حصار السياسة ..

تحاصرنا السياسية في كل مكان، تخنقنا، وكان يجدر بالحكومات الخليجية أن لا تقحم الشعوب في السياسة لأنهم لا يمارسون أي دور سياسي، لا يمارسون ما هو اقل من ذلك في تشكيل مؤسسات مجتمعية يكون لها دور فاعل، فلا توجد هيئات ولا نقابات في دول الخليج، ولا منظمات حقوقية مستقلة .

كل شيء يدخل تحت مظلة الدول، كل شيء يتم ترتيبه ليكون شكل مؤسسة دون أن تقوم تلك المؤسسة المجتمعية بدورها الحقيقي، في احسن الأحوال تتجنب بعض المؤسسات التي تحمل شيء من الاستقلالية أي صدام مع الدولة، تسير في خط مستقيم لا يتقاطع ابداً مع السلطة ولا يعارضها .

خلاصة القول، نحن الخليجيون، الشعوب الخليجية، ما دمنا لا نمارس اعمال سياسية ، فلماذا يتم اقحامنا في أمور السياسة؟ لتأخذوا السياسة حيث تريدون، واتركونا نبني ما يربطنا دون تدخل .

حدود الفكر ..

علينا ألا نؤمن بأفكار أحد، يمكننا أن نعجب بأفكاره دون أن نعتبرها مسلمات، فحين نؤمن بأفكار أي إنسان فنحن نسلم له دون تفكير، عند هذه النقطة نلغي عقولنا تماما، الإيمان تسليم دون نظر أو تفكير أو نقاش، هذا ما نعانيه نحن المسلمون حين يكون الحديث عن الدين، ليس كل الدين إيمان ومسلمات، بل أجزاء منه وأجزاء بسيطة محددة لا تتجاوز القواعد الأساسية التي يبنى عليها.

الإيمان بوحدانية الخالق وصدق الرسل والأركان والغيب الذي لا يمكننا أن نراه وسلمنا به كيقين أن الخالق لا يقول إلا صدقاً، فنقاط الأيمان في الدين لا ننقضها ويمكننا أن نبررها أو ندافع عنها بواقع فكري، لكن ما سوى تلك النقاط الأساسية، يمكننا أن نتحدث عنها ويقع هذا تحت طائلة الأخذ والرد والنقاش .

ولنضع القرآن الكريم كمقياس لما أراد الخالق أن نكون عليه نحن البشر، الله عز وجل أنزل القرآن لكنه ترك تفسيره للبشر، ولم يضع له تفسير محدد يلتزم به كل المسلمون، بل ترك هذه المهمة للاجتهاد والاجتهاد بحد ذاته فكر لأنه يقع في حيز التفسير لما هو موجود وما هو ممكن .

إذا كان كلام الله عز وجل يمكننا أن نفسره على أوجه مختلفة، دون أن نخرج عن الأساسيات والمسلمات، علينا أن نفهم أن حدود الفكر أكبر بكثير في واقعنا من حدود الأيمان لأن حدود الفكر هي التي ترسم لنا شكل الحياة بواقع سليم، دون أن نكون مكبلين بأفكار لا نفهمها ولا نناقشها ولا ننقضها، وإذا كان الفكر هو مصدر الإيمان، فمبدأ التبصر والتفكر رُسخ بشكل قوي في كتاب الله، علينا أن لا نتركه ونعمل من خلاله، فلا يمر شيء دون أن نفكر فيه، يجب أن لا ننظر للدين كله كمسلمات إيمانية دون أن نسأل ونستوضح ونتحقق ونناقش، الإنسان في تكوينه النفسي والجسدي الذي يتضمن العقل، حين يقتنع بأي فكرة يتبناها ويعمل بها، لكن حين تفرض عليه الأفكار دون قناعة يبحث عن مخارج أخرى لكي يتخلص منها، لأنها بكل بساطة فرضت عليه دون أن يقتنع.

لذا علينا ألا نسلم لأي فكرة لا تقنعنا، يمكننا أن نتجاهلها، نحللها وننقضها ولا يجب أن نعتبر الأفكار الدينية أو غير الدينية مسلمات، علينا أن نضعها في سياقها الصحيح، فهي إما نتجت من واقع تفسير للنصوص أو من واقع معايشة وخبرة أو من واقع اجتهاد فكري، وكل هذه الأمور يجب أن نضعها في مجال الفكر لنخرج فكرة عامة يتقبلها الجميع .

قمة وقاع ..

كما أن هناك ابطال في كل زمان هناك مغمورين، لا يلتفت لهم أحد، حين ننظر للأبطال علينا أن نعرف أننا ننظر لرأس الهرم فقط دون أن ننظر لباقي كيانه، القاعدة الأكبر في الهرم هي أولئك المغمورين فهم العامة وهم من يخرج منهم الثقافة العامة، ثقافة المجتمع، وهم من نجد لديهم الأساطير والخرافات، البساطة والفقر، الصنائع والورش، حياة الشعوب لا تكمن في الأبطال، يكتب الأبطال العنوان فقط لكن العامة هم من يكتبون المتن هم من يصنعون الصورة المنمنمة التي لو دققت فيها ستشاهد ألاف الوجوه .

لنلقي نظرة على لصوص القمة والقاع ، لصوص القاع يأخذ ما في جيبك أو يسرق جهاز الهاتف، يتجرأ قليلاً ويقفز في منزلك ليسرق مما تدخر ، أما لصوص القمة فيختلف الحديث عنهم، لا يسرقون شخص واحداً، بل يسرقون كل المجموعة، يسرقون مقدراتهم وأقواتهم وحاضرهم ومستقبلهم، لا يتركون لهم شيء إلا الكفاف الذي يبقيهم على قيد الحياة، كل انسان يعمل على قدر إمكانياته، اللص الفقير يسرق ما يعتقد أنه يكفي، اللص الغني لا يكتفي مما يسرق .

هكذا تكون النظرة بين القمة والقاع، لذا علينا ألا ننظر للأبطال الذين في القمة فقط، بل علينا أن ننظر للمجموعة التي على القمة بمزاياهم وعيوبهم، حميدهم وخبيثهم، القمة كما تحوي الأبطال تحوي اللصوص، نرى القمة مكان لشخص واحد لكنها تحتوي الجميع، رأس البطولة هناك ورأس الشجاعة، رأس العلم وكذلك رأس الإجرام، رأس اللصوص، القمة مكان لكل الرؤوس .

المشهد الثقافي 2021

حوارات جريدة الشرق القطرية

قراءة في كتاب ( العبودية المختارة ) لـ .. إبتان دو لا بويسي .

العبودية المختارة

قراءة في كتاب ( العبودية المختارة ) لـ .. إيتان دو لا بويسي . مرافعة ضد الطغيان .

سمعت عن هذا الكتاب أو بالأحرى المقال لكن لم أفكر في قراءته سابقاً ، قرأته اليوم ، وهو جميل ، لكنه في حقبة سابقة في عهد الملوك في فرنسا ، وذاك الزمن يشابه لحد كبير زمننا في المنطقة العربية والشرق الأوسط عموماً وسيجد من يقرأ هذا الكتاب الكثير من أوجه الشبه لدى الشعوب العربية المستعبدة ، والتي يفرض عليها حكم دكتاتوري ملكي أو عسكري ، يستعبد الشعوب ويسوقهم كالقطعان .

يتحدث الكاتب أن الشعوب هي من تصنع الظالم ، وهو محق فالظالم لا يأتي من الفضاء ، بل هو بشر مثلنا له نفس التكوين البشري ، ونفس العقل ، ونفس الحواس إلى أنه يتسلط على البشر ويملكهم ، وهو ينساقون خلفه ، سواء اعجاباً به أو خوفاً منه ، لكن الكاتب يتهم الشعوب بأنه تنساق خلف الحاكم وتنظر له بأعجاب في الكثير من المواقف ، فهم كالقطيع الذي يسير خلف الراعي دون تفكير ، ودون أن يفكر أحدهم أن يسلك الطريق وحده ، ويتساءل الكاتب لما هذا الانسياق الغير المبرر ؟

ثم يعود ليؤصل مبدأ الحرية فالحرية في منظورة تنشء في فطرة الأنسان وهي أصيلة في نفسه ، أي أن الأنسان لا يستحب العبودية ولا يرغب فيها أن نشأ على أساس صحيح ، وتربية صحيحة ، فرفض العبودية ينبع من داخل بيني البشر ، ولا يتعلمونه ، بل الحرية هي الأساس والاستعباد وضع يفرض على البشر ، ويفرض بأساليب مختلفة .

يوزع الكاتب الحكام على ثلاثة أصناف ، حاكم أخذ الحكم بقوة السلاح وهو الحاكم المتجبر بطبعه ، وحاكم أخذ الحكم بالوراثة ، فهو نشأ في بيت سلطة تعلم أساليب الظلم من صغره ونشأ على مبدأ أن الملك للملك ، وحاكم يختاره الشعب ثم يتمكن منه ويسيطر عليه ، ويتحول إلى ظالم نتيجة ما يجد من تأييد مطلق ونفاق ، وأشخاص يريدون أن يرضى عنهم بأي وسيلة ، ورغم ذلك يرى الكاتب أن اسوء الشرور هو الحاكم الذي اختير من الشعب ، الحاكم المنتخب ، وعلينا أن لا نهمل في هذه القراءة زمن كتابة المقال فهو في عام 1840م ، والديمقراطية لم تنل شكلها في الزمن الحالي .

يتحدث الكاتب عن أن استعباد شعب حر يحتاج صلابة حتى يروض ، لكن الجيل الجديد ينشأ تحت وطأت الذل والهوان والاستعباد بكافة أشكاله ، فيكون هو الوضع الطبيعي في الأجيال المتلاحقة التي تنشأ تحت نفس الظروف ، فيستسيغون العبودية ، وينظرون للحكام على أنهم يفعلون الصواب ويعود ويؤكد أن الحرية هي الفطرة الصحيحة في بني البشر وأن العبودية والاستعباد قهر يعود الأنسان عليه .

حين يتحدث عن التغير يتطرف أن التغير له أكثر من صفة ، فتغير النظام الظالم هو الصحيح ، والخطأ هو تغير الوجوه الظالمة بوجوه جديدة ، فالوجوه الجديدة هذه وأن كانت حسنه نوعاً من إلى أنها تتبنى نفس أليات النظام الظالم وتطبق كل المعايير التي تخدم الحاكم الجديد ، فالحكم من وجهة نظره هرمي ، أي أن الحاكم يحيط به خمسة أشخاص يستفيدون منه وينفذون أوامره ، وهؤلاء الأشخاص يديرون 500 شخص أسفل منهم ، بنفس منظور الفساد الذي يدير به الحاكم الخمسة الأساسيين ، والخمسمئة يديرون خمسون ألفاً يتوزعون على أماكن مختلفة ومناصب مختلفة ، والخمسون ألفاً يديرون عدد أكبر في مناصب أصغر تحت نفس منظومة الفساد ، أي أن الفساد هرم يبنى من الأعلى إلى الأسفل ، يجمع الظلمة بطبقات مختلفة وأساليب مختلفة لخدمة نظام ظالم تحت حكم رجل واحد يسيطر على الجميع ، فأي تغيير لا يشمل النظام بأكمله ، يعتبر تغير وجوه لا أكثر ، وأن النظام الظالم باقي على حاله .

حين يتحدث الكاتب عن فرنسا لم ينتقد الملك ، رغم أنه استرجع مواقف كثيرة من التاريخ خصوصاً في زمن الرومان واليونانيين ، بل وقال حين تحدث عن فرنسا (( وحتى لو لم يكن الأمر كذلك لما رغبت في خوض نقاش حول صحة أخبارنا ولا تفنيدها لكي لا أفسد جمال شعرنا الفرنسي الذي يتبارى فيه شعراؤنا )) بل أنه يقول أن الملك اختاره العلي القدير وهذا تناقض واضح في مقاله فحين ينتقد الظلم والاستعباد يمتدح ملك فرنسا ويرفض الخوض في مثالب المملكة ، وربما بنى موقفه هذا نتيجة قربه من الطبقات العليا وزواجه من نبيلة .

يتحدث عن تأثير الحاشية على الملك أو السلطان أو الحاكم ، لكنه يعود ليتحدث عن تلك الحاشية في الصفحات الأخيرة بأنهم رغم الفوائد والامتيازات التي يحصلون عليها إلا أنهم في خوف دائم ، وترقب ، وكأنه يشير أن لديهم يقين أن الملك لم يبقى راضياً عنهم للأبد ، بل أنهم مقتنعون أن الملك في أي وقت ربما يتخلص منهم وفي ذلك الوقت الشعب المستعبد لن يلعن الملك بل سيلعن حاشيته سواء كان الملك قريباً منها وراضياً عنها أو حين يستغني عنهم ويذلهم أو يتخلص منهم ، سيلعنهم الشعب لأنهم كانوا هم العطا التي يستخدمها الملك ، فالشعب لا يرى إلى العصى ولا يرى من يستخدمها .

قراءة في كتاب .. رواية : لغاية آخر نفس .. للكاتبة ( عائشة الخليفي ) .

لغاية اخر نفس

قراءة في كتاب .. لغاية آخر نفس .. للكاتبة ( عائشة الخليفي ) .

     حين تبدأ في قراءة رواية مهداة من أحد الكتاب ، يرافقك شعور غريب، هل هذا الكاتب يستحق الاطراء على عمله أم أنك ستضطر للمجاملة، لكن حين بدأت قراءة الرواية لم اتركها حتى أنهيت فصولها الستة، وكانت الرغبة في إتمام تلك الفصول التي زرعتها الكاتب في سطور الرواية وربطتها بأحداث تحكيها المها بطلة الرواية بتناسق فريد، وأسلوب سلس لا يبعث فيك الملل ولا يجنح للأسلوب المعقد الشائك الذي نراه في الكثير من الروايات لمجرد أن الكاتب يريد أن يثبت قدرته على الكتابة فقط .

     هي رواية صغيرة الحجم تقع في 115 صفحة من الحجم المتوسط تتسلسل أحداثها مع البطلة من سن الثامنة عشر، والارتباط بالزواج، ثم الفشل، ثم النجاح وتحقيق الطموح، في تسلسل رائع وأسلوب جذاب، يربطك بالشخصية الرئيسية في الرواية، فتبحث بين السطور عن تلك الصغيرة التي تخرج من عالم صغير نسبياً إلى عالم كبير، بمسؤولياته والتزاماته ومشاكله، لتكتشف مع المها بطلة الرواية أن كل هذا لا يكفي لتحقيق الذات، وأن النجاح لا يتكون وأنت ظل لأحد بل يجب أن تكون أنت النجاح، وأنت الذي ترسم حدود ما تريد الوصول إليه .

     الرواية جميلة ومشوقة، لكنها تفتقر لبعض الأشياء، تفتقر للتفاصيل التي كانت ستعطي الرواية أبعاد أكبر ومعاني أضافيه تجعل وزنها أدبياً أكبر، اتعجب من من يملك هذا الأسلوب المشوق المعبر أن يبخل في أضافة المزيد على العمل الأدبي ليعطيه الدافع ليبقى كعمل ذا قيمة لفترة أطول، بل ربما يكون مرجعاً في الأسلوب والفكر .

     تعالج الرواية مسائل في حياة الفتاة القطرية، وذكورية المجتمع، وبعض هذه الجوانب في هذه الفترة شبه أختفى، لكنها تضع بقعة ضوء جميلة، رغم اختفاء تلك العادات التي كانت متأصلة في المجتمع .

     تباعد بعض المراحل، في الرواية يكاد أن يُخرج القارئ من نسق الرواية وكذلك الحوار أحياناً، وأعود وأكرر أن الرواية جميلة جداً لكنها كانت تحتاج لتفاصيل تجعل الشعور أعمق وأقوى، وتأصل الشعور لدى المتلقي.

عائشة الخليفي : يجدر بي أن اقدم لكِ التحية على هذا العمل الأدبي الرائع، وأتمنى أن أرى أعمال في المستقبل تنقلك من صفة الكاتبة المحلية إلى أفاق جديدة أكبر، القلم الذي يستطيع أن يشد القارئ يملك ابداعاً لا يجب أن ينقطع ، ولا يجب أن يخمد، بل يجب أن يستمر .