صفقة القرن ..
عندما عقد اتفاق اوسلوا في زمن الراحل ياسر عرفات ، كان هناك شكل متكامل للاتفاق ، ومفاوضات سبقت التوقيع ، وفي حفل التوقيع ، كان هناك الرئيس الأمريكي ممثلاً للجانب الأمريكي الدولة الراعية للاتفاق ، وممثل عن الدولة الراعية للمفاوضات ، وياسر عرفات ، وشمعون بريز ، أي أن طرفي النزاع الأساسيين كانوا موجودين ، فكان اتفاق مبني على أسس صحيحة ، نعم لم ينفذ بشكل صحيح على أرض الواقع ولم يكن الراعي الأمريكي عادلاً في نظرته لأطراف الاتفاق ، لكن كانت كل عناصر الاتفاق موجودة ، مفاوضات بين طرفي النزاع ودول راعية له ، وإن لين يرضي جميع عناصر الشعب الفلسطيني .
أما ما يسمى صفقة القرن ، فلا اتفاق ، ولم يجرأ الرئيس الأمريكي ، أن يقول أتفاق ، بل تبنا نهجه الذي تبناه منذ الحملة الانتخابية ، وهي النظرة الدونية للمنطقة وكل دولها ، فصنع صفقة ، اسماها صفقة القرن ، كمُخرج قبيح لتسوية تفرض فرضاً على دول المنطقة ، دون موافقة احد اطراف النزاع ، وهو الطرف الفلسطيني ، والرسالة الأمريكية تقول على لسان ترامب ، انكم يا دول الشرق الأوسط لا تمثلون للولايات المتحدة سوى صفقة تجني من خلالها الأموال .
صفقة ، وعلينا أن نتعامل معها كصفقة تمت بين الولايات المتحدة ممثلة في ترامب ، والممثل الإسرائيلي السيئ نتنياهو ، وعلينا أن نضع فيها أموال الخليج لكي نستثر لا لكي نتفق ، ونعيش في سلام ، بل لكي ترضي حليفنا وحامي حمانا ترامب ، وعلينا أن نوافق على المواصفات والشروط الأمريكية للصفقة ، وإلا سيغضب المقاول ترامب ، ويغلق كل مشاريعه في المنطقة ويرحل ، دون أن يقدم لنا أي حماية أو دعم .
لا اتخيل المشهد إذا نجحت صفقة القرن ، مصير شعب يقرر بصفقة تجارية كل المستفيدين منها لا يمتون إليها بصلة ، ولا تربطهم بأرضها إلا شعارات ترفع لخداع الشعوب وإسكاتها ، دون أي تقدير او نظرة جادة للشعب الفلسطيني ، او الأرض الفلسطينية ، أو المقدسات الإسلامية التي يوجد مئات الملاين من القلوب التي تهفوا إليها وتتطلع لها بشوق وحب ، وملايين اخرى يتمنون أن يضحوا بأنفسهم من أجل الصلاة في بيت المقدس تحت راية دولة مسلمة .
أخاف أن أنسى أن أحيي الامارات وعمان والبحرين ، تحية من القلب ، فقد كنتم مشاهدون للصورة عن قرب ، هنيئاً لكم ما سيسجله التاريخ ، حين يذكر أنكم كنتم المشاهدون الأكثر تصفيقاً لمشهد درامي سيئ ، مثل فيها ممثلان فاشلان ، وهو اغرب اتفاق في التاريخ المعاصر ، وليست الأمارات وعمان والبحرين فقط ، بل انا متأكد أن هناك دول أخرى سلمت الموافقة على تلك الصفقة لترامب من تحت الطاولة دون أن تحدث أي ضجة .
اخيراً أقول : ليس بهذا الشكل يتقرر مصير شعب ، وليس بهذه الطريقة الغبية التي انتهجها ترامب رئيس أكبر دولة في العالم ، ربما يتمكن من مسح فلسطين من جميع الخرائط ، لكن لا يمكنه مسح فلسطين من القلوب ، يمكنه بناء آلاف المساجد ، لكنه لا يستطيع أن يضع لها قيمة المسجد الأقصى في قلوب المسلمين ، فأصحاب العقائد اشخاص شرسون لا يستسلمون ، وأن تكالب عليهم العالم بأسره .