قراءة في كتاب رسالة في اللاهوت والسياسة لــ سبينوزا الفصل الخامس

كل ما يأتي في هذه المقال مستند لشرط سبينوزا في البحث “تفسير الكتاب المقدس بالكتاب المقدس” ولم يلجأ إلى كتاب غيره لذا وجب التنبيه أن كل ما يرد لا يعني أي شيء آخر غير ذلك.

الفصل الخامس

السبب في وضع الشعائر والإيمان بالقصص، لأي سبب ولأي نوع من الناس كان ضرورياً؟

3-ما هي الغاية التي استهدفت فيما مضى الشعائر الدينية:

يقول سبينوزا: “إن طقوس العهد القديم للعبرانيين وحدهم، وتكيفت حسب دولتهم، وأنه لا يمكن إقامة معظم هذه الشعائر إلا بوساطة المجموعة بأسرها، وأن لا علاقة لها بالقانون الإلهي، وأنها لا تعم في السعادة والفضيلة، وأنها تتعلق فحسب بالنعيم الدنيوي وسلامة الدولة” يستند سبينوزا فيما يقول لدعوة النبي أشعيا الذي حاول أن يجمع بين القانون الإلهي والقانون الشامل، وأنه استبعد الشعائر مما قال: تطهير النفس، ممارسة الفضائل بصفة مستمرة (الأفعال الحسنة)، الإحسان للفقراء.

إذا يقر سبينوزا بأن الشعائر لا تؤدي إلى السعادة مطلقاً، وتتعلق بالمنفعة الدنيوية للدولة، وتقتصر السعادة الروحية على من يحافظ على القانون الإلهي الشامل؛ لأن الأسفار الخمسة لا تبشر إلى بالنعيم الدنيوي وسلامة البدن، وأن موسى لم يعلم اليهود تحريم القتل والسرقة، بل أمرهم بها بصفة المُشرع، هذا بحسب العهد القديم، أما بما يتعلق بالعهد الجديد، فإن المسيح بشر بجزاء روحي لا بمكافأة مادية؛ لأنه لم يبعث لتشريع القوانين، بل لتعليم القانون الإلهي الشامل.

يشير سبينوزا إلى أن الله لم يطلب من اليهود بعد تخريب المدينة شيئاً معيناً، إلا مراعاة القانون الطبيعي الذي يخضع له جميع البشر، وأن الشعائر انقطعت بعد كل انهيار للدولة، وأنهم اتبعوا قوانين من خضعوا إليه، وأن الشعائر التي أقامها اليهود في منافيهم بعد ذلك كانت نكاية بالمسيحين.

تنظيم سياسي طبيعي:

أولا: على المجتمع أن يقيم سلطة تنبثق من الجماعة بحيث يكونون ملزمين بطاعة أنفسهم لا أمثالهم.

ثانياً: أن توضع القوانين في كل دولة بحيث أن يكون الباعث على ضبط الناس هو الأمل في تحقيق خير معين.

ثالثاً: السلطة منتمية إلى جميع الأفراد وتوضع القوانين برضاء الجميع، وإن زادت القوانين يبقى الشعب حراً لأنه يفعل برضائه الخاص.

التنظيم السياسي للعبرانيين:

وضعت قواعد التشريع بالسلطة الإلهية على أن يقوم الأفراد بذلك لا عن كراهية، بل عن طيب خاطر لسببين:

  1. العصيان الطبيعي للشعب يخضع لسلطة القوة وحدها.
  2. الحرب وما يتطلبه النصر من خروج الجند عن اقتناع لا بالتهديد والعقاب.

ويقول سبينوزا أن موسى:

  1. ادخل الدين في الدولة بسلطته الإلهية حتى يقوم الشعب بواجباته بإخلاص لا عن رهبة وخوف.
  2. وربطها لهم بالمنافع وأعطاهم وعوداً كثيرة باسم الله.
  3. ورفض أن يقوم الشعب بأي فعل بإرادته حتى يضل الشعب مقيداً بكلمة الرئيس الآمر

4-ما الفائدة من معرفة الروايات المقدسة والتصديق بها :

لأي نوع من الناس يكون التصديق بالروايات التاريخية في الكتاب المقدس ضرورياً؟ ولأي سبب؟

إذا أردنا أن نعلم أمة ما أو البشرية عقيدة، ونجعل الناس يفهمونها بكل تفاصيلها، يجب أن نثبتها بالتجربة، وأن نجعل تعريفاتها ملائمة لمستوى فهم العامة أي الأغلبية، دون اللجوء إلى التعقيدات التي تخاطب النخب.

الكتاب المقدس أُوحي لكي تفيد منه أمة كاملة أو البشرية لذا تحتم أن يتلاءم محتواه مع أفهام العامة، والأساس في الكتاب المقدس أن هناك إلهاً موجوداً صنع كل شيء، ويحفظه بحكمة عليا، وهو يرعى البشر المؤمنين السائرين على التقوى والأمانة أعظم رعاية، ويعاقب سواهم بالعذاب. يثبت الكتاب المقدس هذه الأمور بالتجربة أي عن طريق القصص التي يرويها على مستوى وعي العامة.

معرفة هذه القصص ومعرفتها ضروري إلى أقصى حد للعامة الذين لا نقوى أذهانهم على إدراك الأشياء بوضوح وتميز، ومن ناحية أخرى من ينكرها ولا يعتقد بوجود إله يمكن أن يعد كافراً.

يقول سبينوزا: إن العامة يعجبون بالقصص ونهاياتها العجائبية أكثر مما يعجبون بالعقيدة لذا كانوا بحاجة إلى كاهن لكي يعطيهم العبر التي تتضمنها هذه القصص بأسلوب يتناسب مع تكوينهم الذهني، ويعود سبينوزا لموضوعه الرئيسي، ويضع ثلاث نقاط في النهاية:

  1. التصديق بالروايات أياً كانت لا صلة له بالقانون الإلهي.
  2. لا تعطي السعادة الروحية للناس.
  3. ولا فائدة من القصص إلا بقدر ما تساعد على إقامة عقيدة.