قراءة في كتاب ( العبودية المختارة ) لـ .. إبتان دو لا بويسي .

العبودية المختارة

قراءة في كتاب ( العبودية المختارة ) لـ .. إيتان دو لا بويسي . مرافعة ضد الطغيان .

سمعت عن هذا الكتاب أو بالأحرى المقال لكن لم أفكر في قراءته سابقاً ، قرأته اليوم ، وهو جميل ، لكنه في حقبة سابقة في عهد الملوك في فرنسا ، وذاك الزمن يشابه لحد كبير زمننا في المنطقة العربية والشرق الأوسط عموماً وسيجد من يقرأ هذا الكتاب الكثير من أوجه الشبه لدى الشعوب العربية المستعبدة ، والتي يفرض عليها حكم دكتاتوري ملكي أو عسكري ، يستعبد الشعوب ويسوقهم كالقطعان .

يتحدث الكاتب أن الشعوب هي من تصنع الظالم ، وهو محق فالظالم لا يأتي من الفضاء ، بل هو بشر مثلنا له نفس التكوين البشري ، ونفس العقل ، ونفس الحواس إلى أنه يتسلط على البشر ويملكهم ، وهو ينساقون خلفه ، سواء اعجاباً به أو خوفاً منه ، لكن الكاتب يتهم الشعوب بأنه تنساق خلف الحاكم وتنظر له بأعجاب في الكثير من المواقف ، فهم كالقطيع الذي يسير خلف الراعي دون تفكير ، ودون أن يفكر أحدهم أن يسلك الطريق وحده ، ويتساءل الكاتب لما هذا الانسياق الغير المبرر ؟

ثم يعود ليؤصل مبدأ الحرية فالحرية في منظورة تنشء في فطرة الأنسان وهي أصيلة في نفسه ، أي أن الأنسان لا يستحب العبودية ولا يرغب فيها أن نشأ على أساس صحيح ، وتربية صحيحة ، فرفض العبودية ينبع من داخل بيني البشر ، ولا يتعلمونه ، بل الحرية هي الأساس والاستعباد وضع يفرض على البشر ، ويفرض بأساليب مختلفة .

يوزع الكاتب الحكام على ثلاثة أصناف ، حاكم أخذ الحكم بقوة السلاح وهو الحاكم المتجبر بطبعه ، وحاكم أخذ الحكم بالوراثة ، فهو نشأ في بيت سلطة تعلم أساليب الظلم من صغره ونشأ على مبدأ أن الملك للملك ، وحاكم يختاره الشعب ثم يتمكن منه ويسيطر عليه ، ويتحول إلى ظالم نتيجة ما يجد من تأييد مطلق ونفاق ، وأشخاص يريدون أن يرضى عنهم بأي وسيلة ، ورغم ذلك يرى الكاتب أن اسوء الشرور هو الحاكم الذي اختير من الشعب ، الحاكم المنتخب ، وعلينا أن لا نهمل في هذه القراءة زمن كتابة المقال فهو في عام 1840م ، والديمقراطية لم تنل شكلها في الزمن الحالي .

يتحدث الكاتب عن أن استعباد شعب حر يحتاج صلابة حتى يروض ، لكن الجيل الجديد ينشأ تحت وطأت الذل والهوان والاستعباد بكافة أشكاله ، فيكون هو الوضع الطبيعي في الأجيال المتلاحقة التي تنشأ تحت نفس الظروف ، فيستسيغون العبودية ، وينظرون للحكام على أنهم يفعلون الصواب ويعود ويؤكد أن الحرية هي الفطرة الصحيحة في بني البشر وأن العبودية والاستعباد قهر يعود الأنسان عليه .

حين يتحدث عن التغير يتطرف أن التغير له أكثر من صفة ، فتغير النظام الظالم هو الصحيح ، والخطأ هو تغير الوجوه الظالمة بوجوه جديدة ، فالوجوه الجديدة هذه وأن كانت حسنه نوعاً من إلى أنها تتبنى نفس أليات النظام الظالم وتطبق كل المعايير التي تخدم الحاكم الجديد ، فالحكم من وجهة نظره هرمي ، أي أن الحاكم يحيط به خمسة أشخاص يستفيدون منه وينفذون أوامره ، وهؤلاء الأشخاص يديرون 500 شخص أسفل منهم ، بنفس منظور الفساد الذي يدير به الحاكم الخمسة الأساسيين ، والخمسمئة يديرون خمسون ألفاً يتوزعون على أماكن مختلفة ومناصب مختلفة ، والخمسون ألفاً يديرون عدد أكبر في مناصب أصغر تحت نفس منظومة الفساد ، أي أن الفساد هرم يبنى من الأعلى إلى الأسفل ، يجمع الظلمة بطبقات مختلفة وأساليب مختلفة لخدمة نظام ظالم تحت حكم رجل واحد يسيطر على الجميع ، فأي تغيير لا يشمل النظام بأكمله ، يعتبر تغير وجوه لا أكثر ، وأن النظام الظالم باقي على حاله .

حين يتحدث الكاتب عن فرنسا لم ينتقد الملك ، رغم أنه استرجع مواقف كثيرة من التاريخ خصوصاً في زمن الرومان واليونانيين ، بل وقال حين تحدث عن فرنسا (( وحتى لو لم يكن الأمر كذلك لما رغبت في خوض نقاش حول صحة أخبارنا ولا تفنيدها لكي لا أفسد جمال شعرنا الفرنسي الذي يتبارى فيه شعراؤنا )) بل أنه يقول أن الملك اختاره العلي القدير وهذا تناقض واضح في مقاله فحين ينتقد الظلم والاستعباد يمتدح ملك فرنسا ويرفض الخوض في مثالب المملكة ، وربما بنى موقفه هذا نتيجة قربه من الطبقات العليا وزواجه من نبيلة .

يتحدث عن تأثير الحاشية على الملك أو السلطان أو الحاكم ، لكنه يعود ليتحدث عن تلك الحاشية في الصفحات الأخيرة بأنهم رغم الفوائد والامتيازات التي يحصلون عليها إلا أنهم في خوف دائم ، وترقب ، وكأنه يشير أن لديهم يقين أن الملك لم يبقى راضياً عنهم للأبد ، بل أنهم مقتنعون أن الملك في أي وقت ربما يتخلص منهم وفي ذلك الوقت الشعب المستعبد لن يلعن الملك بل سيلعن حاشيته سواء كان الملك قريباً منها وراضياً عنها أو حين يستغني عنهم ويذلهم أو يتخلص منهم ، سيلعنهم الشعب لأنهم كانوا هم العطا التي يستخدمها الملك ، فالشعب لا يرى إلى العصى ولا يرى من يستخدمها .

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.