ماذا سنجني من السعادة التي نسعى ورائها لاهثين؟ ما الذي سنحتفظ به من الحب والغنى؟ نحن إلى زوال، وكل هذه الأمور لا بد زائلة ، فما نحمل من ذكريات هو مخزون شخصي في أغلبه لا يحمل همه المحيطون بنا، يبقى في خصوصيتنا الشخصية، الأسرة تحمل جزءاً من هذه الذكريات لكنه أقل والمحيط الاجتماعي يحمل جزءاً أقل مما تحمله الأسرة، وكلما اتسعت الدائرة زاد فراغ الذكريات وأصبحت ضعيفة لا تحمل قيمة مؤثرة.
الذكريات التي نحملها وتأثر فينا ونحن أحياء تضعف تدريجياً في مسافات الحياة التي تبتعد عن نقطة الذاكرة وتضعف مع مرور الزمن، فكيف بها حين يتلاشى الكيان الجسدي لحامل الذكرى، لا أظن أنها تبقى مع الرفات ولا يستطيع التراب أن يخزن ذلك الكم الهائل من الذكريات التي تعود إلينا من المجهول أثناء حياتنا التي نعيشها تحت تأثيرات متغيرة، التفاصيل الصغيرة التي تستطيع أن تشعرنا بالألم والحب والشوق والندم وليدة تركيبات نفسية وفسيولوجية معقدة تحدث نتيجة التفاعل في الجسد الحي ويترتب عليها الكثير من التصورات المقتبسة من أعماق الذاكرة، وفي حالة الموت تنقطع تلك التفاعلات بشكل نهائي مع تحلل الجسد.
إذا لماذا نلهث وراء السعادة في الدنيا؟ ونبحث عن البهجة والمتعة سوى أننا نريد أن نعيش شعوراً معيناً في لحظة معينة ووضع معينة لنحصد لذة محددة أو شعوراً، أحياناً تنتكس محاولاتنا لتصدمنا وتنقلب الذكريات التي كنا نأمل أن تكون سعيدة لذكريات تعيسة أو مؤلمة نحملها معنا طوال الحياة ولا نستطيع أن نتخلص منها.
لو فكرنا في اللذة بشكل عام أو حتى الألم الناتج عن المواقف سنجدها محدودة الزمن لا محدودة التأثير حيث إنها لحظات أو دقائق تنتهي ويبقى الشعور المتولد عنها فترة أطول من زمن الواقعة التي عشناها بالفعل، مثلاً لحظات السعادة تجعلنا نسير في مسار أطول من مسار الشعور الذي عشناه ذاته ومسافات زمنية أبعد، كأن نشعر بالسعادة بوجود إنسان معنا في لحظات معينة، يتولد من ذلك مسار زمني نكون حريصين أن نبقى مع الشخص بسبب تلك اللحظات التي تراكمت في ذاكرتنا كنقاط مبهجة تجعلنا نتمسك بالإنسان الذي فجر لدينا ذلك الشعور، حتى لو تغير ذلك الشخص تغييراً ملحوظاً لا يكون الاستغناء عنه بالسرعة التي مرت بها لحظات السعادة.






