
كل ما يأتي في هذه المقال مستند لشرط سبينوزا في البحث “تفسير الكتاب المقدس بالكتاب المقدس” ولم يلجأ إلى كتاب غيره لذا وجب التنبيه أن كل ما يرد لا يعني أي شيء آخر غير ذلك.
الفصل الرابع عشر
ما هو الإيمان؟ وأي الناس هم المؤمنون؟ تحديد أركان الإيمان، وأخيراً الفصل بين الإيمان والفلسفة
يعرف سبينوزا الإيمان بأنه: الإيمان هو أن ننسب إلى الله بالفكر خصائص يؤدي الجهل بها إلى ضياع الطاعة، على حين أن وجود الطاعة يستتبع وجود هذه الخصائص بالضرورة:
- يجلب الإيمان الخلاص لا بنفسه، بل لأنه يتضمن الخضوع.
- إذا وجدت الطاعة وجد الإيمان، الإنسان المطيع حقاً ه صاحب الإيمان الحق، الإيمان الذي يكون الخلاص ثمرة له.
- لا يكون الحكم على أحد أنه مؤمن أو غير مؤمن إلا بأعماله.
أركان الإيمان بحسب الكتاب المقدس كما يراها سبينوزا:
- يوجد إله، أي موجود أسمى، خير ورحيم على نحو مطلق.
- الله واحد لا شريك له، وهو أمر لا يشك أحد أنه ضروري ضرورة مطلقة، لكي يكون موضوعاً أسمى للخشوع والإجلال والمحبة.
- الله حاضر في كل مكان ويرى كل شيء.
- لله الحق والقدرة المطلقة على كل شيء، وهو لا يجبر على أفعاله، بل يفعل ما يشاء بمشيئة مطلقة وبفضل يتفرد به.
- عبادة الله وطاعته لا تكون إلا في العدل والإحسان، أي في حب الجار.
- لا يتم الخلاص إلا لمن يبقون هذه القاعدة في الحياة، أي لمن يطيعون الله.
- يغفر الله للتائبين خطاياهم، وكل بني آدم خطاؤون، وهذا سبب للرحمة الإلهية.
الفرق بين الإيمان والفلسفة:
لا توجد أي صلة أو قرابة بين الإيمان والفلسفة، وهما متعارضان أشد التعارض، فغاية الفلسفة هي الحق وحده، وغاية الإيمان هي الطاعة والتقوى، الأسس التي تقوم عليها الفلسفة هي الأفكار المشتركة وهذا يجب أن نستخلصه من الطبيعة وحدها، أسس الإيمان هي التاريخ وفقه اللغة، وهي أسس يجب أن تستمد من الكتاب والوحي وحدهما.
الفصل الخامس عشر:
وفيه نبين أن اللاهوت ليس خادماً للعقل وأن العقل ليس خادماً للاهوت، السبب الذي يدفعنا إلى التسليم بسلطة الكتاب المقدس.
هل يجب إخضاع الكتاب للعقل؟ أم إخضاع العقل للكتاب؟ الموقف الأخير موقف الشكاك الذين ينكرون دور العقل، والأول موقف القطعيين، وفي نظر سبينوزا أن النظريتين مخطئة أشد الخطأ، ففي كلتا الحالتين يصبح الكتاب فاسداً، وقد بين سبينوزا أن الكتاب المقدس لا يُعلم الفلسفة، بل يدعو إلى التقوى وحدها.
يقول سبينوزا: بما أن الأنبياء قد أوصلوا الحقيقة بالإحسان والعدل وفضلوها على كل شيء آخر، يحق لنا أن نؤمن بأنهم لم يريدوا خداعنا عمداً، بل كانوا يتحدثون بإخلاص عندما دعوا إلى أن السعاة الروحية للبشر إنما تكون في الطاعة والإيمان، ولما كانوا قد أيدوا دعواتهم هذه بالآيات، فإن هذا كفيل بإقناعنا أنهم كانوا جادين في حديثهم وأنهم لم يكونوا يهذون وهم يتنبؤون، ويزيدنا قناعة أن تعاليمهم الخلقية متفقة مع العقل، إذ إن الاتفاق التام بين كلام الله الذي أعطاه للأنبياء وكلامه الذي يوجد في أعماق سرائرنا، أمر له أهميته القصوى، وبذلك تكون المعتقدات التي نستخلصها الآن من الكتاب مماثلة ليقيننا لتلك التي استخلصها اليهود من قبل من الكلام الذي سمعوه من النبي بالفعل.