أنظمة ومشاريع ومشاريع ، ومشاريع
نعاني كثيراً في الدول العربية من كثرة المشاريع التي ربما تشوه المنظر العام ولا تخدم المجتمعات ، بل تنشأ لأهداف اقتصادية بحته أو بدوافع شخصية ، أو حزبية ، لكي يتم أقناع الشعوب بأن هناك عمل مستمر وأن النجاح قادم ، أو لتجميل صورة البلد ، أو لاستقطاب مستثمرين أجانب دون النظر للخدمات التي يحتاجها المجتمع والتي يجب أن توضع في الأولوية قبل البدء في أي مشروع من هذا النوع .
العشوائية التي تعاني منها الأنظمة العربية لا تقتصر على المشاريع فقط بل تمتد لكل الجوانب ، فهناك عشوائية في اختيار الأشخاص المناسبين ، وعشوائية في التنظيم ، وعشوائية في الاقتصاد ، وعشوائية في السياسة ، وعشوائية في الحكم ، وكمية العشوائيات هذه لا يمكنها أن تنتج إلى الفوضى ، ثم الفوضى ، ثم نشاهد الانهيارات تحدث عند أول كارثة تحل بهذه الأنظمة ، وأحياناً تنهار تلك الأنظمة أو تصمد ، وتتحول من النظام العشوائي للنظام الدكتاتوري ، ثم تتحلل الدكتاتورية ، وتعود الفوضة ثم يعود المجتمع لينظم نفسه من جديد ويخرج اليات حكم جديدة .
لا اعني من كلامي هذا الخوض في مشروعية تلك الأنظمة أو التخمين فيما سيحدث ، لكني أرغب في الحديث عن التنظيم الذي يجب أن يأخذ في الاعتبار ، فحالياً نعيش أزمة وباء كورونا ، ونحن نرى كل المشاريع التي تمت لا فائدة منها ، بل ضاعت قيمتها وسط الإجراءات الاحترازية والصحية ، وأنا لا أرى أي حرج في أقامه المشاريع بل هي عامل مهم في اقتصاد أي دولة لكنه عمل يجب أن يدرس بعناية ، ثم يوضع ضمن الأولويات التي يجب أن تقوم بها الدول .
من الخطأ أن تبدأ الدول مشاريع دون دراسته والتخطيط لها ، فالعمل دائماً يجب أن ينظر له من كل الجوانب ، والعشوائية تفقد المشاريع قيمتها ، فيجب أن تدرس المشاريع بعناية وتوضع لها دراسات الجدوى ، والجدوى هي قياس مدى مناسبة المشروع لكل الظروف ، وحساب التكاليف ، والعائد المنتظر من ذلك المشروع سواء مادي أو خدمي وهل يغطي كل الجوانب التي تم من أجلها . وبهذه الطريقة نتجنب أن تكون المشاريع عشوائية أو أن تكون غير مجدية ولا تخدم المجتمع المدني أو مجتمع الاعمال الذي أقيمت فيه ، ولا تصل للأهداف التي أقيمت من أجلها .
هذه الأمور بسيطة جداً يمكن لأي شخص أن يصل لها دون الكثير من التفكير والعناء ، ونستغرب أحياناً من مشاريع تقوم بها دول ، لا يمكننا أن نقول عنها إلا أنها أوهام ، أو مشاريع اختلاس يتم من خلالها سرقة المال العام ، تحت مظلة مشاريع التنمية الاقتصادية ، ودن أن تستفيد المجتمعات من عوائد تلك المشاريع ، بل الأموال تسحب من الشعوب ، سواء من الضرائب أو بالاكتتاب العام وتتركز في أيدي أشخاص معينين .
ستعود العجلة للتدور من جديد بعد انقشاع الوباء ، وسنعرف مدى قوة الاقتصادات العربية ، ومدى جدوى وزارات الاقتصاد العربي في معالجة أثار الركود الاقتصادي الذي خلفه الوباء في العالم ، فالكارثة لن تتضح الآن بل بعد أن تعود العجلة للدوران ، ونعرف حجم الخسائر التي تكبدتها الدول ، وهنا سنقف وننظر بعين المتفحص لنكتشف أن الأموال التي صرفت في المشاريع الفاشلة كانت ستخدم الدول أكثر لو تم توظيفها في مجالات فعالة .