
كل ما يأتي في هذه المقال مستند لشرط سبينوزا في البحث “تفسير الكتاب المقدس بالكتاب المقدس” ولم يلجأ إلى كتاب غيره لذا وجب التنبيه أن كل ما يرد لا يعني أي شيء آخر غير ذلك.
الفصل العاشر
فحص باقي أسفار العهد القديم بالطريقة نفسها
في البداية لا يقول سبينوزا شيئاً عن سفري الأخبار إلا أنها كتبت بعد عزرا بمدة طويلة أو أنها كتبت بعد أن أعاد يهوداس المكابي بناء المعبد، ولا يعرف لها مؤلفون ولا السلطة التي يجب الاعتراف بها لها، ولا عن فائدتها أو العقيدة التي تعرضها، بل إنه يتعجب من أنها دخلت ضمن الكتاب المقدس في حين أخرج سفر الحكمة من الكتب المنتقاة.
جمعت المزامير وقسمت لخمسة أسفار بعد إعادة بناء المعبد ويقول فيلون اليهودي: أن المزمور 88 كتب وما زال الملك يواكين في السجن في بابل، وكتب المزمور 89 بعد إطلاق سراحه، ويقول سبينوزا: من المؤسف أن الأشياء المقدسة والأفضل من بينها، كانت متوقفة على اختيار أناس كهؤلاء، بهذا يشكك سبينوزا في نزاهة الرواة الناقلين والكتاب ورغم تشككه يشكرهم على أنهم نقلوا الأسفار لكنه يعود ويتساءل عما إذا كانوا نقلوها بالأمانة والنزاهة اللازمين.
يقول سبينوزا: عندما أفحص أسفار الأنبياء أجد أن النبوات التي جمعت فيها قد أُخذت من كتب أخرى ورتبت ترتيباً معيناً لم يكن دائماً هو الترتيب الذي سار عليه الأنبياء في أقوالهم أو في كتاباتهم، كما أن هذه الأسفار لا تتضمن جميع النبوات، بل ما أمكن العثور عليه من هنا وهناك، وإذاً فليست هذه الأسفار إلا شذرات من الأنبياء.
ملاحظات سبينوزا:
- يظهر بوضوح أنه لم تكن هناك مجموعة مقننة من الكتب المقدسة قبل عصر المكابين.
- الكتب المقننة الموجودة الآن أختارها فريسيو المعبد الثاني من بين كثير غيرها وذلك بقرار منهم وحسب.
- الفريسيون هم أيضاً واضعوا صيغة الصلاة.
- يشترط سبينوزا أنه يجب إثبات المصدر الإلهي لكل الأسفار ولا يجوز أن نثبت إلهية سفر واحد ونستنتج المصدر الإلهي للأسفار كلها.
أسباب أن سبينوزا نسب الكتب المقننة الموجودة للفريسين:
- نبوءة سفر دانيال الإصحاح الأخير الآية 2 ببعث الموتى، وهو البعث الذي أنكره الصدوقيون.
- ما أشار إليه الفريسيون أنفسهم في التلمود في رسالة السبت (قال الحبر: يهوذا ربي، أراد الأذكياء إخفاء سفر الجامعة لأن أقوالهم مناقضة لأقوال الشريعة “أي سفر شريعة موسى” ولكن لماذا لم يخفوه؟ لأنه يبدأ طبقاً للشريعة وينتهي طبقاً للشريعة) ويقول بعد ذلك بقليل: (وأرادوا أيضاً إخفاء سفر الأمثال).
- في رسالة السبت (كان هذا الرجل نيخونيا بن حزقيا مشهوراً بحرصه وعنايته، إذ لولاه لاختفى سفر حزقيا لأن أقواله تناقض أقوال الشريعة.
الفصل الحادي عشر:
مبحث فيما إذا كان الحواريون قد كتبوا رسائلهم بوصفهم حواريين وأنبياء أم بوصفهم معلمين، ثم في دور الحواريين.
- الطريقة التي نقل بها الحواريون عقيدة الإنجيل تختلف اختلافاً كبيراً عن طريقة الأنبياء، فالحواريون يستعملون الاستدلال في كل الأحيان، حتى لا يبدوا أنهم يتنبؤون، بل يجادلون، وعلى العكس، لا تحتوي النبوات إلا على عقائد وأوامر، لأن الله نفسه الذي يتحدث.
- سلطة النبي لا تتلاءم مع الاستدلال فمن يريد إثبات العقائد التي يعتنقها بالاستدلال، يخضعها بذلك لحكم كل فرد، ويبدوا أن هذا ما يفعله بولس لأنه يستدل.
- الرسل يبلغوننا في الأمور الموحى بها، لا الأمور التي يمكننا إدراكها بالنور الطبيعي، أي بالاستدلال.
هكذا فإن طرق حديث الحوارين وأسلوبهم في المناقشة يدل وبوضوح تام أن الكتابات لم تصدر عن وحي وتفويض إلهي، بل هي أحكام شخصية وطبيعة لمؤلفيها، ولا تتضمن غير نصائح أخوية مقترنة بتعبيرات مجاملة مهذبة، كما تشير بعض النصوص على أن الحوارين اختاروا بأنفسهم ومحض إرادتهم الأماكن التي يبشرون فيها، وبهذا يستنتج سبينوزا: أن الحواريين قد قاموا بالتبشير بوصفهم معلمين لا بوصفهم أنبياء.