يمكن أن يعد كافراً.

يقول سبينوزا: إن العامة يعجبون بالقصص ونهاياتها العجائبية أكثر مما يعجبون بالعقيدة لذا كانوا بحاجة إلى كاهن لكي يعطيهم العبر التي تتضمنها هذه القصص بأسلوب يتناسب مع تكوينهم الذهني، ويعود سبينوزا لموضوعه الرئيسي، ويضع ثلاث نقاط في النهاية:

  1. التصديق بالروايات أياً كانت لا صلة له بالقانون الإلهي.
  2. لا تعطي السعادة الروحية للناس.
  3. ولا فائدة من القصص إلا بقدر ما تساعد على إقامة عقيدة.