
ما يلفت نظري حين أقرأ للكتاب الروس مسألة الحب، كيف تحب المرأة الروسية وعمق العاطفة الموجودة لديها وقوتها، وهذه الرواية بها صور جميلة ومؤلمة من العواطف تلمسها في الأحداث كلها، وكل الشخصيات الموجودة في الرواية ما عدا شخصية واحدة التي جسدها الأمير “الأمير فالكوفسكي” والتي رسمت الشر بكل ملامحه والأنانية بأبشع صورها، وكتلة الخير التي تواجهه رغم كثرتها، إلا أنها ضعيفة في مقابل قوته.
هكذا تسير معظم روايات القرن التاسع عشر؛ حيث إن الشخصيات فيها إما أن تكون نافرة عن الأخلاق والمبادئ، أو تكون ملتزمة التزاماً كاملاً بها، وتمايز الشخصيات في الرواية يعطيها ملامح أقوى لشخصياتها الرئيسية، لكنه يغفل الجوانب البشرية الحقيقية، مثل الأنانية، حيث إن في كل إنسان جزء من الأنانية لا بد أن يتحقق في حياتهم وقس على ذلك كل الأمور الأخرى، إلا أن لـدوستويفسكي نظرة ثاقبة في الشخصيات، رغم أنه لا يخرج عن الإطار العام للشخصيات في زمانه، يخلف الشخصية متسقة مع الحدث الذي وضعه ويربطها بمحيطها وما يحتويه من أحداث وشخوص بشكل منسجم لا يجعلك تخرج عن إطار الفكرة العامة للرواية.
تحاكي الرواية زمن القرن التاسع عشر بما فيه من إقطاعيات وملاك أراضي وفقراء معدمون، وما فيه من سلطة ونفوذ، وما يحتويه من ذل ومهانة للفئات الدنيا من المجتمع، حيث يكون الإقطاعي أو الأمير مالك للأرض ومن عليها يحكم فيها كيف يشاء، وكيف أن النفوذ والقوة تزداد مع ارتفاع الطبقة الاجتماعية للإنسان دون وجود لقانون واضح وصريح يحمي الطبقات الدنيا في المجتمع، وعندما يرسم الواقع في رواية يمكننا أن نحدد ملامح المجتمع الذ تقع فيه، ونعرف ملامحه الرئيسية من خلال ما يحدث في الرواية، ونعرف العناصر الرئيسية في شخصيات المجتمع من تعاطي تلك الشخصيات مع ظروف الحياة، وهذه الرواية تكون صورة واضحة عن زمانها وشخوصها وعن ظروف الحياة التي تعالجها.
تعتمد الرواية على أسلوب الحوار، ونجد صوت “الراوي العليم” أو الشخصية الرئيسية في أجزاء متناثرة من الرواية لتشرح بعض النقاط المحورية، ورغم ذلك فالكاتب ترك للحوار المساحة الكافية لنسج الأفكار والاستماع إليها، مما جعل كل شخصية تتحدث عن نفسها، أو تصفها وتحللها الشخصية الرئيسية في العمل، فكانت الشخصيات متألقة ببرها أو بإثمها حسب الظرف الذي تمر به وحسب موقعها في الرواية.
لن أتحدث عن دوستويفسكي فهو كاتب يعرفه الجميع، ويقدره الكثيرون ويمكن للقارئ أن يجد ما يبحث عنه من إصداراته وما كتب عنه في الإنترنت، واكتفى بأن أتحدث هنا عن الرواية التي شغلني وأنا أقرأها المزاج العام للعمل حيث يقودك أن القوة هي التي تحكم في النهاية، وأن السعادة تكمن في الحب، رغم كل الظروف القاسية والتعيسة التي يمكن أن يمر بها الإنسان خلال حياته، أما عن الذل والمهانة لا تختلف هذه الصفات في روسيا عن غيرها من البلدان فالطبقات الدنيا معرضة للذل والمهانة وضياع الحقوق أكثر من غيرها من الطبقات.
الرواية كبيرة الحجم تقع في 524 صفحة من القطع المتوسط أنصح بقراءتها والاستمتاع بها.