لا تعرف الحروف دروب المنافي لكنها تصف التفاصيل بعناية لدرجة انك تتوه في التفاصيل ولا تستطيع الخروج .
فالمنفى ليس طريق واحد ، تمشيه وتجتازه بعد فترة ، بل هو تلك الغربة التي تحجبك عن الواقع عن الحياة ، وعن أولئك الذين يدعون انهم معك واولئك الموجودون حقا معك ، ويرسلك بعيدا هناك عند الذي ربما نسوا انهم تركوك في منفى لن تعود منه ابدا .
عليك ان تصف تلك الدروب جيدا فربما ، ربما ، تجد ذلك الدرب الذي تضن انه سيوصلك لهم ، انثر تلك الحروف على خارطة الورق ، ومرر اصبعك لترسم الدروب التي لا تنتهي ، ثم احرق كل اوراقك ، واكتب الحروف من جديد ، اكتبها على جدران التيه ، وعلى ارض المنفى ، وعلى غبار الزمن ، وتاكد انها ستبقى في مخيلتك .
انت فقط ، تجلس بين الجدار والارض لا تستطيع ان تسكن الارض ، ولا ان تعبر الجدران ، فتمشي دون توقف ، وتكتب دون شعور ، ترحل بين جدار وآخر ، لا ترى ما خلف الجدار لا لان الجدار يعزلك ، بل لان نفسك عشقت ان تبقى خلف جدار ، بلا وطن .
المنفى وطن الضياع ، وله من المجهول نصيب ومن الغياب نصيب ومن الرحيل نصيب ، ومن التيه نصيب ، فهو يجمع تلك المعاني التي تزرع الرغبه في البقاء خلف جدار ، رسمت عليه الخرائط ونثرت فوقها الحروف ، اجمع شتات الحروف ، واتبع الطريق ليوصلك الى طريق اخر واخر واخر ، عليك ان تضيع في الجدار وأن تنثر نفسك في كل الدروب ، وان تدوس الحروف ، وتحرق كل اوراقك من جديد .
