الرواية .. الكاتب إله الرواية ..

ربما لا يعجب هذا المصطلح فئات كثيرة، لكنه يعجبني بلا شك، فالكاتب هو إله الرواية الذي يفعل كل شيء فيها يحي ويميت، يوزع الأموال والمناصب، ويخلق المشاكل ويضع الحلول، ويبني الشخصيات ويهدمها، وإلى هذا الحد يقف دور الكاتب، فهو إله في نصه الذي يكتبه ولا تستطيع قدراته أن تتجاوز هذا النص، فقدرته الهائلة في الرواية تقف عاجزة مثلاً عن إيجاد القبول أو رفض العمل أدبياً أو شعبياً، نتفق إذا أن الكاتب إله الرواية، لكنه عندما ينتهي منها يخضع للمعاير التي يخضع لها البشر في الواقع.

ما يجب على الكاتب في هذه الجانب الذي يبني فيه الرواية، ويتحكم في النسق أن يجد له طريقة مناسبة ومتزنة في طرح القضايا والأحداث وخلق الشخصيات، بحيث يتتبع القارئ خيط التشويق الذي يجعله يستمر في القراءة لمعرفة النهايات، دون أن يزهد في الرواية ويتركها، فتشابك الأحداث وتتابعها مهم جداً، وكذلك حجم الحدث وموضعه في العمل، فأن تبدأ الرواية بكارثة، يتوجب عليك أن تعطي هذه الكارثة حجمها الطبيعي المقبول لدى الجمهور فلا ترفعها أكثر، فتنهار ولا تسخطها فتتحول لحدث عرضي، لكن يمكنك أن تظهر الجوانب الخفية في الكارثة كالجانب الإنساني أو الاقتصادي أو الاجتماعي، وبهذا الأسلوب تتضخم الكارثة في عين القارئ، دون أن يكون فيها شذوذ عن الواقع.

يجب أن يكون هناك توازن، فأن تكتب شيئاً معقولاً يساير الواقع أو أن تكتب شيئاً في الخيال، يخالف الواقع أو أن تبالغ في طرح القضايا وتضخمها بالقدر الذي يفوق لفت الانتباه، ويصل لدرجة الاشمئزاز، فأنت تخلق أحداثاً في كل الاتجاهات تبنيها بتصورك الشخصي، لأن الرواية تصور شخصياً للأحداث مهما تبنت من مراجع، أو تضمنت كوارث، فهي تفسر الواقع والتاريخ بعين واحدة، والمبالغة أو الاختزال لها موقعها في الرواية فبعض الأمور يجب أن يرتفع فيها نسق التفاصيل وبعضها يأفل فيها ذلك النسق، وكل القضايا والشخصيات والأحداث يربطها أسلوب الكاتب وكيفية الطرح، فالأسلوب يجعل من الغريب مقبولاً، ومن المستنكر جائزاً، ومن الشاذ طبيعياً.

إذا أحسن الكاتب الصياغة، واستطاع أن يصل بالأحداث لمستوى الإقناع لدى القارئ يكون العمل تجاوز الإرباك وفك الاشتباك الذي يحدث بين الشخصية والحدث في الرواية، وحتى لو لم يعجب العمل الأدبي المختصين، ووجد نقداً لاذعاً، واكتشفوا فيه الكثير من الأخطاء التكوينية، يمكن للعمل أن يتجاوزهم جمعياً في عين الجمهور، ويكون مقبولاً أو ناجحاً أو مبهراً.

الإله يتحكم في كل شيء من البداية حتى النهاية، والكاتب إله الرواية، وهو المتحكم فيها، وعليه أن يخلقها بشكل جميل، وأن يعود إلى الواقع أو تصوراته؛ لأن الواقع هو ما يربط الرواية في ذهن القارئ، فوجود الإنسان في رواية خيالية هو بحد ذاته واقع؛ لأن الإنسان واقع، والأحداث الخيالية تدور حوله، أو تشابه الأحداث بين عالم افتراضي كامل مع الأحداث في عالمنا، مع الفرق في التشكيل والتلوين والبهرجة التي يضعها الكاتب لكي يكون عالماً خيالياً يناسب الطرح.

بقلم

أفاتار غير معروف

كتابات

انسان بسيط له رأي

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.