لنتحدث عن السعادة..

ماذا سنجني من السعادة التي نسعى ورائها لاهثين؟ ما الذي سنحتفظ به من الحب والغنى؟ نحن إلى زوال، وكل هذه الأمور لا بد زائلة ، فما نحمل من ذكريات هو مخزون شخصي في أغلبه لا يحمل همه المحيطون بنا، يبقى في خصوصيتنا الشخصية، الأسرة تحمل جزءاً من هذه الذكريات لكنه أقل والمحيط الاجتماعي يحمل جزءاً أقل مما تحمله الأسرة، وكلما اتسعت الدائرة زاد فراغ الذكريات وأصبحت ضعيفة لا تحمل قيمة مؤثرة.

الذكريات التي نحملها وتأثر فينا ونحن أحياء تضعف تدريجياً في مسافات الحياة التي تبتعد عن نقطة الذاكرة وتضعف مع مرور الزمن، فكيف بها حين يتلاشى الكيان الجسدي لحامل الذكرى، لا أظن أنها تبقى مع الرفات ولا يستطيع التراب أن يخزن ذلك الكم الهائل من الذكريات التي تعود إلينا من المجهول أثناء حياتنا التي نعيشها تحت تأثيرات متغيرة، التفاصيل الصغيرة التي تستطيع أن تشعرنا بالألم والحب والشوق والندم وليدة تركيبات نفسية وفسيولوجية معقدة تحدث نتيجة التفاعل في الجسد الحي ويترتب عليها الكثير من التصورات المقتبسة من أعماق الذاكرة، وفي حالة الموت تنقطع تلك التفاعلات بشكل نهائي مع تحلل الجسد.

إذا لماذا نلهث وراء السعادة في الدنيا؟ ونبحث عن البهجة والمتعة سوى أننا نريد أن نعيش شعوراً معيناً في لحظة معينة ووضع معينة لنحصد لذة محددة أو شعوراً، أحياناً تنتكس محاولاتنا لتصدمنا وتنقلب الذكريات التي كنا نأمل أن تكون سعيدة لذكريات تعيسة أو مؤلمة نحملها معنا طوال الحياة ولا نستطيع أن نتخلص منها.

لو فكرنا في اللذة بشكل عام أو حتى الألم الناتج عن المواقف سنجدها محدودة الزمن لا محدودة التأثير حيث إنها لحظات أو دقائق تنتهي ويبقى الشعور المتولد عنها فترة أطول من زمن الواقعة التي عشناها بالفعل، مثلاً لحظات السعادة تجعلنا نسير في مسار أطول من مسار الشعور الذي عشناه ذاته ومسافات زمنية أبعد، كأن نشعر بالسعادة بوجود إنسان معنا في لحظات معينة، يتولد من ذلك مسار زمني نكون حريصين أن نبقى مع الشخص بسبب تلك اللحظات التي تراكمت في ذاكرتنا كنقاط مبهجة تجعلنا نتمسك بالإنسان الذي فجر لدينا ذلك الشعور، حتى لو تغير ذلك الشخص تغييراً ملحوظاً لا يكون الاستغناء عنه بالسرعة التي مرت بها لحظات السعادة.

أيها المجهول..

أيها المجهول، تعبت أفكر في تفاصيلك لأجعل لك كياناً يمكنني أن أتعامل معه دون حيرة، رسمتك في مخيلتي إنسان لطيف وجشع يجمع التناقضات يخلق المحبة من لا شيء ويشعل النار في كل شيء، أردت أن أراك لكي أقتل الخوف من الجهل فأنا الجاهل الضئيل الذي ينظر إلى البعيد حتى يحترق بصره في أفق لا ينتهي يبحث عما رسم في عقله، يتوقع أن يرى ما يجهل ليطمئن ويكف عن التفكير وأنت تستمتع بحيرته وتخلق مجاهيل أكثر ليبقى بصره معلقاً في أفقك للأبد.

أيها المجهول، ها أنا ذا بين النار والجنة يسبقني اللهب حين أجري خائفاً وتبتعد الجنة حين آتيها راكضاً، فلا احترقت ولا تنعمت، بين رجاء وأمل أترقبك لتكشف لي المسافة بين النعيم والجحيم؟ وتعطيني أرضاً آمنة لأقف وألتقط أنفاسي دون خوف.

أيها المجهول، تعرف أني لا أكون إلى حين أبحث عنك في ثنايا الماضي ومساحات المستقبل، تلك الفراغات المطوية في سجلات التاريخ وتلك الصحائف البيضاء المنثورة في مستقبل الزمن، أنا بينهما بين ما كان وما سيكون، أردت أن أكشف المجاهيل وأفكك رموزها عللي أجد أحد الخيوط الذي يوصلني إليك فأمسكه بكلتا يدي وأسحبه لتراني أقف أمامك وأصرخ “لقد جئت إليك، لأكون أنا” بينك وبين الأفق أقف أحمل تلك الأسئلة الحائرة لأنثرها في وجهك وأقول لك “أجب”.

أيها المجهول، أنت كالسراب الجميل الذي يعلق الظمآن عليه كل آماله في الحياة حين يراه فيلهث ورائه وهو موقن أنه سيروي ظمئه القاتل ولا يدري أنه يسير لحتفه بإرادته والأمل يملئه، هل رأيت إنساناً يسعى لموته بسعادة مثل ذلك العطشان، هل رأيته حين وصل إليك وعرف أنك وهم لا طائل منه إلا الموت، حينها يضحك حتى انتهى مثل آماله التي احترقت في رحلة البحث عنك.

أيها المجهول، يكفيني من غيابك أنك دمرت تلك الأحلام التي صنعتها من جهلي وغبائي، والأوهام التي علقت عليها صحف المجد الكاذبة، وتلك الأمنيات التي كنت أرعاها لكي تنمو في حدائق الخيال الخصبة. شيءٌ واحد جميل أحمله كل وأشكرك عليه، أنك ساعدتني على أن أحرق الأيام في رحلة البحث لتمر بلا ملل قبل أن أرحل.

الغياب ..

لا تكن معي كالذي كان صاحباً ساحباً لي في الهوى حتى هوية فتركني أهوي في هواه، قد رآني في رباه مثل الغيوم السابحة مثل الندى قد كسوت الريح عشقي وغسلت العمر بوجدي ولم أجد وجد الهوى في الهاوية.

لم أعي أني على أطراف الزمان أبكي أياماً مضت لم تترك من الشَعر أسوداً، قد مضت وما زلت أمشي فيما مضى بخيالٍ خصب وأحلام تزخرفه وكأني طفل قد لبس العيد ثيابه ليرقص معه فأخذ العيد ثيابه ورحل.

لم يبكِ الطفل ثيابه، بكى الأمل في عيده الراحل، بكى حتى ذبل ومضى في طريق الذبول يسكب خمر عينيه، فتزهر شوكا جارحا بين الأماني فتمزقها أشلاءً.

لماذا يسحرنا الغياب بحزنه فنغيب بين الأنين والذكريات، يسحبنا عن واقعنا حتى نصبح أطياف بشر لا يعنيها الواقع؟ أشباحٌ نعيش خارج زماننا كأننا جئنا من المجهول، لنُمضي ما تبقى لنا من الحياة.

خيال..

أنا هناك أتربع على وسائد الريح وأرحل فأطأ الرؤوس العالية واجمح بين الصبا والمشيب فلا عمر للخيال ولا حدود، أضع كل قدم في قارة وكل فكرة في محيط وأقرأ النجوم والكواكب ككتابٍ مفتوح ..

فنجان المساء ..

عندما تحتسي فنجان قهوة في وقت .. متأخر

فإنك تخبر المساء أن الوقت لا يزال مبكراً

وأن الأفكار التي في رأسك تجتمع بين الظلام وسواد القهوة

وأنك تعيش مع أفكارك، لحظات لا تجدها في أوقات أخرى من اليوم

الراحلين ..

إن للدموع طعماً مالحاً، وللجروح طعمٌ مر، فإن شربت من كأس الهوى يوما، ستعرف مرارة الجرح، وملح العيون .

لا تفرح بنشوة الهوى، ولا تسعد بصحبة حبيب، الزمان كما السجل يطوي أوراقه كل يوم ويأخذ معه أناس كثر، فإن كنت سعيدا سترحل أنت أولا، وإن كنت شقيا، ستكون آخر الراحلين .

طفلٌ كبير ..

طفلٌ كبير

لو أردت أن أوصل معنى: كيف يجب أن تنظر المرأة للرجل؟ ما وجدت أبلغ مما قاله نزار قباني في هذا المقطع من قصيدة اغضب :

اغضبْ كما تشاءُ.. واجرحْ أحاسيسي كما تشاءُ

حطّم أواني الزّهرِ والمرايا .. هدّدْ بحبِّ امرأةٍ سوايا..

فكلُّ ما تفعلهُ سواءُ .. كلُّ ما تقولهُ سواءُ..

فأنتَ كالأطفالِ يا حبيبي .. نحبّهمْ.. مهما لنا أساؤوا.. 

أن يعود طفلاً حين يكون مع امرأة، هذا الأمر الذي ربما لا يعترف به الرجل ، كل الدنيا يواجهها الرجل بقوته وعنفه، لكنه يحتاج أن يعود طفلاً في حضن امرأة يحبها، يلقي بكل همومه وضيقه ويخلع لباس القوة ويتجرد من كبريائه ليستسلم في أحضانها كطفل في حضن أمه، يجب أن يعترف الرجل بأنه طفل أمام المرأة، وبعد ذلك ليواجه العالم بكل قوة وعنف ويبرز كبرياءه لمن يشاء.

من هوى .. للهاوية ..

لم تكن تلك الكلمات لتسقط للهاوية لو وجدت الكفوف التي تلتقطها في ظلام الشوق، لتحتضنها بشوق وتعانقها بشوق، سقطت لأنها لم تجدك في المكان المناسب والوقت المناسب، سقطت لتموت تحت قدميك.

لم تنتبهي إلا لنفسك، لم تشعري أنكِ تدوسين على نفس حبيب سقطت في كلمات من أجلكِ، ليس مهما الهوى، أو من هوى .. للهاوية، ليس مهما أن رحل أو إن بقي، ليس مهما أن تسهري، أن تنظري .. له .. فهو مجرد كلمات تسقط تحت قدميكِ لتشعري بالفخر وترفعي هامتك عاليا.

هي الحياة ..

طويلة هي الحياة

لدرجة ان اللحظات أصبحت ثقيلة ترفض أن تمر دون أن تطأ علينا.

طويلة هي الحياة

لدرجة أن الأيام أصبحت أحمال ننقلها ولا ندري أين نضعها.

طويلة هي الحياة

لدرجة أن الكلمات أصبحت بصمات في سجل التهم.

طويلة هي الحياة

لدرجة أننا نفشل حتى في الوصول إلى الموت.

الــحــيـــاة

أطول من حد السيف، وأشد حدة، تمر على رقابنا دون أن ننزف لكنها تترك فينا ألماً لا ينتهي.