
جنون لا أكثر ..
صباحاً بعد نوم متقطع لا أملك بعده إلا الصداع ، والمزاج المتعكر ، ومزيج من الأفكار السلبية ، حملة حقيبة الكمبيوتر وتوجهت للمقهى ، أجلس هنا وأكتب لكم هذه السطور التي تقرؤنها الآن ، ولا أدري ما سيخرج من تلك النفس المضطربة وأنا اكتب سوى أصوات وصدى يعكس مدى الفوضى التي تكونت فيها حتى بدت كمخزنٍ قديم ، لم يدخله أحد منذ زمن بعيد ، وبالفعل لم يدخل لتلك النفس أحد ، فالجميع يخشى الظلام ، وأنا تنعكس ظلمات روحي على ملامحي فلا يقترب منها أحد ، وهذا أمر جيد إلى حد ما ، فهو يجنبني الكثير من الأسئلة والكثير من الملاحظات التي أراها في عيون من أجالسهم .
يقولون أني شديد المراس في الجدل ، لكنهم لا يعرفون لما الجدال يكون عنيفاً ولما يكون لطيفاً ، بل يريدون أن نسير في ركب أفكارهم دون أن نناقشهم أو نعترض فإن اعترضت أزعجهم هذا الاعتراض ، واستفزني ذلك الازعاج ، فتكون ردة الفعل على مستوى الحديث لكي استطيع أن أعرف ما وراء الكلام ، وأزيد في الاستفزاز لكي أنقب في نفس المتحدث أكثر ، وأعرف كل شيء ، ثم تصيبني بلادة غريبة ، تربط لساني عن الكلام ، فأصمت أو أنسحب ، ربما تولدت لدي قناعة من نوع ما أن الحديث لن يفضي إلى شيء ، أو أني اكتفيت من الانزعاج الذي أحدثه تصادم فكرة احدهم بانتقادي .
لا أعرف لكن الأمور تسير بهذا الشكل في اغلب الأحيان ، دعونا من المناقشات ، ولنعود لتلك النفس المظلمة من جديد ، ولا يعني اننا نجلس مع أشخاص أو نتحدث مع بعضهم أنني أملك نفس مستقرة ، فما يكمن في نفسي هذا حرام على الآخرين ، وأضن أغلب من يحيطون بي يعرفون حرمة هذا الموضوع ، أو ربما ذلك الشعر الذي كساه البياض يجنبهم الحديث عن تلك الأمور ، أو ربما جوانب أخرى لا أعرفها ، لكن بالفعل أنا لا أريد أن يدخل أي شخص وينقب في نفسي أو يعبث بما فيها ، فتلك الأعوام التي قضيتها على كوكب الأرض والتي تقترب من الخمسين عاماً ، بها الكثير من الخراب والدمار والفوضى والإزعاج .
لا بد أن يكون هناك بشر في حياتنا ، هذا هو الواقع وهذا الأمر الذي حين نهرب منه يلاحقنا أبنائنا أصدقائنا ، معارفنا زملائنا في العمل ، لكني وجدت طريقة أثبتت نجاعتها وفاعليتها ، فأنا أتجنب أن اتعرف على أحد ، حين أذهب إلى أي مكان جديد ، وفلا مشكلة لدي في أن يكون هناك بشر إذا لزم الأمر ، لكن المشكلة تكمن في أن أجد أناس أعرفهم فأضطر للمجاملة والحديث ، وتضيع كل الأفكار التي في رأسي .