إلى .. ميّ

إلى معلمتي تلك السيدة الجليلة التي جعلتني أنزع ثوب الخوف من على وجه الرواية حين سألتني: ماذا تريد أن تفعل في المستقبل؟ حينها كانت الفكرة الأولى تدور في رأسي حول الرواية ولم أستطيع أن اكسر حواجز التردد والرهبة التي خالطت تلك الفكرة الصغيرة فأجبت: أفكر أن أكتب رواية، فقالت: ما الذي تنتظره؟ وكأنها أستشف خوفي من التجربة وهي تقول: مال الذي ستخسره لو فشلت؟ كان هذا السؤال الأخير الذي اخترق كل الحواجز وجعلني أقف أمام نفسي متجرداً وأكرره حتى بدأت.

تلك السيدة الماهرة في قياس كفاءة فريق العمل الذي تديره لم تكسر حواجز التجربة حين كنت اتعلم تحت يديها طرق التدريب وأساليبه، بل استطاعت أن تكشف الجوانب التي لم أجربها وساعدتني أن اتعلم الكثير من المهارات التي لا زلت احتفظ بها رغم المسافة الزمنية البعيدة التي تفصلني الآن عن تلك المرحلة، فأصبح حاجز الخوف من التجربة شيء لا أتطرق إليه فكل عمل جديد اتقبله برضا واجتهد بأن انجزه بالشكل الأفضل دون تردد.

لا اقصد أن اشكر الدكتورة ميّ عيسى علي، على تشجيعها لي في فترة العمل ولا على تواصلها معي كشقيقتي الكبرى، فهي تستحق أكثر من ذلك، بل اقصد أن أوصل معني جعلتني أقتنع به قناعة تامة، أن الأنسان يبني الكثير من الحواجز بينه وبين آماله التي يريد تحقيقها، وهو نفسه قد يكون العقبة الأكبر التي تمنعه من الوصول لتطلعاته التي يصبوا إليها ، تعلمت منها الدرس الذي أعطاني أكبر قيمة في الحياة.

لم أخطط لأكتب هذه السطور فقط كنت أفكر في البدايات وعندها تكرر السؤال الذي جعلني أقف أمام نفسي وأكرره “مال الذي ستخسره لو فشلت؟” والآن أنظر لتلك البداية في عالم الرواية من بعيد وكأنها رحلة غريبه لكنها ممتعة جعلتني الدكتورة ميّ اخطو فيه الخطوة الأولى فزرعت ثلاث روايات في مسيرتي التي أتوقع أن استمر فيها حتى النهاية.

قراءة في كتاب “حكايات الجدة مشكاة” للكاتبة أزهار الأنصاري.

ما أحوجنا أن نتعلم مثل الأطفال، وأن يكون هناك حكيم يوجهنا لما نفعل، هذا الشعور لم يأتِ من فراغ، بل مر بي وأنا أقرأ “حكايات الجدة مشكاة” التي كتبتها المبدعة “أزهار الأنصاري”، فالتعليم لا يقتصر على الصغار فقط، بل يجب أن يشمل الجميع.

صوت الحكمة وميلنا إلى الحكماء يتجسد في صغرنا في الأجداد والجدات، تلك الأصوات التي نؤمن بأنها على صواب دائماً لذا نلجأ إليها، ونسمعها بتمعن يفوق ما نسمعه من الآخرين، اختيار شخصية الملقن في هذه القصص كان موفقاً فصوت الجدة مشكاة وهي التي تمثل صوت الحكمة لم يعتمد على القصة المحكية، أضاف لها الأفعال التي يمكن للطفل أن ينظر إليها بسلبية إن لم يكن هناك من يوجهه لفعل الصواب.

أعجبني في هذه المجموعة أن الجدة لا تحكي قصصاً فقط، هي تصحح أفعال حفيدها، أو تعلمه شيئاً جديداً في كل مرة يزورها فيها، ثم تزوده بقصة هادفة لا شك أنه سيواجه ما يشابهها في الواقع، وبعد ذلك تعطيه المبررات التي تؤيد الفعل الصحيح، وتنكر الخاطئ فتكتمل الصورة الذهنية لديه وتتضح، ويعرف أسباب الفعل والنتائج، وهذا هو الأسلوب الأكثر تأثيراً في التربية.

لفت انتباهي أن الأستاذة أزهار استخدمت الدين، لكنها لم تستخدمه في القصة التي تحكيها الجدة، استخدمته في التبرير والخلاصة بأسلوب سلس دون تعقيد، ويتجلى بذلك مشهد الحياة فالدين هو المرجعية التي تكمن في نفوس البشر ليحققوا التوازن الصحيح في الحياة، وبما أن الدين الإسلامي قام على ركيزة الأخلاق، فقد اقترن الخلق الحميد بالدين دائماً، قال صلى الله عليه وسلم: “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”

أظن أن للأستاذة أزهار معرفة نفسية بسلوك الأطفال، وهذا مجرد استنتاج ترسخ في ذهني وأنا أقرأ مجموعتها القصصية، فنقطة الارتكاز في كل قصة هي بالفعل موضع تساؤل عن الأطفال أو موقع اهتمام أو تصرف دارج، وقد أصابت في اختيار المواضيع وتوزيع الحكايا بين الموقع والقصة والتبرير.

ربما اختلف مع الكاتبة في الفئة العمرية التي يجب أن تشملها القصة، وأظن أنها تتسع لأعمار أكبر قليلاً لكني لا أجزم بذلك، واعتقد أن اختيار الفئة العمرية للقصة اختيرت بعد دراسة.

تقع المجموعة في 60 صفحة مع الرسومات والألوان، وأجد من المهم أن يخلق الآباء والأمهات لغة تواصل تعليمية مع أبنائهم من خلال القصص والمواقف بحكمة كما فعلت الجدة مشكاة، أنصح بها بشدة، وأتمنى على الكاتبة أن تستمر في هذه المسيرة النافعة.