قراءة في كتاب رواية “ليلة الأمس” للكاتب أحمد العلوي

لم تكن ليلة عادية تلك التي مرت على أبطال هذه الرواية فبين أغلال تكبل الأيادي وأخرى تكبل النفوس ينتقل المشهد السوداوي بين السطور ليرسم لنا ليلة تحمل من التعاسة المفروضة على البشر في مكان محدد لتدمرهم جسدياً ومعنوياً ونفسياً، تجعلهم مسوخ لا يفكرون إلا في اتجاه واحد، ويمجدون شخصاً واحداً، ويجب أن يؤمنوا بنظام واحد. من تحميه السلطة يعيش مكبلاً في قيود الوضع الوظيفي، ومن لا تحميه السلطة يعيش مكبلاً بالخوف، ومن لا علاقة له بشيء فهو متهم دون تهمة.

تسير أحداث الرواية بشكل راقٍ يحمل من الفلسفة الكثير، مما يعقد المشهد ويجعلك تفكر كثيراً، لكن الصورة الحقيقية التي أراد الكاتب أن ينقلها لنا هي أنه مهما بلغت من فكر وثقافة وعلم لن تستطيع أن تقنع سجانك أنك بريء فالمحقق وإن حمل الثقافة والمعرفة فهو يحملها لكي يصيغ تهم الإعدام والسجن والتعذيب بشكل أنيق يقنع به الآخرين أنه أحسن العمل لا لكي يقيس الأمور بشكل صحيح.

توجد طبقية في الرواية تجعلك تفكر ما الذي يجعل أستاذاً جامعياً يخضع لرجل أمن، ويجعل صحفياً مرموق يخضع لشخصية مستغلة، تجد القيمة للقوة والمنصب والعلاقات، ولا تجد قيمة للإنسان مهما علا علمياً أو ثقافياً، فلا قيمة له ضمن مناصب الطبقية التي تحدد قيمتك بنسبك أو بعلاقاتك وسلطتك، فإن لم تملك تلك الأشياء الثلاث فأنت رهن مزاج سجانك ومستغلك.

تحمل الرواية الكثير من الحوارات ربما اختلف مع الكاتب في هذه النقطة رغم أني لم أعانِ وأنا أقرأها من شتات ولم ألحظ شذوذاً في النص بسببها لكنها كثيرة في الرواية، ربما لأن الحوارات الموجودة وضعت لترينا تصورات معينة وأفكار يريد الكاتب أن ينسبها لشخصياته لنميز بين شخصية المتكلم والمتلقي دون أن نعطي الأفكار المطروحة أكثر من الحجم الذي أراده الكاتب.

لفتت انتباهي شخصية سلطان بثقافته وسيطرته على أفكاره، لكن افتقدت شخصية عاصم الحاضر الغائب في كل الأحداث فهو محورها رغم حضوره، وبقي كذلك بعد غيابه، تمنيت لو أن الكاتب أعطى هذه الشخصية عمقاً أكبر ليرينا تفاصيل مشهد الغياب والحضور في الرواية ومدى تأثيره، ومدى إغراء الحياة حين تجري شخص رفض العودة طويلاً ويوافق على العودة لكي يستلم “كرسي” اقصد منصباً مهماً، نظرت إلى هذه الشخصية باهتمام لكني لم أجدها بالقوة التي توقعت في الرواية.

تحرير الرواية جيد وأسلوبها رائع وممتع تقع في 183 صفحة من القطع المتوسط أنصح بقراءتها بشدة.

غارقا في نفسي ..

غارقا في نفسي ..

http://ahmedalalawi-om.com/2023/05/08/%d8%ac%d8%a7%d8%a8%d8%b1-%d8%b9%d8%aa%d9%8a%d9%82-%d9%85%d8%b2%d8%a7%d8%ad%d9%85%d9%8c-%d9%8a%d9%82%d8%b8%d8%aa%d9%87/

لا شيء معنا نُكلل به نزق المساء ورتابة اللحظة، سوى الخيبة، والضحكات المنفلتة من هواجسنا اللاذعة”لم يبقَ سوانا يا جابر، لم تبقَ الزرقةُ معنا بعد هذا الغروب الشاحب؛ ذهبتْ حيث الليل، لترتاح  من يقظتنا، بقينا ننوس كسلًا على مسطبتنا؛ أين العابرون من هنا؟ كيف تواروا خلف الظلمة؟
 ولا شيء معنا نُكلل به نزق المساء ورتابة اللحظة، سوى الخيبة، والضحكات المنفلتة من هواجسنا اللاذعة.
هناك يا صاحبي خيط نوري، يُقسِّمُ الأفق، أنظر خيطَ خوفٍ وضياعٍ يُقسم مسطبتنا، نضحك، ونلف سجائرنا، نشعلها، وخلفها العالم يغور في عينك، تهتز من دخان الحروب، وتغضب من جلوسنا الطويل، الطويل. 
ألم تقل يا ابن عتيق: اللحظة المتشظية لا يعاد تشكيلها إلا على مسطبة، تُزاحم فيها رائحة التبغ سقفَ هذه الظلام؟ 
ها نحن هنا تحته نعدُّ خسائر المهزومين. كم مضى على الظلام؟ سألتكَ لكنك اتكأتَ وحدَّقتَ صوب أحلامك، تُعلق عينيك على صدر أيامنا، فوق مسطبة المتصوفة، وتسأل بعدها شاردًا: كم سيطول غيابُنا؟ وإلى أين تقودنا آمالنا الغريقة؟ 
نحن الذين اخترنا هذه البقعة، وهذا الانتظار الطويلَ الطويل الطويل، عبثًا نراقب الغيب، كما نفعل يومًا بعد يوم على مسطبتنا، عبثًا نُحملق نحو الأفق، ننتظر طلوع الذئب من قمرة اللاوعي؛ لنحاول استيعاب خيبة العالم، في آنية اللحظة.
تصرخ وتثور قفزًا، لستَ أنت وحدك ترمم الأيام، وتكتب وتعانق الأهواء، وتخسر؛ أصعدُ معك على ما تبقى من حجارة مسطبتنا، وأصرخ: “أنت معي”؛ مثل المتصوف يقاتل العُزلة بالنشوة؛ ليمضي إلى الوحدة.
أحمد العلوي 
AhmedAlalawi
الدوحة قطر، فبراير 2023

رد …
عزيزي لا شيء يبقى، فكل شيء محكوم عليه بالعودة إلى العدم، لا ألوان هناك ولا أشخاص فلا تستغرب أن تجرب بعض الذي سيحدث في المستقبل قبل وقوعه، فما نحن إلا ماء نثر على وجه الأرض ولا بد لنا أن نتبخر.

سنتذكر تلك الكلمات التي كنا نرسم بها المشهد كما كنا نرسم الحكايا، وكما نوجه بها الجدل والنقاش في لقاءاتنا المتتالية، نخرجها من أنفسنا العميقة، التي تسكنها الظلمة لنلقيها في الواقع، فتصرعه أو يصرعها، فندفن أحدهم، أو ربما تتصادم حين تخرج كلماتي من الأعماق، فتجابها كلماتك بدروعها وسيوفها، وتدور المعركة التي لا دم فيها، وتذكر أن الموت بلا دم نازف هو أقسى موت يمكن أن يعيشه بشر.

 حين تثور الحروب بين الكلمات يصبح للسيجارة معنى آخر، نشعلها وننفث دخانها وكأننا نخلق عواصف، ضبابٌ ودخان في ساحة المعركة، وحين تنزل الفوضى لعيوننا ننظر إلى بعضنا ونحن نرى المعركة، ثم نضحك على ذلك المشهد التراجيدي الذي خلقناه من العدم، سنتذكر كم من الكلمات ألقينا في فوهة الجحيم لنخلق بها واقعاً مختلفاً يمكننا أن نرسم من خلاله خيطاً من النور أو رائحة عطر تغير الحاضر، وتجعل الجميع يلتفت إلينا.

تمدد عزيزي على المذبح فلا خيار لك سوى أن تقدم نفسك قرباناً لآلهة لا تعرفها لكي تعبث بدمك، ستقول: تمدد أنت، سأخبرك حينها أني أعرف رائحة دمي فقد تمددت على مذابح كثيرة، لكنها للأسف لم تنجح أن تخلق لي النهاية المحتومة وعليك أن تجرب الشعور حين ترى الدم ينزف ليشكل دائرة حولك وأنت لا تتحرك، وأكثر من ذلك تعرف أنك لن تموت، فالمذابح مثل الفاكهة المحرمة ما إن تذقها مرة، تهوي للجحيم وتستسلم لكل المذابح التي تجدها أمامك.

 عزيزي لا أملك غير الأفق لأنظر إليه فالنظرات كلها غائبة عن الواقع وراء فكر مجنون يسيطر على عقل رجل بسيط، استطاع أن يخلق عالماً في داخله أعمق وذا أبعادٍ مختلفة، تحيطه أسوار وخنادق، ويقف أمامه جنودٌ لا حصر لهم ولا عدد، فيعود أدراجه لوهمه الجميل، لكنه في يوم من الأيام استيقظ ليجد أن كل أفكاره قد تحطمت وتهدمت الأسوار، ومات الجنود وأنه أصبح في الواقع، فرحٌ ورقصٌ وغنا، ثم اكتشف أن الواقع له أسوار أضخم وجنود أقوى وأقسى وأكثر، وأن الموت أخرج الشبح الذي يعيش بداخلي ليسيطر عليه.

أغلق عينيك عزيزي، وأستسلم لفكرة غبية واحدة لا تغيرها، الجمود رحمة لا ينالها إلا الأغبياء، لكنهم رغم غبائهم الذي يلومونهم عليه تكون أمامهم الأمور أبسط، فيقدمون ويبحرون، يخسرون ويضحكون كأن لا شيء قد حدث.

 لتصبح ابن العربي، سألبس الصوف من أجلك، ونجوب العالم بأقدامٍ حافية فالعالم لا يستحق أن نلبس له أحذية، علينا أن نطأه كما الخيول الجامحة لنترك أثرنا كندوب لا يستطيع أن يمحوها أحد..

jaberatiq

١٨ مايو ٢٠٢٣

قراءة في كتاب “رسائل القمر” لـ أحمد العلوي ..

رسائل القمر

مئة ليلة خلف ضياء امرأة

مئة يوم ، يختزلها الرائع أحمد العلوي في رسائله للقمر لتكون رسائل مئة ليلة في ضياء امرأة، يبحث فيها وعنها ، يخرج ليعود إليها كل يوم، هي على الطرف الآخر، موجودة، تقرأ، ترى، تلتقيه بين السطور وتدور مراحل التيه خلف امرأة قررت أن تجعل نفسها ملهمة لشخص يبحث عن ذاته فيها، عن قلبه معها، عن حياته في تفاصيلها .

تتجاوز تلك الرسائل مرحلة الزمن فتتخيله مئة عام فالتفاصيل كثيرة والذكريات، لكل رسالة نغمة يختارها في أغنية تعيد مشاهد الشوق، تلامس أوتار القلب، ويعزف رسالته لتلك الغائبة بين الثنايا التائهة في الكلمات، موجودة ولا تراها، بل لا يجب أن تراها، يكفي أن تشعر بها في الرسائل فكلها كتبت بشوق يجعل البحث مستمراً حتى تؤمن أن للغياب جمالاً يفوق الألم .

جميلة تلك الرسائل تنقلك لعالم من الخيال ، وتبحث في تفاصيل امرأة، التفاصيل التي نعشقها في النساء، قد أبدع العلوي في تعميق المعاني ، فكل فاصلة لها معنا، تفصل بين جملتين وعالمين، وعليك أن تتخيل كل شيء، وتغيب في التصورات والألوان .

ليست نصوصاً بل رسائل، فهي موجهة لشخص وإن كان غائباً أو متخيلاً، قريباً أو بعيداً، كلها بعثت لتبث الإحساس الذي أراد الكاتب أن ينقل من خلالها مشاعره إلينا وإليها، جميلة الرسائل بها شيء من الضياع تشتشعره بين الفقرات والجمل، كأنها مشفرة وكأن هناك شخصاً يعرف أنها له ويستطيع أن يفك رموزها .

ممتعة تقع في 240 صفحة أنصح بقراءتها .