فوضى بثينة العيسى ..

فوضى بثينة العيسى ..

فوضى السرد في رواية “كبرت ونسيت أن أنسى” للروائية بثينة العيسى ..

كبرت ونسيت أن أنسي ، يسهل علينا أن نعرف من العنوان أن الرواية تتحدث عن فوضى مشاعر ، وحين تضطرب المشاعر لا تكون الذكريات مرتبة بحسب أحداث الزمن ، ولا تحمل منطقة، بل هي لمحات تمر دون ترتيب في الذاكرة وقد وظفت بثينة العيسى هذا المعنى بشكل جميل في روايتها ، وجعلته يحاكي واقع المشاعر في الفوضى وواقع الأحداث الفوضوي ، فكان الانتقال من حدث متأخر لحدث متقدم دون النظر للترتيب ثم العودة لحدث وسطي ، ورغم كل هذه الفوضى في السرد كانت الصورة ترسم بشكل عشوائي بحسب الذكريات ورواسبها في النفس .

من وجهة نظري التي أراها صحيحة وأضعها في مقاييس جودة الكاتب حين يستطيع الكاتب أن يرسم فوضى المشاعر بالكلمات ، ويشكل الاضطراب الذي يحدث في النفس عبر تعابير متكررة ومكسورة أحياناً لكي نرى مدى تصدع شخصية ما في الرواية ، فالروائي لا يرسم صور زيتية بل هو يسرد جمل تجعلنا ننظر لتلك النفوس والشخصيات في الرواية فنعرف أن بها خلل نفسي أو عاطفي أو تعاني من ألم ما ، وهو بذلك يوصل رسالته عبر الكلمات ولا يحتاج لللتصريح بالأمر بل يترك للقارئ قراءة الشخصية بناءً على السرد ، فيعرف من خلاله ما تعانيه فيجد الاضطراب ويجد التردد ويجد الحيرة والضياع ، ضمن الكلمات .

ربما لا يعجب هذا الأسلوب الكثير من المحررين ، وأعتقد أن المحرر المختص في الرواية يمكنه قراءة الشخصيات المتشكلة في السرد بشكل سهل ، ويا للأسف أغلب محررينا هم محررين صحفيين ، يفرضون شروطهم على عالم الرواية فيطالبونا أن نسرد الأحداث بشكل آلي وننمقه بشكل يخرج شخصيات الرواية عن واقعها النفسي .

مشوقة الرواية ، مشوقة الفوضى التي كتبتها بثينة العيسى تلك الفوضى التي تتخلل كل شيء في شخصية اخترقتها الظروف ودمرتها ، فالفكر لا يخرج مرتباً حين يمتزج بالألم ولا يمكن أن يتذكر الإنسان آلامه بشكل منظم ، المشاكل والأحزان لا تأتي بشكل منتظم بل بها عشوائية فمنها العميق ومنها السطحي ومنها ما يجرح ومنها المستقيم والمعترض ومنها الخطير ، وتمر في ذاكرتنا بحسب المحرك الذي يذكرنا بها ، وأظن أن بثينة العيسى بَنت روايتها على هذا الأساس الفوضوي لكن في مساحة نفسية واحدة جعلنا نجمع مكعباتها حتى وصلنا للصورة النهائية .

لم أجد أي اعتراض للبناء الروائي إلا حين تحدثت عن الحب ، فغابت الفوضوية وبدأت الأحداث تترتب وأظن أن لو سارت الفوضى للنهاية لكانت فوضى خلاقة فنسيج الرواية المموج في البداية اصبح منتظماً في النهاية ، وما كنا نجمعه كأجزاء أصبحنا نرصه رصاً في النهاية ، وهذا لا يعني أننا ننكر جمالية السرد بل جماليات السرد سارت للنهاية لكن فوضى الحدث توقفت عند نقطة معينة وسارت بتناغم مختلف .

من النادر أن تشدني رواية لهذه الدرجة ، ربما تكرر صدى الأحداث في رأسي ، أو أني عايشت الشخصية لدرجة أني شعرت برغبة في مد يدي إليها وملامسة آلامها والتخفيف عنها ، وهذه الحالة جميلة حين يستطيع الكاتب أن يزرعها في نفس القارئ فهي تثبت تمكنه من إيصال المشاعر بشكل صحيح وعميق .

انصح بقراءة الرواية .

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.