قراءة في كتاب “رسالة في اللاهوت والسياسة” لـ سبينوزا الفصل الثامن عشر والتاسع عشر والعشرون

كل ما يأتي في هذه المقال مستند لشرط سبينوزا في البحث “تفسير الكتاب المقدس بالكتاب المقدس” ولم يلجأ إلى كتاب غيره لذا وجب التنبيه أن كل ما يرد لا يعني أي شيء آخر غير ذلك.

الفصل الثامن عشر

استنتاج بعض النظريات السياسية من دولة العبرانيين وتاريخها

لو أراد بعض الناس تفويض حقهم للهن وجب عليهم عقد ميثاق صريح مع الله كما فعل العبرانيون من قبل، لا تكفي إرادة التفويض الجماعي للحق، بل لا بد من إرادة الله الذي يفوض له هذا الحق، على أن الله قد أوحى للحوارين أن حلفه لن يكون بالمداد أو على الحجر ، بل بروح الله في القلوب.

لا يلائم نظام الحكم الثيوقراطي الديني إلا شعباً معزولاً يريد أن يعيش دون علاقات مع الخارج مغلقاً على نفسه داخل حدوده، ومنفصلاً تماماً عن باقي العالم، لذلك لا ينطبق هذا النظام إلى على نطاق محدود للغاية ومع ذلك فإنه لا يصلح أنموذجاً في عصرنا الحالي، ولكنه يقدم بعض السمات التي يجدر ذكرها:

  1. لم تنشأ الفرق الدينية إلا في عصر متأخر عندما أصبح للأحبار في الدولة الثانية سلطة إصدار القرارات وتصريف شؤون الدولة، اغتصبوا لأنفسهم حق النقيب وأرادوا أن ينصبوا أنفسهم ملوكاً.
  2. الأنبياء وهم مجرد رعايا عاديين دفعوا الناس إلى التطرف أكثر مما دفعوهم للإصلاح نتيجة الحرية التي استباحوها لأنفسهم في التعرض للناس وفي سبهم ولومهم، على حين استخدم الملوك السلطة العادية على أن يحملوا الناس للتسليم دون مقاومة.
  3. طوال فترة حكم الشعب لم تنشب إلى حرب أهلية واحدة، وانتهت دون أحقاد، لكن عندما تغير النظام إلى ملكي توالت الحروب الأهلية دون توقف.

الدين والدولة:

  1. من الخطورة على الدين وعلى الدولة إعطاء من يقومون بشؤون الدين الحق في إصدار القرارات، أو التدخل في الشؤون العامة للدولة، ويجب أن تقتصر سلطة رجل الدين في الإجابة على الاستفسارات الدينية.
  2. من الصعوبة أن نجعل القانون الإلهي معتمداً على المذاهب التي تقوم على النظر البحت، وأن نضع القوانين على أساس من الآراء التي هي على الأقل موضع خلاف دائم بين الناس.
  3. من الضروري الاعتراف للسلطة العليا بالحق في تقرير ما هو شرعي وما هو غير شرعي، وذلك تحقيقاً لمصلحة الدين والدولة على السواء.
  4. شعباً لم يتعود أن يعيش في ظل حكم ملكي، يسوء حاله لو نصب عليه ملكاً، فمن ناحية لا يستطيع الشعب تحمل سلطة ملكية قوية، ومن ناحية أخرى لن تسمح السلطة الملكية بأن يكون هناك تشريع آخر، وشرعته سلطة أقل منها شأناً.

الفصل التاسع عشر:

وفيه نبين أن السلطة الحاكمة هي وحدها صاحبة الحق في تنظيم الشئون الدينية، وأن الطاعة الحقيقية لله تحض على الاتفاق بين ممارسة العبادات الدينية وبين سلامة الدولة.

إن العدل والإحسان لا يأخذان قوة القانون والأمر إلا بحق الدولة، وأن الدين لا يكتسب قوة القانون إلا بإرادة من لهم الحق في الحكم، وأن الله لا يمارس حكماً خاصاً على البشر إلا بواسطة أصحاب السلطة السياسية، بهذا المعنى يتضح لنا أن السلطة العليا الحاكمة يجب أن تكون هي المفسرة للدين بالنسبة لشعوبها، وأنه لا يمكن لأحد أن يطيع الله حقاً إلا إذا اتفق سلوكه الديني مع المصلحة العامة، وأطاع قرارات السلطة العليا.

لا يمكن لأحد أن يعرف المصلحة العامة إلا بناءً على قرارات السلطة الحاكمة المسؤولة عن تصريف الشؤون العامة، وإذا لا يستطيع أحد أن يمارس الإيمان الصادق أو أن يطيع الله إلا إذا أطاع قرارات السلطة الحاكمة.

يضرب سبينوزا:

  1. الأنبياء أنفسهم بالرغم مما كان لديهم من قوة إلاهية، لم يستطيعوا لكونهم أفراداً عاديين لا يملكون سلطة أن يصلحوا الناس عن طريق الوعيد واللوم والتحذير، على حين لم يجد الملوك أي عناء في التأثير في رعاياهم بالوعيد والعقاب.
  2. الملوك أنفسهم بما أنهم لا يملكون حق التشريع الديني، كانوا في أكثر الأحيان ينحرفون عن طريق الدين، ويجرون ورائهم الشعب كله، وهذا ما حدث في الدول المسيحية.

الفصل العشرون:

وفيه نبين أن حرية التفكير والتعبير مكفولة لكل فرد في الدولة الحرة.

الغاية القصوى من تأسيس الدولة ليست السيادة، أو إرهاب الناس، بل هي تحرير الفرد من الخوف بحيث يعيش كل فرد بأمان قدر الإمكان، وأن يتمتع بحقه الطبيعي في الحياة والعمل دون إلحاق الضرر بالآخرين، وأن تتيح الفرصة للأفراد بدنياً وعقلياً كي يقوموا بوظائفهم في أمان تام، بحيث يتسنى لهم استخدام عقولهم استخداماً حراً دون إشهار لأسلحة الحق أو الغضب أو الخداع، وبحيث يتعاملون معاً بدون ظلم أو إجحاف، فالحرية إذاً هي الغاية الحقيقية لقيام الدولة.

الشروط التي يستطيع الفرد بموجبها أن يعبر عما يفكر فيه دون تهديد للسلام، أن يترك للسلطة العليا اتخاذ القرارات العملية، وألا يقوم بشيء ضد هذه القرارات، حتى لو اضطر أن يسلك على نحو مخالف لرأيه الذي يجاهر بصوابه، وقتئذ لا يمثل سلوكه أي خطورة على العدالة أو التقوى.

الشروط التي يستعمل بها الفرد حريته في الرأي دون أن ينال من حق السلطة العليا، وهو تجنب الآراء التي تعارض العهد المتفق عليه مجتمعياً وسياسياً تعارضاً مباشراً، ومن أهمها: الآراء التي تؤدي إلى الفتن، أو التي تؤدي إلى نقض العهد الذي تخلى به الفرد في حقه أن يفعل ما يشاء، الرأي الذي ينكر استقلال السلطة العليا من المبدأ.

بقلم

أفاتار غير معروف

كتابات

انسان بسيط له رأي

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.