الأدب القطري الرؤية المعاصرة “الرواية”

أن الرواية تتميز أكثر من أي نوع أدبي آخر بعملية التأثير والتأثر في المجتمع الذي تنشأ فيه، فهي انعكاس لبنية المجتمع وتحمل بين أحداثها الأنساق الثقافية المختلفة، لذلك فإن الرواية لم تنعزل عن المجتمع، والرواية الخليجية والقطرية بشكل خاص تستقي مادتها من الحياة الاجتماعية والعلاقات الأسرية، وتجارب الحياة الواقعية والموضوعية في حياة الكاتب والروائيين، أو ما يجري حولهم.

تعتبر شعاع خليفة ودلال خليفة رائدات الرواية القطرية، حيث أصدرت شعاع خليفة روايتها الأولى “العبور إلى الحقيقة” عام 1993 ثم أصدرت في العام نفسه روايتها الثانية “أحلام البحر القديمة”، في حين كتبت دلال خليفة روايتها الأولى “أسطورة الإنسان والبحيرة” عام 1994، ويعتبر د. أحمد عبدالملك هو أول من كتب رواية من الرجال عام 2005 “أحضان المنافي.

الإطلالة النسائية للرواية كانت متوجهة لهذا الفن السردي تحديداً، دون غيره، وبعد هذا السبق النسائي في مجال الرواية، توالت بعده إصدارها العديد من الأعمال الروائية، التي أنتجها روائيون من الجنسين، فيما أدى زخم التجارب الروائية القطرية، إلى ترسيخ حضور هذا الجنس الأدبي على المستوى الإبداعي، بعدما كان فنًا متواريًا لفترة من الزمن على حساب الشعر والقصة القصيرة، ما يعني أن هذا الجنس الأدبي كان هو الأكثر استقطابًا للمبدعين القطريين، لدرجة دفعته إلى الاستحواذ على المشهد الإبداعي، بشكل يفوق غيره من أشكال الإبداع المختلفة.

الرواية القطرية شأنها شأن الرواية العربية، لم تخرج عن الأنماط التي درجت عليها، إلا فيما يتعلق بدور البيئة والجوار الجغرافي، نعني بوصفها مكونات البيئة ودورها في تشكل فكر وسلوك الإنسان، شاطئ البحر كان موطناً للعب الأطفال، ومحل ذكرياتهم، وهو مكان وداع البحارة في رحلة الغوص الشاقة والمحفوفة بالمخاطر، وأيضا مكان استقبال البحارة بعد انتهاء موسم الغوص. كما كان عرض البحر مسرحا للقتال والحروب ومقاومة المستعمر.

تقول الباحثة عفيف الكعبي في بحثها المقدم لجامعة قطر.

يلاحظ اتكاء الروائيين القطريين على مرجعية ثقافية في أعمالهم الروائية، ولعل من أبرز المرجعيات التي اعتمدوها المرجعية الواقعية، وهي الأكثر حضوراً منذ بدايات الرواية وحتى الوقت الحالي، حيث كان الواقع ميداناً أرحب لمناقشة الأفكار والمضامين التي تقلق الروائي في زمانه وما يحيط به من أحداث، ولما كان المجتمع القطري مجتمعاً محافظاً انتقل بفعل اكتشاف البترول ليكون مجتمعاً استهلاكي أصبحت الموضوعات الاجتماعية الأكثر حضوراً في مناقشة الواقع، ومع هذا الحضور اللافت للمرجعية الواقعية لم يمنع ذلك من توظيف مرجعيات أخرى، مثل المرجعية الأسطورية، ثم دخلت المرجعية التاريخية، مع الألفية الثالثة بدأت مناقشة قضايا ثقافية مثل قضايا المثقف أو قضايا الآخر ونبش المسكوت عنه مثل “اختلاف المذاهب الإسلامية وتعامل ” المسلمين مع المسيحيين”

وهذا يشير إلى وجود بعض المرجعيات في الأعمال الروائية في قطر، ولكن لا يمنع هذا من غياب مرجعيات أخرى ذات أهمية مثل: المرجعية الفلسفية ومرجعية التراث الأدبي وغيرهما، مما يصلح أن يكون مرجعية للأعمال التخيلية كالرواية.

وقد قال د. أحمد عبدالملك في كتابه (الرواية في قطر: قراءة في الاتجاهات)

وضح نقاط ضعف وقوة الرواية القطرية، حيث ذكر أن من نقاط ضعف الرواية القطرية ظهور بعد الروايات على شكل حوارات بين شخصيات تغلب عليها النمطية أو التصوير الفوتوغرافي، ومن ثم خلت من بلاغة السرد الذي هو عماد الرواية، ولكن في المقابل هناك نقاط قوة عديدة في بعض الروايات القطرية.

وقد حدد الكاتب الاتجاهات في الرواية القطرية في خمس نقاط:

أولاً الحدث: أغلب الروايات تتحدث عن الملامح العامة لحياة الناس قديماً على الأغلب وحديثاً بشكل أقل أو يتعلق بالتاريخ بشكل مباشر، أو الشكل الأسطوري (الفانتازي) وأحياناً يحمل الحدث قيمة فلسفية فيما يتعلق بالآخر، ، فإن الحدث في رواية “زبد الطين” يبدو أكثر إنسانية حيث يرتبط بالعلاقة مع الآخر الغريب.

ثانياً الزمان: الزمان في الرواية القطرية تحكمه القرية والمدينة في أغلب الأحيان كما تحكمه نوعية الرواية نفسها، وأحياناً يتلاشى الزمان ويغيب عن الأحداث، أو يبتكر الكاتب زماناً متخيلاً.

ثالثاً المكان: اختلف المكان في الرواية القطرية كما اختلف الزمان، منها ما ارتبط بالفضاء الخارجي حيث الانتقال من مدينة إلى أخرى، وأحياناً تقل كثافة المكان أو تزيد وتقوى لتكون ضمن شخصيات الرواية، أيضاً استخدم الكتاب القطريون تعتيم المكان أو محوه من الرواية فلا يكون هناك “مكاناً محدداً” وأحياناً أخرى يجمع الكاتب بين الأماكن الواقعية والأماكن الأسطورية.

رابعاً الشخصيات: ذهب د. أحمد عبد الملك إلى أن الشخصيات في الرواية القطرية تنقسم إلى نوعين: نوع متحرك ينمو مع الحدث، ونوع جامد لا يتأثر بالحدث ولا يتطور.

خامساً جماليات السرد: الرواية القطرية لم تخلُ من جماليات السرد واللغة البلاغية الراقية والتصوير الفوتوغرافي الجميل. وبهذا تكون الرواية القطرية حافظت على جمالها اللغوي وإضافة صور من الواقع من دولة قطر ومشاهد أخرى متخيلة.

وقد أشار الأستاذ مرسل خلف الدواس في بحثه

إن حداثة التجربة في الرواية القطرية جعلتها تدخل مباشرة في أجواء العصر، مع الأخذ بعين الاعتبار خصوصية الثقافة، والمحاذير والملابسات التي قد ترافق المصطلح والمنهج والعادات والتقاليد والدين، سواء أكان حداثياً أو ما بعد الحداثي وذلك بسبب أن الروائيين القطريين من مخرجات التعليم المعاصر ولا بد أن يكونوا قد تأثروا بمناهج التعليم الحديثة، وثقافة معلميهم سواء في المدارس أو الكليات والجامعات، لا سيما أن أغلب المعلمين في دولة قطر من البلدان العربية التي كان لها السبق في عالم الرواية.

وقال إن الرواية القطرية استطاعت في بعض ملامحها تجاوز القواعد المألوفة والتحرر من القيود التقليدية للرواية في أنماطها وفي نماذجها، أي أنها نتاج عصرها شكلا ومضمونا، بعيداً عن تقييم مضامينها التي تتفاوت درجة قوتها أو ضعفها بين روائي وآخر والسبب أنها ليست رواية سكونية، بل رواية حية، متحركة ومتفاعلة، والدليل مرور السرد الروائي فيها بمراحل عدة من المرحلة الوصفية إلى التجريبية إلى الرمزية، “وبهذا المنظار يصبح العمل الروائي أداة إيديولوجية تسعى إلى أن يكون لها موقعها من صيرورة الواقع.

وأضاف من خلال تتبع الرواية القطرية، نلحظ حضور البعد الأيدلوجي بشكل يجعله أحد المظاهر اللافتة في النص السردي القطري، مظاهر تعكس العمق الذي بلغه الروائي القطري، والرواية القطرية؛ فمنحهما القدرة على المنافسة، وتجاوز الواقع المحلي نحو آفاق أرحب من الانتشار والتوسع، وهو أمر تأكد من خلال ترجمة بعض الروايات القطرية إلى لغات أخرى.

استطاعت الرواية القطرية أن تتجاوز الظاهر وتنفذ إلى العمق، ولم تقف على الحياد في قضايا ذات صلة بالبنية العقائدية والثقافية والاجتماعية للمجتمع.

رغم ذلك توجد إشكالية أخرى في الرواية القطرية تطرق لها الباحث د. رامي أبو شهاب، حيث إن أول رواية قطرية تأخرت في الظهور حتى 1993 أوضح الباحث:

أن السرد القطري في سعيه للحاق بركب الكتابة السردية الخليجية والعربية، يبدو في بعض الأحيان مضطراً لحرق المراحل، مع محاولة السعي إلى تجاوز الانشغال بكشف التكوين العميق وإشكاليات الأنا القطرية التي تبدو متنافرة، وشديد التباين والتخالف نتيجة المبدأ التجاوزي في الكتابة، أو نتيجة التعبير عنها، ومع ذلك، فإن ثمة نماذج تحيل إلى وعي عميق بوحدة القضايا ضمن جمال الصورة الكلية على الرغم من الفوارق.

 ففي بعض الأحيان نجد السعي نحو تكوين هوية خاصة بالأدب القطري، لتكوين معطى ما زال ملتبساً وغامضاً ، وهذا يبرز عبر أسئلة تتعلق بالمنظور القيمي وجدلية المعاصرة بوصفها رياحاً تحمل التغيير.

الرواية القطرية عامة تسعى للكشف عن عميق المكون النفسي للشخصية، وعدم القدرة على التأقلم، فالشخصيات في العديد من الروايات تبدو مرتبكة نتيجة ماضٍ منجز، ومستقبل طارئ حملته تحولات الحداثة الجديدة، وعصر النفط، وهذا ينسجم مع العديد من الروايات التي تتسم بالارتداد نحو الداخل، أو إلى معاني الماضي، والتوجس من العوامل الطارئة، والحرص على القيمي، والأخلاقي وهيمنة الذكورة.

بوجه عام نستطيع أن نقول إن الرواية القطرية تطورت وانتشرت بشكل سريع ونالت اهتمام فئة القراء في المجتمع ومع ذلك فإنها تعاني في بعض الجوانب من أهمها:

• صغر حجم البيئة الثقافية في قطر نظراً لعدد السكان.

• غياب بيئة نقدية جادة يمكنها أن تمييز الأعمال الروائية الجيدة.

• قلة عدد المنتديات الأدبية والثقافية التي تهتم بالرواية (وهنا نقول إن مواقع التواصل الاجتماعي في السنوات الأخيرة أوجدت بيئة جديدة ومتنفساً للكتاب القطريين ووفرت لهم الالتقاء ومناقشة كُتاب ومهتمين من ثقافات متعددة).

• غياب المجلات الأدبية المتخصصة في مجال الرواية والقصة.

• ندرة الدراسات والأبحاث التي تفكك وتحلل وتنقد الرواية القطرية.

ويقف كاتب الرواية في قطر عند خطوط حمراء ومحاذير، فالخطوط الحمراء تضعها أجهزة الرقابة على الأعمال الأدبية، والمحاذير يضعها المجتمع والدين، فيقف عاجزاً في أغلب الأحيان أمام مشاهد روايته حين يرغب في التحدث عن الجنس مثلاً أو الدين أو العادات والتقاليد ورغم أن هناك أعمالاً تجاوزت هذا التفكر بنسبة محدودة إلا أنها لم تتجرأ وتكسر الحاجز حيث أن كل المعطيات المضادة لنقاش الأمور الحساسة لا تزال قائمة في المجتمع ولم تتأثر رغم التطور العلمي والعمراني السريع الذي نقل المجتمع لحياة تختلف عن الماضي الذي أسس تلك الخطوط الحمراء وتلك المحاذير، مما يضطر الكاتب للترميز والاختزال لكي يجعل الأفق مفتوحاً أمام المتلقي.

ورغم ذلك الرواية القطرية تتطور وتنتشر بشكل جيد وسريع ومن أهم ميزاتها أن هناك جيلاً شاباً يكتب مما يتيح له فرصة اكتساب الخبرات والتطور التدريجي عبر مراحل الكتابة المختلفة.

كذلك تقوم المؤسسات الثقافية في الدولة سواء كانت وزارة الثقافة أو غيرها من الجهات بجهود حثيثة في دعم المشهد الروائي القطري والعربي من خلال الجوائز والورش والتدريبات والدعم المستمر للكتاب والمبدعين واستقطاب الشباب أصحاب المواهب المتميزة إلى حقل الإبداع الروائي والقصصي.

بقلم

أفاتار غير معروف

كتابات

انسان بسيط له رأي

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.