
عن الرحيل أكتب ولم أصل لمعنى واضح هل يعني رحيلي أم رحيلها؟ فكلنا رحل لما يريد وكلانا يحمل داخله سبباً يحميه ليدافع عن نفسه ويضع دروعه لتقيه السهام، تلك الأسئلة التي يلقيها من يعرفنا عند اللقاء تصيب مقاتلنا دون قصد وتحيي فينا ضعفنا الذي نخفيه خلف الإجابات المترددة والغريبة التي نقولها، تهتز دروعنا ولا نتخلى عنها مؤمنين بأننا لا نريد أن نعود سوياً ويبقى السؤال الذي لا توجد له إجابة من المخطئ؟
من تخلى عن الآخر ورحل، وهل للرحيل ملامح تصفه غير الأسئلة التي تضع حدود العلاقة بين سهمٍ ودرع؟ بين لما وهكذا؟ وتموت الرماح وتثقب الدروع عندما نجلس في وحدتنا نسترجع الذكريات التي تطل رغماً عنا من ثنايا الذاكرة لتلك الكلمات واللمسات، حينها فقط ندرك أننا كاذبون نلبس ثياب النزاهة لنبرأ أنفسنا من الخطأ الذي نتج عن خطأ ومن الحب الذي نتج عن لقاء ومن الجرم المتمثل في الرحيل، كلانا طعن الآخر ورحل وعلينا أنا نعالج أنفسنا منفردين هذه المرة وننسى أننا كنا نقف سوياً في كل المواقف السابقة.
أنا، حينما كنا سوياً كانت الأنا تجمعنا فأناتي أنتِ جزء منها أرسم نفسي فتوجدين بجواري دون أن أشعر أن رسمي انعكاس لصورتك التي زرعت فيني، زرعت معي في قلمي وفي عيني وفي تلك الضلوع التي تحن لتلك الملامح التي يحددها الجسد وذكرياته، حينها كنت أجد الطمأنينة تتدفق للضلوع المرتعشة فتهدئ ولذلك القلب الضعيف فيقوى، فأبدي بعد ذلك الاستقرار كل الشجاعة واقتحم عوالمك المجهولة دون تردد.
الرحيل ينتزعنا وينتزع منا، يأخذنا بعيداً ويأخذ منا، ويضع النقطة في نهاية تلك الفقرة من حياتنا، لكن النقاط لا تعني النهاية والفواصل لا تعني الطعون، فالألم لا يرحل بالغياب والذكريات لا تمسحها المسافات، عند كل رحيل نفقد جزءاً ينتزعه الآخر ليحتفظ به في خزانات الزمن، وأنا انتزعت تلك القطعة ومعها مساحة من حياة عشناها لأستعيد منها الجميل والمؤلم.